بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، والصلاة و السلام على من أرسله الله شاهدا و مبشرا و نذيرا وداعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا .
أخى أبو عبيدة : سلام الله عليكم ورحمته و بركاته , بارك الله فيك يا أخى ، فهذا السؤال من الاهمية و الخطورة بمكان ، فمسألة ربط الواقع بتفسير القرآن أمر مهم ،
و مما لا يستطيع أحد من الماس فضلا عن العلماء أن يجادل فيه هو أن ربط القرآن ذاته بالواقع أمر مفروض على الامة الإسلامية ، و ما ذلت أمتنا و هانت و خضعت لأخس و أحقر أمم الأرض إلا بعدما فصلت الدين عن واقع حياتها و سلوكياتها ، فهذا الفصل بين القرآن و أمة القرآن قد أوقعها تحت طائلة قول الله تعالى ( أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض )فبدأت الأمة تنتقى من آيات القرآن ما تشاء فتحكمه ، و تنتقى ما لا يوافق هواها فتنحيه و صدق فينا قول الله تعالى ( و قال الرسول يا رب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا )فنحن مطالبون بأن نربط واقعنا بكتاب الله تعالى حتى يصبح واقعنا كواقع سلفنا الصالح .
و لكن مسألة ربط التفسير بالواقع أمر يختلف ، إذ أن التفسير و هو عبارة عن أقوال السادة الأئمة المفسرين - رحمة الله عليهم أجمعين - لا تثبت له العصمة التى أثبتها الله تعالى للقرآن ، ناهيك عن أن يكون الذى يتكلم بالقرآن و تفسيره ليس من ذوى الاختصاص ، و خير مثال على كلامنا هذا التفسير العجيب الذى روج له بعض الناس ابان احاث الحادى عشر من سبتمبر التى تم الربط بينها و بين الآية رقم 109 من سورة التوبة قائلين بأن عدد الطوابق للمبنى 109و هو رقم الآية و اليوم 11 وهو الجزء الذى وردت فيه الآية و الشهر 9 هو رقم السورة فى المصحف الى اخر هذا الكلام ، وو الله إن الانسان ليعجب كيف لهم أن يقولوا فى كتاب الله بغير علم و لا هدى ، و هذا ناتج عن سوء فهم لمعنى التفسير و طرقه ومناهجه و اسس الترجيح بين الأدلة و أقوال أهل العلم ، و السادة العلماء لم يفتحوا المجال هكذا لمن شاء أن يتكلم , و لكن حددوا شروطا لمن شاء أن يفسر القرآن برأيه و ألزموا أن يكون ملما ببعض العلوم منها :
1- علم اللغة : قال مجاهد :(لا يحل لأحد يؤمن بالله و اليوم الآخرأن يتكلم فى كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب )
2-علم النحو :لأن المعنى يتغير بتغير الاعراب و سئل الحسن عن الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حسن المنطق و يقيم بها قراءته فقال حسن فتعلمها فإن الرجل يقرأ الاية فيعيى بوجهها فيهلك فيها .
3- علم الصرف :لأنه به تعرف الصيغ و الأبنية ، وكم من كلمة ابهمت علينا فلما صرفناها اتضحت بمصادرها .
4- الاشتقاق : لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين مختلفتين اختلف باختلافهما ، كالمسيح مثلا هل هو من السياحة او المسح .
5- علوم البلاغة الثلاثة : البيان و البديع و المعانى و هى من أعظم أركان المفسر لأنه لا بد له من مراعاة ما يقتضيه الاعجاز .
6- علم القراءات :إذ بمعرفة القراءة يمكن ترجيح بعض الوجوه المحتملة على بعض.
7-علم أصول الدين :و هو علم الكلام و لولاه لوقع المفسر فى ورطات بسبب ما يجب فى حق الله تعالى و ما يجوز ....الخ .
8-علم أصول الفقه : و به يعرف كيف يستنبط الأحكام و كيف يستدل عليها و به يعرف العام و الخاص و المقيد و المطلق و دلالة الامر و النهى .
9- علم أسباب النزول : إذ أن معرفة سبب النزول يعين على فهم مراد الآية .
