بارك الله فيكم وجزاكم خيرا .
وللفائدة : هذا نص نفيس من كتاب أبي عبيد ، نقله عنه السخاوي في ( جمال القراء ) ؛ قال :
(
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام - رحمه الله - في كتاب ( القراءات ) له :
" هذه تسمية أهل القرآن من السلف على منازلهم وتسميتهم وآرائهم :
فممّا نبدأ بذكره في كتابنا سيّد المرسلين وإمام المتّقين محمّد رسول الله
الذي نزل عليه القرآن ، ثم المهاجرون والأنصار وغيرهم من أصحاب رسول الله
مَن حفظ عنه منهم في القراءة شيء ، وإن كان ذلك حرفا واحداً فيما فوقه " .
قال : " فمن المهاجرين : أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعليّ بن أبي طالب ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وحذيفة بن اليمان ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو ، وعمرو بن العاص ، وأبو هريرة ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن السائب قارئ مكة .
ومن الأنصار - رضي الله عنهم - : أبيّ بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وأبو الدرداء ، وزيد بن ثابت ، ومُجَمِّع بن جارية ، وأنس بن مالك " .
قال : " ومن أزواج النبيّ
: عائشة ، وحفصة ، وأم سلمة " .
قال : " وقد علمنا أنّ بعض مَن ذكرنا أكثرُ في القراءة وأعلى مِن بعض ، غير أنّا سمّيناهم على منازلهم في الفضل والإسلام ، وإنما خصصنا بالتسمية كلّ مَن وُصف بالقراءة وحُكي عنه منها شيء وإن كان يسيرا ، وأمسكنا عن ذِكرِ مَن لم يبلغْنا عنه منها شيء وإن كانوا أئمة هداةً في الدين .
فأما سالمٌ الذي ذكرناه ، فإنه كان مولى لامرأةٍ من الأنصار ، وإنما نسبناه لأبي حذيفة لأنه به يُعرف .
وأما حذيفة بن اليمان ، فإن عِداده في الأنصار ، وإنّما ذكرناه في المهاجرين لأنّه خرج مع أبيه مهاجراً إلى رسول الله
، ولم يكن من ساكني المدينة ، فهو مهاجريّ الدار ، أنصاري العِداد ، ونَسَبُه في عبس بن قيس عيلان " .
قال أبو عبيدٍ - رحمه الله - : " ثم التابعون :
فمنهم من أهل المدينة : سعيد بن المسيّب ، وعروة بن الزبير ، وسالم بن عبد الله ، وعمر بن عبد العزيز - قد كان بالمدينة والشام - ، وسليمان بن يسار ، وعبد الرحمن بن هرمز - الذي يُعرف بالأعرج - وابن شهاب ، وعطاء بن يسار ، ومعاذ بن الحارث - الذي يُعرف بمعاذ القارئ - ، وزيدُ بن أسلم " .
قال : " ومن أهل مكةَ : عبيد بن عمير الليثي ، وعطاء بن أبي رباح ، وطاووس ، وعكرمة مولى ابن عباس ، وعبد الله بن أبي مليكة .
ومن أهل الكوفة : علقمة بن قيس ، والأسود بن يزيد ، ومسروق بن الأجدع ، وعبيدة السلماني ، وعمرو بن شرحبيل ، والحارث بن قيس ، والربيع بن خثيم ، وعمرو بن ميمون ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وزرّ بن حبيش ، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم بن يزيد النخعي ، وعامر الشعبي - وهو عامر بن شراحيل - .
ومن أهل البصرة : عامر بن عبد الله - وهو الذي يُعرف بابن عبد قيس ، كان يُقرئ الناس - ، وأبو العالية الرياحي ، وأبو رجاء العطاردي ، ونصر بن عاصم الليثي ، ويحيى بن يعمر - ثم انتقل إلى خراسان - ، وجابر بن زيد ، والحسن بن أبي الحسن ، ومحمد بن سيرين ، وقتادة بن دعامة .
ومن أهل الشام : المغيرة بن أبي شهاب المخزومي "
، قال : " كذلك حدّثني هشام بن عمّار الدمشقي ؛ قال : حدثني عراك بن خالد المُرِّيّ قال : سمعت يحيى بن الحارث الذماري يقول : ختمت القرآن على عبد الله بن عامر اليَحْصَبِيّ ، وقرأ عبد الله بن عامر على المغيرة ، على عثمان ، ليس بينه وبينه أحدٌ " .
قال : " فهؤلاء الذين سميناهم من الصحابة والتابعين هم الذين يُحكى عنهم عُظْمُ القراءة ، وإن كان الغالب عليهم الفه والحديث " .
قال : "
ثم قام من بعدهم بالقرآن قومٌ ليس لهم أسنان مَن ذكرْنا ولا قُدْمَتُهُمْ ، غير أنهم تجرّدوا للقراءةِ واشتدّتْ بها عنايتُهم ولها طلبُهم ، حتى صاروا بذلك أئمة يأخذها الناس عنهم ويقتدون بهم فيها ، وهم خمسة عشر رجلا من هذه الأمصار المسماة ؛ في كلّ مصرٍ منهم ثلاثة رجال :
فكان من قرّاء المدينة : أبو جعفر القارئ - واسمه يزيد بن القعاع - مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزوميّ ، وشيبة بن نِصاح مولى أم سلمة زوج النبي
، ونافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم .
وكان أقدم هؤلاء الثلاثة أبو جعفرٍ ؛ قد كان يُقرئ الناس بالمدينة قبل وقعة الحرّة ، حدثنا ذلك إسماعيل بن جعفر عنه ، ثم كان بعده شيبة على مثل منهاجه ومذهبه ، ثم ثالثهما نافع بن أبي نعيم ، وإليه صارت قراءة أهل المدينة ، وبها تمسّكوا إلى اليوم . فهؤلاء قرّاء أهل الحجاز في دهرهم .
وكان من قرّاء مكةَ : عبد الله بن كثير ، وحميدُ بن قيس - الذي يقال له الأعرج - ، ومحمد بن محيصن .
فكان أقدم هؤلاء الثلاثة ابن كثير ، وإليه صارت قراءة أهل مكة ، وأكثرهم به اقتدوا فيها ، وكان حميد بن قيس قرأ على مجاهد قراءته ، فكان يَتبعها لا يكاد يعدوها إلى غيرها ، وكان ابن محيصن أعلمهم بالعربية وأقواهم عليها . فهؤلاء قرّاء أهل مكة في زمانهم .
وكان من قرّاء الكوفة : يحيى بن وثّاب ، وعاصم بن أبي النّجود ، والأعمش .
وكان أقدم الثلاثة وأعلاهم يحيى ؛ يُقال إنه قرأ على عبيد الله بن نُضَيْلةَ صاحب عبد الله ، ثم تبعه عاصمٌ ، وكان أخذ القراءة عن أبي عبد الرحمن السلمي وزرِّ بن حبيش ، ثم كان الأعمشُ ، فكان إمامَ الكوفة المقدّم في زمانه عليهم ، حتى بلغَ إلى أن قرأ عليه طلحةُ بن مُصَرِّفٍ - وكان أقدمَ مِن الأعمشِ - . فهؤلاء الثلاثة هم رؤساء الكوفة في القراءة . ثم تلاهم حمزة بن حبيب الزيّات رابعا ، وهو الذي صارَ عُظْمُ أهل الكوفة إلى قراءته ، من غير أن يُطْبِقَ عليه جماعتُهم . وكان ممّن اتبع حمزة في قراءته سُلَيْمُ بنُ عيسى وممّن وافقه ، وكان ممّن فارقَه أبو بكر بن عيّاش ؛ فإنه اتبع عاصماً وممن وافقه . وأما الكسائي فإنه كان يتخيّر القراءاتِ ؛ فأخذ من قراءة حمزةَ ببعضٍ وتركَ بعضاً . فهؤلاء قرّاء أهل الكوفة .
وكان مِن قرّاء أهل البصرة : عبد الله ابن أبي إسحق الحضرميّ ، وأبو عمرو بن العلاء ، وعيسى بن عمر الثقفي .
وكان أقدم الثلاثة ابن أبي إسحق ، وكانت قراءته مأخوذة عن يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم . وكان عيسى بن عمر عالماً بالنحو ، غير أنه كان له اختيار في القراءة على مذاهب العربية يفارقُ قراءةَ العامةِ ويستنكرها الناس ، وكان الغالب عليه حُبُّ النصب ما وجد إلى ذلك سبيلا ؛ منه قوله ( حمالةَ الحطب ) و ( الزانيةَ والزانيَ ) و ( السارقَ والسارقةَ ) ، وكذلك قوله ( هؤلاء بناتي هن أطهرَ لكم ) . والذي صار إليه أهل البصرة في القراءة فاتخذوه إماما = أبو عمرو بن العلاء . فهؤلاء قراء أهل البصرة . وقد كان لهم رابع وهو عاصم الجحدري ، لم يُرْوَ عنه في الكثرة ما رُوِيَ عن هؤلاء الثلاثةِ .
وكان من قرّاء أهل الشام : عبد الله بن عامرٍ اليحصبيّ ، ويحيى بن الحارث الذّماريّ ، وثالث قد سُمِّيَ لي بالشامِ ونسيتُ اسمَه .
فكان أقدمَ هؤلاء الثلاثة عبدُ الله بن عامرٍ ، وهو إمام أهل دمشق في دهره ، وإليه صارت قراءتُهم ، ثم اتّبعه يحيى بن الحارث وخَلَفَه في القراءة وقامَ مقامَه "
، قال : " وقد ذكروا الثالث بصفةٍ لا أحفظها .
فهؤلاء قرّاء الأمصار الذين كانوا بعد التابعين " ) .
قال السخاوي مُسَمِّياً الثالثَ الذي نسيه أبو عبيد : " هو أبو خليد بن سعد صاحب أبي الدرداء " .
قال المحقق : " وهو وَهْمٌ ، وهو خليد بن سعد السلاماني " .
[ أبو الحسن علم الدين السخاوي ( ت 643 هـ ) : جمال القراء وكمال الإقراء / 502 - 510 ، ح مروان العطية ومحسن خرابة ، ط1 دار المأمون للتراث ] .