السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
علماءنا الأفاضل - بارك الله فيكم - لو سمحتم هل في محاولتي هذه لربط الآيات بعضها ببعض خطأ أو تعدٍ ؟ علمًا بأنني بداية أقرأ عدة تفاسير ومحاولتي هذه ربما هي صياغة ما فهمته من مجموع ما قرأت بطريقة تساعد على الحفظ ؟ وجزاكم الله خيرًا .
الآيات من 9-27 تصف غزوة الأحزاب وما جرى فيها .
علماءنا الأفاضل - بارك الله فيكم - لو سمحتم هل في محاولتي هذه لربط الآيات بعضها ببعض خطأ أو تعدٍ ؟ علمًا بأنني بداية أقرأ عدة تفاسير ومحاولتي هذه ربما هي صياغة ما فهمته من مجموع ما قرأت بطريقة تساعد على الحفظ ؟ وجزاكم الله خيرًا .
بسم الله الرّحمن الرّحمن الرّحيم
محاولة ربط الآيات بعضها ببعض
سورة الأحزاب ؛ الآيات من 9-27
الآيات من 9-27 تصف غزوة الأحزاب وما جرى فيها .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ) (9)
هنا بدأت قصة غزوة الأحزاب ، وبدأت القصة بتنبيه وتذكير المؤمنين بفضل الله تعالى عليهم ، حيث كان النّصر لهم على قلة عددهم وكثرة أعداد الأحزاب ذلك أن الله - جلّ وعلا - أرسل على الأحزاب جنودًا غير مرئيّة " ملائكة " وأرسل عليهم ريحًا قلبت قدورهم و...
وهنا ترتبط هذه الآية بالآيات الثلاث الأولى ، فلقد كان - جل وعلا - أمرهم فيها بطاعته والتّوكل عليه ، وهنا تبين هذه الآية أنّ من توكل على الله فهو حسبه وناصره ، فليس الأمر أمر قلة وكثرة ، بل هو أمر توكل على الله . وعلى ذلك فإن من كان بيده كل شيء وقادر على كل شي فهو الأولى أن يُطاع ، ولا يطاع الكفار والمنافقين كما بين الله تعالى في الآية الأولى من السّورة .
رابط نهاية الآية بها :
كانت نهاية هذه الآية : " إنّ الله كان بما تعملون بصيرا " فيها بيان شدة عجز البشر ، وشدة قدرة الله تعالى ومراقبته ؛ فإن كنتم أيها المقاتلون لم تقدروا على مجرّد رؤية الجنود التي أرسلها الله تعالى ، فإن الله تعالى يبصركم ويبصر ما تعلمون من صغيرة وكبيرة ، ولقد كان بصيرًا بكم في هذه الغزوة ؛ أبصر حفركم للخندق وأبصر ثبات هؤلاء وفرار هؤلاء أبصر كل ما في نفوسكم ...
قال تعالى : ( إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ) (10)
قال الطبري : ( يقول - تعالى ذكره - : وكان الله بما تعملون بصيرًا ، إذ جاءتكم جنود الأحزاب من فوقكم ، ومن أسفل منكم )
وجاء في التفسير الكبير ( " إذ " معمولة لـ : ( نعمة ) ، أي : إنعامه عليكم وقت مجيء الجنود )
في هذه الآية بدأ وصف الغزوة ووصف حال المقاتلين فيها ؛ فبيّن الله – تعالى - محاولة الأحزاب الهيمنة على الموقف والسّيطرة على المسلمين بأن جاؤوهم من فوق الوادي من قِبل المشرق ، ومن بطن الوادي من قِبل المغرب ، وبيّن حال المسلمين من الخوف والفزع عند رؤية هذه الأحزاب ، وبيّن حال دواخلهم وسرائرهم بقوله - جل وعلا – " وتظنون بالله الظنونا " .
قال تعالى : ( هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا)(11)
يبين الله تعالى أنّ هذا الموقف كان موقف ابتلاء منه - سبحانه – ويبيّن شدّة هذا الابتلاء عليهم بقوله - جل وعلا – " وزلزلوا زلزالا شديدًا " .
