سؤال -سورة الزخرف-

وصال تقة

New member
إنضم
23/09/2008
المشاركات
60
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
المغرب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء في الاية 8 من سورة الزخرف.(ولئن سالتهم من خلق السماوات والارض ليقولن العزيز العليم.)هل معنى هذا ان المشركين يعترفون باسماء الله الحسنى.ام ان هذا هو الجواب الذي ينبغي ان يجيبوا به.
 
كتاب إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد صالح الفوزان

[الباب الأربعون]

باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات

وقول الله تعالى: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ الآية .
--------------------------------------------------------------------------------


قول الشيخ رحمه الله: "باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات " أي: ما حكمه؟ وما دليل ذلك؟ .

ومناسبة الباب: أنه لما كان التوحيد ثلاثة أنواع توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وكان غالب هذا الكتاب في النوع الثاني، وهو توحيد العبادة، لأن فيه الخصومة بين الرسل والأمم ، وهو الذي كثر ذكره في القرآن الكريم وتقريره والدعوة إليه، فهو الأساس، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وهو الذي خلق الله الخلق من أجله كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ .

وأما النوع الأول وهو توحيد الربوبية : فهذا أكثر الأمم مقرة به، خصوصا الذين كانوا في وقت نزول القرآن من كفار قريش وكفار العرب كانوا مقرين بتوحيد الربوبية، فهم يعتقدون أن الله هو الخالق الرازق، المحيي، المميت، المدبر يعترفون بذلك كما جاءت آيات في القرآن الكريم تبين ذلك: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ هذا شيء متقرر، ولكنه لا يدخل في الإسلام، فمن أقر به واقتصر عليه ولم يقر بالنوع الثاني وهو توحيد العبادة، ويأت به فإنه لا يكون مسلما ولو أقر بتوحيد الربوبية .

أما النوع الثالث: وهو توحيد الأسماء والصفات، فهو في الحقيقة داخل في توحيد الربوبية .

ومن أجل هذا؛ بعض العلماء يجمل ويجعل التوحيد نوعين:

توحيد في المعرفة والإثبات، وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات وهو التوحيد العلمي .

وتوحيد في الطلب والقصد وهو التوحيد الطلبي العملي، وهو توحيد الألوهية .

ولكن لما وجدت طوائف من هذه الأمة افترقت عن مذهب السلف، وصار لها رأي في الأسماء والصفات تخالف الحق؛ جعل هذا قسما ثالثا من أجل الرد عليهم وبيانه للناس، فجعل التوحيد ثلاثة أقسام : توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، لأن هذا التقسيم تفصيلي، والتقسيم الأول إجمالي .

وقد وجدت نابتة في الآونة الأخيرة على طريقة علماء الكلام تجعل التوحيد قسما واحدا هو: توحيد الربوبية فقط، وتنكر ما عداه، فلم يزيدوا على ما أقر به المشركون، ولم يعلموا - أو هم يتجاهلون - أن القرآن الكريم قد دل على التوحيد بأقسامه الثلاثة في آيات كثيرة .

وجدت طائفة أخرى تقول: إن التوحيد أربعة أقسام، وتزيد من عندها توحيد الحاكمية، ولم تعلم أن هذا القسم الذي زادوه هو قسم من توحيد الألوهية، وليس قسيما له . ويجوز اعتباره من توحيد الربوبية من ناحية أن التشريع من اختصاص الرب سبحانه وتعالى .

وقد تكلم الشيخ على توحيد الألوهية في معظم أبواب هذا الكتاب أول باب منه يقول: "كتاب التوحيد، وقول الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فاعتنى بتوحيد الألوهية، لأنه هو المقصود، وتوحيد الربوبية دليل عليه، وداخل في ضمنه .

ثم ذكر في هذا الباب توحيد الأسماء والصفات ، ولم يذكر توحيد الربوبية، لأن توحيد الربوبية معترف به عند جميع الخلق، وتقر به حتى الأمم الكافرة على جاهليتها وشركها، ولكنه خص باب الأسماء والصفات هنا لأن منكريه من هذه الأمة من الفرق الضالة كثيرون .

