سؤال عن معنى ( الجهاد في سبيل الله )

متعلم

New member
إنضم
16/06/2003
المشاركات
50
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الأخوة الكرام والمشايخ الفضلاء

كنت أسمع مراراً من بعض طلبة العلم أن لفظة الجهاد عند ورودها في القرآن مطلقة كقوله { يجاهدون في سبيل الله } المقصود بها هو القتال في سبيل الله فقط ، ولا ينصرف المعنى إلى المعنى العام للجهاد ..
وقد بحثت في كتب التفاسير والمعاني ولم أجد ما إشارة إلى ذلك .

فهل من مجيب لهذا السؤال ؟؟

وجزاكم الله خيراً
 
بعد وضعي للسؤال وجدت فائدة جواباً للسؤال أحب يشاركني فيها الإخوة :

قال الدكتور علي بن نفيع العلياني في رسالته للدكتوراة أهمية الجهاد قال في ( ص 117 ) :

ولكن لفظ الجهاد إذا أطلق فالمراد به قتال الكفار لإعلاء كلة الله تعالى ، ولا ينصرف إلى غير قتال الكفار إلا بقرينة تدل على المراد .. يقول ابن رشد ( وجهاد السيف قتال المشركين على الدين فكل من أتعب نفسه في ذات الله فقد جاهد في سبيله إلا أن الجهاد في سبيل الله إذا أطلق فلا يقع بإطلاقه إلا على مجاهد الكفار بالسيف حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) . - مقدمات ابن رشد 1\369 - أهـ

ونرجو من الأخوة المشاركة والإفادة ...

نحن بالانتظار ..
 