وهكذا فإن المؤمن مبتلى في الشدائد وعليه أن يتفطن إلى أنه في موقف اختبار وابتلاء ، وكذا فإنّه أيضًا مبتلى في والسعادة والرّخاء وهنا يجب أن يكون التفطن أكثر .
قال تعالى : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا)(12)
هنا لما قال الله تعالى في الآية قبل السّابقة " وتظنّون بالله الظّنونًا " ظهر أن الظّنون كانت مختلفة ؛ فمنهم من ظنّ بالله ورسوله سوءًا ، ومنهم من ظنّ بالله ورسوله خيرًا ؛ فأما المنافقون والذين في قلوبهم مرض فكان ظنّهم سوءًا - كما هو ظاهر في هذه الآية - ولم يكتفوا بالظنّ في دواخلهم ، بل تلفظوا بما يؤذي الله ورسوله فقالوا : " ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا " .
قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا)(13)
في الآية السّابقة ظنّ المنافقون والذين في قلوبهم مرض في دواخلهم ظنّ السّوء وأيضًا أخرجوا ظنونهم السّيئة على ألسنتهم فتلفّظوا بها كلامًا ، وهنا في هذه الأية أيضا شاركوا الأفعال الظنون الداخلية والأقوال ؛ فأخذوا يثبّطون إخوانهم ويحرّضونهم على التّراجع عن القتال .
إذن كان إيذاؤهم ؛ بالظنّ الدّاخلي ، وبالقول بلسان الحال ، وبالفعل .
قال تعالى : (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيرًا) (14)
بيّن الله تعالى هنا حقيقة هؤلاء وشدة نفاقهم ، بأنّه لو أنّ الأعداء دخلوا عليهم من جوانب المدينة وطلبوا منهم الشرك لأسرعوا إليه ولما احتبسوا عنه إلا قليلا .
قال تعالى : (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولا )(15)
في الآية السابقة بين حقيقة المنافقين والذين في قلوبهم مرض ، وهنا في هذه الآية بيّن بعض صفاتهم وهي نقض العهود ، وختمت الأية بأن الله - جل وعلا - سائلهم عن هذا العهد "وكان عهد الله مسؤولا"
قال تعالى : (قُل لَّن يَنفَعَكُم الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لّا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلا ) (16)
يبين الله تعالى لهم هنا ؛ أنّ فرارهم هذا وعودتهم إلى بيوتهم في المدينة لن ينجيهم من الموت أو القتل فيما لو جاء أجلهم ، وحينئذ لن يتمتعوا بالحياة في المدينة بعد هذا الفرار إلا قليلا ثم يأتيهم الموت أو القتل ؛ فإذا جاء الأجل لا يستقدّمون ساعة ولا يستأخّرون ، والفرار لا يمنعه .
قال تعالى : ( قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا )(17)
وهنا أيضًا يبين الله تعالى أن لا أحد يحميهم من الله فإذا أراد بهم القتل لا يمنعهم أحد من ذلك ، وكذلك لا يمنعهم فرارهم إلى المدينة ، وبالمقابل لو أراد الله النّصر للمؤمنين فلا أحد يمنع هذا النّصر فالأمر كلّه بيد الله .
قال تعالى : ( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ) (18)
لمّا ثبّط المنافقون المقاتلين في الأية ( 13) وعوّقوهم عن القتال وأغروهم بالراحة والدّعة ؛ بيّن الله تعالى لهم هنا أنّه يعلم من الذي فعل هذا ، وختم الآية بأن هؤلاء المنافقين لا يقاتلون إلا قليلا ، ولا يأتون القتال إلا رياء وسمعة .
قال تعالى : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا )(19)
أيضًا هنا يذكر الله - جلّ وعلا – بعض صفات المنافقين بأنهم بخلاء على المسلمين بكل خير ؛ فهم لم يساعدوهم في حفر الخندق ولم يقاتلوا معهم .. ، ويخبر بأنهم جبناء تدور أعينهم من الخوف وتطّرب نظراتهم عند لقاء العدو ، وأنهم لا يقوَوا ولا ترتفع أصواتهم إلا عند ذهاب العدو ، ويخبرعن طمعهم وقلة حيائهم فهم لا يقاتلون ولكنهم عند قسمة الغنائم حاضرون .
