التمكين
التمكين
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة . .
وبعد . .
التمكين
خلاصة معنى التمكين في اللغة وفي استعمال القرآن الكريم ، ما يلي :
المكان عند أهل اللغة : الموضع الحاوي للشيء . فمكان الشيء هو الحيّز الذي يُشغله .
{وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا} [الفرقان/13]
والتمكين في الأصل جعل الشيء في مكان ، ثم استعمل في لازمه وهو التثبيت . أي أن يجعل له مكان له فيه قدرة وله عليه سيطرة تمكنه من الثبات .
فالتمكين : إعطاء المَكِنة ( بفتح الميم وكسر الكاف ) وهي القدرة والقوة . يقال : مكُن من كذا وتمكن منه ، إذا قدر عليه . ويقال : مكَّنه في كذا ، إذا جعل له القدرة .
وقوله: { ذي قوة عند ذي العرش مكين } [التكوير/ 20] أي: متمكن ذي قدر ومنزلة. ويقال : هو مكين بمعنى مُمَكّن ، فعيل بمعنى مفعول .
فاستعمال التمكين في معنى التثبيت والتقوية الإقدار وإطلاق التصرّف ، كناية أو مجاز مرسل لأنّه يستلزم التقوية . لأنّ صاحب المكان يتصرّف في مكانه وبيته ، ثم يطلق على التثبيت والتقوية والاستقلال بالأمر . وقد شاع هذا الاستعمال حتى صار كالصريح أو كالحقيقة .
والتمكين في الأرض الإقدار على التّصرف في منافع الأرض والاستظهار بأسباب الدنيا ، بأن يكون في منعة من العدوّ وفي سعة في الرزق وفي أحسن حال ، قال تعالى : { إنّّا مكنّا له في الأرض ) ، وقال : { الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة } الآية .
فالتمكين مستعمل هنا في التسليط والتمليك ، والأرض للجنس ، أي تسليطهم على شيء من الأرض فيكون ذلك شأنهم فيما هو من ملكهم وما بسطت فيه أيديهم .
من الخصائص العامة للتمكين :
1- أنه خاصية إنسانية ، ومن أهم مقومات فاعلية الإنسان في الكون ، ومن مظاهر تكريمه ، وهي مما خص الله تبارك وتعالى به الإنسان ، صحيح أن كل مخلوق أعطاه الله تعالى نوع من التمكين في بيئته ومعاشه ليستطيع أن يستمر في حياته ويحقق حكمة الله تعالى من خلقه له ، تحقيقاً لقوله تعالى : { الذي خلق
فسوى ، والذي قدر
فهدى } ، إلا أن ما أعطاه الله تعالى للإنسان من التمكين في الأرض له مستوى آخر مختلف ومتميز يناسب تميُّـز الإنسان واختلافه عن سائر المخلوقات ، ويتناسب مع مهمة الإنسان ووظيفته في الأرض . . فكل مخلوق أعطاه الله تبارك وتعالى من التمكين بما يناسب تحقيق الحكمة من خلقه التي أرادها الله تعالى له .
2- ومن ثم فالتمكين الذي جعله الله للإنسان نعمة عظيمة تستوجب الشكر لله تعالى :
{ وَلَقَدْ
مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } الأعراف 10
أي جعلنا لكم في الأرض مكاناً وقراراً ، وأقدَرناكم على أمورها وخوّلناكم التّصرف في مخلوقاتها .
و معايش جمع معيشة ، وهي ما يعيش به الحيّ من الطّعام والشّراب وغيرهما ، مشتقّة من العيش وهو الحياة . . وذلك بما أودع الله في البشر من قوّة العقل والتفكير التي أهلته لسيادة هذا العالم والتّغلّب على مصاعبه ، وبما سخّره له من موجودات وإمكانات ، وجعلها مذللة له ينتفع بها بحسب سننها التي قدرها الله تعالى فيها :
{ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ
سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ } لقمان 20
{ وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ {12} لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي
سَخَّرَ لَنَا هَذَا
وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ {13} وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ {14} } الزخرف
3- فالإنسان مُبتلى بهذه الخاصية – مثل سائر الخصائص الإنسانية الأخرى – فهو يتحمّل نتيجة تصرفه فيها في الدنيا والآخرة ، إن لم يحقق حكمة الله تعالى من منحه إياها وما كلّفه بخصوصها:
{ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ
مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ } الأنعام 6
{ الَّذِينَ إِن
مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } الحج41
{ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ
هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } النمل40
يتبع . . في بيان مفهوم الخليفة . . وعلاقته بالتمكين
أهم المراجع : تفاسير ابن كثير ، الطبري ، ابن عاشور ، أبو السعود - معجم المقاييس ، مفردات الراغب .