بسم الله الرحمن الرحيم
أخي العزيز المحايد وفقه الله
المقصود بالترادف اصطلاحاً : هو أن يدل لفظان مفردان فأكثر دلالة حقيقية مستقلة على معنى واحد ، باعتبار واحد ، وفي بيئة لغوية واحدة. هذا هو التعريف الصحيح للترادف. وليس مجرد الاختلاف في اللفظ والمعنى واحد كما يعبر كثير من طلاب العلم.
ومسألة الترادف في اللغة بصفة عامة وفي القرآن الكريم بصفة خاصة كثر فيها القول والتصنيف في القديم والحديث.
والذي ذهب إليه المحققون من العلماء أن الترادف في اللغة قليل جداً ، وفي القرآن نادر. ومن أقوالهم في ذلك ما ذكره ابن تيمية رحمه الله في مقدمة التفسير حيث قال :(فإن الترادف في اللغة قليل ، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر ، وإما معدوم ، وقل أن يعبر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه ، بل يكون فيه تقريب لمعناه). ومن المنكرين لمسألة الترادف في القرآن الكريم الإمام الراغب الأصفهاني رحمه الله حيث يرى أن الترادف معدوم في القرآن الكريم . يقول في مقدمة مفرداته :(وأتبع هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ونسأ في الأجل ، بكتاب ينبئ عن تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد وما بينها من الفروق الغامضة ، فبذلك يعرف اختصاص كل خبر بلفظ من الألفاظ المترادفة دون غيره من أخواته). ويبدو أنه توفي قبل أن يحقق هذه الرغبة ، أو أن الكتاب لم يصل إلينا ، ولم يبق لنا إلا إشارات في كتابه المفردات تشير إلى رأيه في إنكار الترادف ، مع بعض الأمثلة على ذلك. ومن الكتب النافعة في تحقيق هذه المسألة أخي الكريم كتاب مقاييس اللغة لأحمد بن فارس رحمه الله حيث قد أرجع كل أصل إلى معناه الدقيق ، وحقق ذلك تحقيقاً ربما لا تظفر به في غيره ، رحمه الله رحمة واسعة.
ومن الكتب الجيدة في الترادف في القرآن الكريم ما كتبه الأستاذ محمد نور الدين المنجد بعنوان (الترادف في القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق).
وبناء على ما تقدم فإن معنى (القوي) يختلف عن معنى (العزيز).
فالقوي من القوة ، وهي الشدة خلاف الضعف. وأصلها من القُوى وهي جمع قوة من قوى الحبل.
والعزيز من العزة والندرة ، وهي تدل على شدة وقوة وما ضاهاهما من غلبة وقهر. يقال : عز الشيء حتى لا يكاد يوجد. وأنا عندما أريد أن أشرح لك معنى لفظة من هذه الألفاظ فالذي يمكنني هو تقريب المعنى وليس الإتيان بالمعنى المطابق ، لأن الترادف كما قلت لك غير ممكن من كل وجه.
ولفظ (أدبر) يختلف عن معنى لفظ (تولى).
فمعنى أدبر : أي جاء دبره وآخره ، من الدُبُر ، ومعناه أنه قد ولاك دبره وذهب بعيداً عنك.
بينما (تولى) يختلف باختلاف تعديته. فإن عديته بحرف (عن) دل على الإعراض عنك والابتعاد ، وإن عديته بنفسه فقلت :(تولى محمد علياً) بمعنى اتخذه ولياً وصديقاً.
ولعلي أراجع الكتب التي دققت في شرح معنى هذه الألفاظ وللحديث صلة إن شاء الله.