وكان في خاتمة هذه الآية الإخبار بأن هؤلاء المنافقين ليسوا بمؤمنين فقال تعالى : " أولئك لم يؤمنوا " .
قال القرطبي : (.. والمنافق كافر على الحقيقة لوصف الله لهم بالكفر )
" فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرًا "
قال الطبري : وقوله : ( لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم ) يقول - تعالى ذكره - : هؤلاء الذين وصفت لك صفتهم في هذه الآيات لم يصدقوا الله ورسوله . ولكنهم أهل كفر ونفاق ، ( فأحبط الله أعمالهم ) يقول : فأذهب الله أجور أعمالهم وأبطلها . وقوله : ( وكان ذلك على الله يسيرا ) يقول - تعالى ذكره - : وكان إحباط عملهم الذي كانوا عملوا قبل ارتدادهم ونفاقهم على الله يسيرا )
قال تعالى : ( يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)
أيضًا هنا يبيّن الله تعالى جبن المنافقين بأنهم من شدة خوفهم يظنّون الأحزاب لم ينصوفوا من الغزوة وهم قد صرفهم الله - تعالى – وكذلك يخافون أن يرجعوا إليهم بعد أن انصرفوا
وهذا يبيّن شدّة ذعرهم .
قال تعالى : ( لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) (21)
لماذا جاءت هذه الآية هنا ؟
لما بيّنت الآيات السّابقة حال الذين تزلزلوا واضطربوا ، وبيّنت جبن المنا فقين والذين في قلوبهم مرض ، وبيّنت فرارهم من القتال وتثبيطهم المسلمين وشحّهم في حفر الخندق ، جاءت هذه الآية تدعو إلى التأسي برسول الله فرسول الله – صلى الله عليه وسلّم - صبر و ثبت في المعركة وشارك في حفر الخندق ودعا الله ورجاه أن ينصر المسلمين وعلّم المسلمين ماذا يدعون الله فلم يثبط هممهم ويثني عزائمهم .
قال تعالى : ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) (22)
لما قال تعالى في الأية (10 ) (وتظنون بالله الظّنونا ) وظهر أن ظنون المقاتلين في صفوف المسلمين اختلفت ، وبيّن – جل وعلا- ظنون الفريق الأول في الآية 12 - وهم المنافقون والذين في قلوبهم مرض - بيّن هنا ظنون الفريق الثاني وهو فريق المؤمنين حيث إن رؤية المؤمنين هذه الأحزاب لم تُخفهم ولم تُرعهم كما حصل مع المنافقين بل أيقنوا عندئذ أن النّصر كائن لا محالة لأنّ الله - جل وعلا - وعدهم به ووعدهم به رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهم موقنون بصدق الله ورسوله في قلوبهم ، كما قالوها عندئذ بأفواههم ؛ قالوا " وصدق الله ورسوله " بينما كان قول المنافقين حينها " ما وعدنا الله ورسوله إلّا غرورًا " .
قال تعالى : ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) (23)
هنا أيضًا يبيّن الفرق بين المؤمنين حقًا وبين المنافقين . فالمنافقون فرّوا من القتال والمؤمنون ثبتوا فمنهم من استشهد ومنهم من بقي على قيد الحياة ، وما بدلّوا نيّاتهم ولا أقوالهم .
وكذلك يبيّن الفرق بينهما حيث إن المنافقين نقضوا العهد مع الله - جل وعلا - بفرارهم وأما المؤمنون فقد صدقوا عهدهم معه عزّ وجلّ بثباتهم .