(مفهوم الجهاد بين التوسعة والتضييق) بقلم :الشيخ عبد الآخر حماد

جميل أن يتصدى أهل العلم والفضل لتصحيح المفاهيم المغلوطة، وبيان المعنى الصحيح لبعض المصطلحات الشرعية التي ربما وقع اللبس في بعض أو كل معناها .
ومن أهم القضايا التي وقع فيه اللبس، واشتبك فيها الحق بالباطل في هذه العصور قضايا الجهاد وما يتعلق به: من حيث أسبابه وغايته والمقصود منه، وغير ذلك.
ومما لاحظناه في هذا المضمار تركيز بعض الفضلاء على التوسع في مفهوم الجهاد، بحيث لا ينحصر في معنى القتال بل يتعداه إلى كل جهد يبذله الإنسان من أجل تحقيق مرضاة الله، فيدخل فيه جهاد النفس والهوى وجهاد الشيطان، وغير ذلك؛ حتى صار البعض يرى أن قصر مفهوم الجهاد على المعنى القتالي خطأ كبير في فهم القرآن والسنة.
ولست أشك في أن معنى الجهاد قد يتسع ليشمل ميادين أرحب بكثير من ميدان الطعن والنزال؛ وذلك لوجود بعض النصوص التي تطلق على غير القتال اسم الجهاد، لكني أرجو أن لا ينسينا ذلك حقيقة أن الجهاد في الاصطلاح الشرعي يقصد به القتال من أجل إعلاء كلمة الله، وأن ما عداه من ألوان بذل الجهد والمشقة إنما يدخل تبعاً في معنى الجهاد من باب التوسعة أو لمشابهتها للجهاد.
وذلك أنا وجدنا النصوص الشرعية في مجملها تدل على أن مصطلح الجهاد إذا أطلق فإنما يقصد به المعنى القتالي :
فمن ذلك قوله تعالى : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين *الذين أمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون ) [ التوبة 19-20] ،فالجهاد لم يقصد به هنا إلا المعنى القتالي، ويوضح ذلك ما جاء في سبب نزول هذه الآية من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : ( كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر : ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر وقال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يوم الجمعة،ولكن إذا صَلَّيْت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه، فأنزل الله عز وجل ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر ) الآية إلى آخرها (1).
فهذا يدل على أنهم لم يفهموا من الجهاد إلا معناه القتالي بدليل أنهم جعلوه في مقابلة أمور أخرى قد تدخل في الجهاد بمعناه العام مثل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، وقد جاء النص القرآني مقراً لهم على هذا الفهم، ولم يقل لهم إن كل هذا الذي ذكرتموه داخل في معنى الجهاد، ثم بين لهم أفضلية الجهاد أي القتال في سبيل الله على غيره من الأعمال.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد عرف الجهاد بذلك، وذلك لما سئل: ما الجهاد؟ قال: ( أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم )(2).
ومن النصوص الدالة على ذلك أيضاً ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد، قال: لا أجده، قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر ؟ قال: ومن يستطيع ذلك ؟ )، وفي رواية: (مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله)(3).
وموضع الشاهد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم ذكر أنه لا يعدل الجهاد في سبيل الله إلا الصلاة والصيام بالصورة المذكورة في الحديث، مع كون الصائم القائم مجاهداً لنفسه، ولكن لما أطلق الجهاد لم يقصد به إلا القتال في سبيل الله.
ومن أجل هذه النصوص غلب المعنى القتالي على تعريفات العلماء من المذاهب الأربعة وغيرهم للجهاد؛ فمن الحنفية قال الكاساني: (( وفي عرف الشرع يستعمل في بذل الوسع والطاقة بالقتال في سبيل الله عز وجل بالنفس والمال واللسان أو غير ذلك والمبالغة في ذلك )) (4).
ومن المالكية قال ابن عرفة : (( قتال مسلم كافراً غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله تعالى،أو حضوره له أو دخوله أرضه ))(5) .
ومن الشافعية قال ابن حجر بعد أن عرف الجهاد لغة: (( وشرعاً بذل الجهد في قتال الكفار، ويطلق أيضاً على مجاهدة النفس والشيطان والفساق ))(6(.
ومن الحنابلة قال البهوتي: (( وشرعاً قتال الكفار خاصة، بخلاف المسلمين من البغاة وقطاع الطريق وغيرهم فبينه وبين القتال عموم مطلق )) (7).
وعرفه الصنعاني بأنه (( بذل الجهد في قتال الكفار أو البغاة ))(8(.
وعلماؤنا حين عرفوا الجهاد بهذا الذي قلناه لم يفُتْهم أن مفهوم الجهاد قد يتسع ليشمل جهاد النفس والشيطان وجهاد الدعوة وغير ذلك ، ولكنهم نظروا كما أسلفنا إلى النصوص الدالة على أن الجهاد إذا أطلق فإنما يقصد به القتال لإعلاء كلمة الله، ولذلك فإن منهم من أشار إلى إمكانية اتساع معنى الجهاد مع كون معناه الأصلي هو ما ذكرناه، وذلك كقول ابن رشد : (( ... فكل من أتعب نفسه في ذات الله فقد جاهد في سبيله، إلا أن الجهاد في سبيل الله إذا أطلق فلا يقع بإطلاقه إلا على مجاهدة الكفار بالسيف، حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ))(9).
ولعل من أدلة كلام ابن رشد غير ما ذكرناه آنفاً، أن النصوص الشرعية التي أطلقت اسم الجهاد على غير القتال كانت تحمل في طياتها في كثير من الأحيان تأكيد أن المعنى الأصلي للجهاد هو القتال، وأنه هو الذي كانت تنصرف إليه الأذهان عند ذكر كلمة جهاد.
ومن ذلك ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: (( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال : أحي والداك ؟ قال نعم ، قال ففيهما فجاهد ))(10)، فقد جاء الرجل يستأذن في الجهاد المطلق، الذي لا يفهم غيره عند إطلاق كلمة الجهاد، وهو القتال في سبيل الله، فأرشده الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جهاد مقيد، وتقييده في قوله : (ففيهما )، الذي يدل على أن المقصود بر الوالدين، ولذا فقد عد الصنعاني ذلك من باب المشاكلة أو الاستعارة حيث قال : (( سمى إتعاب النفس في القيام بمصالح الأبوين وإزعاجها في طلب ما يرضيهما وبذل المال في قضاء حوائجهما جهاداً من باب المشاكلة، لما استأذنه في الجهاد، من باب قوله تعالى : (وجزاء سيئة سيئة مثلها)، ويحتمل أن يكون استعارة بعلاقة الضدية لأن الجهاد فيه إنزال الضرر بالأعداء واستعمل في إنزال النفع بالوالدين))(11).
ومثل ذلك حديث عائشة أنها قالت: (( يا رسول الله: نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال : لا ،ولكُنَّ أفضل الجهاد حج مبرور ))(12).
فقولها: (نرى الجهاد أفضل العمل ) يدل على أنه كان مستقراً عندها أن الجهاد هو القتال في سبيل الله، فأقرها صلى الله عليه وسلم على فهمها ثم أرشدها إلى أن الحج يعدل في حقهن الجهاد، بل هو أفضل الجهاد بالنسبة لهن.
قد يرى البعض أن التوسعة والتضييق فيما يقع عليه اسم الجهاد إنما هو أمر اصطلاحي ولا مشاحة في الاصطلاح كما يقولون، وأقول لا شك أن الأمر في بعض جوانبه اصطلاحي، والكاساني مثلاً يطلق على جهادي الدعوة والقتال كليهما اسم الدعوة حيث يقول:
(( والدعوة دعوتان : دعوة بالبنان وهي القتال، ودعوة بالبيان وهو اللسان، وذلك بالتبليغ ))(13).
لكني أرى أن هناك من الأسباب المهمة ما يحملنا على الحفاظ على المعنى القتالي للجهاد، أو على الأقل إلى عدم نسيانه في خضم الدعوات المتعالية للتوسع في مفهوم الجهاد:

1- ومن تلك الأسباب أنا نعلم أنه من الأصول المهمة التي ينبغي على الدعاة وأهل العلم مراعاتها معرفة حال المخاطبين، بحيث يخاطبهم الداعية بما يصلح من شأنهم، فيهتم ببيان ما يجهلونه ويذكرهم بما ينسونه، وإذا كان هناك في الأمة من أسرف في فهم نصوص الجهاد فلم يفهم منها إلا معناها القتالي، وأهمل ما عداه من معاني الجهاد، فإنه لا يشك متابع منصف في أن نسبة أولئك القوم إلى مجموع المسلمين هي نسبة قليلة، وإن علا صوتهم، وسُلطت الأضواء عليهم، أما أكثر المسلمين اليوم فقد تركوا الجهاد في سبيل الله بمعناه القتالي، بل راح حكامهم يسعون وراء سراب يسمونه السلام مع عدو سلبهم أرضهم، وانتهك حرماتهم، فكان ذلك من أكبر أسباب ذلتهم وضعفهم، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا تبايعتم بالعينة ،وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينْزِعه حتى ترجعوا إلى دينكم )(14) .
ولما كان حال الأمة بهذه المثابة، كان التركيز على المعنى القتالي للجهاد خيراً في نظرنا من التركيز على التوسعة .
وأنا أعلم أن حالة الضعف التي تعيشها الأمة ربما دفعت البعض إلى التركيز على قضايا الإعداد الإيماني؛ على أساس أنه يجب أن يسبق فكرة الجهاد بمعناه القتالي، ومع تفهمي لهذا الأمر، فإني أرى أنه من المهم مع هذا الإعداد الإيماني الذي لا اعتراض لنا عليه، أن يبقى المعنى القتالي للجهاد مستقراً في ذهن المسلم، حتى في زمن سقوطه عنه لعجزه ليبقى مستعداً للقيام بهذا الواجب عند تحصيله القدرة اللازمة لذلك، وفي حديث أبي هريرة مرفوعاً: ( من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من النفاق)(15).

2- كما أن التوسعة في مفهوم الجهاد وإن أفادت من جهةِ الترغيب في بذل كل جهد لنصرة هذا الدين وإرضاء الله تعالى؛ فإنها قد تحمل على مزيد من إهمال أمر القتال في سبيل الله، وذلك لشعور كل من بذل بعض الجهد في أي مجال بأنه قد أدى ما عليه من الجهاد، ولم يبق عليه شيء، وذلك مثلما نلحظه عند كثير من الناس لما فهموا خطأً مقولة أن أي عمل مباح يمكن أن يتحول إلى عبادة، فإنك ترى أحدهم ينشغل عن صلاته بل ربما لا يؤديها بالكلية، فإذا سئل في ذلك قال: أنا مشغول بعملي، والعمل عبادة كما أن الصلاة عبادة.
ولقد صار التوسع في مفهوم الجهاد سيفاً يسله كثير من أهل الضلال على كل من دعا إلى جهاد المعتدين المحتلين لأرض الإسلام، حيث يُرمى أولئك الداعين بعدم فهم المعنى الحقيقي للجهاد، الذي يشمل في نظرهم كل شيء إلا القتال في سبيل الله.

