السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، في تفسير الحمد يقولون / هو الثناء على الله تعالى بالجميل ، فيعترض عليه البعض ـ أي على هذا التعريف ـ بعدة اعتراضات …. منها : أن قوله ( بالجميل ) تقييد لا حاجة اليه ، لأن الثناء لا يكون الا بالجميل ـ على ما ذهب اليه الجمهور ـ خلافا للعز بن عبد السلام الذي ذهب الى أن الثناء يكون بالشر كما يكون بالخير ، واستدل على ذلك بالحديث الذي فيه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرت عليه جنازة ، وفي الحديث أنه مرت عليه جنازة أخرى ، فأثنى عليها شرا ، فيمكن أن يأتي الثناء بالشر فلزم التقييد بالجميل في حق الله تعالى .
وجه السؤال / ما قولكم في إفادة الثناء بذاته ؟
سؤال آخر / قالوا بأن للحمد خمسة أركان : المحمود ـ الحامد ـ المحمود عليه ـ المحمود به ـ صيغة الحمد
وقالوا أيضا : ذهب الجمهور الى أن المحمود عليه لابد وان يكون اختياريا ، فما معنى هذا الكلام ؟ و هم يعتبرون ضابط الاختيار في المحمود عليه ما لم يكن اضطراريا ، سواء كان المحمود عليه اختياريا حقيقة أو حكما .
لعل الأقرب في تعريف الحمد لله أن يقال إنه:الإخبار عن الله بصفات كماله سبحانه وتعالى ، مع محبته والرضى به ، فإذا كُررالحمد شيئاً بعد شيء كان ثناء ، فإذا كان المدح بصفات الجلال والعظمة والكبرياء والملك كان تمجيداً .
فهي ثلاث مراتب : الحمد ، ثم الثناء ، ثم التمجيد .
وقد جمع الله تعالى لعبده الأنواع الثلاثة في أول الفاتحة : فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) قال الله : حمدني عبدي ، وإذا قال : ( الرحمن الرحيم ) قال الله : أثنى عليّ عبدي ، وإذا قال: ( مالك يوم الدين ) قال الله : مجدني عبدي . [ ثبت هذا الحديث القدسي ، وهو في صحيح مسلم ] .
فدل هذا الحديث على أن الحمد غير الثناء ؛ لأن الثناء تكرار للمدح .
إلى الأخ الكريم : محمد يوسف وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بسم الله ، والحمد لله وصلى الله على رسول الله أمابعد:
أما السؤال الأول:
فالذي يظهر والله أعلم صحة مذهب الجمهور من إفادة الثناء بذاته في الخير عند الإطلاق، وأشباهه في القرآن :
فبشرهم بعذاب أليم
فإن البشارة من البشرة، والإخبار بالخبر السار،
لكنها لماقيدت بالعذاب الأليم صار معناها الإخبار
على أن في المسألة قولا آخر وهو أنه أتي بلفظ البشارة للتهكم والاستهزاء
فمعناها واحد في الحالين،
والقول الآخر أن البشارة تأتي بمعنى الإخبار بالشر والخير كالثناء ،
ومما يقوى هذا المذهب (الجمهور)
أولا : أن المستقرئ لألفاظ الشرع يجد أن الثناء إذا أطلق قصد به الخير
وأن الثناء لا يأتي بالشر إلا مقيدا،
ولا أعلم نصا في الكتاب أو السنة فيه الثناء بالشر مطلقا
وأما الثناء بالخير فيأتي مطلقا غالبا:
فمنها قوله صلى الله عليه وسلم
1 ــ إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله تعالى و الثناء عليه ثم ليصل على النبي ثم ليدع بعد بما شاء .
2 ــ إذا قال الرجل لأخيه : جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء .
3 ــ اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك و بمعافاتك من عقوبتك و أعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك .
وأما الثناء بالشر فيأتي مقيدا في كل نص ( في حدود علمي):
كقوله صلى الله عليه وسلم
ــ من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة و من أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض .
ــ أهل الجنة من ملأ الله تعالى أذنيه من ثناء الناس خيرا و هو يسمع و أهل النار من ملأ الله تعالى أذنيه من ثناء الناس شرا و هو يسمع .