قال تعالى : ( لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ) (24)
يبين الله تعالى سبب اختباره عباده بالخوف والزلزلة . لماذا اختبرهم الله بالخوف والزلزلة التي ذكرت في الآية (11) " هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدًا " ؟ هنا جاء الجواب وهو أن سبب اختبارهم بالخوف والزلزلة لأجل أن يجزي الصادقين بصدقهم الذي ذكره في الآية السّابقة " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " ويعذب المنافقين إن شاء . لماذا قال – إن شاء - لأنه قد يتوب المنافقون إلى الله فيتوب الله عليهم ويغفر لهم ، لذا كانت خاتمة الآية ( إنّ الله كان غفورًا رحيما )
قال تعالى : (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ) (25)
هنا يذكر الله – جل وعلا نهاية الغزوة ، ويبين حال الأحزاب عند هزيمتهم بأنهم كانوا في حالة غيظ وقهر وأنهم عادوا مخذولين لم ينالوا غنائم ولا نصر ، ومن ثمّ يبين الله – جل وعلا - فضله ومنّه على المؤمنين بأنه قاتل عنهم وكفاهم القتال .
وكانت خاتمة الآية ( وكان الله قويًا عزيزًا ) فالله قوي أمره عزيز لا يُغلب ، فناسبت هذه الخاتمة مضمون الآية .
قال تعالى : ( وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ) (26)
تحكي هذه الآية تتمة الغزوة والانتقام من الفريق الأخير المذعور الملتجئ والمتحصن بالحصون وهم بنو قريظة الذين نفضوا العهد مع رسول الله حينما تعاونوا مع الأحزاب فبعد أن فرّ الأحزاب وعاد رسول الله إلى بيته ناداه جبريل عليه السلام : ((أوضعت السلاح يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم ) قال لكن الملائكة لم تضع أسلحتها وهذا الآن رجوعي من طلب القوم ثم قال : إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تنهض إلى بني قريظة فنهض رسول الله من فوره وأمر الناس بالسير إلى بني قريظة .. )) تفسير ابن كثير .
وأنزل الله تعالى بني قريظة من حصونهم وقذف في قلوبهم الرّعب وحكّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم سعد بن معاذ فحكم فيهم بأن تقتل رجالهم ( تقتلون فريقًا ) وتسبى ذراريهم ونسائهم ( وتأسرون فريقا ) .
قال تعالى : (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)
هذه الآية تتمة للآية السابقة حيث قال في السابقة (تقتلون فريقًا وتأسرون فريقًا ) وأيضًا أورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم ، وبشرهم الله تعالى بميراث أرض لم يطؤها ، قيل هي حنين .
وكانت هذه الآية هي خاتمة قصة غزوة الأحزاب في هذه السورة
وكانت خاتمة الآية : ( وكان الله على كل شيء قديرًا ) فالذي هزم الأحزاب وحده وكفى المؤمنين القتال وأنزل الذين عاونوا الأحزاب من حصونهم وأورث المؤمنين الأموال والأراضي والدّيار وكان كل هذا بأمره وحده ، فلا بد أنه على كل هذه الأمور وعلى غيرها قدير، فناسب أن تكون خاتمة هذه الآية : ( وكان الله على كل شيء قديرًا )
هنا بدأت قصة غزوة الأحزاب ، وبدأت القصة بتنبيه وتذكير المؤمنين بفضل الله تعالى عليهم ، حيث كان النّصر لهم على قلة عددهم وكثرة أعداد الأحزاب ذلك أن الله - جلّ وعلا - أرسل على الأحزاب جنودًا غير مرئيّة " ملائكة " وأرسل عليهم ريحًا قلبت قدورهم و...
وهنا ترتبط هذه الآية بالآيات الثلاث الأولى ، فلقد كان - جل وعلا - أمرهم فيها بطاعته والتّوكل عليه ، وهنا تبين هذه الآية أنّ من توكل على الله فهو حسبه وناصره ، فليس الأمر أمر قلة وكثرة ، بل هو أمر توكل على الله . وعلى ذلك فإن من كان بيده كل شيء وقادر على كل شي فهو الأولى أن يُطاع ، ولا يطاع الكفار والمنافقين كما بين الله تعالى في الآية الأولى من السّورة .
رابط نهاية الآية بها :
كانت نهاية هذه الآية : " إنّ الله كان بما تعملون بصيرا " فيها بيان شدة عجز البشر ، وشدة قدرة الله تعالى ومراقبته ؛ فإن كنتم أيها المقاتلون لم تقدروا على مجرّد رؤية الجنود التي أرسلها الله تعالى ، فإن الله تعالى يبصركم ويبصر ما تعلمون من صغيرة وكبيرة ، ولقد كان بصيرًا بكم في هذه الغزوة ؛ أبصر حفركم للخندق وأبصر ثبات هؤلاء وفرار هؤلاء أبصر كل ما في نفوسكم ...