3 - ومن تلك الأسباب أن الدعوة إلى توسيع مفهوم الجهاد تأتي مقرونة في كثير من الأحيان بما قد يفهم منه التقليل من أهمية الجهاد القتالي، كتعبير بعض الأفاضل عن الجهاد القتالي بأنه الجهاد الأصغر، ليس بالمعنى الصوفي المعروف، ولكن بمعنى أنه الأقل من حيث الحيز الذي يشغله بين أنواع الجهاد .
وهذا المعنى وإن كان في نفسه صواباً، إلا أنه في المقابل ينبغي التذكير بأن الجهاد القتالي هو الجهاد الأكبر من حيث أهميته وفضله والثواب العظيم الذي بُشر به أهله، وقد دلت على ذلك نصوص كثيرة، منها قوله تعالى: ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً ). [النساء:95].
فهؤلاء القاعدون الذين فُضِل عليهم المجاهـدون قد يكونون قائمين بأمر جهاد الدعوة وجهـاد النفس؛ لأن الله وعدهم الحسنى ومع ذلك فضل عليهم المجاهدون بالنفس والمال فدل ذلك على أفضلية الجهاد القتالي على ما عداه من أنواع الجهاد.
ومن تلك النصوص قوله صلى الله عليه وسلم: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد... )(16).
ومن تلك النصوص حديث أبي سعيد الخدري قال: ( قيل يا رسول الله : أي الناس أفضل ؟ فقال رسول الله ): مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله. قالوا: ثم من ؟ قال: مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله، ويدع الناس من شره)(17).
قال البخاري -رحمه الله-: (باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله ) ثم ذكر الحديث السابق وحديثاً آخر(18).
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)(19).
فقد بين الحديث درجات التغيير، وأعلاها التغيير باليد، لأنه صلى الله عليه وسلم نبه أمته أولاً إلى المطلب الأسمى فمن لم يكن قادراً عليه فإنه ينتقل إلى ما هو أدنى منه حتى ينتهي إلى أضعف الإيمان، وهو التغيير بالقلب، قال النووي -رحمه الله- (( وأعلى ثمرات الإيمان في باب النهي عن المنكر أن ينهى بيده وإن قتل شهيداً))(20).
ونفس الأمر ينبغي أن يقال في أمر الجهاد فأعلاه الجهاد باليد والسلاح، وذلك لأن القول في الجهاد هو نفسه القول في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ هما جنس واحد، والجهاد ما هو إلا تغيير لمنكر الكفر والظلم، وكثيراً ما يستدل العلماء بنصوص أحدهما على الآخر؛ وذلك مثل قول القرافي عند ذكره لأسباب الجهاد: (( السبب الأول وهو معتبر في أصل وجوبه ويتجه أن يكون إزالة منكر الكفر فإنه أعظم المنكرات ومن علم منكراً وقدر على إزالته وجب عليه إزالته))(21).
ومن تلك النصوص حديث أبي هريرة الذي مر قبل قليل، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لمن جاءه يسأله عن عمل يعدل الجهاد: (لا أجده) ثم قوله له: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر ؟).
قال الحافظ في شرح هذا الحديث: ((... وهذه فضيلة ظاهرة للمجاهد في سبيل الله تقتضي ألا يعدل الجهاد شيء من الأعمال ))(22).
ثم نقل عن ابن دقيق العيد قوله: (( القياس يقتضي أن يكون الجهاد أفضل الأعمال التي هي وسائل؛ لأن الجهاد وسيلة إلى إعلان الدين ونشره وإخماد الكفر، ودحضه ففضيلته بحسب فضيلة ذلك والله أعلم ))(23).
وقال الإمام أحمد رحمه الله: (( ليس يعدل لقاء العدو شيء،ومباشرة القتال بنفسه أفضل الأعمال ،والذين يقاتلون العدو هم الذين يدفعون عن الإسلام وعن حريمهم ،فأي عمل أفضل منه ؟ الناس آمنون وهم خائفون، قد بذلوا مهج أنفسهم ))(24).

