السادة الأفاضل ، أسئلة أطرحها بين أيديكم للإجابة ؟ أثابكم الله تعالى
1- ما هي ضوابط الاحتجاج بالقراءات الشاذة ؟
2- ما هي المجالات التي يُحتج فيها بالقراءات الشاذة ؟
وجزاكم الله تعالى خيرا
هذا جزء من بحث لي حول مسألة الاحتجاج بالقراءة الشاذة: القراءة الشاذة وهي التي فقدت شرطاً من شروط القراءة الصحيحة وهي التواتر، أو صحة الرسم، أوموافقة اللغة، تقبل من ناحية المعنى وتفسير القرآن، دون القراءة بها في الصلوات عند جمهور العلماء والمفسرين، وذلك بشرطين: أولاً: صحة السند.
ثانياً: عدم معارضة القراءة المتواترة، بحيث يمكن الجمع بينهما. وقد لخص ابن عبد البر هذين الشرطين بقوله في شرحه لأحد الأحاديث: "وفي هذا الحديث دليل على ما ذهب إليه العلماء من الاحتجاج بما ليس في مصحف عثمان على جهة التفسير، فكلهم يفعل ذلك، ويفسر به مجملاً من القرآن ومعنى مستغلقا في مصحف عثمان، وإن لم يقطع عليه بأنه كتاب الله كما يفعل بالسنن الواردة بنقل الآحاد العدول، وإن لم يقطع على منعها". وقال أيضاً: "وفيه جواز الاحتجاج من القراءات بما ليس في مصحف عثمان إذا لم يكن في مصحف عثمان ما يدفعها، وهذا جائز عند جمهور العلماء وهو عندهم يجري مجرى خبر الواحد في الاحتجاج به للعمل بما يقتضيه معناه دون القطع عن مغيبيه". فتعامل عندها معاملة أخبار الآحاد الصحيحة فتقبل في الأمور العملية، والتفسير ونحوها دون القراءة بها في الصلوات. يقول ابن تيمية: "..وَمِثْلُهُ احْتِجَاجُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ بِالْقِرَاءَاتِ الَّتِي صَحَّتْ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، مَعَ كَوْنِهَا لَيْسَتْ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهَا تَضَمَّنَتْ عَمَلًا وَعِلْمًا، وَهِيَ خَبَرُ وَاحِدٍ صَحِيحٌ فَاحْتَجُّوا بِهَا فِي إثْبَاتِ الْعَمَلِ، وَلَمْ يُثْبِتُوهَا قُرْآنًا لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْعِلْمِيَّةِ الَّتِي لَا تَثْبُتُ إلَّا بِيَقِينِ". وقال ابن كثير في قراءة ابن مسعود: (فصيام ثلاث أيام متتابعات): "وهذه إذا لم يثبت كونها قرآناً متواتراً فلا أقل أن يكون خبر واحد، أو تفسيراً من الصحابة ، وهو في حكم المرفوع". وهذا القول هو الذي طبقه عدد من المفسرين من خلال تفاسيرهم كالطبري، وابن كثير، وغيرهم، وهو الذي نقله أبو عبيد القاسم بن سلام من الأئمة المتقدمين عن التابعين. يقول: "فأما ما جاء من هذه الحروف التي لم يؤخذ علمها إلا بالإسناد...وذلك كقراءة عائشة وحفصة " والصلاة الوسطى صلاة العصر " [البقرة:238]، وكقراءة ابن مسعود: "والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم" [المائدة:38]، ومثل قراءة أبي بن كعب: "للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فيهن) [البقرة:226]،... قال: فهذه الحروف وأشباه لها كثيرة قد صارت مفسرة للقرآن، وقد كان يروى مثل هذا عن التابعين في التفسير فيستحسن ذلك، فكيف إذا روي عن لباب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ثم صار في نفس القراءة، فهو الآن أكثر من التفسير وأقوى، وأدنى ما يستنبط من علم هذه الحروف معرفة صحة التأويل..لوتُدبرت وجد فيها علم واسم لمن فهمه). وهذا النقل عن أبي عبيد وهو من القرن الثالث الهجري يدل على أن السلف كانوا يعملون بالقراءات الشاذة، فقد نسب هذا القول لبعض التابعين، وهو الذي جرى عليه أئمة التفسير الكبار فلم يتحرجوا من الأخذ بالقراءات الشاذة. ومن أشهر المعتنين بهذه القراءات الشاذة توجيهاً، وتفسيراً للقرآن أبو الفتح ابن جني في كتابه "المحتسَب" حتى كاد يوصلها لمنزلة القراءات المتواترة، بل كان يرى أنها مساوية لها في الفصاحة، فقال في مقدمة كتابه في بيان نوعي القراءات: "..ضرباً اجتمع عليه أكثر قراء الأمصار_ ومراده القراءات السبع _ وضرباً تعدى ذلك. فسماه أهل زماننا شاذاً؛ إلا أنه مع خروجه عنها نازعٌ بالثقة إلى قرائه، محفوفٌ بالروايات من أمامه وورائه، ولعله، أو كثيراً منه مساو في الفصاحة للمجتمع عليه...،ولسنا نقول ذلك فسحا بخلاف القراء المجتمع في أهل الأمصار على قراءتهم، أو تسويغا عما أقرته الثقات عنهم، لكن غرضنا منه أن نرى وجه قوة ما يسمى الآن شاذا، وأنه ضارب في صحة الرواية بجرانه، آخذ من سمت العربية مهلة ميدانه، لئلا يُرى مُرىً أن العدول عنه إنما هو غض منه أو تهمة له" ومن أهم المراجع في ذلك: القراءة الشاذة ضوابطها والاحتجاج بها للدكتور عبد العلي المسؤول: (44)، أثر اختلاف القراءات في الأحكام الفقهية، د.عبد الله الدوسري: (35_37)، القراءات القرآنية وأثرها في الأحكام الفقهية، خير الدين سيب: (85)، القراءة الشاذة لحامد إدريس: (8)، ما يثبت ومالا يثبت خبر الواحد عند الأصوليين، بحث محكم في جامعة الإمام للدكتور: علي الضويحي، العدد الثالث عشر: (39)، ضوابط استعانة المفسر بالقراءات للدكتور الشدي: (38)، المنهاج في الحكم على القراءات للدكتور إبراهيم الدوسري: (37)، التفسير والمفسرون: (2/5).
والإشكال في هذه المسألة هو أنها تطرح طرحا أصوليا فقهيا بعيدا عن مناهج المفسرين، ولذلك تجد الاضطراب بين التنظير والتطبيق عند بعض المفسرين وقد وقفت على أمثلة من ذلك عند ابن عاشور، والشنقيطي، وغيرهم، فيؤصل عدم الاحتجاج بالقراءة الشاذة ثم تجده في بعض المواضع من تفسيره يحتج بها.
ولذلك فهذا الموضوع مما يحتاج إلى تحرير في مناهج المفسرين في التعامل مع القراءات الشاذة.
بارك الله فيك يا أستاذ محسن وجزاك الله خيرا على ما تفضلتم به :
الاحتجاج بالقراءات الشاذة في اللغة والنحو و لقد كان للنحاة موقف من القراءات الشاذة و الاحتجاج بها فمنهم من لم يحتج بها و يرفضها إذا خالفت منهجه ومذهبه ومنهم من قبلها واحتج بها وتوسع في الاحتجاج بها .