قال تعالى : ( إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ) (10)
قال الطبري : ( يقول - تعالى ذكره - : وكان الله بما تعملون بصيرًا ، إذ جاءتكم جنود الأحزاب من فوقكم ، ومن أسفل منكم )
وجاء في التفسير الكبير ( " إذ " معمولة لـ : ( نعمة ) ، أي : إنعامه عليكم وقت مجيء الجنود )
في هذه الآية بدأ وصف الغزوة ووصف حال المقاتلين فيها ؛ فبيّن الله – تعالى - محاولة الأحزاب الهيمنة على الموقف والسّيطرة على المسلمين بأن جاؤوهم من فوق الوادي من قِبل المشرق ، ومن بطن الوادي من قِبل المغرب ، وبيّن حال المسلمين من الخوف والفزع عند رؤية هذه الأحزاب ، وبيّن حال دواخلهم وسرائرهم بقوله - جل وعلا – " وتظنون بالله الظنونا " .
قال تعالى : ( هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا)(11)
يبين الله تعالى أنّ هذا الموقف كان موقف ابتلاء منه - سبحانه – ويبيّن شدّة هذا الابتلاء عليهم بقوله - جل وعلا – " وزلزلوا زلزالا شديدًا " .
وهكذا فإن المؤمن مبتلى في الشدائد وعليه أن يتفطن إلى أنه في موقف اختبار وابتلاء ، وكذا فإنّه أيضًا مبتلى في والسعادة والرّخاء وهنا يجب أن يكون التفطن أكثر .
قال تعالى : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا)(12)
هنا لما قال الله تعالى في الآية قبل السّابقة " وتظنّون بالله الظّنونًا " ظهر أن الظّنون كانت مختلفة ؛ فمنهم من ظنّ بالله ورسوله سوءًا ، ومنهم من ظنّ بالله ورسوله خيرًا ؛ فأما المنافقون والذين في قلوبهم مرض فكان ظنّهم سوءًا - كما هو ظاهر في هذه الآية - ولم يكتفوا بالظنّ في دواخلهم ، بل تلفظوا بما يؤذي الله ورسوله فقالوا : " ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا " .
قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا)(13)
في الآية السّابقة ظنّ المنافقون والذين في قلوبهم مرض في دواخلهم ظنّ السّوء وأيضًا أخرجوا ظنونهم السّيئة على ألسنتهم فتلفّظوا بها كلامًا ، وهنا في هذه الأية أيضا شاركوا الأفعال الظنون الداخلية والأقوال ؛ فأخذوا يثبّطون إخوانهم ويحرّضونهم على التّراجع عن القتال .
إذن كان إيذاؤهم ؛ بالظنّ الدّاخلي ، وبالقول بلسان الحال ، وبالفعل .
قال تعالى : (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيرًا) (14)
بيّن الله تعالى هنا حقيقة هؤلاء وشدة نفاقهم ، بأنّه لو أنّ الأعداء دخلوا عليهم من جوانب المدينة وطلبوا منهم الشرك لأسرعوا إليه ولما احتبسوا عنه إلا قليلا .
قال تعالى : (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولا )(15)
في الآية السابقة بين حقيقة المنافقين والذين في قلوبهم مرض ، وهنا في هذه الآية بيّن بعض صفاتهم وهي نقض العهود ، وختمت الأية بأن الله - جل وعلا - سائلهم عن هذا العهد "وكان عهد الله مسؤولا"
قال تعالى : (قُل لَّن يَنفَعَكُم الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لّا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلا ) (16)
يبين الله تعالى لهم هنا ؛ أنّ فرارهم هذا وعودتهم إلى بيوتهم في المدينة لن ينجيهم من الموت أو القتل فيما لو جاء أجلهم ، وحينئذ لن يتمتعوا بالحياة في المدينة بعد هذا الفرار إلا قليلا ثم يأتيهم الموت أو القتل ؛ فإذا جاء الأجل لا يستقدّمون ساعة ولا يستأخّرون ، والفرار لا يمنعه .