جزاك الله خيرا دكتور عبدالرحمن الشهري , وبارك فيك لما نشرت في قضية الترادف وبهذا الصدد أود أن أضيف لما قلت بنقلي ما كتبه الدكتورالسيد خضر/ كلية المعلمين في الرياض ولكما من جزيل الشكر مع وافر التقدير الترادف فيالقرآن بسم الله الرحمن الرحيم هل في القرآن مترادفات ؟ دكتور / السيدخضر – كلية المعلمين بالرياض قسم اللغة العربية. الحمد لله ، والصلاة والسلامعلى رسول الله ، وبعد فإن القرآن كتاب المعجزات الخالدات ، لا تنقضي عجائبه ،ولا يشبع منه العلماء ولا يملُّه الأتقياء ، ولغته أول مظاهر إعجازه ، واللغة لفظودلالة ، أو مبنى ومعنى … وقد قرأت في مجلة" منار الإسلام " الإماراتية مقالاًللدكتور عفيفي محمود عفيفي ( عدد جمادى الأولى 1419هـ ) وكان بعنوان " أسراربيولوجية في ألفاظ قرآنية" وقد أثبت بالأدلة العلمية أنه لا ترادف بين ألفاظ "البصروالنظر والرؤية " وأن لكل منها مجال استعمال محدداً في القرآن الكريم، ولكمْ سعدتوحمدت الله تعالى على أن الأخ الكريم قد توصل بالعلم المادي التجريبي إلى نتيجة كنتقد توصلت إليها من قبل بالتحليل الدقيق لأسلوب القرآن الكريم ، وهي أنه لا ترادف فيألفاظ القرآن الكريم ، ونشرت في ذلك كتابي( القرآن والترادف اللغوي- مصر 1991م) وأحب أن أعرض القضية من منظور جديد بإيجاز شديد للقراء ،لما في ذلك من إثبات لوجهمن وجوه إعجاز القرآن الكريم، ونتناول الموضوع على النحو الآتي : أولاً : تعريف الترادف لغة واصطلاحاً : نقرأ في لسان العرب : " الرِّدْفُ : ما تبع الشيءَ ، وكلُّ شيء تبع شيئاً فهو ردفه…والترادف:التتابع،ومن ( الأنفال : 9 ) أي متتابعين يأتون(بألفٍ من الملائكة مُرْدِفين)ذلك قوله تعالىفرقة بعد فرقة"(1) وقال أحمد بن فارس:" الراء والدال والفاء أصل واحد مطرد،يدل علىاتباع الشيء ،فالترادف : التتابع " (2)وليس في المعنى المتقدم ما يدل على اتحادالتابع بالمتبوع ، بل المتبادر من ذلك أن لكل من التابع والمتبوع شخصيته المستقلة ،وكذلك نجد في اللغة أن العقل يحتم أن يكون لكل لفظ معناه الخاص به فالجذر المعجمي (ق ع د) وضع في الأصل لمعنى محدد ، وكذا الأصل الآخر(ج ل س) فإذا تقاربت لظروفمتنوعة دلالة كل منهما ، فليس معنى ذلك أنهما شيء واحد ، هذا هو الأساس المنطقيالذي نبني عليه نظريتنا هذه،وهذه المنطقة من دراسة المعنى في اللغة هي أكثر ألواندراستها دقةً وغموضاً وعُسْراً . وقد لاحظ جامعو اللغة الأوائل توارد عدة ألفاظعلى معنى واحد فأسموا الظاهرة بالترادف ، قال الجرجاني في التعريفات:" المترادف ماكان معناه واحداً وأسماؤه كثيرة ، وهو ضد المشترك ، أخذاً من الترادف الذي هو ركوبأحد خلف آخر،كأن المعنى مركوب واللفظان راكبان عليه،كالليث والأسد" (3)وقال السيوطيفي تعريفه:" الترادف هو الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحدٍ باعتبارواحد،واحترزنا بالإفراد عن الاسم والحدّ ، فليسا مترادفين ، وبوحدة الاعتبار عنالمتباينين كالسيف والصارم ، فإنهما دلاّ على شيء واحد ولكن