تحياتي للفاضل أبي المنذر وأرى ـ والله أعلم ـ أن الدعاء بالمغفرة دعاء بالهداية وزيادة، ودونك ما قاله علماء التفسير الأجلاء ففي قولهم البسلم الشافي والمورد الصافي:
قال الفخر ـ رحمة الله عليه ـ دل القرآن على أن إبراهيم عليه السلام استغفر لأبيه . قال تعالى حكاية عنه { واغفر لأَبِى إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضالين } [ الشعراء : 86 ] وأيضاً قال عنه : { رَبَّنَا اغفر لِى وَلِوَالِدَىَّ } [ إبراهيم : 41 ] وقال تعالى حكاية عنه في سورة مريم قال : { سلام عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي } [ مريم : 47 ] وقال أيضاً : { لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } [ الممتحنة : 4 ] وثبت أن الاستغفار للكافر لا يجوز .
وقد أجاب القرآن على هذا الإشكال بقوله : { وَمَا كَانَ استغفار إبراهيم لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ } [ التوبة : 114 ] فقد وعده أن يؤمن .
وقال العلماء: المراد من استغفار إبراهيم لأبيه دعاؤه له إلى الإيمان والإسلام ، وكان يقول له آمن حتى تتخلص من العقاب وتفوز بالغفران ، وكان يتضرع إلى الله في أن يرزقه الإيمان الذي يوجب المغفرة ، فهذا هو الاستغفار ، فلما أخبره الله تعالى بأنه يموت مصراً على الكفر ترك تلك الدعوة .
وعند ابن أبي حاتم في التفسير:" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ" " وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهَ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ " قَالَ: امْنُنْ عَلَيْهِ بِتَوْبَةٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَغْفِرَتَكَ يَعْنِى: بِتَوْبَةِ الإِسْلامِ". وحاصله ـ كما قال الآلوسي ـ وفقه للإيمان واهده إليه كما يلوح به تعليله بقوله : { إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضالين } والله أعلم.
قرأت حول هذه المسألة تفسيراً بقلم الشيخ بسام جرار خلاصته:
أولاً: الأب يمكن أن يكون الوالد المباشر ويمكن أن يكون الجد أو العم، ومن أدلة ذلك قول يوسف عليه السلام:" واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب.."،فيعقوب هو الوالد،وإسحاق هو الجد، وإبراهيم هووالد الجد. سلام الله عليهم جميعاً. وقوله تعالى على لسان أبناء يعقوب عليه السلام:"قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق". ومعلوم أن إسماعيل عليه السلام هو عم الأب المباشر.
ثانياً: يبدو أن استغفار إبراهيم عليه السلام كان لجده ثم تبرأ منه وغادر إلى فلسطين ثم ذهب إلى مكة وفي آخر عمره دعا لوالده الذي كان مؤمناً كما هو واضح في الداعاء الذي استشكلته. انظر الآيات 39 - 41 من سورة إبراهيم:" الحمد لله الذي وهب لي على الكبر... ربنا اغفر لي ولوالدي..".
ثالثاً: قوله تعالى:" لأبيه آزر..." فيه تحديد الأب ولو كان الوالد لما لزم هذا التحديد.
وحتى تكتمل الصورة وتتضح نقول: بينت الآية 114 من سورة التوبة أن استغفار إبراهيم لأبيه - الذي ليس بوالد مباشر - كان لأجل الوفاء بوعده الذي وعده إياه:" وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم". وهذا يعني أن الله تعالى قد أذن لإبراهيم بالدعاء وفاءً بوعده. وليس بالضرورة أن يعرف إبراهيم أو غيره من الأنبياء، عليهم السلام، الحكم قبل أن يعرفهم الوحي.
**هل الأّّوّلي عند الدعاء للعصاة أن ندعو لهم بالمغفرة أم بالهداية ؟
ابراهيم قدم دعوة الهدي لأبيه، فقد دعاه لعبادة الله وترك عبادة الأصنام ،فلم يقبل أبوه ،فاستغفر له عن عدم قبوله ودعاه ثانية
إذن إن دعوت أحدهم إلي الايمان ذات مرة فلم يقبله استغفر له الله وكرر الدعاء مرات وبطرق أخري ؟
وهذا يعني أن الله تعالى قد أذن لإبراهيم بالدعاء وفاءً بوعده.
معني أنه إذن خاص بابراهيم أنه لايجوز لأحد غيره أن يفعله ،والسؤال :هل مجرد عدم اجابة شخص دعوة الايمان الأولي يمكننا من الحكم عليه بأنه عدو لله ؟
**مسألة أنه ليس والده قالها الشيخ الشعراوي في خواطره وهو رأي عليه أكثر مما له
الآية 113 من سورة التوبة تنهى عن الاستغفار للمشركين من بعد أن يتبين أنهم أصحاب الجحيم. ومن هنا ذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز الاستغفار للمشرك وهو حي فإذا مات على الكفر تبين أنه من أصحاب النار فلا يجوز عندها أن نستغفر له حتى ولو كان من أقرب الأقرباء. وكذلك الأمر بالنسبة لإبراهيم عليه السلام أنه لما تبين بالوحي أو بموت أبيه الأبعد أنه عدو لله تبرأ منه.
السلام عليكم
قال السيوطي في الإتقان في باب "الإيجاز والإطناب" : وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر قال: ولا بيان فيه لأن الأب لا يلتبس بغيره، ورد بأنه يطلق على الجد فأبدل لبيان إرادة الأب حقيقة.))ا.هـ 1/310
والسلام عليكم
أولاً: من قال إن الجد ليس بأب على الحقيقة، بل هو كذلك. وإن الجدة هي أم على الحقيقة:" حرمت عليكم أمهاتكم....." وكذلك الأمر في البنات.
