[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
المسائل الثلاث تشترك في أمر واحد ، وهو تعظيم المصحف ، وهو أهل للتعظيم والاحترام ، وكل ما يوهم امتهانه فهو منهي عنه ، ولا أشك أن قصد من منع من هذه الأمور يرمي إلى تربية النشء على تعظيم قدر كتاب الله في النفوس. غير أن الخروج عن حد الاعتدال في ذلك يوجب الحرج والمشقة ، ولا سيما الطلاب والطالبات الذين يحتاجون إلى حمل المصحف كله أو شيء منه إلى المدرسة للنظر والقراءة فيه كل يوم تقريباً ، وفي إلزامهم بالتزام ما ورد في الأسئلة مشقة وعسر ، لا يتهيأ لكل أحد أن يلتزم بها ، ولا يخل بشيء منها على طول التعامل مع المصحف.
فأما المسألة الأولى ، وهي (النهي عن وضع المصحف بحيث تكون سورة البقرة في أسفله وسورة الناس في أعلاه) فلعل مَنْ نَهى عن ذلك نظر إلى موضوع ترتيب السور في المصحف ، وأنه يجب أن يوضع المصحف في موضعه على هذا الترتيب بحيث تبقى الفاتحة والبقرة أعلاه ، غير أنه لا دليل على ذلك فيما أعلم ، ولم أجد أحداً ممن تكلم عن آداب التعامل مع المصحف تعرض لهذا ، ولذلك فلعل الصحيح عدم اعتبار هذا الأمر في وضع المصحف في موضعه. وهذا ليس داخلاً في مسألة ترتيب المصحف مع غيره من الكتب التي تكلم العلماء عنها ، بحيث يكون المصحف أعلاها.
وأما المسألة الثانية وهي (النهي عن وضع الحقيبة التي فيها المصحف على الظهر أو في الأرض) فقد ورد سؤال للشيخ حسين المغربي رحمه الله تعالى : ما قولكم فيمن ربط المصحف بشيء ، ووضع ذلك الشيء على كتفه ، فصار القرآن خلف ظهره ، هل يعد ذلك من الامتهان المحرم أم لا ؟ فأجاب :
في (الزرقاني[أي شرح الزرقاني للموطأ]) أن هذا ليس من الامتهان المحرم والله أعلم.
وجاء في الفتاوى البزازية : لو وُضعَ المُصحفُ في الخُرْجِ وركب عليه في السفر لا بأس به ، كوضع المصحف تحت رأسه للحفظ ، ولغيره يكره).
انظر : مجموع فتاوى القرآن الكريم جمع وتحقيق د.محمد موسى الشريف 1/259-260
وأما المسألة الثالثة ، وهي (النهي عن وضع خط أسفل الكلمة التي تخطئ فيها الطالبة لمراجعتها وتذكر الخطأ لاحقاً) فقد ورد كلام لبعض العلماء عن جواز الكتابة على المصحف ، بحيث لا يكتب إلا المهم المتعلق بلفظ القرآن دون القصص والأعاريب الغريبة ، ولم أجد من أشار إلى حكم وضع علامات على الكلمات التي يكثر الخطأ في قراءتها للتنبه إليها مستقبلاً كما في السؤال . والذي يبدو لي والله أعلم أن التأدب مع المصحف بعدم الكتابة عليه هو الأولى ، حتى يستقر في نفوس الطلاب منذ الصغر تعظيم هذا الكتاب ، غير أنه يمكن أن يعفى عن مثل هذا في الأجزاء الخاصة بالطلاب كجزء عم ، أو ربع يس الذي يتعلم فيه الطلاب في المراحل الأولية ، وتعتبر هذه النسخة من القرآن للتعليم خاصة بالطالب أو الطالبة فقط ، فيعفى عن مثل هذه العلامات التي تكون معينة للطالب أو الطالبة على حسن القراءة والمراجعة ، على أن يكون ذلك في حدود ضيقة والله أعلم.
فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن الشهري وفقه الله..
شكر الله لكم وأجزل ثوابكم فقد أفدتم وأجدتم، وليس مثلي من يقيم قولكم، وقد قرأت للتو ردكم، وكنت قد كتبت جواباً قبل أن أقرأ ماسطرتم، ولعله يتفق في مجمله مع ما قررتموه وإن أعوزني ما تفضلتم به من نقل. وقد عزمت على إرساله للقائمات على الأمر نصحاً لهن، فأذن لي بتعليقه هنا من أجل تصويبه بتسديداتكم وتسديدات المشايخ الفضلاء، أو نقاشها.
مع عظيم الشكر والامتنان لما بذلتموه من وقت في الكتابة والنقل، فجزاكم الله خيراً.
الشيخ الفاضل أبو بيان، شكر الله لك المرور، وما عجبتَ منه عجبتُ منه، وقبل أن أنصح المانع سألت النصيحة، فأجزل الله ثواب من أجاب ونصح، ومن تفاعل وشارك.
أما الجواب الذي كتبته فنصه:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فإن تعظيم كتاب الله عزوجل مطلوب، وقد أجمعت الأمة على وجوب تعظيم القرآن على الإطلاق وتنزيهه وصيانته، كما نقل النووي وغيره، قال الله تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، قال القرطبي: "الشعائر جمع شَعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعَر به وأعلم"، وقال سبحانه في آية قبلها: (ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير خير له عند ربه)، قال الشوكاني: "قال الزجاج: الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه، وهي في هذه الآية ما نهي عنها، ومنع من الوقوع فيها. والظاهر من الآية عموم كل حرمة في الحج وغيره كما يفيده اللفظ وإن كان السبب خاصاً، وتعظيمها ترك ملابستها". فإذا تقرر هذا بقي الحديث عن الضابط الذي يعرف به الفعل هل هو من التعظيم للحرمات أو الشعائر أم لا؟
وبيانه أن الفعل إما أن يكون مأثوراً عن السلف فعله أو تركه، أو لايكون.
فإن لم يكن فإما أن يكون للقياس فيه مدخل أو لايكون.
فإن لم يكن للقياس فيه مدخل فإما أن يدل العقل أو العرف أو تدل اللغة على أنه من جملة التعظيم أو لايدل.
فأما إن أثر شيء عن السلف –فعل أو ترك- فرأيهم خير لنا، وفهمهم مقدم على فهمنا، ولاسيما إن كانوا من جملة القوم الذين شهدوا الوحي، وعاينوا التنزيل، وعاش بينهم صاحب الوحي المُسَدَّد المُسَدِّد صلى الله عليه وسلم.
وأما إن لم يؤثر عن الصدر الأول شيء فينظر هل للفعل في القياس مدخل أو هو عبادة محضة، ليس للقياس فيها مدخل؟ فمن أمثلة الذي ليس للقياس فيه مدخل، القول بتقبيل بقية أركان البيت تعظيماً، قياساً على ما ثبت بالتوقيف وهو تقبيل الحجر الأسود الذي لاينفع ولايضر بذاته، ولم تجر عادة تعظيم الجمادات بتقبيلها، كما أن التقبيل ليس طريقاً للتعظيم مطرداً بل قد يكون وقد لايكون، ولذا كان تقبيل الحجر الأسود عبادة محضة، كعدد الصلوات وتحديد شهر رمضان دون غيره بالصيام ونحو ذلك مما لاتدرك علته فلايمكن القياس عليه.
فإن كان للقياس فيه مدخل بأن أمكن إلحاقه بحكم شرعي ظاهر العلة ثبت أنه تعظيم ألحق به.
كقول من قال بجواز الصلاة لبعض الآيات كالزلازل قياساً على الكسوف أو الاستسقاء الذي شرع لأجل طلب رزق أو دفع ضر، مع اندراجه في عمومات الشريعة المرشدة إلى الفزع إلى الصلاة، والصحيح أنه لم يثبت في صلاة الزلزلة شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ولا عن الصحابة رضوان الله عليهم، والله أعلم.
وكذلك قول بعضهم بجواز إخراج زكاة الفطرة بقيمتها النقدية قالوا لاعتبار المعونة فيها والمال قد يكون أجدى في تحقيقها.
وأظهر من هذا المثل بل أصح الهدية، كالقول باستحسان إهداء عرض معين وتفضليه على غيره وإن كان أقل ثمناً أو قيمة، إذا كان أكثر تعبيراً عن علتها كالمحبة إذا كانت هي الدافع للإهداء، أو الصداقة أو غيرهما، والقول بمنع إهداء شيء بعينة إن كان يعود على التحاب بالإبطال.
ومن الأمثلة التي تتعلق بموضعنا (تعظيم كتاب الله جل وعلا) وضع المصحف على وسادة أو حامل أو نحوهما مما يمنع مباشرته الأرض، قياساً أولوياً على وضع التوارة في الكرسي كما جاء في الأثر وقد صححه جمع من أهل العلم.
أو القول بجواز تقبيله قياساً بوضعه على الوجه كما رُوي عن عكرمة. أما قياسه على تقبيل رأس الوالد تعظيماً له فمحتمل، لأن تقبيل رأس الوالد طريق يشعر به الولد والده بتعظيمه إياه، ويستدل به الوالد على تعظيم ابنه له. إلاّ أنه قد يقال ينبغي أن يكون التقبيل لليد أو الرأس إجلالاً وتعظيماً عند من يعقل معناه، لا من عداه، ويشكل عليه تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون –رضي الله عنه- لما مات، وتقبيل أبوبكر –رضي الله عنه- للنبي صلى الله عليه وسلم لما مات، وقد يجاب عليه بأن العرف جرى بأن تقبيل الصالح أو من له حق فضلاً عن النبي من جملة إجلاله، أو هو من قبيل الشفقة كما في فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعثمان، أو التبرك كما فعل أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو هو خاص بمن يبلغه السلام حياً وميتاً عليه الصلاة والسلام.
وفرق بين بني آدم وسائر السائمة والجمادات وإن جلت، ولعله لأجل هذا المعنى قال عمر رضي الله عنه قولته المشهورة عند تقبيله الحجر الأسود إذ هي محض عبادة. وكذلك إنكار ابن عباس على معاوية رضي الله عنهما تقبيله بقية الأركان.
ومن نحو ذلكً وضع المصحف على العينين، قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: "وعنه التوقف فيه [يعني التقبيل] وفي جعله على عينيه قال القاضي في الجامع الكبير إنما توقف عن ذلك وإن كان فيه رفعة وإكرام لأن ما طريقه القرب إذا لم يكن للقياس فيه مدخل لا يستحب فعله، وإن كان فيه تعظيم إلا بتوقيف ألا ترى أن عمر لما رأى الحجر قال لا تضر ولا تنفع ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك. وكذلك معاوية لما طاف فقبل الأركان كلها أنكر عليه ابن عباس, فقال: ليس في البيت شيء مهجور. فقال: إنما هي السنة. فأنكر عليه الزيادة على فعل النبي صلى الله عليه وسلم". أهـ المراد.
أما إن كان الفعل عبادة محضة، ولم يرد بخصوصه أثر-وبعضهم شرط نقل الفعل وإلاّ عد متروكاً، ولعله ليس بسديد- فالصحيح أنه إما أن يندرج تحت نص عام أو لايندرج.
فإن لم يندرج منع.
وإن اندرج ساغ. ومن طريق معرفة اندراجه تحت النص العام من عدمه اللغة أو العرف أو العقل.
فما لم تدل اللغة أو العرف أو العقل على اندراجه ضمن عموم المأمور به أو المنهي عنه فلا يقال بتناوله له، ولهذا لم يقل أحد من أهل العلم فيما يظهر بندب تقبيل البُدن أو الهدي مع أن البدن أو الهدي أول ما يندرج في قوله تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).
ولكن ليس تقبيل البدن المهداة من تعظيم الشعيرة لا لغة ولا عقلاً ولا شرعاً، بخلاف تسمينها فإنه يندرج تحت تعظيمها لغة وعقلاً وشرعاً.
أما عد تقبيل المصحف تعظيماً بعموم النص فبابه العرف إذا جاء عملاً بمجرد العموم، أو القياس على ما مضى ذكره.
فإذا تقرر مما سبق من أنه لاسبيل لعد الفعل تعظيماً بغير ما ذكر بل لعل في بعض ما ذكر ما يخالف بعض أهل العلم في اعتباره طريقاً صحيحاً للتعظيم المشروع.
إذا تقرر هذا فإن القول بأن من تعظيم المصحف وضعه على جنبه بحيث تكون سورة الناس في أسفله وسورة البقرة في أعلاه، أو القول بأن من تعظيم الحرمات عدم وضعه بحيث تكون سورة الناس في أعلاه. قول محدث لم يقل به أحد من السلف في قرونهم المفضلة الأول، ولايدل عليه قياس، ولايندرج أحد الفعلين لغة ولا عرفاً ولا عقلاً تحت مسمى التعظيم.سواء على القول بأن ترتيب المصحف توقيفي، أو اجتهادي، فليس في وضع المصحف على أحد جنبتيه تغييراً لذلك الترتيب.
وقد علم أن من نشر مصحفاً أمامه يقرأ فشقه الأيمن يكون أعلاه آخره من حيث ترتيب السور، فهل يقال: إذا قرأ قل هو الله أحد والمعوذتين ساغ ذلك فإذا فرغ منهما فقلب الصفحة لم يسغ؟
وإن زعم بأن وضعه بهذه الصفة دليل على عدم العناية، فلا يسلم، فما الذي جعل قارئا متدبراً ختم الكتاب ثم أغلقه وقبله ووضعه أمامه، غير معتنياً به، والآخر الذي طبق دفتيه مستعجلاً على الجنب الذي تذكره كان معتنياً متأدباً! بل ما يفيد العناية والأدب أمور أخرى قد تقترن بكلا الفعلين السائغين الجائزين.
ولو قال قائل وضع الكتاب على الصفة التي أنكرت أحرى وأولى ليكون فهرس السور بآخره أقرب للقارئ فيكون رجوعه إلى الصفحة التي أراد أسرع لكان لقوله وجه.
وبالجملة فإن الإلزام بوضع المصحف على أحد شقيه تحكم وإلزام بغير ملزم وأخشى أن يكون إلى البدع المحدثة أقرب، والله أعلم.
وأما المسألة الثانية:
وهي النهي عن وضع المصحف في الحقيبة ثم وضعها في الأرض أو على الظهر.
فلعلها كالسابقة إلاّ إن كان في الحقيبة غير المصحف معه ثم وضع بحيث يكون فوقه فهذه الأولى أن تترك. وإنما قال أهل العلم بكراهة وضع المصحف مباشراً للأرض ولم يره آخرون كذلك إذا كان على غير وجه امتهان، وإلاّ فهو كفر عند جميعهم.
وأما المسألة الثانية:
فلعل الأولى تركها، والأخطاء يمكن تحديدها بكتابة رقم الآية والسورة في ورقة، ولا يلزم وضع خط تحتها، فقد جاءت في النهي عن الخط آثار عن بعض السلف ولم تثبت إلاّ أن الأمر بتجريد القرآن وكراهتهم خلطه بغيره ثابتة، وقد قال بعضهم بالتفريق بين ما يسهل تمايزه عن القرآن، وبين ما هو من القرآن، وبين الكلام الذي قد يختلط به، إلاّ أن الخروج من الخلاف أولى ولاسيما إذا كان ليس ثم ما يأطر إلى الدخول فيه.
وعليه فإني أوصي الأخوات في الجمعية بأن لايجعلوا هذه المسائل محل تعنت وإلزام، ولاسيما المسألة الأولى.
وأن يحرصوا على الإلزام بما ثبت أنه من التوقير والاحترام، والنهي عن ما ورد أنه من ما لاينبغي فعله وهذا كثير مفصل في مظانه، وقد ذكر القرطبي جملة منه في مقدمة تفسيره.
والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا مما له صلة بموضوع السؤال أيضاً ، كتبه الشيخ عبدالله بن يوسف الجديع عن تكريم المصحف حيث قال:
(كلُّ فعلٍ لم تنهَ عنهُ الشريعةُ ، مِمَّا يُقصد به تكريمُ المصحف ، وتعظيمهُ فهوحَسَنٌ مقبولٌ ؛ لأن ما كان من الأفعال مباحاً في الأصل إذا استُعملَ للتوصل به إلى مشروعٍ فهو مشروعٌ بهذا الاعتبار ، ما لم يعتقد صاحبُه أَنَّه سنةٌ لذاته ، أو مطلوبٌ لذاته ؛ خشيةَ أن يضيف لدين الإسلام ما ليس منه.
ومن هذا ما يتصلُ من الأفعال بتعظيم المصحف ، فإن ذلك من الإيمان ... والله تعالى يقول :{ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}[الحج : 32] ، وهذا عامٌّ في كل ما أشعر الله به عباده وأعلمهم ، كل ذلك تعظيمه من التقوى.
وهذا بابٌ مرجعنا فيه إلى عموماتِ النصوصِ ، ولا يُطلبُ له النصُّ الخاص من الهدي النبوي ؛ لأنَّ المصاحف لم تكن وجدت يومئذٍ ، فإذا صح ذلك كان مقتضى العموم إباحةَ كُلِّ فعلٍ يَحصلُ به التعظيمُ ، غير أَنَّ من الناس من قد يصيرُ إلى التكلف فيه ، لذا وجب أن يُضبطَ بضابطٍ ، وأحسنُ ما نراه ضابطاً لذلك هو : أن يكون الفعل الذي قُصِدَ به تعظيمُ المصحفِ مِمَّا أُثِرَ عن سلف الأمة من الصحابة والتابعين ، ولسنا نعني بذلك التخصيصَ للعام بأفعالهم ، أو الاحتجاج بها ، وإنما قصدنا إلى منع التكلف ، وهو مقصود شرعي صحيحٌ ، وهديُ السلفِ أَبعَدُ عن التكلفِ مع شدة تعظيمهم للقرآن ، والمصاحف كثرت في أزمانهم ، فما وجدناه من الأفعال منقولاً عنهم ، أو وجدنا عنهم نظيره ، فهو الذي ينتهى إليه ، وما لم ينقل عنهم ولم نجد له نظيراً في هديهم فيُتَركُ. وإنما دعانا إلى هذا التنبيه أن وجدنا من الناس من يتكلف أموراً يتدين بها مما يعدها من تعظيم المصحف ، والعمل بها من التنطع في الدين ، والمشقة على النفس وعموم المسلمين ، مثل :
- قيام الشخص للمصحف إذا أحضر.
- وإذا كان المصحف في جهة فإنه لا يستدبره ، فإذا كان في موضع فأراد الخروج منه ، استقبل المصحف ورجع القهقرى حتى يفارق في الموضع...)
تجد ذلك في كتابه المقدمات الأساسية في علوم القرآن 562-563
شكر الله لكم، وكلام الشيخ عبدالله الجديع -وفقه الله- جيد في عده هذا ضابطاً يعرف به ما يصح أن يكون تعظيماً، ولكن ألا ترون أن حصر الشيخ -سدده الله- ما يعرف به حد التعظيم بما ورد عن السلف يعود على العموم بنوع إبطال، وعلى التعظيم بنوع تقييد.
وهذا يحتاج إلى مزيد بحث وتأمل، فمبناه على عدم النقل، وقد تقرر أن عدم النقل ليس نقلاً للعدم، فيبقى العام على عمومه، والمطلق على إطلاقه. ولا يعرتض بأن العبادات توقيفية هنا كما هو ظاهر لأن النص موجود، ولاعتبارات أخرى أشار إليها الشيخ إشارة يسيرة.
ولكن الإشكال في سبيل تحرير ما يشمله لفظ التعظيم، وسبيل معرفته، وإذا تحرر فبضدها تتبين الأشياء وينضبط بذلك طريق معرفة المتكلف بغير تقييد بغير تقييد لمطلق بما لا يصح مقيداً.