سؤالان ولا الخليل بن أحمد لهما

ابن الشجري

New member
إنضم
18/12/2003
المشاركات
101
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
[align=justify] تطرق سمعك أحيانا بعض الأسولة التي لسهولتها تصيبك بالعجمة ويستعصي عليك إجابتها ، أسمعتم بمثل هذا ؟!.

نعم ، فكم من سؤال شرود على الفهم فككنا عقاله وحططنا شماله بحمد الله ، إلا أن هذه الأسولة السهلة البريئة تؤرقني في كثير من المرات ، وكأنها تريد التعبير عما يسميه البعض بالسهل الممتنع ، فتأخذ بي كل مأخذ ، حتى أضرب لها الأخماس بالأسداس وأعوذ وألوذ بالله رب الناس ، وتلجمني فلا أجد لها جوابا إلا ابتسامة عريضة يكاد السائل من هولها يفر ، وأكاد من تصنعي لها أسقط فأجر ، وما وسعني إلا أن أردد لها أبيات ألسامرائي



[poem=font="Simplified Arabic,6,blue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
طليــق القول في الجلَىَ عييّ=وسَحبـان البلاغة باقليُّ
أأحصر والبــلاغة طوع أمري=يلف خواطري ليل دجيّ
أأهرع للدموع وقد عصتني=ودمع الحر في البلوى عصيُّ
وقد تغني دموعٌ ذاتَ خدر=ويـأنف ذرفــها شـهم أبيّ [/poem]

وقد كنت أحسبني في هذا وحدي ، حتى ضاق صدري وعيل صبري ، وهالني أن مزجت في علمي الصفو بالكدر ، وجمعت فيه بين العرر والغرر ، واستغربت كيف أصابني هذا حتى قرنت في فهمي بين الأروى والنّعام ، وجمعت في كلامي بين التبر والرغام ، وقانا الله وإياك شر اجتماع الفصاحة والعي ، فهذا البلاء أشد مايكون من العجمة كما قال الأصمعي .

فلما علمت بأني لست في هذا الوادي وحدي ، وأنه يصحبني فيه كثير من بني جنسي ، تذكرت قول القائل : في كل واد بنو سعد ، عندها سري عني وعزفت عن ندب حظي ، ودعاني هذا للتفكر في حكمة الباري ، وكيف تفرد بالكمال المطلق ومطلق الكمال ، وجعل من أضعف خلقه في كثير من الأحيان مايبكت كل عليم فصيح ، ويرتعد منه مفصل كل شديد قوي .

أما رأيت بنات الليل ـ البعير ـ هذا المخلوق العجيب في خلقته وطبعه كيف ترعبه الفأرة الصغيرة ، حتى لربما أخذت بزمامه فذهبت به حيث شاءت
(1) .

بل الأدهى من هذا أبا مزاحم ـ الفيل ـ (2) هذا المخلوق العظيم في خلقته كيف يرعبه السنّور الصغير ، ويرعد منه كل مفصل كبير ، وأظنك تعرف الفيل ، أم أن حالك كحال أسلافنا رحمهم الله ، فما كانت العرب تعرفه ولا تجده بأرضها ، إلا أنها تقرأه في كتاب ربها .

ويحضرني هنا قصة حسنة لن أستطيع المرور دون ذكرها ، أسوق منها ماعلق بالذهن ، وهو ما يحكى في ترجمة يحيى بن يحيى المصمودي ويقال الصادي نسبة إلى إحدى قبائل البربر،الليثي بالولاء لأن أحد أجداده منقايا أول من أسلم على يد يزيد الليثي ـ وهذا من غرائب النسب التي استغربها بعض أهل العلم رحمهم الله ـ كان هذا الرجل مفخما جدا في بلاد المغرب العربي ، لدينه وعلمه ورجاحة عقله ، وقد كان هذا من أعظم أسباب انتشار مذهب الإمام مالك في بلاد المغرب العربي ، ويا لرجاحة العقل التي كانت سبب ميل أمة بأكملها لتقليد مذهب إمام معتبر ، رحمه الله وسائر أئمة المسلمين ، وكان هذا العالم الكبير يلقب بالعاقل ، لقبه بذلك شيخه الإمام مالك في مجلس من مجالس العلم لأجل هذه القصة .