ثانيا: صحيح أن المسالة لغوية ، والمستقرئ ولو جزئيا يجد أن العرب كذلك تعرف الثناء بأنه للخير عند الإطلاق، ومن تتبع المعاجم علم،
مع أن ابن منظور عرف الثناء بأنه يطلق على المدح بالخير والشر،
لكنه يحمل علىأن المراد عن التقييد بالشر،
وعند التحقيق نجد أن الخلاف بين الجمهور وابن عبدالسلام خلاف يشبه أن يكون لفظيا،
فالجمهور يرون الثناء عند الإطلاق هو الثناء بالخير
ويرى ابن عبدالسلام أن الثناء يكون للخير والشر،
وليس هذا محل النزاع، فالجمهور لا يقولون بخلافه
وقصارى الأمر أن الثناء
من الألفاظ المشتركة، عند من يقولون بالاشتراك،ويترجح القول بالخير للقرأئن التي سبق طرف منها
ومن لا يقول به ( أعني الاشتراك)يرده إلى التواطؤ أو الحقيقة والمجاز
وهذا يقودنا إلى مسألة أخرى، لا نفتح بابها،
أما السؤال الثاني:
فقد قيد العلماء الجميل بالاختياري، لأن الجميل في المخلوق ينقسم إلى قسمين
اختياري مكتسب منه ، كالعلم ، والعمل الصالح
وغير اختياري كجماله،ونسبه،
ولا يمنع كون صفات الله كلها اختيارية وليست قي حق الرب قسيمة الاضطرارية أن يوصف يقيد الجميل بذلك لأنه من باب دفع الوهم،
ودفع الإيهام سائغ في باب الصفات، ألا ترى إلى قوله تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم ، مع أنه تعالى لاينام ولا ينبغي له أن ينام،
وقوله تعالى ، ولقد خلقنا السموات والأرض في ستة أيام وما مسنا من لغوب،
فنفى التعب عنه تعالى عند خلق السموات مع التعب منفي عنه مطلقا،
لدفع الإيهام،
وأمثاله في القرآن كقوله: وما الله بغافل عما تعملون
فليس تعالى بغافل مطلقا، لا عنهم ولا عن غيرهم
لكن جاء هنا لدفع التوهم
قال الشوكاني (فتح القدير ج: 1 ص: 19)
الحمد لله الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري وبقيد الاختيار فارق المدح فإنه يكون على الجميل وإن لم يكن الممدوح مختارا كمدح الرجل على جماله وقوته وشجاعته
وفي الإقناع للشربيني ج: 1 ص: 7
بالاختياري( يعني خرج بالاختياري) المدح فإنه يعم الاختياري وغيره تقول مدحت اللؤلؤة على حسنها دون حمدتها
وفي قواعد الفقه ج: 1 ص: 474
المدح هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري قصدا قاله السيد و في المصباح مدحته إذا أثنيت عليه بما فيه من (الصفات ) الجميلة خلقة كانت أو اختيارية ولهذا كان المدح أعم من الحمد
انتهى
هذه مباحثة أرجو أن يكون فيها فائدة، إن كنت فهمت السؤال ،
كتبه عبدالله بن بلقاسم بن عبدالله
النماص،
قال الشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض في كتابه الروضة الندية شرح الواسطية ص5:
(والحمد اخبار عن محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه واجلاله [انظر بدائع الفوائد 2/93]
وقال العلامة بن القيم رحمه الله (مدارج السالكين 1/64) :واثبات الحمد الكامل له يقتضي ثبوت كل ما يحمد عليه من صفات كماله ونعوت جلاله اذ من عدم صفات الكمال فليس بمحمود على الاطلاق وغايته انه محمود من وجه دون وجه ولايكون محمودا من كل وجه وبكل اعتبار بجميع انواع المحامد الا من استولى على صفات الكمال جميعها فلو عدم منها صفة واحدة لنقص من حمده بحسبها .
وقال الشيخ -اي ابن تيمية -(في رسالته تفصيل الاجمال فيما يجب لله تعالى من صفات الكمال 5/49 مجموعة الرسائل والمسائل ) :والحمد نوعان: حمد على احسانه الى عباده وهو من الشكر وحمد لما يستحقه هو بنفسه من نعوت كماله .وهذا الحمد لا يكون الا على ما هو في نفسه مستحق للحمد وانما يستحق ذلك من هو متصف بصفات الكمال وهي امور وجودية فان الامور العدمية المحضة لا حمد فيها ولا خير ولاكمال )اهـ.
وفي معنى الحمد خلاف وقد ذكر الخلاف المفسرون فلتراجع كتب التفسير .
جزاك الله خيرا شيخنا ( محمد بن جابر ) و قد أفدتني كلاما جديدا في معنى الحمد ، بارك الله فيك .
جزاك الله خيرا شيخنا ( بلقاسم ) وقد أجبتني على سؤالي ، وبالفعل قد أشكل عليّ هذا الأمر وأنا أدرس في [ حاشية البيجوري على فتح القريب المجيب في شرح متن التقريب ] في المذهب الشافعي ، فهل لك دراسة في المذهب الشافعي ؟