باعتبارين ، أحدهما علىالذات،والآخر على الصفة " (4)ومن هذا التعريف يتبين أن صاحبه يتحرز من إطلاقالترادف على كثير مما جعله علماء اللغة ضمن المترادف ، كما ورد في المحاورةالمشهورة بين أبي على الفارسي وابن خالَوْيه بمجلس سيف الدولة الحمداني ، حين قالابن خالويه:"احفظُ للسيف خمسين اسماً، فتبسّم أبو علي وقال : ما أحفظ له إلا اسماًواحداً وهو السيف ، فقال ابن خالويه : فأين المهنّد والصارم وكذا وكذا ؟ فقال أبوعلي : هذه صفات ، وكأن الشيخ لا يفرق بين الاسم والصفة " (5) ثانياً : أسباب وقوع الترادف : لا شك أن اللهجاتالعربية كانت سبباً مهماً لوقوع الترادف في العربية مع أسباب أُخَر، وقد حدّداللغويون أسباب الترادف في العربية بما يأتي :
1- تعدد أسماء الشيء الواحد فياللهجات المختلفة … ثم أدى احتكاك اللغات بعضها ببعض ونشأة العربية المشتركة إلىتمسّك هذه اللغة المشتركة بعدد من تلك الألفاظ التي تدل على مسمى واحد في اللهجاتالمختلفة .
2- أن يكون للشيء الواحد اسم واحد ثم يوصف بصفات مختلفة باختلافخصائص ذلك الشيء ، وإذا بتلك الصفات تستخدم يوماً ما استخدام الشيء ، وينسي ما فيهامن الوصف ، ويتناساه المتحدث باللغة .
3- التطور اللغوي في اللفظة الواحدة ،فقد تتطور بعض أصوات الكلمة الواحدة على ألسن الناس فتنشأ صور أخرى للكلمة ،وعندئذٍ يعدها اللغويون العرب مترادفات لمسمى واحد ، ومن ذلك قولهم : هتلت السماءوهتنت …
4- الاستعارة من اللغات الأجنبية "(6) لقد جمع اللغويون الأوائلكالخليل والأصمعي وأبي عبيدة والكسائي ، جمعوا كل ما وجدوه من كلام قبائل العربوصنفوه على أنه من الفصحى فصارت للشيء الواحد عشرات الأسماء بتعدد اللهجات، وبمضيالزمان صار ذلك كله ذخيرة للمعجم العربي ، فتضخم هذا المعجم تضخماً … وقد لاحظ بعضالمستشرقين ذلك ، يقول نولدكه :" وطبيعي أن المعاجم العربية قد تضخمت جداً ، علىالأخص بسبب أنها تذكر التسميات الشعرية الشخصية الخالصة للأشياء على أنها كلماتخاصة، فحين يسمي أحد الشعراء الأسدَ مثلاً بالكاسر بالأسنان ، ويسميه شاعر آخربالساحق وغير ذلك ، فإن المعاجم العربية تأخذ هذه التسميات على أنها ترادف كلمةالأسد تماماً " (7) ثالثاً : موقف اللغويين من ظاهرة الترادف : تراوح موقف اللغويين بين قبول الظاهرة والاستشهاد لها بكثير من ألفاظ اللغةالمستعملة في واقع الحياة فعلاً كما رأينا في موقف ابن خالويه ، وبين التحرز منقبولها والبحث عن دلالة محددة لكل لفظ على حدة ، حتى لو كان مجرد ظلال سياقية تفرقبين المترادفات ، وأصحاب الاتجاه الأول يمثلهم كثير من جامعي اللغة الأوائل وأصحابالمعاجم والمفسرين ، وقد سمى الفيروزأبادي - على سبيل المثال - أحد كتبه"الروضالمسلوف فيما له اسمان إلى ألوف " وسنورد أمثلة من ذلك فيما بعد، أما أصحاب الاتجاهالثاني فأنكروا وقوع الترادف التام، إذ رأوا أن لكل لفظ دلالة محددة أرادها الواضعأول مرة، أما تقارب الدلالات لألفاظ مختلفة فأمر ممكن ووارد، والراغب الأصفهاني - وهو من أدقّ دارسي اللغة - من روّاد هذا الاتجاه ، يقول في مقدمة معجمهالقيم"المفردات في غريب القرآن" يقول: وأُتبع هذا الكتابَ إن شاء الله ونسأ فيالأجل بكتاب ينبئ عن تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد وما بينها منالفروق الغامضة ، فبذلك يُعرف اختصاص كل خبرٍ بلفظ من الألفاظ المترادفة دون غيرهمن أخواته ، نحو ذكره القلب مرة والفؤاد مرة والصدر مرة…"(8) وكان الزمخشريالذي أحلّنا دارَ)يلتفت أحياناً في الكشاف إلى شيء من ذلك ، يقول في قوله تعالى (فاطر:35) يقول : فإن(المقامة من فضله لا يمسُّنا فيها نَصَبٌ ولا يمسنا فيها لغوبقلت : ما الفرق بين النصب واللغوب ؟ قلت : النصب : التعب والمشقة التي تصيب المنتصبللأمر المزاول له ، أما اللغوب فما يلحقه من الفتور بسبب النصب،فالنصب نفس المشقةوالكلفة ، واللغوب : نتيجته وما يحدث من الكلال والفترة " (9) وممن أنكرالترادف كذلك اللغوي المدقق أحمد بن فارس وشيخه أبو العباس ثعلب،بل إن أبا هلالالعسكري ألف كتاباً في ذلك سماه " الفروق اللغوية " ذكر فيه كثير من الفروق بين ماقد يُظن أنه من قبيل المترادف ، وإن كانت لنا بعض ملاحظات على ما أورده ليس ثمَّموضع بسطها . واللغويون المحدثون يقف أكثرهم مع أصحاب الاتجاه الثاني ، عاملينعلى ضبط اللغة لفظاً ودلالة في عصر العلم المادي لكل لفظ دلالته وحدوده كماًوكيفاً… يقول الدكتور محمود فهمي حجازي:" وينبغي أن نوضح هنا المعنى الحديثللترادف،ففي ظل مبدأ نسبية الدلالة يندر أن تكون هناك كلمات تتفق في ظلال معانيهااتفاقاً كاملاً،ومن الممكن أن تتقارب الدلالات لا أكثرولا أقل،فالألفاظ المترادفةهي بهذا المعنى الألفاظ ذات الدلالات المتقاربة"(10) رابعاً : كيف نحدد اللفظبدقة ؟ ثمة خطوات ينبغي اتباعها لتحديد دلالة اللفظ بدقة في سياق ما ، وهي :
1- معرفة الأصل اللغوي للفظ ، وذلك بالرجوع إلى معاجم اللغة واستعمالات العرب ،فأصل الصلاة الدعاء ، وأصل الكفر التغطية ، وأصل الجنون الستر…وهكذا ، ومن الملاحظأن دلالة اللفظ المتطورة عن أصل ما تبقى دائماً على علاقة ، بعيدة أو قريبة بذلكالأصل .
2- معرفة ما يضفيه التطور الحضاري على الألفاظ من دلالات جديدة ، ولعلأكبر نقلة حضارية في العربية كانت نزول القرآن الكريم بها ، ومن ثم أخذ القرآن منألفاظ العرب ألفاظاً وأكسبها دلالات جديدة للدلالة على حضارة الإسلام الناشئة ،وخير ما يصور ذلك قول ابن فارس:"كانت العرب في جاهليتها على إرث من إرث آبائهم فيلغاتهم وآدابهم ونسائكهم وقرابينهم، فلما جاء الله تعالى بالإسلام حالت أحوال ونسختديانات وأبطلت أمور ، ونقلت من اللغة ألفاظ من مواضع إلى مواضع أخر بزيادات زيدتوشرائع شرعت وشرائط شرطت فعفيّ الأول الآخر… فكان مما جاء في الإسلام ذكر المؤمنوالمسلم والكافر والمنافق … وإن العرب إنما عرفت المؤمن من الأمان والإيمان وهوالتصديق ، ثم زادت الشريعة شرائط وأوصافاً بها سمي المؤمن بالإطلاق مؤمناً…"(11) ومعرفة الأصل اللغوي شرط مهم لتحديد الدلالة .