4- ومما يدخل في ذلك أيضاً ما رأيته عند بعض الأفاضل من وصف الجهاد القتالي بأنه أسهل أنواع الجهاد، مع أن في الجهاد القتالي من المشقة ما ليس في غيره، إذ فيه بذل الأرواح وإراقة الدماء في سبيل الله، ومن أجل هذا كانت النفوس كارهة له كما قال تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم ،وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ،وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم ،والله يعلم وأنتم لا تعلمون) [ البقرة:216]
ومن أجل علم السلف بأن الجهاد القتالي أشق على النفوس من غيره، جاءت مثل الكلمات السابقة التي نقلناها عن الإمام أحمد وغيره، ومن أجل ذلك أقر الفضيل بن عياض رحمه الله بما جاء في الأبيات التي أرسلها إليه عبد الله بن المبارك رحمه الله والتي يقول فيها:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا * لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه * فنحورنا بدمائنا تتخضب
إلى آخر تلك الأبيات المشهورة ،التي جعلت الفضيل يذرف دموعه قائلاً : ((صدق أبو عبد الرحمن ونصح (( (25).

وختاماً فإني لأرجو أن لا يفهم من كلامي هذا أنني أقلل من أهمية أنواع الجهاد الأخرى كالدعوة ومجاهدة النفس والشيطان، فكل ذلك مطلوب، ونحن جميعاً محتاجون إليه، ولولا أني لاحظت بعض الجور على المفهوم القتالي للجهاد، لما كان هناك من داعٍ لتسويد هذه الصفحات، والله المسؤول أن يهدينا وإخواننا المسلمين أجمعين لما يحبه ويرضاه آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
***************
هوامش :
(1) أخرجه مسلم (1879) وأحمد ( 4/269) وابن حبان (10/451) والبيهقي في سننه الكبرى (9/158).
(2) أخرجه أحمد( 4/114) وعبد الرزاق عن في معمر في الجامع الملحق بالمصنف (20107) من حديث عمرو بن عبسة ،والحديث أورده الهيثمي في المجمع (1/59) ،(3/207) وقال: رجاله رجال الصحيح .
(3) أخرجه البخاري (2785) وله الرواية الأولى، ومسلم (1878) وله الرواية الثانية ،وهو برواية مسلم عند الترمذي (1619).
(4) بدائع الصنائع (9/4299( .
(5) كذا في الشرح الصغير على أقرب المسالك ( 2/267(.
(6) فتح الباري ( 6/3).
(7) كشاف القناع ( 3/32) .
(8) سبل السلام ( 4/41(.
(9) مقدمات ابن رشد (1/342).
(10) أخرجه البخاري (3004) ومسلم ( 2549) وأبو داود (2529) والترمذي ( 1671) والنسائي(6/10).
(11) سبل السلام : ( 4/42).
(12) أخرجه البخاري (1520) وبنحوه أخرجه النسائي (5/114) وابن ماجه (2901(..
(13) بدائع الصنائع ( 9/ 4304).
(14) أخرجه أبو داود (3462) وأحمد( 2/28، 42) من حديث ابن عمر وصححه الألباني في الصحيحة (11).
(15) أخرجه مسلم (1910) وأبو داود ( 2502) والنسائي(6/8).
(16) أخرجه الترمذي (2616) من حديث معاذ وقال حسن صحيح وأخرجه ابن ماجه (3973) بلفظ ( ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ الجهاد ) وأخرجه الحاكم (2/76) وصححه .
(17) أخرجه البخاري (2786) ، (6494) ومسلم (1888).
(18) انظر صحيح البخاري (6/6 –فتح).
(19) أخرجه مسلم (49) وأبو داود (1140) ، ( 4340) والترمذي (2172) وابن ماجه (1275) ، (4013) والنسائي (8/11-112) وأحمد (3/54) من حديث أبي سعيد .
(20) الأربعون النووية ( ص : 111).
(21) الذخيرة (3/387(.
(22) فتح الباري: (6/5) .
(23) المصدر السابق : نفس الموضع .
(24) المغني والشرح الكبير لابني قدامة : (10/363) .
(25) سير أعلام النبلاء : (8/412) .

