رحاب بن محمد صبري
New member
قال السائل . .
" أسأل عن معنى الإشهاد في عالم الذر ؟ وهل يسمى الإنسان في هذه المرحلة (عدم)؟ وإن كان فكيف تم الإشهاد ؟ "
فأجبته قائلا . .
فالآية التي تفضلتم بالسؤال عنها هي قوله تعالى
" وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ " ( الأعراف 172)
للمفسرين فيها رأيان يلخصهما بن جزي في تفسيره رحمه الله
" الأول : أن الله لما خلق آدم أخرج ذريته من صلبه وهم مثل الذر ، وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم ، فأقروا بذلك والتزموه ، روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة وقال به جماعة من الصحابة وغيرهم. "
والثاني : أن ذلك من باب التمثيل ، وأن أخذ الذرية عبارة عن إيجادهم في الدنيا وأما إشهادهم فمعناه أن الله نصب لبني آدم الأدلة على ربوبيته فشهدت بها عقولهم ، فكأنه أشهدهم على أنفسهم ، وقال لهم : ألست بربكم وكأنهم قالوا بلسان الحال : بلى أنت ربنا ، والأول هو الصحيح لتواتر الأخبار به "
و على كل حال سوف نبين في ردنا ذلك أنه سواء صح الأول أو الثاني فلا إشكال عقلي و الحمد لله رب العالمين,
بل هو شهادة على رحمة الله تبارك و تعالى و تدبيره لعباده , و ذلك لا يتطلب منا إلا أن نقرأ الآية مع بقية ما نزل بعدها في السياق من جهة و مع بقية آيات القرآن من جهة أخرى , و نتدبر.
الاحتمال الأول / على الرأي الأول
فعلى الرأي الأول / بفرض صحة رواياته :
فقد روي هذا موقوفا على بن عباس رضي الله عنه بأسانيد تكلم في بعضها بعض أهل العلم و صححها البعض الآخر , ورفعه بعضهم .
و أورده و رجحه الطبري و غيره.
فلا نستطيع أن نجزم بصحة رفعه للنبي , كما لا نستطيع أن نجزم بنفيها.
لذا سوف نبقيها كاحتمال للتفسير و نبين أنه حتى في حال صحة ذلك لا إشكال إن شاء الله تعالى
هل رتب الله دخول النار على هذا الإشهاد؟
على هذا الرأي فالله أشهدهم على أنفسهم أنه ربهم , و هم في عالم الذر , فشهدوا .
فهذه الشهادة - و الله أعلم كما يقول جمهور المفسرين بلا استثناء يذكر - أنها ليس الغرض منها أن يتذكرها الإنسان كواقعة محددة يترتب على تذكره لها من عدمه أن يدخل الإنسان الجنة و النار.
إنما هي معرفة باقية في النفس على هيئة المعرفة الفطرية التي هي متجذرة في الإنسان بوجود رب لهذا الكون و ما يلازم هذه المعرفة من الاستعداد العقلي و النفسي لقبول ذلك. .
مثال للتقريب
و لتقريب الصورة فإن الأمر يشبه ما يتعلمه الطفل من كلمات في مرحلة طفولته , فأنت لا تذكر متى تعلمت مفردات اللغة , بل لم تكن تفهمها عندما تعلمتها منذ مولدك إلا أن بدأت تصبح واعيا عارفا , لكن معرفتها وقعت في نفسك و أنت تتصرف على أساسها ,بل تبني تواصلك مع العالم عليها
كذلك فهذه الشهادة بقيت في فطرة الإنسان , تشهد بربوبية الله تعالى
ولقد جاء في الحديث
" ما من مولود إلا و يولد على الفكرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو .. "
حديث متفق عليه
الجنة و النار رتبها الله على قبول رسالة الرسل أو الكفر بها و ليس على هذا الإشهاد:
لم يرتب القرآن على هذه الشهادة في عالم الذر عذاب يوم القيامة , بل إن الله تبارك و تعالى بين أن الناس تحتاج إلى التذكير بهذا المعنى المستقر في فطرهم عن طريق إرسال الرسل
فالعذاب إنما يترتب على الكفر بالرسل بعد أن تبلغ الرسالة الإنسان . .
و عليه فالله لم يظلم الإنسان شيئا
" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "- سورة الإسراء 15
و إذا تابعت قراءة الآيات بعد الآية محل السؤال , تجد قوله تعالى
" وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " ( الأعراف 174)
بل ربما يكون هذا من مراد الله تعالى بقوله
" و إذا ذُكِّرُوا لا يَذكُرُون "- الصافات 13
و الله أعلم بمراده
بل هي مشهد من مشاهد الإنعام و الرحمة الإلهية:
إن هذا الإشهاد هو من رحمة الله بالعباد إذ غرس في فطرهم غريزة و فطرة و معارف عقلية أولية تساعدهم على تذكر وقبول أن لهم ربا ,عندما تأتيهم الرسل . لتذكرهم و تعالج ما تراكم على فطرهم من انحرافات
لاحظ قوله تعالى : ولعلهم يرجعون
ووجود معنى الربوبية في النفس كمعنى مركوز مزروع فيها لأمر جدير بالذكر
و لعل المثل الانجليزي الشهير
There are no atheists in foxholes
لا يوجد ملحدون في الخنادق تحت القصف , لأن الإنسان في لحظة مواجهة الموت و الخطر , يظهر تعلقه بقوة الرب , لأن هذا المعنى مركوز فيه.
و سبق هذا المثل قول الله تبارك و تعالى
" هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)
و قيل أيضا . . " إذا أردت مكانا لا يوجد فيه ملحد . . فانظر إلى سفينة في عرض المحيط تغرق "
هذا الرأي في الروايات مخالف ظاهر الآيات . .
فالآيات تتحدث عن أن الله أخذ الذرية من ظهور بني آدم " و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم " , بينما هذا الرأي و رواياته تقتضي أن الذرية أخذت من آدم فقط.
كيف يحدث الإشهاد وقد كان الإنسان عدما كم تفضلت بسؤالك؟
الإجابة . . كلا لم يكن الإنسان عدما . . قطعا و عقلا بل و علما (لا)
(1) آدم عليه السلام أبو البشر مجرد وجوده يشهد بأن هذا العالم يمكن تحقق وجود الإنسان فيه , و إن لم يكن هذا بنفس الظروف و الهيئة التي في عالمنا.
فإن هذا الحدث حدث في عالم مختلف عن عالمنا , عالم الغيب و له مقاييسه , لا سيما حينما نتحدث عن قدرة الله تبارك و تعالى.
(2) إن مجرد وجود آدم عليه السلام حتى في لغة العلم التجريبي تعني وجود الأصل الأول لذريته في تكوينه , فكيف يقال أنهم كانوا عدما.
(3) إن عقل الإنسان و معطيات العلم لا ترفض أو تحيل إن توفرت الإمكانيات و الظروف أن يتحقق وجود الإنسان في زمن سابق لوجوده , و هذا كما لا يخفى رغم كونه خيالا علميا إلا أنه مستند إلى أصل علمي فيزيائي متمثل في النسبية.
فإذا كان عقل الإنسان لا يرفض هذا إن توفرت له الإمكانات , و يشهد لإمكان حدوثه , فما بالك إن كنت نتحدث عن قدرة الإله تعالى.
و هذا لا يعني أنني أقول أن ما نتحدث عنه في الآية مثل ذلك , لكنني أقول أن العقل لا يصطدم مع إمكان حدوثه.
لكن الله لا يخضع للزمان و المكان فهو خالق الكون زمانا و مكانا.
و الآن . .
الاحتمال الثاني / على الرأي الثاني
فالمعنى واذكر أيها الرسول وذكر كل عاقل وقت أن استخرج الله - تعالى - من أصلاب بنى آدم ذريتهم ، وذلك الإخراج أنهم كانوا نطفة فاخرجها - سبحانه - فى أرحام الأمهات ، وجعلها علقة ثم مضغة ، ثم جعلها بشراً سويا ، وخلقا كاملا مكلفاً .
وقوله : { وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ } أى : أشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من دلائل وحدانيته ، وعجائب خلقه ، وغرائب صنعته ، وبما أودع فى قلوبهم من غريزة الإيمان ، وفى عقولهم من مدارك تهديهم إلى معرفة ربهم وخالقهم - [ راجع الوسيط - د. سيد طنطاوي رحمه الله ]
و هذا لا إشكال فيه.
