بسم الله الرحمن الرحيم
هذه أولاً بعض النقولات عن المفسرين ، ثم يتبعها الجواب الصريح عن السؤال من كلام ابن القيم رحمه الله .
جاء في تفسير القرطبي لقول الله تعالى : ( وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَِ ) [الزمر] ما نصه :
( الثعلبي : والعرب تدخل الباء أحياناً في التسبيح وتحذفها أحياناً ، فيقولون : سبح حمداً الله ، قال الله تعالى : سبح اسم ربك الأعلى [ الأعلى : 1] وقال : فسبح باسم ربك العظيم [ الواقعة : 74] )
وفي تفسير الرازي لآية الأعلى "سبح اسم ربك الأعلى " : ( قال الفراء: لا فرق بين { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبّكَ } وبين { فَسَبّحْ بِٱسْمِ رَبّكَ } قال الواحدي: وبينهما فرق لأن معنى { فَسَبّحْ بِٱسْمِ رَبّكَ } نزه الله تعالى بذكر اسمه المنبىء عن تنزيهه وعلوه عما يقول المبطلون، و { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبّكَ } أي نزه الاسم من السوء .)
وقال أبو حيان : ( ويظهر أن سبح يتعدى تارة بنفسه، كقوله: { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبّكَ ٱلاَعْلَىٰ } ، {ويسبحوه }؛ وتارة بحرف الجر، كقوله: { فَسَبّحْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلْعَظِيمِ })
وقال ابن عاشور : ( والباء الداخلة على { اسم } زائدة لتوكيد اللصوق، أي اتصال الفعل بمفعوله وذلك لوقوع الأمر بالتسبيح عقب ذكر عدة أمور تقتضيه حسبما دلت عليه فاء الترتيب فكان حقيقاً بالتقوية والحث عليه، وهذا بخلاف قوله: { سبح اسم ربك الأعلى } [الأعلى: 1] لوقوعه في صدر جملته كقوله: { يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلاً } [الأحزاب: 41، 42].) انتهى
[color=0000FF]ومن النصوص الصريحة في هذه المسألة قول ابن القيم في بدائع الفوائد :
( فإن قيل : فما الفائدة في دخول الباء في قوله : " فسبح باسم ربك العظيم " [ الواقعة : 74 ] ولم تدخل في قوله : " سبح اسم ربك الأعلى " [ الأعلى : 1 ] ؟
قيل التسبيح يراد به التنزيه والذكر المجرد دون معنى آخر ، ويراد به ذلك مع الصلاة وهو ذكر وتنزيه مع عمل ، ولهذا تسمى الصلاة تسبيحاً .
فإذا أريد التسبيح المجرد فلا معنى للباء ، لأنه لا يتعدى بحرف جر ، لا تقول : سبحت بالله ، وإذا أردت المقرون بالفعل وهو الصلاة أدخلت الباء تنبيهاً على ذلك المراد كأنك قلت : سبح مفتتحاً باسم ربك أو ناطقاً باسم ربك ، كما تقول صل مفتتحاً أو ناطقاً باسمه . ولهذا السر والله أعلم دخلت اللام في قوله تعالى : " سبح لله ما في السماوات والأرض " [ الحديد : 1 ، الحشر : 1 ، الصف : 1 ] ، والمراد التسبيح الذي هو السجود والخضوع والطاعة ولم يقل في موضع سبح الله ما في السموات والأرض كما قال : " ولله يسجد من في السموات والأرض " [ النحل : 49 ] ، وتأمل قوله تعالى : " إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون " [ الأعراف : 206 ] ، فكيف قال : ويسبحونه لما ذكر السجود باسمه الخاص فصار التسبيح ذكرهم له وتنزيههم إياه . ) انتهى[/color]