الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد أشار الإمام الطبري رحمنا الله وإياه إلى جواب هذا الإشكال عند تفسير تلك الآية فقال ما نصه:
(وهذه الآية مخرجها في الشفاعة عام والمراد بها خاص,وإنما معناه: من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة لأهل الكفر بالله,لأن أهل ولاية لله والإيمان يشفع بعضهم لبعض,وقد بينا صحة ذلك بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع... ثم قال رحمه الله عقب ذلك:(وفي قوله تعالى ذكره: {والكافرون هم الظالمون}دلالة واضحة على صحة ما قلناه وأن قوله(ولا خلة ولا شفاعة)إنما هو مراد به أهل الكفر,فلذلك أتبع قوله ذلك (والكافرون هم الظالمون)فدل بذلك على أن معنى ذلك:حرمنا الكفار النصرة من الأخلاء,والشفاعة من الأولياء والأقرباء ولم نكن لهم في فعلنا ذلك لهم بظالمين,إذ كان ذلك جزاء منا لما سلف منهم من الكفر بالله في الدنيا بل الكافرون هم الظالمون أنفسهم بما أتوا من الأفعال التي أوجبوا لها العقوبة من ربهم..
*** فإن قال قائل:
وكيف صرف الوعيد إلى الكفار والآية مبتدأة بذكر الإيمان؟؟
قيل له إن الآية قد تقدمها ذكر صنفين من الناس:
أحدهما أهل كفر,والآخر أهل إيمان وذلك قوله {ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر}ثم عقب الله تعالى ذكره الصنفين بما ذكرهم به فخص أهل الإيمان بما يقربهم إليه من النفقة في طاعته,وفي جهاد أعدائه من أهل الكفر به قبل مجيء اليوم الذي وصف صفته,وأخبر فيه عن حال أعدائه من أهل الكفر به,إذكان قتال أهل الكفر به في معصيته ونفقتُهم في الصد عن سبيله,فقال تعالى ذكره{يا أيها الذين آمنوا أنفقوا}أنتم{مما رزقناكم}في طاعتي إذ كان أهل الكفر بي ينفقون في معصيتي{من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه}فيدرك أهل الكفر فيه بابتياع ما فرطوا في ابتياعه في دنياهم {ولا خلة }لهم يومئذ تنصرهم مني,ولا شافع لهم يشفع عندي فتنجيهم شفاعته لهم من عقابي,وهذا يومئذ فعل بهم جزاءا لهم على كفرهم,وهم الظالمون أنفسهم دوني,لأني غير ظلام لعبيدي.. )3/3-4
ويقول القرطبي رحمه الله عند قوله تعالى (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة..)الآية
وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله(لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة) النفس الكافرة لا كل نفس..)1/419