ثانياً: أما البدل فليس من أجل أن يبين أنه الأب على الحقيقة، بل لأن كلمة أب لها احتمالات فتم توضيح أنه آزر.
السؤال
هل آزر هو أبو إبراهيم عليه السلام أو عمه ، وكيف يكون كافرا ونسب النبى صلى الله عليه وسلم كله طاهر لقوله تعالى { وتقلبك فى ا لساجدين }
الجواب
نص القرآن الكريم على أن أبا سيدنا إبراهيم عليه السلام اسمه آزر، قال تعالى { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما اَلهة إنى أراك وقومك فى ضلال مبين } الأنعام : 74، ونص على أنه مات كافرا على الرغم من وعد إبراهيم أن يستغفر له ربه قال تعالى { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو للَّه تبرأ منه } التوبة : 114 ، . وقيل : إن آزر عم إبراهيم وليس والدا له ، والعم يطلق عليه اسم الأب ، كما فى قوله تعالى عن يعقوب { إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلفك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } البقرة : 133 ، مع أن إسماعيل ليس والدًا ليعقوب ولكنه عمه ، والذى حمل هؤلاء على القول بأن آزر عم إبراهيم وليس والده هو شريف مقام النبوة أن يكون أحد اَباء الأنبياء كافرا، مستندين فى ذلك إلى قول اللَّه للنبى صلى الله عليه وسلم { وتقلبك فى الساجدين } الشعراء : 219، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات " رواه أبو نعيم عن ابن عباس ، وقال ابن عباس فى المراد بالساجدين " من نبى الى نبى " كما رواه أبو نعيم فى الدلائل بسند صحيح والطبرانى برجال ثقات . فقال هؤلاء : إن الكفر نجس لقوله تعالى { إنما المشركون نجس } التوبة : 28 ، فكيف ينقل الرسول من أصلاب الطاهرين واَزر أبو إبراهيم نجس ؟ وكيف يكون تقلبه فى الساجدين وآزر ليس منهم ؟ وردَّ على ذلك : بأن إرادة العم من الأب عدول عن الظاهر بلا مقتض ، والنصوص المذكورة فى الطهارة والسجود لا تقتضى هذا العدول ، لأن آية { وتقلبك فى الساجدين } ليست نصا فيما فسرها به ابن عباس ، فقد فسرت بغير ذلك ، فقد جاء عنه أيضا أن المعنى : يراك قائما وراكعا وساجدا ، لأن قبل ذلك " الذي يراك حين تقوم " وبأن حديث النقل من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة أوَّلاً لم يصل إلى الدرجة التى يعتمد عليها فى العقائد ، وثانيا فسرت الطهارة فيه بعدم السفاح كما رواه أبو نعيم عن ابن عباس مرفوعا " لم يلتق أبواى قط على سفاح ، لم يزل ينقلنى من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مُصَفّى مهذبا" وكما رواه الطبرانى عن على مرفوعا " خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدنى أبى وأمى لم يصبنى من نكاح الجاهلية شىء" .
هذا ، ولا يضير أن يكون فى أنساب الأنبياء كافرون ، فكل امرىء بما كسب رهين ، وقصة آزر ونسب النبى ليست عقيدة نحاسب عليها، وهى متصلة بقوم مضوا إلى ربهم وهو أعلم بهم ، فَلْنَهْتم بحاضرنا لنصلحه ، وبمستقبلنا لنستعد له))
ج: إن الحق هو ما ذكره العالم الثاني، من أن آزر هو أبو إبراهيم، لقوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً } (1) وهذا نص قطعي صريح لا يحتاج إلى اجتهاد، ورجح ذلك الإمام ابن جرير وابن كثير . أما الحديث فذكر السيوطي في [الجامع الصغير] عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي ولم يصبني من سفاح الجاهلية شيء » رواه الطبراني في [الأوسط] وابن عدي، وقال الهيثمي : فيه محمد بن جعفر بن محمد صحح له الحاكم ، وقد تكلم فيه، وبقية رجاله ثقات.
فالحديث يفيد طهارة سلسلة نسبه صلى الله عليه وسلم فقط، ولم يتعرض للكفر والإسلام في آبائه، ولا يلزم من كفر آزر أن يكون نكاحه سفاحًا، وعلى فرض صحة الحديث المذكور لا يلزم من كون آزر كافرًا أن يكون نكاحه سفاحًا.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز
والسلام عليكم
الجزم بأن آزر هو العم ترجيح بغير مرجح.
صح في الحديث أن إبراهيم عليه السلام يوم القيامة يصف أباه بأنه الأبعد وقد اختلفوا في تفسير الأبعد. وليس هناك ما يمنع أنه يقصد الأب الأبعد في النسب لأن هناك الأقرب وهو الوالد.
من زعم أنه العم أراد أن يخلص إلى نتائج عقائدية تتعلق بإيمان والد الرسول وأمه وهذا يخالف ما صح في السنة من منع الرسول عليه السلام أن يستغفر لأمه.
الخوض في هذه المسائل لا يترتب عليه كبير فائدة إلا أن أهل التفسير يحتاجون ذلك كتدريب على التعامل مع النص القرآني الكريم.
وما الفرق ـ بارك الله فيكم ـ بين دعاء نوح عليه السلام بالمغفره لمن دخل بيته مؤمنا بينما لم يرد هذا على لسان ابراهيم عليه الصلاة والسلام حينما دعا بالمغفرة لنفسه ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات