أبشر أخي الكريم: فقد كنت شرعت في مسيرة عملي المسجدي بتفسير سورة النور مرات عدة، وإليك بعض ما أعلمه حول سبب افتتاح السورة بهذه الآية:
السورة تدور حول موضوع : الحفاظ على الأسس الأخلاقية للمجتمع الاسلامي، وقد تناولت السورة الموضوع من خمسة محاور:
1- عقاب من اعتدى على الأعراض بالفعل ( وهو الزنا). 2- عقاب من اعتدى على الاعراض باللسان( قذف المحصنات).
3- ذكر جملة من الآداب التي يتكفل تطبيقها بالحفاظ على الأسس الأخلاقية للمجتمع المسلم.
4- بيان جملة من الآيات الكونية الدالة على عظمة الآمر المشرع، حيث جاءت عقب الحديث عن تلك الآداب، ليقول الله للمكلف: الا تريد طاعتي فيما ادعوك لتطبيقه من آداب وأخلاق؟! فلعل منبع الامتناع عن التطبيق هو جهلك بقدر الآمر فتعال أعرفك عليه: الله نور السماوات والأرض... من 35-47. 5- عودة للتمة الأحكام والآداب مع بيان لصورة المؤمن والمنافق والكافر من خلال إظهار موقف الكل من أحكام الله تعالى.
عذرا للإطالة :
أعود بك لسؤالك:
بعد الذي قلته لك: يظهر لنا سر الإفتتاح بقوله تعالى: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النور1
وذلك أن الله يضع لنا عنوان وهدف السورة والهدف مما فيها من أحكام فيقول: هذه سورة انزلناها وفرضناها ( وفي قراءة وفرَّضناها بالتشديد) أي جعلنا تطبيق ما فيها من أحكام وآداب فرض عليكم، وفي قراءة التشديد يكون المعنى: سورة أنزلناها وشددنا عليكم فرض تطبيق ما فيها. واودعنا فيها آيات واضحات لا تحتمل صرفها عن حقيقة ما تبينه: فالآيات من 11 - 26 واضحة في براءة ام المؤمنين عائشة، والدرس الملقن لمن خاض في الطعن بها جلي واضح وانكار برائتها تكذيب لنص القرآن وبالتالي كفر من انكر ذلك. وختمها بقوله لعلم تذكرون: أي تتعظون وتعلمون أنه لن يصون مجتمعكم غير ما فيها من احكام.
وتأمل أخي الكريم هذه الآداب التي ذكرت فيها:
1- آداب الاستئذان: ولها دور في عدم مشاهدة العورات التي قد يؤدي الاطلاع عليها إلى وقوع المحذور، وكذلك يدفع الريبة من القلوب: لاحظ قول النبي صل1عن الصحابي الجليل صفوان بن المعطلرضي الله عنه: وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي. اذاً دخول صفوان بيت النبيصل1 مستئذنا دفع الريبة في قلب النبيصل1 نحوه.
2- آداب غض البصر: ومعلوم ما لسهم النظر من اثر سام.
3- آداب زينة المرأة أمام الرجل المحارم والنساء المحارم والاطفال وغيرهم.
4- النصح بالزواج وما لهو من اثر في اعفاف الفرد وبالتالي المجتمع.
5- الامر بإغلاق دور البغاء:َلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{33}
- منع الدخول دون الاستئذان في اوقات حط اللباس.
لو طبقت هذه الآداب لبقي المجتمع مصانا من الفاحشة وأثرها.
لكل ذلك: كانت افتتاحية السورة تصف موضوع السورة اجمالا تؤكد على ضرورة الالتزام بما فيها.
يمكنك مراجعة أصل ما قلته آنفا في كتب التفسير ولكن، سقته لك مع تدبر خاص مني واختصار شديد لكثير من تفاصيل اسرار هذه السورة، والتي لا سعفني المقام بذكرها.
اللهم إن اصبت فمنك وحدك وغن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
إضافة إلي ماذكره أخي الفاضل د. توفيق العبيد فإن كلمة ( سورة ) وهي ما يعبر بها عن المجموعة المتكاملة من الآيات القرآنية .. فالسورة من جهة تشبه السورالذي يحيط بالبيت فيجعله مستقلا عن غيره ومن جهة أخرى تشبه السوارالذي يحيط بالمعصم فيعطيه زينة وجمالا وكما أن لكل مجموعـــة بشرية سورا يحيط بهم وهو الأسرة التي تمثل الحجر الأساس في بناء المجتمــع
وكما فرض الله السورة القرآنية فانه فرض الأسرة التي هي بمثابة سورالإنسان وحصنه الذي يلجأ اليه في الحياة الإجتماعية وهذا ما تؤكده الآيات التالية التي تتحدث عن عقوبة الزنا وعقوبة القدف به