قال تعالى : ( قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا )(17)
وهنا أيضًا يبين الله تعالى أن لا أحد يحميهم من الله فإذا أراد بهم القتل لا يمنعهم أحد من ذلك ، وكذلك لا يمنعهم فرارهم إلى المدينة ، وبالمقابل لو أراد الله النّصر للمؤمنين فلا أحد يمنع هذا النّصر فالأمر كلّه بيد الله .
قال تعالى : ( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ) (18)
لمّا ثبّط المنافقون المقاتلين في الأية ( 13) وعوّقوهم عن القتال وأغروهم بالراحة والدّعة ؛ بيّن الله تعالى لهم هنا أنّه يعلم من الذي فعل هذا ، وختم الآية بأن هؤلاء المنافقين لا يقاتلون إلا قليلا ، ولا يأتون القتال إلا رياء وسمعة .
قال تعالى : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا )(19)
أيضًا هنا يذكر الله - جلّ وعلا – بعض صفات المنافقين بأنهم بخلاء على المسلمين بكل خير ؛ فهم لم يساعدوهم في حفر الخندق ولم يقاتلوا معهم .. ، ويخبر بأنهم جبناء تدور أعينهم من الخوف وتطّرب نظراتهم عند لقاء العدو ، وأنهم لا يقوَوا ولا ترتفع أصواتهم إلا عند ذهاب العدو ، ويخبرعن طمعهم وقلة حيائهم فهم لا يقاتلون ولكنهم عند قسمة الغنائم حاضرون .
وكان في خاتمة هذه الآية الإخبار بأن هؤلاء المنافقين ليسوا بمؤمنين فقال تعالى : " أولئك لم يؤمنوا " .
قال القرطبي : (.. والمنافق كافر على الحقيقة لوصف الله لهم بالكفر )
" فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرًا "
قال الطبري : وقوله : ( لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم ) يقول - تعالى ذكره - : هؤلاء الذين وصفت لك صفتهم في هذه الآيات لم يصدقوا الله ورسوله . ولكنهم أهل كفر ونفاق ، ( فأحبط الله أعمالهم ) يقول : فأذهب الله أجور أعمالهم وأبطلها . وقوله : ( وكان ذلك على الله يسيرا ) يقول - تعالى ذكره - : وكان إحباط عملهم الذي كانوا عملوا قبل ارتدادهم ونفاقهم على الله يسيرا )
قال تعالى : ( يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)
أيضًا هنا يبيّن الله تعالى جبن المنافقين بأنهم من شدة خوفهم يظنّون الأحزاب لم ينصوفوا من الغزوة وهم قد صرفهم الله - تعالى – وكذلك يخافون أن يرجعوا إليهم بعد أن انصرفوا
وهذا يبيّن شدّة ذعرهم .
قال تعالى : ( لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) (21)
لماذا جاءت هذه الآية هنا ؟
لما بيّنت الآيات السّابقة حال الذين تزلزلوا واضطربوا ، وبيّنت جبن المنا فقين والذين في قلوبهم مرض ، وبيّنت فرارهم من القتال وتثبيطهم المسلمين وشحّهم في حفر الخندق ، جاءت هذه الآية تدعو إلى التأسي برسول الله فرسول الله – صلى الله عليه وسلّم - صبر و ثبت في المعركة وشارك في حفر الخندق ودعا الله ورجاه أن ينصر المسلمين وعلّم المسلمين ماذا يدعون الله فلم يثبط هممهم ويثني عزائمهم .
قال تعالى : ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) (22)
لما قال تعالى في الأية (10 ) (وتظنون بالله الظّنونا ) وظهر أن ظنون المقاتلين في صفوف المسلمين اختلفت ، وبيّن – جل وعلا- ظنون الفريق الأول في الآية 12 - وهم المنافقون والذين في قلوبهم مرض - بيّن هنا ظنون الفريق الثاني وهو فريق المؤمنين حيث إن رؤية المؤمنين هذه الأحزاب لم تُخفهم ولم تُرعهم كما حصل مع المنافقين بل أيقنوا عندئذ أن النّصر كائن لا محالة لأنّ الله - جل وعلا - وعدهم به ووعدهم به رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهم موقنون بصدق الله ورسوله في قلوبهم ، كما قالوها عندئذ بأفواههم ؛ قالوا " وصدق الله ورسوله " بينما كان قول المنافقين حينها " ما وعدنا الله ورسوله إلّا غرورًا " .