المرجع هنا
 
أخي الكريم أبا مجاهد

أشكرك على هذه الإضافة النفيسة ...

ولي سؤال إذا تكرمت : هل لديك معلومات عن كاتب هذا المقال ؟؟

وجزاك الله خيرا .
 
الأخ متعلم

يمكنك الجرجوع إلى هذا الموقع ، ففيه جواب لما سألت عنه .
http://www.al-ansar.biz/ansar/hammad/

علماً بأني لم أكن أعرفه سابقاً ، وإنما حصل ذلك وأنا أبحث في مواقع البحث عن الموضوع الذي سألت عنه وفقني الله وإياك .
 
أشكرك أخي أبا مجاهد على الاهتمام والحرص على الإفائدة لا حرمك الله الأجر ، ونفع الله بك .
 
جزاكما الله خيراً.
الشيخ عبدالآخر الغنيمي من الكتاب المتميزين جزاه الله خيراً ، وقد قرأت له كتاب قبل أربع سنوات تقريباً بعنوان :(وقفات مع الدكتور البوطي في كتابه عن الجهاد) من إصدار دار البيارق بالأردن. وهو كتاب جيد. وأغلب كتاباته تدور حول الجهاد في سبيل الله وفقنا الله وإياه له.
 
هناك معنى لغوي ومعنى اصطلاحي وقرائن السياق هي التي تحدد المعنى، والأصل أن نقدم الاصطلاحي على اللغوي ما لم تكن هناك قرينة. كما هو الأمر مثلاً في كلمة زكاة.

ذكر القتال في سبيل الله في القرآن الكريم ما يقارب الـ 20 مرة في حين ذكر الجهاد في سبيل الله ما يقارب الـ 13 مرة. وعليه مهما توسع البعض في مفهوم الجهاد فلن يؤثر في قيمة القتال في سبيل الله، بل إن الشهيد هو من قاتل في سبيل الله فقتل وليس من جاهد في سبيل الله فقتل. (أعني هنا نص الآيات الكريمة).

القتال في سبيل الله هو جهاد وهذا مجمع عليه ولا خلاف فيه. وما زاد على ذلك فهو محل الخلاف. والذي نراه خطأ من توسّع وخطأ من ضيّق؛ فغير صحيح أن مجاهدة النفس أو العمل الصالح هو جهاد بالمعنى الاصطلاحي. وإنما الجهاد في الاصطلاح من خلال استقراء النصوص الشرعية هو:" بذل النفس أو الجهد أو المال في سبيل نصرة دين الله واعلاء كلمته"، فكلمة الحق عند السلطان الجائر هي من أعظم الجهاد، بل أفضل الجهاد كما جاء في الحديث المشهور. وسيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام فأمره ونهاه فقتله، كما جاء في الأحاديث.

وخلاصة القول أن مفهوم الجهاد في سبيل الله أشمل من مفهوم القتال في سبيل الله، ومن هنا نجد أن القرآن الكريم أورد عبارات مثل: سبيل الله، القتال في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله، الإنفاق في سبيل الله. وما يجمعها جميعاً هو سبيل الله. ولا ترادف بعد ذلك.
 
شكر الله لك يا أبا مجاهد على مقال الجهاد للشيخ عبد الآخر الغنيمي فقد افاد ونفع وشفى فلله دره من كاتب .

كما أشيد بخطابك في الجمعة المنصرمة 12/1/1430هـ فقد أفدت بمعلومات تتجاوب مع الحدث ، وأشد على يديك قائلا: أنعم بخطبة يعيش معها الخطيب بكلامه ونبراته وانفعالاته المتأثرة التي يشعر من خلالها المستمع أن هذه الخطبة ليست مملاة أو مصنوعة لموظف يسقط عن نفسه الفريضة أو يحلل بها أجرة. فتدبر
 
عودة
أعلى