3- دراسة السياق الذي يرد فيهاللفظ دراسة دقيقة،خصوصاً في أسلوب القرآن الكريم ، واستقراء جميع المواضع التي وردفيها اللفظ ، والدراسة السياقية أساس مهم لتحديد الدلالة بدقة ،وقد نبه القدماءوالمحدثون إلى ذلك ، بل إن اللغوي الإنجليزي "فيرث" بنى نظريته اللغوية على دراسةالسياق أساساً، وقد نبه على ذلك الزركشي في البرهان ، قال " إنها - أي دراسة السياقترشد إلى تبيين المجمل والقطع بعدم احتمال غير المراد وتخصيص العام وتقييد المطلق ،وتنوع الدلالة ، وهو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم ، فمن أهمله غلط فيذق إنك أنت العزيز)نظيره ، وغالط في مناظراته،وانظر إلى قوله تعالى (الدخان:49)كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير" (12)(الكريم ودراسة اللفظبهذه الطريقة ستفضي بنا إلى تحديد الدلالة بدقة ، مع ملاحظة أن بعض الألفاظ قد لايُعرف لها أصل لغوي محدد ، من ثم تبقى دراسة السياق هي الأصل مع دراسة التطورالدلالي . خامساً : دراسة في بعض ما قبل بترادفه من ألفاظ القرآن : لا شك أنتحليل الألفاظ بهذه الطريقة يحتاج إلى مساحة أوسع مما تجود به المجلات التي تعتمدعادة على المقال ذي الصفحات المعدودة ، إن تحليل الفرق بين الفؤاد والقلب ، أو بينالعام والسنة والحول على سبيل المثال يحتاج إلى صفحات كثيرة،وقد درسنا ذلك فيكتابنا المشار إليه في بداية المقال ، ولكنا سنختار هاهنا أمثلة لا تحتاج إلى ذلك ،ومنها :
1-الغيث والمطر : في اللسان"المطر : الماء المنسكب من السحاب ، والمطر : ماء السحاب والجمع أمطار …وأمطرهم الله مطراً أو عذاباً ، وأمطرهم الله في العذابخاصة "(13) وفي القاموس المحيط " الغيث : المطر والكلأ ينبت بماء السماء " (14) وفيالمفردات"المطر:الماء المنسكب …وفيه الغيث : المطر " (15) وإذ نستعرض المادتينفي القرآن نجد أن الماء النازل من السماء يسمى باسمه"ماء"أحياناً ويسمى باسم الغيثأحياناً أخرى،ومادتا ( غوث وغيث ) تأتيان في القرآن بمعان متقاربة ، فالغوث : العونوالمساعدة ، والغيث الماء الذي يُغاث به الناس ، ومن ذلك : إن الله عنده)أ- (لقمان : 34)(علم الساعة وينزلُ الغيثَ ويعلم ما في الأرحام وهو الذي)ب- (الشورى : 28)(ينزل الغيث من بعد ما قنطوا (كمثل غيث أعجب الكفار نباته)ج- ( الحديد :20) فلفظ الغيث هنا يحمل معاني في الخير والعون ، ولذلك يأتي فيمواضع إظهار النعمة والمنّ بها على العباد … أما المطر فقد ورد - أسماءوأفعالاً - في خمسة عشر موضعاً في القرآن الكريم ، منها أربعة عشر موضعاً في العذابوالعقاب صراحة ، ومن ذلك :
(الشعراء : 173)(وأمطرنا عليهم مطراً)أ- )ب- ( الفرقان : 40 )(ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء وأمطرنا)ج- (الأعراف:84) أما الموضع الخامس عشر وهو(عليهم مطراً فانظر كيف كان عاقبة المجرمينولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم)قوله تعالى (النساء :102)( ولا يخفى من السياق أن الموضع موضع " أذى من مطر" لا موضع غيث ،فالماء إذا زاد عن حده صار هلاكاً كالفيضان والسيل،واقتران المطر بالمرض في هذاالسياق يزيد الصورة وضوحاً،فهو موضع شدة ومشقة ، وهذه الظلال تختفي لا ريب إذا كاناللفظ هو الغيث الذي يحمل معاني الفرج والعون والحياة .