فأراد بهذا الباب أن يبين حكم هذه الفرق المخالفة في هذا النوع العظيم من أنواع التوحيد .

ولهذا قال: "باب من جحد الأسماء والصفات " أي: بيان حكمه .

قال: "وقول الله تعالى: وهم أي: المشركون .

يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ أي: ينكرون هذا الاسم الكريم، ويجحدونه .

ويوضح ذلك سبب نزول الآية، وهو: أن كفار قريش لما سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الرحمن، قالوا: وما الرحمن؟ لا نعرف الرحمن إلا رحمان اليمامة يعنون: مسيلمة الكذاب ، وذلك عندما صالح النبي صلى الله عليه وسلم المشركين في الحديبية وأراد أن يكتب الصلح، ونادى علي بن أبي طالب ليكتب الصلح، فقال له: "اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم قالوا: لا نعرف الرحمن إلا رحمان اليمامة ولكن اكتب باسمك اللهم . فأنزل الله تعالى: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ .

وكذلك لما كان النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وكان يصلي ويدعو في سجوده: "يا الله، يا رحمن" فقال المشركون لما سمعوه: انظروا إلى هذا يزعم أنه يعبد ربا واحدا وهو يدعو ربين: الله والرحمن، قال الله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى .

بين سبحانه أن أسماءه كثيرة، وتعدد الأسماء لا يدل على تعدد المسمى، بل تعدد الأسماء يدل على عظمة المسمى، والله جل وعلا له أسماء كثيرة، قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وقال سبحانه وتعالى: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وقال تعالى في آخر سورة الحشر: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إلى قوله: لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فالله له أسماء كثيرة، كلها حسنى، يعني: تامة عظيمة، تشتمل على معان جليلة .

وفي الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك فدل على أن أسماء الله كثيرة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى .

وكثرة الأسماء الحسنى تدل على عظمة المسمى .

فكل اسم يدعى به ويطلب منه تعالى ما يتضمنه ذلك الاسم من الرحمة والمغفرة والتوبة وغيرها .

وقوله: فَادْعُوهُ بِهَا يعني: توسلوا إليه بها في دعائكم، كأن تقول: يا رحمن ارحمني، يا غفور اغفر لي، يا تواب تب علي، يا رازق ارزقني . وهكذا .

وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ يعني: ينكرونها، أو ينكرون معانيها ويحرفونها، توعدهم الله بقوله: سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .

والإيمان بأسماء الله وصفاته هو مذهب أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين، وأتباعهم إلى يوم القيامة، فأهل السنة والجماعة يؤمنون بأسماء الله وصفاته التي سمى الله تعالى بها نفسه، أو سماه بها رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، يؤمنون بها، ويثبتون معانيها وما تدل عليه، ولكن كيفيتها لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى .

أما الفرق الضالة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة ومشتقات هؤلاء فإنهم يجحدونها، فمنهم من يجحد الأسماء والصفات وهم الجهمية ولذلك كفرهم كثير من علماء هذه الأمة، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في "النونية":

ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشـر مـن العلمـاء فـي البلدان



يعني: كفر الجهمية خمسمائة عالم من هذه الأمة، لأنهم يجحدون الأسماء والصفات، فلا يثبتون لله اسما ولا صفة .

والمعتزلة أثبتوا الأسماء ولكنهم جحدوا معانيها، وجعلوها أسماء مجردة، ليس لها معان .

والأشاعرة أثبتوا الأسماء وبعض الصفات، وجحدوا كثيرا من الصفات، فأثبتوا سبع صفات، وبعضهم يثبت أربع عشرة صفة، والبقية يجحدونها وينكرونها .

وكل هؤلاء فرق ضالة، وهم يتفاوتون في ضلالهم .
 
بارك الله بك , شكراً أخي الكريم
سؤالي هو هل يعني جواب المشركين( خلقهن) العزيز العليم انهم يقرون ويعترفون بان من اسماء الله الحسنى العزيز والعليم .
 
هذا السؤال أجاب عنهم المفسرون رحمهم الله تعالى، ومن أهم ما وقفت عليه من أقوالهم قول الزمخشري وأبي السعود وسيد قطب، وكأن بعضها يشرح بعضا:

قال الزمخشري:

فإن قلت : قوله : { لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العزيز العليم } وما سرد من الأوصاف عقيبه إن كان من قولهم ، فما تصنع بقوله : { فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } [ الزخرف : 11 ] وإن كان من قول الله ، فما وجهه؟ قلت : هو من قول الله لا من قولهم . ومعنى قوله : { لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العزيز العليم } الذي من صفته كيت وكيت ، لينسبنّ خلقها إلى الذي هذه أوصافه وليسندنه إليه . (وقد استحسن الآلوسي قول الزمخشري).

وقال ابن عطية:

ومقتضى جواب قريش أن يقولوا « خلقهن الله » فلما ذكر تعالى المعنى جاءت العبارة عن الله بـ { العزيز العليم } ليكون ذلك توطئة لما عدد بعد من أوصافه التي ابتدأ الإخبار بها وقطعها من الكلام الذي حكى معناه عن قريش.

وقال أبو السعود:

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العزيز العليم } أي ليُسنِدُنَّ خلقَها إلى مَنْ هذا شأنُه في الحقيقةِ وفي نفسِ الأمرِ ، لا أنَّهم يُعبِّرونَ عنه بهذا العُنوانِ . وسلوكُ هذه الطريقةِ للإشعارِ بأنَّ اتصافَهُ تعالى بَما سُردَ من جلائلِ الصفاتِ والأفعالِ وبما يستلزمُه ذلكَ من البعثِ والجزاءِ أمرٌ بينٌ لا ريبَ فيهِ وأنَّ الحجةَ قائمةٌ عليهم شاؤُا أو أبَوا . وقد جُوِّزَ أن يكونَ ذلك عينَ عبارتِهم .

وقال سيد قطب:

لقد كانت للعرب عقيدة نظن أنها بقايا من الحنيفية الأولى ملة إبراهيم عليه السلام ، ولكنها بهتت وانحرفت ودخلت فيها الأساطير وقد بقي منها ما لا تملك الفطرة إنكاره من وجود خالق لهذا الكون ، وأنه هو الله ، فما يمكن في منطق الفطرة وبداهتها أن يكون هذا الكون قد نشأ هكذا من غير خالق؛ وما يمكن أن يخلق هذا الكون إلا الله . ولكنهم كانوا يقفون بهذه الحقيقة التي تنطق بها بداهة الفطرة عند شكلها الظاهر ، ولا يعترفون بما وراءها من مقتضيات طبيعية لها :
{ ولئن سألتهم : من خلق السماوات والأرض؟ ليقولن : خلقهن العزيز العليم . . . } . .
وواضح أن هاتين الصفتين : { العزيز العليم } ليستا من قولهم . فهم كانوا يعترفون بأن الذي خلقهن هو « الله » . . ولكنهم لم يكونوا يعرفون الله بصفاته التي جاء بها الإسلام . هذه الصفات الإيجابية التي تجعل لذات الله في نفوسهم أثراً فعالاً في حياتهم وحياة هذا الكون . كانوا يعرفون الله خالقا لهذا الكون ، وخالقاً لهم كذلك . ولكنهم كانوا يتخذون من دونه شركاء . لأنهم لم يعرفوه بصفاته التي تنفي فكرة الشرك ، وتجعلها تبدو متهافتة سخيفة .
والقرآن هنا يعلمهم أن الله ، الذي يعترفون بأنه خالق السماوات والأرض ، هو { العزيز العليم } . . فهو القوي القادر ، وهو العليم العارف . فيبدأ بهم من اعترافهم ، ويخطو بهم الخطوات التالية لهذا الاعتراف .
ثم يمضي بهم خطوة أخرى في تعريف الله سبحانه بصفاته؛ وفي بيان فضله عليهم بعد الخلق والإنشاء :
{ الذي جعل لكم الأرض مهدا ، وجعل لكم فيها سبلاً ، لعلكم تهتدون }.

رحم الله علماءنا الأفذاذ ونفعنا بعلمهم.
 
تصحيح:
ورد في مطلع كلامي خطأ: "أجاب عنهم" والصواب: "أجاب عنه"
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا عن هذا الجواب المستوفي .هذا ما كنت اود معرفته.
 
عودة
أعلى