سؤال عن نسبة بعض الأفعال إلى الله تعالى

إنضم
15/09/2003
المشاركات
10
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
الظهران
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

عند سماع دروس التفسير قد يتساهل بعض الملقين في نسبة الأفعال التي لم ترد في الكتاب والسنة إلى الله تعالى.. ومن أمثلة ذلك (يركزّ - يستطرد- يشنّع - يلفت النظر- يشرح - يعقّب.. وغيرها مما لاحصر له..)، وبعضهم ينسب الأفعال ‘لى "السياق القرآني" فما هو الضابط في ذلك؟! وليت من يطلعنا على أقوال السلف بهذا الخصوص..

نسأل الله أن يعظم لكم الأجر ويجزل لكم المثوبة...
 
هذه العبارات التي يعبر بها بعض المفسرين أو الفقهاء أو غيرهم كثيرة ، وهي في كلام المتحدثين في دروسهم أكثر منها في مؤلفات المفسرين ، لقدرة المؤلف على التصرف واختيار العبارات ، بخلاف المتحدث فإنه يضطر في مواقف كثيرة إلى التعبير بعبارة موهمة أو يسبق لسانه أو يعتاد على عبارة قد تكون متضمنةً لأمر غير مشروع أو مشكوك في صحته أو نحو ذلك ، وقَلَّ مَن يَسلَمُ مِن ذلك إلا من رحم الله.
ولذلك اعتذر ابن عطية في مقدمة تفسيره ، وذكر أنه قد يرد في تفسيره بعض العبارات التي اعتاد المفسرون على تكرارها مثل قولهم : حكى الله عن فلان كذا ، ونحو هذه العبارة مما هو قريب من الألفاظ المذكورة في السؤال. وخَرَّجها على أن جوازها يرتبط بالقصد منها ، وليس المقصود منها نسبة هذه الصفات لله ، وإنما نسبتها للآيات القرآنية . وقد ذكرها بقوله :(بابٌ في الألفاظ التي يقتضي الإيجازُ استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى) فذكر أن الباعث على استخدامها طلب الإبجاز والاختصار من المؤلف .
قال ابن عطية تحت هذا العنوان :(اعلم أَنَّ القصد إلى إِيْجازِ العبارةِ قد يسوقُ المتكلمَ في التفسير إلى أَنْ يقولَ : خاطبَ اللهُ بهذه الآيةِ المؤمنين ، وشَرَّفَ اللهُ بالذكرِ الرجلَ المؤمنَ من آل فرعونِ ، وحكى اللهُ تعالى عن أُمِّ موسى أَنَّها قالت قُصِّيهِ ، ووَقَّفَ اللهُ ذريةَ آدم على ربوبيتهِ بقولهِ: ﴿ألستُ بربِّكمْ﴾ الأعراف 172 ، ونحو هذا من إِسنادِ أفعالٍ إلى الله تعالى لم يأتِ إسنادُها بتوقيفٍ من الشَّرعِ.
وقد استعملَ هذه الطريقةَ المفسرونَ والمُحدِّثونَ والفقهاءُ واستعملها أبو المعالي في الإرشادِ ، وذكر بعضُ الأصوليينَ أَنَّهُ لا يَجوزُ أَن يُقالَ : حكى اللهُ ، ولا مَا جَرى مَجراهُ.
قال القاضي أبو مُحمد عبد الحق : وهذا على تقريرِ هذه الصفةِ لهُ وثبُوتِها مستعملةً كسائرِ أوصافهِ تبارك وتعالى ، وأَمَّا إذا استعملَ ذلك في سياق الكلامِ ، والمرادُ منه حَكتِ الآيةُ ، أو اللفظُ فذلك استعمالٌ عَربيٌّ شائعٌ ، وعليهِ مَشى الناسُ)
ولكن ابن عطية هنا لا يرى استخدامه ، حيث يقول:( وأَنا أَتَحفَّظُ منهُ في هذا التعليقِ جَهْدِي ، لكنيِّ قَدَّمْتُ هذا البابَ لِمَا عَسى أَنْ أَقَعَ فيه نادراً واعتذاراً عمَّا وَقَعَ فيه المُفسِّرونَ من ذلك).