وهي : أن يحيى كان في مجلس من مجالس الإمام مالك للدرس ، إذ رفعت ألأصوات واشتدت الجلبة بمقدم الفيل ، حيث كانت العرب تتعجب من خلقته ، لأنها لم تشاهده في أرضها إلا فيما ندر، ولذلك كان يفتخر برؤيته من رآه ، كما يذكر من أبيات لأبي الشمقمق :
[poem=font="Simplified Arabic,6,blue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ياقوم إني رأيت الفيل بعدكم=فبارك الله لي في رؤية الفيل
رأيته وله شئ يحركـــه=فكدت أصنع شيئا في السراويل [/poem]

فكان أن أسرع الناس لرؤية هذا المخلوق ، وكان من بينهم من جمعهم مجلس الدرس بين يدي مالك رحمه الله ، إلا هذا الشاب الوافر الحلم فما تحرك من مجلسه وما اعترته خفة الآخرين ، بل استمر على هيئته في طلب الحديث والاستملاء له ، فعندئذ خاطبه الإمام مالك بالعاقل ، وحق له هذه التسمية .

رحم الله حالنا أيام الشبيبة وقبل أن يختط الشيب في الرأس خطط ، ياطالما شرقت بالدمع عيني لمرور الطائرة أمام ناظري ، وكم بحت الأصوات في نداء الصحبة والرفقة لمتابعة هذا المخلوق العجيب الذي يشق بنات مخر في كبد السماء ، فكانت تجتهرنا لغرابة صورتها وعظيم خلقتها ، بل وأعجب من ذلك أن هذا كان حال أساتذتنا غفر الله لهم ، فربما أخرجنا من مجالس الدرس لرؤية هذا المخلوق العجيب
، ( فأين مالك عنا ، وأين العقل منا )!.

معذرة يا كرام فأنتم تعلمون أن الشمس تجهر العين ، فأعود وأقول : من تلك الأسولة الخطيرة :

1ـ مايقع على سمعك ويوجه لك من غر صغير لم يجر عليه القلم ولا يفرق بينه وبين اليلم ، وربما لم يفارق البأبأة في النطق ، من ذلك ما أذكره من غمر صغير يمد لي بسبب ، سألني يوما عن ميت رآه بعد أن أدخل القبر، لماذا يهيلون عليه التراب ؟ وإلى أين سيذهب ؟ وهذه الجنة التي تقول مالذي فيها ؟ وهل يمكنني اصطحاب دراجتي لأرتع في فيافيها... ؟ . في سلسلة من الأسولة تأخذ بك وبفصاحتك وعلمك كل مأخذ .
فإن أسكته بزجرك ونهرك له فهذا أمر خطير .
وإن أجبته فإما أن تكذب وإما أن تستخدم المعاريض .
وإن صدقته القول فتحت له بكل حرف يسمعه منك ألف سؤال يجف له الجريض.

فكن من هؤلاء الصبية على حذر ، وإياك من الكذب الفاضح أو الصدق الناصح ، ولكن كن بين بين ، وافزع للمعاريض ففيها مندوحة عن المين ، واعلم أنه تصبب عرقي في محاورة هذا الغمر الغرير ، فبعد أن ظننت أني أتيت على كل مالديه , تنفست الصعداء للنجاة من نظرات حندرتيه ،،، رفع بطرفه إلي قائلا : وهو في غاية السرور منتظرا للإجابة التي كان لايشك في أنها ستعقب مني بالموافقة ، هلا أخذتني ودراجتي وذهبنا إلى تلكم الجنة ؟! ، فانتقض كل ما بنيت ، وتمنيت أني لم أكن في جنازة ذلك الميت ، أما علم هذا الغمر أني لازلت أأمل آمالا وأرجو نتاجها ، وأني لازلت أريد أن أعب وأنهل من هذه الحياة الدنيا وأخوض غمارها .