و عليه فلا إشكال
و الحمد لله رب العالمين
كتبه / رحاب صبري
باحث ماجستير في القرآن وعلومه
" أسأل عن معنى الإشهاد في عالم الذر ؟ وهل يسمى الإنسان في هذه المرحلة (عدم)؟ وإن كان فكيف تم الإشهاد ؟ "
فأجبته قائلا . .
فالآية التي تفضلتم بالسؤال عنها هي قوله تعالى
" وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ " ( الأعراف 172)
للمفسرين فيها رأيان يلخصهما بن جزي في تفسيره رحمه الله
" الأول : أن الله لما خلق آدم أخرج ذريته من صلبه وهم مثل الذر ، وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم ، فأقروا بذلك والتزموه ، روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة وقال به جماعة من الصحابة وغيرهم. "
والثاني : أن ذلك من باب التمثيل ، وأن أخذ الذرية عبارة عن إيجادهم في الدنيا وأما إشهادهم فمعناه أن الله نصب لبني آدم الأدلة على ربوبيته فشهدت بها عقولهم ، فكأنه أشهدهم على أنفسهم ، وقال لهم : ألست بربكم وكأنهم قالوا بلسان الحال : بلى أنت ربنا ، والأول هو الصحيح لتواتر الأخبار به "
و على كل حال سوف نبين في ردنا ذلك أنه سواء صح الأول أو الثاني فلا إشكال عقلي و الحمد لله رب العالمين,
بل هو شهادة على رحمة الله تبارك و تعالى و تدبيره لعباده , و ذلك لا يتطلب منا إلا أن نقرأ الآية مع بقية ما نزل بعدها في السياق من جهة و مع بقية آيات القرآن من جهة أخرى , و نتدبر.
الاحتمال الأول / على الرأي الأول
فعلى الرأي الأول / بفرض صحة رواياته :
فقد روي هذا موقوفا على بن عباس رضي الله عنه بأسانيد تكلم في بعضها بعض أهل العلم و صححها البعض الآخر , ورفعه بعضهم .
و أورده و رجحه الطبري و غيره.
فلا نستطيع أن نجزم بصحة رفعه للنبي , كما لا نستطيع أن نجزم بنفيها.
لذا سوف نبقيها كاحتمال للتفسير و نبين أنه حتى في حال صحة ذلك لا إشكال إن شاء الله تعالى
هل رتب الله دخول النار على هذا الإشهاد؟
على هذا الرأي فالله أشهدهم على أنفسهم أنه ربهم , و هم في عالم الذر , فشهدوا .
فهذه الشهادة - و الله أعلم كما يقول جمهور المفسرين بلا استثناء يذكر - أنها ليس الغرض منها أن يتذكرها الإنسان كواقعة محددة يترتب على تذكره لها من عدمه أن يدخل الإنسان الجنة و النار.
إنما هي معرفة باقية في النفس على هيئة المعرفة الفطرية التي هي متجذرة في الإنسان بوجود رب لهذا الكون و ما يلازم هذه المعرفة من الاستعداد العقلي و النفسي لقبول ذلك. .
مثال للتقريب
و لتقريب الصورة فإن الأمر يشبه ما يتعلمه الطفل من كلمات في مرحلة طفولته , فأنت لا تذكر متى تعلمت مفردات اللغة , بل لم تكن تفهمها عندما تعلمتها منذ مولدك إلا أن بدأت تصبح واعيا عارفا , لكن معرفتها وقعت في نفسك و أنت تتصرف على أساسها ,بل تبني تواصلك مع العالم عليها
كذلك فهذه الشهادة بقيت في فطرة الإنسان , تشهد بربوبية الله تعالى
ولقد جاء في الحديث
" ما من مولود إلا و يولد على الفكرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو .. "
حديث متفق عليه
الجنة و النار رتبها الله على قبول رسالة الرسل أو الكفر بها و ليس على هذا الإشهاد:
لم يرتب القرآن على هذه الشهادة في عالم الذر عذاب يوم القيامة , بل إن الله تبارك و تعالى بين أن الناس تحتاج إلى التذكير بهذا المعنى المستقر في فطرهم عن طريق إرسال الرسل
فالعذاب إنما يترتب على الكفر بالرسل بعد أن تبلغ الرسالة الإنسان . .