قال تعالى : ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) (23)
هنا أيضًا يبيّن الفرق بين المؤمنين حقًا وبين المنافقين . فالمنافقون فرّوا من القتال والمؤمنون ثبتوا فمنهم من استشهد ومنهم من بقي على قيد الحياة ، وما بدلّوا نيّاتهم ولا أقوالهم .
وكذلك يبيّن الفرق بينهما حيث إن المنافقين نقضوا العهد مع الله - جل وعلا - بفرارهم وأما المؤمنون فقد صدقوا عهدهم معه عزّ وجلّ بثباتهم .
قال تعالى : ( لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ) (24)
يبين الله تعالى سبب اختباره عباده بالخوف والزلزلة . لماذا اختبرهم الله بالخوف والزلزلة التي ذكرت في الآية (11) " هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدًا " ؟ هنا جاء الجواب وهو أن سبب اختبارهم بالخوف والزلزلة لأجل أن يجزي الصادقين بصدقهم الذي ذكره في الآية السّابقة " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " ويعذب المنافقين إن شاء . لماذا قال – إن شاء - لأنه قد يتوب المنافقون إلى الله فيتوب الله عليهم ويغفر لهم ، لذا كانت خاتمة الآية ( إنّ الله كان غفورًا رحيما )
قال تعالى : (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ) (25)
هنا يذكر الله – جل وعلا نهاية الغزوة ، ويبين حال الأحزاب عند هزيمتهم بأنهم كانوا في حالة غيظ وقهر وأنهم عادوا مخذولين لم ينالوا غنائم ولا نصر ، ومن ثمّ يبين الله – جل وعلا - فضله ومنّه على المؤمنين بأنه قاتل عنهم وكفاهم القتال .
وكانت خاتمة الآية ( وكان الله قويًا عزيزًا ) فالله قوي أمره عزيز لا يُغلب ، فناسبت هذه الخاتمة مضمون الآية .
قال تعالى : ( وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ) (26)
تحكي هذه الآية تتمة الغزوة والانتقام من الفريق الأخير المذعور الملتجئ والمتحصن بالحصون وهم بنو قريظة الذين نفضوا العهد مع رسول الله حينما تعاونوا مع الأحزاب فبعد أن فرّ الأحزاب وعاد رسول الله إلى بيته ناداه جبريل عليه السلام : ((أوضعت السلاح يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم ) قال لكن الملائكة لم تضع أسلحتها وهذا الآن رجوعي من طلب القوم ثم قال : إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تنهض إلى بني قريظة فنهض رسول الله من فوره وأمر الناس بالسير إلى بني قريظة .. )) تفسير ابن كثير .
وأنزل الله تعالى بني قريظة من حصونهم وقذف في قلوبهم الرّعب وحكّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم سعد بن معاذ فحكم فيهم بأن تقتل رجالهم ( تقتلون فريقًا ) وتسبى ذراريهم ونسائهم ( وتأسرون فريقا ) .
قال تعالى : (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)
هذه الآية تتمة للآية السابقة حيث قال في السابقة (تقتلون فريقًا وتأسرون فريقًا ) وأيضًا أورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم ، وبشرهم الله تعالى بميراث أرض لم يطؤها ، قيل هي حنين .
وكانت هذه الآية هي خاتمة قصة غزوة الأحزاب في هذه السورة
وكانت خاتمة الآية : ( وكان الله على كل شيء قديرًا ) فالذي هزم الأحزاب وحده وكفى المؤمنين القتال وأنزل الذين عاونوا الأحزاب من حصونهم وأورث المؤمنين الأموال والأراضي والدّيار وكان كل هذا بأمره وحده ، فلا بد أنه على كل هذه الأمور وعلى غيرها قدير، فناسب أن تكون خاتمة هذه الآية : ( وكان الله على كل شيء قديرًا )
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم .