الأخوة الكرام وعلى رأسهم الشيخ مساعد الطيار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
عندي هذا السؤال أرجو الاجابة عليه:
هل يجب على المسلم فهم معاني جميع آيات القرآن بحيث إذا قرأ آية منه فإنه يفهم المراد منها؟ وهل يأثم إذا كان لا يفهم بعض الآيات التي يقرؤها ؟
و أقصد المعنى العام للآية بحيث ان كانت أمرا عرف المأمور به أو نهيا عرف المنهي عنه أو خبرا عرف المخبر عنه وهكذا .
وارجو التفصيل والتوضيح في الإجابة لأن هذا حال كثير من المسلمين والله المستعان
الإخوة الكرام ، لقد كنت أظن أنه قد وقع الجواب عن ذلك ، لكني وجدته مدونًا عندي ، ولأم أقم بإنزاله في الملتقى ، وما سأذكره يتعلق بجواب السؤال ، وهو ضمن كتابة فيأصول التفسير أقوم بها ، ولعل فيها ما يفيد السائل ، وهي كما يأتي :
حكم التفسير
التفسير كغيره من العلوم الإسلامية ، فأصل تعلمه فرض كفاية ، إذ لا يجب على كل الأعيان ، لكن لا يجوز أن يخلو الزمان من تعلم التفسير ، ولا من عارف به يبين معاني كلام الله لعباده .
وقد خففَ الأمرَ وجودُ كتب التفسير التي يمكن أن تُغني في بعض الأحيان من أراد معرفة تفسير كلام الله(1) ، لكنَّ هناك قدرًا من هذا العلم لا يمكن أخذه من هذه الكتب ، بل لا بدَّ من قدرٍ زائدٍ يؤخذ بالتعلُّم والممارسة ، ومبدؤه تعلم أصول التفسير .
وإذا أردت أن تقسم الناس حسب معرفتهم لما في كتاب الله ، فإنه سيظهر لك من تقسيمهم ما يأتي :
1 ـ ما لا يقوم الإسلام إلا به ، وهذا لابدَّ لكل مسلم من تعلُّمه ، وغالبًا ما يكون ذلك مما يتعلق بأصول الدين من معاملات وأخلاق وتشريعات ، ومن جهلها وجب عليه تعلُّمها .
فإذا سمع قوله تعالى : (وأحل الله البيع وحرَّم الربا) ( البقرة : 275 ) ، فلا بدَّ أن يعرف صور الربا التي حرَّمها الله ليأتي بما في هذه الآية من الحكم .
وإذا سمع قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الإسراء : 32 )، فلا بدَّ أن يعرف المراد بالزنى ليجتنبه .
وإذا سمع قوله تعالى : (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) (الحجرات : 12 )، فلا بدَّ ان يعرف المراد بالغيبة ليجتنبها .
وإذا سمع قوله تعالى : (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) ( طه : 14 ) ، فلا بدَّ أن يعرف معنى التوحيد ، والعبادة الحقة لئلا يقع في الشرك ، وهكذا غيرها من الأمور التي هي من فرائض الدين على المسلمين ، وقد ورد ذكرها في القرآن .
2 ـ الأحكام العامة ، والألفاظ الغريبة ، والمعاني المجملة التي ترد في القرآن ، وغالب هذه مما يدخل في المتشابه النسبي الذي يخفى على كثير من الناس ، لكن يعلمه العلماء ، وهذا القسم من فروض الكفايات ؛ لأنه لا يلزم كل مسلم تعلُّم جميع معاني القرآن ، حتى ولو كان في معاني أسماء الله ، وإن كان تعلمها أكمل وأشرف للمسلم .
وهنا يجب العلم بأن الإيمان بالمقتضى أصل لا ينفك بالجهل ، فلو جهل بعضهم معنى((الصمد )) في قوله تعالى : (اللَّهُ الصَّمَدُ) ( الإخلاص : 2 ) ، فإنه لا يعني نفي مدلول هذا الاسم عن الله ، وإن كان لا يلزمه أن يعرف هذا المدلول بعينه .
فإن قلت : ألا يكفي حصول التفسير في الكتب من أن يقوم أفراد بمعرفة أصول التفسير والقيام به على وجه التحرير ؟
فالجواب : أن وجوده في الكتب لا يغني شيئًا ، إذ في التفسير اختلاف وأقوال مرذولات ، ومستحدثاتٌ من الأقاويل ، فمن يقوم ببيان هذا ، ويميز الصحيح من السقيم ، والأصيل من الدخيل ؟
إذًا لابُدَّ تعلمه وتعلم أصوله ؛ لتكون الميزان الذي يقوم التفاسيرَ ، ويبين الصحيح من العليل .
…………………
(1 ) يقول ابن عرفة المالكي التونسي ( ت : 803 ) : ((وحكمه أنه فرض كفاية ، وهو الآن ساقط لحصوله في الكتب ، وقام به جمع كثير )). تفسير ابن عرفة برواية الأبي ( 1 : 60 ).
ثم قال : ((فتحصل من هذا أن فرض الكفاية باعتبار أصل التفسير قد ارتفع قبل أن يقع بقيام البعض به ، وفرض الكفاية باعتبار نقل التفسير لم يزل باقيًا )). تفسير ابن عرفة برواية الأبي ( 1 : 62 ) .
لدي حول هذا الموضوع مشاركتان :
الأولى : تتعلق بالسؤال ، والثانية : بما كتبه فضيلة الدكتور مساعد حفظه الله ، وأرجو أن يكون فيهما فائدة .
فأما مايتعلق بالسؤال فأنقل نصا للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يتعلق مباشرة بما سأل عنه الأخ كما يظهر من صيغة السؤال .
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- "تَعَلُّمُ التفسير واجب لقوله تعالى: ]كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا ءَايَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ[ (ص: 29)، ولقوله تعالى: ]أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا[ (محمد: 24).
وجه الدلالة من الآية الأولى أن الله تعالى بين أن الحكمة من إنزال هذا القرآن المبارك؛ أن يتدبر الناس آياته، ويتعظوا بما فيها.
والتدبر هو التأمل في الألفاظ للوصول إلى معانيها، فإذا لم يكن ذلك، فاتت الحكمة من إنزال القرآن، وصار مجرد ألفاظ لا تأثير لها.
ولأنه لا يمكن الاتعاظ بما في القرآن بدون فهم معانيه.
ووجه الدلالة من الآية الثانية أن الله تعالى وبخ أولئك الذين لا يتدبرون القرآن، وأشار إلى أن ذلك من الإقفال على قلوبهم، وعدم وصول الخير إليها.
وكان سلف الأمة على تلك الطريقة الواجبة، يتعلمون القرآن ألفاظه ومعانيه؛ لأنهم بذلك يتمكنون من العمل بالقرآن على مراد الله به فإن العمل بما لا يعرف معناه غير ممكن.
وقال أبو عبدالرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يُقرِؤوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود وغيرهما، أنهم إذا تعلموا من النبي r عشر آيات، لم يجاوزوها، حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والعادة تمنع أن يقرأ قوم كتاباً في فن من العلم كالطب والحساب، ولا يستشرحوه فكيف بكلام الله تعالى الذي هو عصمتهم، وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم."
انظر : تفسير ابن عثيمين 1/28
ويظهر أن مراد الشيخ معرفة المعنى العام للخطاب الذي يتأتى به الامتثال من العلم بالأوامر والنواهي ونحو ذلك ، ولايعني وجوب معرفة أصول المفردات وعلوم القرآن المتصلة بالتفسير وتفاصيل الأحكام والأخبار وماإلى ذلك ، والله أعلم .
ما نقله الشيخ الباتلي-جزاه الله خيرا- عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله واضح
وجزى الله الشيخ مساعد على هذا البيان و أرجو ان يتقبل مني هذا الاستفسار:
هل يفهم من كلامك أنه لا اشكال على انسان يقرأ آية من القرآن لا يعرف معناها العام إذا كانت هذه الآية لا تتضمن أمرا يجب على مثله العمل به وامتثاله؟
مثلا لو قرأ انسان قوله تعالى : (والعاديات ضبحا فالموريات قدحا ...) الآيات وهو لا يعرف ماذا يقسم الله به ثم قرأ ( إن الانسان لربه لكنود ) وهو لا يعرف معنى ( كنود) وقس على هذا ما هو مثله ، فهل يجب عليه أن يسأل أهل العلم عنها أو يبحث في كتب أهل التفسير أم انه لا عتب عليه حين يتجاوزها وهو لا يعرف معناها؟
و أشكر الشيخ ابي مجاهد على احيائه هذا الموضوع بمشاركته فقد كنت كتبت هذا السؤال منذ اسبوع تقريبا ولكني أعلم أن الاخوة مشغولين بغيره مما هو أولى منه.
وأجدد الشكر مرة أخرى لمن أفادنا في هذا الشؤال وللقائمين على هذا المنتدى ولكل من أسهم في تفعيله ونشر الفائدة فيه
المشاركة الثانية : حول تعليق فضيلة الدكتور مساعد ، ولامزيد على ماذكره حفظه الله ، ولكني أطرح بين يديه ماجال في خاطري ، وأنا في انتظار تصحيح الخطأ ، وإزاحة المشكل ، بحسن بيانكم ، وجودة تحقيقكم كما عهدناه .
1-ذكرت – حفظك الله - هذين القسمين للناس حسب معرفتهم لما في كتاب الله ، وكأن القسمين لتفسير القرآن أو معاني آيات الكتاب العزيز .
وأما الناس حسب معرفتهم لما في كتاب الله فعلى قسمين :
أ-من يعرف معاني كلام الله تعالى بالفعل أو بالقوة القريبة من الفعل .
ب-من يجهل ذلك أو بعضه .
2-ذكرت القسم الأول : ما لا يقوم الإسلام إلا به ، وهذا لابدَّ لكل مسلم من تعلُّمه ، ومثلت له بقوله تعالى : (وأحل الله البيع وحرَّم الربا) ( البقرة : 275 ) ، وأنه لا بدَّ لكل مسلم أن يعرف صور الربا .
ولايخفى على فضيلتكم أن صور الربا من أدق وأعوص أبواب الفقه ، حتى قال ابن قاسم رحمه الله في حاشية الروض :"باب الربا من أشكل الأبواب على كثير من أهل العلم " ، فهل يطالب كل مسلم ومسلمة بمعرفة صور الربا على تنوعها وإشكالها ؟
أرجو من فضيلتكم تجلية الأمر .
3-ذكرت – وفقك الله – القسم الثاني : الأحكام العامة .. ، ويبدو أن الأحكام العامة داخلة في القسم الأول ، فما لايقوم الإسلام إلا به ولابد لكل مسلم من تعلمه ؛ أحكام عامة وليست خاصة ببعض المكلفين دون بعض ، فلم يظهر لي التمايز بين القسمين .
أرجو من فضيلتكم التوضيح في هذه المسألة الهامة .
شاكرين لكم ماتتحفونا به من الفوائد والتحريرات ، زادكم الله وإيانا من فضله .
والسلام عليكم ،،،
[مجموع الفتاوى 17/440] فإن قيل: أفلا يجب على كل مسلم معرفة معنى كل آية؟ قيل: نعم، لكن معرفة معاني الجميع فرض على الكفاية، وعلى كل مسلم معرفة ما لا بد منه، وهؤلاء ذمهم اللّه؛ لأنهم لا يعلمون معاني الكتاب إلا تلاوة، وليس عندهم إلا الظن، وهذا يشبه قوله: {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} [هود: 110].
وعليه فالذي يجب أن يكون في المسلمين من يعرف معنى العاديات والموريات و كلمة "كنود"
لكنه فرض كفاية ويكفي على المسلم العادي أن يعلم أن جحد النعم من الصفات السيئة وإن لم يعرف معنى الآية
والله أعلم