[poem=font="Simplified Arabic,6,blue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لا تهيئ كفني ما مت بعدُ = لم يزل في خافقي برق ورعدُ [/poem]

وسؤال آخر يأتيك من قريب حميم ماحمل القرطاس يوما ومادرى ما الدرس ، تراه يزم الشفتين عند السؤال ، ويقبض الوجنتين ، وينتفخ منه المنخرين قائلا : ( أخبرني وش بتسوي بالكتب هذي كلها ؟ أنت بتقراها كلها ؟ طيب ماهو حرام تجمعها بس كذا ؟ ترى الله مايحب المسرفين وهذا منك تبذير مشين...؟) فإن أفصحت له عن حقيقة الأمر ، وأخبرته أنه لايشترط من كل كتاب تقتنيه مطالعته على مدى العمر ، فلربما تحتاجه الساعه ثم لاتعود له إلى قيام الساعة ، ضحك من خفة عقلك وقام وهو ينفث عليك ويردد السلام ، وإن لذت بالصمت وتظاهرت بالعي ، أخذ بك في تنظيره للأصلح لمالك ومآلك ، وأنه كان يكفيك القليل من الكتب ، وبباقي المال تشتري أرضا أو تعمر دارا .

ألا ليت شعري ، كيف لو علم أنه وهو يلقي عليك تلكم الكلمات ، التي ظن وهو يلقيها أنها أتت منك على كل علة ، أنك تردد وتتمتم ماقال شيخ من شيوخ الإسلام، وإمام من أئمة الفقه ، ابن قدامة رحمه الله :

[poem=font="Simplified Arabic,6,blue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أبعد بياض الشيب أعمرمسكنا=سوى القبر إني إن فعلت لأحمق
يخبرني شيبي بأني ميت=وشيكا وينـعاني إلي فيـصدق
تخرق عمري كل يوم وليلة= فهل أستطيع رقع ما يتخرق [/poem]

عندها سيجهش بالبكاء , ويتضرع بالدعاء ، بأن يرفع الله عنك البلاء ، وأن يجنبك الشقاء ، ويريحك من هذا العناء ، بنقلك إلى دار البقاء .

ولا تملك مع هذا إلا كما قال إمام العربية الخليل بن أحمد الفرهودي تـ 170رحمه الله في أبياته المشهورة ، وإن اختلفت قصة ورودها ، إلا أن المعاناة كانت واحدة :


[poem=font="Simplified Arabic,6,blue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لو كنتَ تعلم ماأقول عذرتني=أو كنتُ أجهلُ ماتقولُ عذلتكَ
لكن جهلتَ مقالتي فعذلتني =وعلمتُ أَنَّك جاهلٌ فعذرتكَ [/poem]

فمن آتاه الله علما فليحمد الله ويشكره ، ويعرف منّة الله عليه بأن أراد به خيرا وفضّله على كثير ممن خلق تفضيلا ، وأن سلك به مسلك العلماء وطلابه ، وجنبه مزالق الجهل وأربابه .

تتميم :

كان هناك أحد الصالحين توفي من سنين رحمه الله رحمة واسعة ، فقد كان من التالين لكتاب الله آناء الليل وأطراف النهار , ففي سنة من السنين سألته عن ختمه للقرآن في رمضان من ذلك العام ، فأخبرني أنه ختمه أكثر من عشرين ختمة ، وكان من دأبه أن يختم القرآن في كل أسبوع مرة أو مرتين ، ولا ينام حتى يصلي ركعتين ، يقرأ في كل ركعة بجزء أوجزأين ، فضلا عن قيام آخر الليل الذي عرف به حتى توفاه الله ، ومع أنه لم يكن من طلاب العلم الذين يأتون العلم من بابته ، فقد كان من القراء لكثير من الكتب على عادة الصالحين من غير طلاب العلم في وقت مضى (2) ، أهديته مرة الزاد لابن القيم ، ثم لقيته بعد أيام فأخبرني أنه أتى عليه كله وناقشني في مواطن منه ، ثم أعطيته تاريخ ابن كثير فصنع به ماصنع بالزاد ، وكم كانت تعجبه كتب عبدالعزيز السلمان رحمه الله ، خاصة موارد الضمآن ، فكان لايتردد في جرد أي كتاب يقع بين يديه ، وإني لأرجوا من واسع فضل الله أن يبعث يوم القيامة في زمرة طلاب العلم ، فالله ذو الفضل العظيم .

وما زلت أذكر وهو يحدثني بحديث صحيح ، لم يقم منه حرفا واحدا إلا أن المعنى كان محفوظا عندي ، فكنت أمسك نفسي وأمنعها من أن يرى مني نواجذي فيقطع حديثه ، وما ذاك إلا لبساطة أسلوبه وجمجمة منطقه
( النبي اللهم صلي عليه ، أعطى بنته فاطمة لعلي رضوان الله عليه ، الله الله ياعلي ، لكن تخبر الرجال يحبون النساء وعندهم رغبة في العرس ، تدري وش سوى ، راح وبدون ماتدري مرته فاطمه وخطب عليها واحدة ، لكن النسوان مايسكتون مالهم سر ، سولفوا الحريم ووصل العلم فاطمة ، راحت وعلمت أبوها اللهم صلي عليه ، واشتكت له من علي وعلمته بكل شئ ، قال وش ذا الكلام ؟ خلاص يابنتي ماعليك منه ، أنا بشوف لعلي ، هيا عدت أيام وليالي وعلي ماله الطاري ؟، والله وفي يوم من الأيام ياحبيب أخوه ، وعلي كان يمشي في طريق في المدينة ، وما وعي إلا والله انه مع النبي الوجه في الوجه ، هيا مسكه النبي وقال : الله ياعلي وش ذا الي سويت ، أعطيك فاطمه إلي ماعندي إلاهي وتبور فيها ؟ ...) .

اللهم صل وسلم وبارك على رسولك ونبيك محمد ، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا يارب العالمين ، اللهم وارض عن ابن عمه وزوج بنته علي ابن ابي طالب وسائر الصحب الكرام ، وارحم هذا الرجل الصالح بحبه لدينك وكتابك ونبيك وسائر أموات المسلمين .

وقد روينا بحمد الله في صحيح البخاري عن أبي عبدالله قال :حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، قال : حدثني علي بن حسين ، أن المسور بن مخرمة ، قال : إن عليا خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعته حين تشهد ، يقول : " أما بعد أنكحت أبا العاص بن الربيع ، فحدثني وصدقني ، وإن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها ، والله لا تجتمع بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبنت عدو الله عند رجل واحد " فترك علي الخطبة .

معاذ الله إن كنت أتندر بإيراد مثل هذا الخبر ، لكن أحببت من خلال ذلك أن أرسم ابتسامة على بعض الشفاه التي ربما أصابها الجفاف لتصاعد درجات الحر، حتى خد في بعضها أخاديد ، فلربما دعاك داع الظن عند رؤية بعضهم إلى أن تقول : ياله من زمن ارتسمت فيه الابتسامة على جميع الأفواه ، كلا ياصاح لا تستسمن ذا ورم ، فليس الأمر إلا ماذكرت لك ، أما سمعت بقول أبي الطيب :


[poem=font="Simplified Arabic,6,blue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
إذا رأيت نيوب الليث بارزة = فلا تظنن أن الليث يبتسم [/poem]فإنما هذا من ذاك .

أقول ماقلت : أرجوا أني أبتغي بذلك الأجر من رب العالمين ، ولنذكر بعظيم فضل الله على من أخذ الله بيده وعلمه من علمه ، وفتح له من واسع فضله ، فبضدها تتبين الأشياء .