2- الجوع والسَغَبوالمخمصة : في اللسان " الجوع : نقيض الشبع ، والجوع : المخمصة " (16) وفيه " الخَمْص والخَمَص والمخمصة الجوع ، وهو خلاء البطن من الطعام جوعاً ، والمخمصة : المجاعة : (17) وفي المفردات " قوله تعالى (في مخمصة ) أي مجاعة تورث خمص البطن أيضموره " (18) وفي اللسان " سغب يسغب سغباً وسَغْباً ومسغبة وسغوباً : جاع ، وهوساغب وذو سغب (19) وفي المفردات " السغب : الجوع مع التعب ، وقد قيل في العطش معالتعب (20) ، وصاحب القاموس يردد القول نفسه "…أو لا يكون السغب إلا مع تعب (21) وفي المفردات " الجوع : الألم الذي ينال الحيوان من خلو المعدة من الطعام (22) " وهذه التعريفات المعجمية لا تحدد الدلالات بدقة كما نرى . وقد ورد الجوع فيالقرآن في خمسة مواضع هي :
(طه : 118)(إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى)1-
((ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات)2- البقرة : 155) .
(النحل :(فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون)3- 112)
(الغاشية : 7-8(ليس لهم طعام إلا من ضريع . لا يسمن ولا يغني من جوع)4- ) من سورة قريش(فليعبدوا رب هذا البيت .الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)5- . وأنت ترى في هذه المواضع جميعاً أن الجوع وارد في سياق العذاب واقترانه في هذهالسياقات بالخوف والجوع ونقص الثمرات والأموال والأنفس والعري … كل هذا يؤيد كونهعذاباً ، فإن المعنى نفسه قائم لأنه تعالى يمتن عليهم بأنه أمنهم العذاب ( الجوع) والخوف . أو إطعام في يوم ذي مسغبة . يتيماً)أما السغب فقد ورد في قوله تعالى ( البلد : 14-16 ) وليس السغب هنا عذاباً ولا(ذا مقربة . أو مسكيناً ذا متربةيحمل تلك الظلال التي يحملها لفظ الجوع ، وإنما السغب يكون عن يتم أو فقر أو مسكنة ...لا عن عقاب وابتلاء . والمخمصة وردت في موضعين : فمن اضطر في مخمصة غير)أ- ( المائدة : 30)(متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ)ب- ( التوبة : 120) والمخمصة في هذين الموضعين ليست(ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله … عن عقاب أو عذاب كما هو الجوع ولا عن يتم أو فقر أو مسكنة كما هو السغب،بل هي حالةعارضة قد تكون اضطراراً كما في الحالة الأولى ، أو في ظروف الجهاد في سبيل الله كماهي الحالة الثانية ، ونحن نرجح كون المخمصة حالة خاصة أي تحدث في ظروف خاصة ، وفيتعريف اللسان " الحمص والمخمصة الجوع وهو الخلاء البطن من الطعام جوعاً " والعبارةالسابقة " خلاء البطن من الطعام جوعاً " تفسر المراد هنا ، وهو أن الخمص حالة عارضةوليس في ذلك ما يوحي بابتلاء أو عقاب أو فقر ومسكنة .