و عليه فالله لم يظلم الإنسان شيئا
" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "- سورة الإسراء 15
و إذا تابعت قراءة الآيات بعد الآية محل السؤال , تجد قوله تعالى
" وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " ( الأعراف 174)
بل ربما يكون هذا من مراد الله تعالى بقوله
" و إذا ذُكِّرُوا لا يَذكُرُون "- الصافات 13
و الله أعلم بمراده
بل هي مشهد من مشاهد الإنعام و الرحمة الإلهية:
إن هذا الإشهاد هو من رحمة الله بالعباد إذ غرس في فطرهم غريزة و فطرة و معارف عقلية أولية تساعدهم على تذكر وقبول أن لهم ربا ,عندما تأتيهم الرسل . لتذكرهم و تعالج ما تراكم على فطرهم من انحرافات
لاحظ قوله تعالى : ولعلهم يرجعون
ووجود معنى الربوبية في النفس كمعنى مركوز مزروع فيها لأمر جدير بالذكر
و لعل المثل الانجليزي الشهير
There are no atheists in foxholes
لا يوجد ملحدون في الخنادق تحت القصف , لأن الإنسان في لحظة مواجهة الموت و الخطر , يظهر تعلقه بقوة الرب , لأن هذا المعنى مركوز فيه.
و سبق هذا المثل قول الله تبارك و تعالى
" هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)
و قيل أيضا . . " إذا أردت مكانا لا يوجد فيه ملحد . . فانظر إلى سفينة في عرض المحيط تغرق "
هذا الرأي في الروايات مخالف ظاهر الآيات . .
فالآيات تتحدث عن أن الله أخذ الذرية من ظهور بني آدم " و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم " , بينما هذا الرأي و رواياته تقتضي أن الذرية أخذت من آدم فقط.
كيف يحدث الإشهاد وقد كان الإنسان عدما كم تفضلت بسؤالك؟
الإجابة . . كلا لم يكن الإنسان عدما . . قطعا و عقلا بل و علما (لا)
(1) آدم عليه السلام أبو البشر مجرد وجوده يشهد بأن هذا العالم يمكن تحقق وجود الإنسان فيه , و إن لم يكن هذا بنفس الظروف و الهيئة التي في عالمنا.
فإن هذا الحدث حدث في عالم مختلف عن عالمنا , عالم الغيب و له مقاييسه , لا سيما حينما نتحدث عن قدرة الله تبارك و تعالى.
(2) إن مجرد وجود آدم عليه السلام حتى في لغة العلم التجريبي تعني وجود الأصل الأول لذريته في تكوينه , فكيف يقال أنهم كانوا عدما.
(3) إن عقل الإنسان و معطيات العلم لا ترفض أو تحيل إن توفرت الإمكانيات و الظروف أن يتحقق وجود الإنسان في زمن سابق لوجوده , و هذا كما لا يخفى رغم كونه خيالا علميا إلا أنه مستند إلى أصل علمي فيزيائي متمثل في النسبية.
فإذا كان عقل الإنسان لا يرفض هذا إن توفرت له الإمكانات , و يشهد لإمكان حدوثه , فما بالك إن كنت نتحدث عن قدرة الإله تعالى.
و هذا لا يعني أنني أقول أن ما نتحدث عنه في الآية مثل ذلك , لكنني أقول أن العقل لا يصطدم مع إمكان حدوثه.
لكن الله لا يخضع للزمان و المكان فهو خالق الكون زمانا و مكانا.
و الآن . .
الاحتمال الثاني / على الرأي الثاني
فالمعنى واذكر أيها الرسول وذكر كل عاقل وقت أن استخرج الله - تعالى - من أصلاب بنى آدم ذريتهم ، وذلك الإخراج أنهم كانوا نطفة فاخرجها - سبحانه - فى أرحام الأمهات ، وجعلها علقة ثم مضغة ، ثم جعلها بشراً سويا ، وخلقا كاملا مكلفاً .
وقوله : { وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ } أى : أشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من دلائل وحدانيته ، وعجائب خلقه ، وغرائب صنعته ، وبما أودع فى قلوبهم من غريزة الإيمان ، وفى عقولهم من مدارك تهديهم إلى معرفة ربهم وخالقهم - [ راجع الوسيط - د. سيد طنطاوي رحمه الله ]
و هذا لا إشكال فيه.
و عليه فلا إشكال
و الحمد لله رب العالمين
كتبه / رحاب صبري
باحث ماجستير في القرآن وعلومه