ولأبين أن التعامل مع العامة وصغار السن ، قد يكون من أصعب الأمور في كل الميادين ، في التعليم والتثقيف والتلقين ، ولن يستطيع طالب العلم السير معهم إلا إن كان ذا فطنة وإيالة .

وللأدباء حديث طويل عن مخالطة الصبية وأثر ذلك على عقل المعلم وفكره وسلوكه ، نتركه ولا نتعرض له بشئ ، لمافيه من حق وباطل ، لايليق إيراده بمثل هذا الصفحات ، ولو أن قصة الجاحظ في تأليفه لأحد كتبه في مثالبهم ، ثم عزوفه عن ذلك لتعرفه على أحدهم ـ مجنون أم عمرو ـ ، ثم نشره للكتاب من بعد ذلك ، لمن أمتع القصص وأظرفها وأحسنها حبكا ، ولكن خشية من السآمة والملل أن تضرب أذهان القراء نكتفي بهذا القدر .



[align=center] تحشية [/align]

(1) ـ هذه الفويسقة الصغيرة مع خستها ، إلا أن لها فطنة وقصة تأخذ باللب ، نفردها بصفحة إن شاء الله ، ندلل فيها على بديع صنع الله ، ونذكر مايطرب لسماع مثله القلب ويعجب له اللبيب ويحار الحليم من شجعان خاضوا الحروب وقاتلوا الأسود لكنهم من هذا المخلوق يرعبون ويفرقون وليس ثم إلا التسلل لواذا فيهربون ، فسبحان الله العظيم .

(2) ـ حدث بن كعرم في كتاب أمثال بدعة والفرعة ، قال: حدثني الدغس أنه سمع بن خودان وقد كان من الملازمين لمجلس أبي عمرو بن العلاء دهرا كريتا ، أنه سمعه غير مرة يردد هذا المثل ( لايعجبك ثور باسته هبرة ) ، ويذكر أنه سمعه من أعرابي ينتجع ببهمه بين الرهوة والسدين .

قال ابن الشجري عفا الله عنه في أماليه : ومرادهم والله أعلم ، لا يغرنك الرجل الكلثوم الذي له خدين كإليتي الطفل الصغير، فخيره قليل ونومه كثير ... .

قلت : استغفر الله ، فهذا القول لايصح في ميزان الشرع وإن صح عند أهل الأدب ، مع الحديث الوارد في البخاري وغيره في ذم السمن إلا أن له تخريجا عندهم ، لايسع المقام لتفصيله واستطراد جوانبه الساعة .

(3) ـ إياك والظن بأن الصلاح والتقوى وحسن الخلق حكر على طالب العلم ، فهناك من عامة المسلمين من تود أن تلقى الله ببعض أعمالهم مع بعدهم عن طلب العلم ، فلربما تجتهد دهرك على أن تسبق أحدهم للبكور لصلاة الفجر أو الصف الأول فلا تستطيع ، أو بر أحدهم بوالديه أو غير ذلك من أعمال البر... ، فلا تظنن ياطالب العلم بأنك بالعلم وحده قد حملت الراية ، دون عمل صالح يوصلك الغاية، وما أجدر هذا بمقال ييسره الله ، ولنا فيه رواية صادقة يسر الله إتمامها.[/align]


[align=center]كان هذا مقالا كتبته في فسحة من الخاطر ، أوائل إجازة صيف هذا العام 5/1426
ثم لم يتسن لي طرحه للقراء الكرام إلا هذه الساعة فالحمد لله على ما أعان ويسر
وقد كتبت بعده عدة مقالات علمية وأدبية، إخترت هذا المقال من بينها لمناسبة الوقت والحال لما التمسته من ركود اكتسح الخواطر والأقلام
فكان الإحماض وما سبيله العلم المملح
ـ أو ملح العلم كما يسميه الشاطبي رحمه الله ـ
أخف تناولا ، وإن كان لايخلوإن شاء الله من فائدة تلتمس هنا أو هناك .
والله أسأل أن يسبغ علي وعلى الجميع ثوب الصحة والعافية
وأن يهب الستر الجميل في الدنيا والأخرة
فوالله لهو أهل لكل جميل وهبات وافرة
الاثنين 5/10/1426.[/align]
 