10-علم القصص : لأن معرفة القصة تفصيلا يعين على توضيح ما أجمل منها فى القرآن .
11-علم الناسخ و المنسوخ : و به يعرف المحكم من الآيات من غيره و عليه تترتب الأحكام التى يصدرها .
12- علم الحديث : إذ أن الحديث من مصادر تفسير القرآن ، ومعرفة درجة الحديث و صحته مما يفيد المفسر .
13- علم الموهبة :و هو علم يورثه الله لمن عمل بما علم و فيه قال الله ( و اتقوا الله و يعلمكم الله ) وقال النبى عليه السلام (من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم )و ينزع الله هذا العلم عن المنافقين و المتكبرين و متبعى الهوى ، قال الله (سأصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق ) قال ابن عيينة : أنزع عنهم فهم القرآن .
و إذا كنا بذلك قد ذكرنا العلوم التى من الواجب إلمام المفسر بها فإننا ينبغى أن نذكر المنهج الذى يجب أن يتبعه المفسر و الضوابط التى لا بد أن يلتزمها عند التفسير و هى :1- مطابقة التفسير للمفسر من غير نقص و لا زيادة .
2-مراعاة المعنى الحقيقى و المجازى فلعل أحدهما هو المراد دون الأخر .
3-مراعاة التأليف و الغرض الذى سيق له الكلام و المؤاخاة بين المفردات .
4-مراعاة التناسب بين الآيات و توضيحه وذكر علاقة السابق باللاحق من الآيات.
5-ملاحظة أسباب النزول ، فبالرغم من أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب إلا أن سبب النزول يساعد فى فهم الآيات .
6-بعد الفراغ من المناسبة وسبب النزول يتكلم عن اللفظة المفردة ثم التركيب ثم الاعراب ثم المعانى ثم البديع ثم البيان ثم الاحكام الفقهية او العقدية من الاية .
7- على المفسر ان يتجنب ادعاء التكرار فى القرآن .
8- على المفسر أن يتجنب الحشو فى التفسير كالخوض فى علل النحو و دلائل أصول الدين و الفقه ، فكل هذا مبسوط فى تآليف علومه .
9- على المفسر أن يكون فطنا يقظا عليما بقوانين و اسس الترجيح بين الآراء
بقى لنا أن نذكر الأمور التى ينبغى على المفسر أن يتجنبها حتى لا يقع فى الخطأ و لا يكون ممن قال فى القرآن برأيه ، وهى :
1- ألا يتهجم على بيان مراد الله مع الجهالة بقوانين اللغة و أصول الشريعة .
2- عدم الخوض فيما استأثر الله بعلمه كالمتشابه .
3- عدم السير مع الهوى و الاستحسان ، فلا يفسر بهواه و لا يرجح باستحسانه.
4- ألا يفسر تبعا لمذهب فاسد ، فيجعل المذهب هو الاصل و التفسير تابع .
5-عدم القطع بأن تفسيره هو مراد الله تعالى فى كلامه و لكن ينسب العلم إلى الله.
هذا من الضوابط التى وضعها العلماء للتفسير بالرأى و لا أزعم أنى قد حصرت الضوابط كلها و لكن هذا على سبيل المثال و ما يسره الله تعالى لى ،هذه الضوابط و غيرها تجدها مبسوطة فى كتب علوم القرآن و التفسير ، وما استعنت به فى مقالتى هو كتاب لأستاذنا الدكتور أحمد النقيب حفظه الله تعالى درسه لنا فى السنة النهائية فى الكلية وهو بعنوان (قراءات فى علوم القرآن والحديث).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أحمد محمود على أحمد
ليسانس آداب و تربية
قسم اللغة العربية و الدراسات الاسلامية
ـــــــــــــــــــــــــــ
[poem=font="Simplified Arabic,4,white,normal,normal" bkcolor="sienna" bkimage="backgrounds/10.gif" border="inset,4,darkred" type=0 line=0 align=center use=sp num="0,black"]
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا = تقل خلوت ولكن قل على رقيب
و لا تحسبن الله يغفل ساعة = و لا أن ما تخفى عليه يغيب [/poem]