أذكر لك أختي الكريمة كلام القرطبي فلعله يرشدك لبعض ما تبحثين عنه:"قوله تعالى: (قال وما علمي بما كانوا يعملون) " كان " زائدة، والمعنى: وما علمي بما يعملون، أي لم أكلف العلم بأعمالهم إنما كلفت أن أدعوهم إلى الايمان، والاعتبار بالايمان لا بالحرف والصنائع، وكأنهم قالوا: إنما اتبعك هؤلاء الضعفاء طمعا في العزة والمال.فقال: إنى لم أقف على باطن أمرهم وإنما إلى ظاهرهم.وقيل: المعنى إني لم أعلم أن الله يهديهم ويضلكم ويرشدهم ويغويكم ويوفقهم ويخذلكم. (إن حسابهم) أي في أعمالهم وإيمانهم (إلا على ربى لو تشعرون) وجواب " لو " محذوف، أي لو شعرتم أن حسابهم على ربهم لما عبتموهم بصنائعهم.
وقراءة العامة: " تشعرون " بالتاء على المخاطبة للكفار وهو الظاهر وقرأ ابن أبى عبلة ومحمد بن السميقع: " لو يشعرون " بالياء كأنه خبر عن الكفار وترك الخطاب لهم، نحو قوله: " حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم "."
وأقول: بما أن سياق الآية آت في جواب سيدنا نوح على مقولة قومه: قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) . وقولهم هذا نابع من شعور فاسد لديهم، وإلا فمن منطق العقل هم يدركون أن الذين اتبعو نوحا ليسوا من الأرذلين، لأن اهل الرذيلة هم سيؤا الأخلاق، وهؤلاء لا عهد لهم بسوء خلق، وإنما قالوا ذلك عنهم من باب شعورهم بالغيظ منهم، لكونهم اتبعوا ما عليه نوح وتركوهم، واتباعهم لنوح يجعل بقية القوم يدرك أن ما عليه القوم ليس مجمع على صوابه، فوصفوهم بالأرذلين ليدفعوا الاخرين عن متابعتهم.
ولذلك جاء ختم الرد بقوله لو تشعرون، فكما أن اتهامهم للمؤمنين نابع من شعور وإن كان فاسدا، كذلك الرد،وكما قال القرطبي: جوال لو محذوف، أي أي لو شعرتم - شعورا صافيا لا يشوبه حقد ومكر- لاتضح لكم أن حسابهم على ربهم ولما عبتموهم بصنائعهم.
هذا والله أعلم بالصواب، وما قلته هو توجيهي للآية مستفيدا من تفسير القرطبي السابق ذكره.