وسؤال آخر يأتيكَ من أخِ صديقٍ لا يفقه في الأدب شيئا ولا يعرف من الشعر إلا الحداثي!
تراهُ عند السؤال مقطّب الحاجبين منتفخ العينين يلوّح بيديه مستنكرا : " ياخي وش الي يعجبك بقصائد ابن زيدون وابن بطيخ!
عندي اليوم قصيدة لشاعر معروف أكيد راح تعجبك...تحب تسمع؟" فقلت : بشرطِ أن أُسمِعكَ وتُسمعني ، تمتم حانقا :"طيب اسمع! عنوان القصيدة : الحبّ الورديّ" عندها رددتُ في نفسي : اللهم سلّم! ما بالُ هؤلاءِ القومِ لا يكتبونَ إلا في الحب وهم قد جعلوا عاليَه سافله وسافله عاليه ،
ويمضي الأخ - وقد تملكه الطرب من قراءة العنوان! - قائلا :
" استيقظتْ طيورُ الحب الورديّة على أصوات الضفادع المسحورة في البحيرة البنفسجية!!" ولا أخفيكم القولَ أيها القراء الكرام بأني كدتُ أن أنفجر ضاحكا لكني تمالكتُ نفسي بَيْدَ أنّي لم أستطع إخفاءَ ابتسامةٍ رَصَدَتْها عيونُ صاحبي!
وسرعان ما اكفهرّ وجهه وتسارعتْ أنفاسه وتمتمَ غاضبا : " أكيد راح تقول لي هذا مو شعر...مافي معنى وما في محسنات وصور بلاغية وما أعرف إيش..."
قاطعته قائلا : " هل تسمعُ ما عندي يرحمك الله ؟" قال : " ما أحب أسمع الشعر الفصيح ! وأتحداك تكتب قصيدة واحدة حداثية " قلتُ : "حبّا وكرامة...أرتجلها لك الساعة!" لوّح بيديه ونظرات التحدي تطل من عينيه وقال : "هات" فانشدتُ :

في القلب شجونٌ وشجونْ....والطيرُ الأحمر مسجونْ

آه...ما أقسى الفراق!

الماضي يسرقني والحاضر يركلني....

وأنا ما بين الماضي والحاضر كالمسكينْ.....

آه....ما أقسى الدنيا والعالم!

مات الطير ومات الحب ومات الكلّ

وأنا وحدي أتجرّعْ...

أتجرّعُ ماذا؟

لا أدري!

صاح بي صاحبي وسحائب الإعجاب قد غزتْ وجهه : "عجيب!تراك منت بهيّن"!
قلتُ في نفسي : "فسدَتْ ذائقة الناس والله المستعان....حتى صاروا لا يعرفون الغث من السمين ولا يفرّقون بين الشِّعْر والشعير!
أين الإهتمامُ باللغةِ التي نزلَ بها القرآن الكريم؟! أين الأدب الذي يدعو إلى الإسلام عقيدة وفكرا؟! أين الأدبُ الذي يدعو إلى التمسك بالقيم والمبادئ والأخلاق الفاضلة؟!
هل يعي الناسُ قيمة الأدبِ ودوره في بناءِ المجتمعاتِ والدعوة إلى هذا الدين والدفاع عنه كما فعل شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت رضي الله عنه وغيره من شعراء الدعوة؟!

أين هؤلاء الكتّاب من قول الشاعر :
وما من كاتب إلا سيفنى**ويُبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء**يسرك في القيامة أن تراه


وقد قيل : العاقل من خزن لسانه، ووزن كلامه، وخاف الندامة.
 
عودة
أعلى