3- الصوف والعهن : ورد لفظومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين)الصوف في موضع واحد هو (النحل : 80) وهو وارد في سياق امتنان الله تعالى على عباده بهذه النعم ، والصوف(معروف وهو شعر الغنم ، وكذلك العهن ، وبذا فسرت المعاجم وكتب اللغة لفظ العهن فيالقرآن الكريم ، وفي القاموس . العهن : الصوف ، أو المصبوغ ألواناً (23) وفيالمفردات:"العهن:الصوف المصبوغ"(24) وأصل مادة عهن في اللغة يدل على اللين والسهولةوالضعف…وفسر العهن كذلك بالصوف المصبوغ " (25). ولكن القرآن الكريم يستعمل اللفظفي مواضع لا يقوم مقامه فيها لفظ الصوف، وقد ورد اللفظ في موضعين هما : يوم)أ- ( المعارج:8-9 )(تكون السماء كالمهل.وتكون الجبال كالعهن وتكون الجبال)ب- ( القارعة : 5)(كالعهن المنفوش واللفظ وارد في سياق تشبيه الجبال الراسياتبالصوف المنفوش يوم القيامة حين ينسفها ربنا نسفاً ويسيرها سيراً… فلماذا فضل لفظالعهن على لفظ الصوف هاهنا ؟ إن الجبال تتكون من تربة ذات ألوان مختلفة ، كما ( فاطر :27) فكان(ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود)قال تعالىأقرب شبه لذلك العهن أي الصوف الملون بتلك الألوان نفسها،وذلك حين تنفش وتسير،ولايقوم لفظ الصوف هذا المقام ولا يحتمل السياق غير لفظ العهن ! وأخيراً فإن هذاقليل من كثير ، نسأل الله تعالى أن نتوفر عليه في بحث شامل إن شاء الله ، وعلى ذلكسنجد أن الفؤاد غير القلب ، وأن الحلف يأتي في مواضع الاعتذار والندم،والقسم يأتيفي مواضع التعظيم والعزة والقوة، ولا يفسر أحدهما بالآخر،والسنة تظهر فيها ملامحالشدة بما لا يظهر مع العام، والمدينة تأتي في سياق لا تأتي فيه يثرب،والزواج غيرالنكاح،ويأتي العقل في مواضع لا يأتي فيها اللب والحِجر والنُّهى،وانفجر غير انبجس، والجسم يستعمل في القرآن لما فيه روح فقط ، والجسد لما ليس فيه روح،وجلس للمكوثالقليل وقعد للكثير…إلخ، وهذه بعض ملامح الإعجاز في لغة القرآن الكريم ، واللهالموفق . الهوامش
1-لسان العرب ( ردف) ط دار المعارف د.ت.
2-مقاييس اللغة ( ردف) ط دار الفكر-بيروت1415هـ-1994م.
3-التعريفات،للشريف الجرجاني:210،مكتبةلبنان1969م.
4-المزهر ، للسيوطي:1/402، ط دار التراثد.ت.
5-نفسه:1/405.
6-د/رمضان عبد التواب،فصول في فقه العربية:318،ط2،مكتبةالخانجي 1981م.
7-اللغات السامية:81،ترحمة الدكتور رمضان عبدالتواب،القاهرة1963م.
8-المفردات في غريب القرآن:6،ط دار المعرفة -بيروتد.ت.
9-الكشاف:3/614،ط دارالريان للتراث 1407هـ-1987م.
10-مدخل إلى علماللغة: 79،ط دار الثقافة1978م.
11-الصاحبي:78-83،ط الحلبى د.ت.
12-البرهان فيعلوم القرآن:2م200نط2 دار المعرفة- بيروت د.ت.
13-اللسان(مطر)
14-القاموسالمحيط(مطر)
15-المفردات:496،367.
16-اللسان (جوع)
17-نفسه(خمص)
18-المفردات:159.
19-اللسان (سغب)
20-المفردات:233.
21-القاموس(سغب)
22-المفردات:103.
23-القاموس(عهن)
24-المفردات:351.
25-مقاييساللغة(عهن)