ثم أورد ابن عطية من كلام العرب ، نثرها وشعرها ما يمكن تخريج هذا الاستعمال لهذه العبارات عليه ، وإن لم تكن هذه الشواهد الشعرية دليلاً قاطعاً في مثل هذه المسائل فقال :(وقد استعملت العربُ أشياءَ في ذكر الله تعالى تُحمَلُ على مَجازِ كلامِها فمن ذلك قول أبي عامر يرتَجزُ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم :
[align=center]فاغفر فداء لك ما اقتفينا[/align]وقولِ أُمِّ سلمة :(فعزمَ الله لي) في الحديث في موت أبي سلمة وإبدال الله لها منه رسول الله.
ومن ذلك قولهم : اللهُ يَدْري كذا وكذا . والدراية إِنَّما هي التأَتِي للعلمِ بالشيء حتى يتيسر ذلك.
قال أبو عليِّ: واحتجَّ بعضُ أهلِ النظر على جواز هذا الإطلاق بقول الشاعرِ:
لاهُمَّ لا أَدْري وأَنْتَ الدَّاريْ
قال أبو علي: وهذا لا ثَبتَ فيه ؛ لأَنَّهُ يَجوزُ أن يكون من غَلَطِ الأَعْرابِ.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وكذلكَ أَقُولُ إِنَّ الطريقةَ كُلَّها عربيةٌ لا يَثبتُ للنظرِ المَنخولِ شيءٌ منها.وقد أَنشد بعضُ البغداديين:
[align=center]لا هُمَّ إِنْ كنتَ الذي بِعَهْدي * ولَمْ تُغَيْركَ الأمورُ بعدي[/align]وقد قال العجَّاجُ :
[align=center]فارتاحَ رَبِّي وأَرادَ رَحْمَتِي[/align]وقال الآخرُ :
[align=center]قدْ يُصْبِحُ اللهُ أَمامَ السَّارِي[/align]وقال الآخر:
[align=center]يا فَقْعَسي لِمَ أَكلتَهُ لِمَهْ * لَو خَافَكَ اللهُ عليهِ حَرَّمَهْ[/align]وقال أوس:
[align=center]أَبَنِي لُبَيْنَى لا أُحِبُّكُمُ * وجدَ الإِلَهُ بكمْ كما أَجِدُ[/align]وقال الآخر:
[align=center]وإِنَّ اللهَ ذاقَ عُقولَ تَيْمٍ * فلمَّا راءَ خِفَّتها قَلاها[/align]ومن هذا الاستعمالِ الذي يُبْنَى البابُ عليهِ قولُ سَعدِ بن معاذٍ :(عَرَّقَ اللهُ وجهَكَ في النَّارِ). يقول هذا للرَّامي الذي رماهُ ، وقالَ : خُذها وأَنا ابنُ العَرَقة.
وفي هذه الأمثلةِ كِفايَةٌ فيما نَحونَاهُ ، إِذ النظيرُ لذلك كثيرٌ موجودٌ ، وإِنْ خُرِّجَ شيءٌ من هذه على حذفِ مضافٍ فذلك متوجهٌ في الاستعمال الذي قصدنا الاعتذارَ عنهُ واللهُ المستعانُ). انظر : المحرر الوجيز (طبعة قطر) 1/63-67
وقال ابن عباد في رسائله الكبرى :(وقد رأيت في مواضع من كتبكم شيئاً أردت أن أنبهكم عليه ، وهو أنكم تقولون فيها : حكى الله عن فلان ، وحكى عن فلان كذا ، وقد يقع مثل هذا في كلام الأئمة ، وهذا عندي ليس بصواب من القول ؛ لأن كلام الله تعالى صفة من صفاته ، وصفاته تعالى قديمة ، فإذا سمعنا الله تعالى يقول كلاماً عن موسى عليه السلام مثلاً وعن فرعون ، أو أمة من الأمم ، فلا يقال : حكى عنهم كذا ؛ لأن الحكاية تؤذن بتأخرها عن المَحكي ، وإنما يقال في مثل هذا : أخبر الله تعالى ، أو أنبأ ، أو كلام معناه هذا مما لا يفهم من مقتضاه تقدم ولا تأخر). انظر : حاشية محقق المحرر الوجيز (طبعة قطر) 1/63
وهذه مسألة جديرة بالنقاش والبحث ، وإنما أردت فتح باب البحث ، لا الجواب عن السؤال والله الموفق.
 
أخي الفاضل عبد الرحمن!

أخي الفاضل عبد الرحمن!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد.
أولاً- سأحكي لك هذه الحكاية، أو سأخبرك عنها، أو سأنبئك بها، فهل تحب سماعها ؟ أظن أن لديك الرغبة في السماع.
سألت ابن عباد عن قوله في رسائله الكبرى، الذي ذكرتموه في تعليقكم السابق، فقلت له: يا شيخنا الفاضل! إنك تقول: إنه ليس بصواب عندك أن يقول أحدنا:(( حكى الله عن فلان، وحكى عن فلان كذا ))؛ لأن الحكاية تؤذن بتأخرها عن المَحكِيِّ.. وإنما الصواب أن يقال في مثل هذا:(( أخبر الله تعالى، أو أنبأ، أو كلام معناه هذا مما لا يفهم من مقتضاه تقدم ولا تأخر ))..
ألا ترى يا شيخنا! أنه لا فرق بين قولنا: حكى الله، أو أخبر الله، أو أنبأ الله، من حيث الاستعمال اللغوي، ومن حيث أن كلاًّ من الإخبار عن الشيء، والإنباء عنه مؤذن بتأخرهما عن المخبَر، والمنبَأ؛ كإيذان الحكاية بتأخرها عن المحكي ؟
ثم ألا ترى إلى قوله تعالى:{ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أنبائها } (الأعراف:101) كيف أسند الفعل ( نقصُّ ) إلى ذاته المقدسة ؟ فلماذا هذا يجوز في حقه سبحانه، وإذا قلنا نحن في حقه:( حكى الله تعالى كذا ) و( قصَّ الله علينا كذا )، قلتم: لا يجوز، ولا يليق.. ؟ أم أن هناك فرق بين القولين، نحن لا نعلمه ؟
فقال: هو كما تقول.. لا فرق بينهما في ذلك. فقلت له: ما معنى قولك هذا إذًا ؟ فقال: لقد رأينا كثيرًا من العامة ينسبون إلى الله سبحانه صفات لا تليق بجلاله وكماله، فيسيئون إلى الخالق جل وعلا، فأردت بقولي هذا أن أنبه العقلاء على أخذ الحيطة والحذر في استعمالهم لهذه الصفات، ونسبتها إلى الله جل وعلا، وأن يتحروا الدقة في اختيارهم للألفاظ المعبرة عن تلك الصفات اختيارًا لا يدع مجالاً لأحد من العامة أن يفهمها كما يشاء، ثم ينسبها إلى الخالق جل وعلا...
ثانيًا- ذكر ابن جني في الخاطريات في قوله تعالى:{ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى } [طه:65]:(( أن العدول عن قوله:( وإما أن نلقي )- إلى قولهم:{ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى }- لغرضين:
أحدهما لفظي: وهو المزاوجة لرؤوس الآي. والآخر معنوي: وهو أنه تعالى أراد أن يخبر عن قوة أنفس السحرة، واستطالتهم على موسى، فجاء عنهم بلفظ أتم وأوفى منه في إسنادهم الفعل إليه.
ثم أورد سؤالاً، وهو: إنا نعلم أن السحرة لم يكونوا أهل لسان، فنذهب بهم هذا المذهب من صنعة الكلام. وأجاب بأن جميع ما ورد في القرآن حكاية عن غير أهل اللسان من القرون الخالية؛ إنما هو مُعرِب عن معانيهم، وليس بحقيقة ألفاظهم.. )).
فما رأيك يا أخي أبا عبد الله ؟!
 
هذا كلام جيد أخي أبا الهيثم وفقك الله. والأمر كما تفضلتم ، والغرض الذي يتحراه الجميع هو التأدب مع الله سبحانه وتعالى ، والعناية بانتقاء الألفاظ المعبرة التي لا تحتمل معاني موهمة ربما لا يجوز استعمالها في حقه سبحانه وتعالى.
 
قد عرضت الى هذه المسالة بشيء من الاختصار في بحث لي سينشر في جامعة مؤتة بالاردن حول موضوع الاتجاهات المنحرفة في التفسيرولعلي ان انسأ الله تعالى في الاجل ان اضعه في هذا الملتقى الطيب بعد نشره في المجلة
ودمتم بخير حال وإلى الله تعالى المآل
 
السلام عليكم ورحمة الله
إذاً أراد ابن عطية وابن عباد رحمهما الله التنبيه و أخذ الحيطة والحذر ، والتأدب مع الله ، وتحري الدقة في اختيار الألفاظ واتباع كلام الله سبحانه وتعالى .
وهنا نسأل الأخ عبد الرحمن في رجلٍ خالف هذا كله ؟!! هل يقال عنه أساء الأدب مع الله ؟؟!! الإجابة باختصار ووضوح لو سمحت .​
 
عودة
أعلى