د محمد الجبالي
Well-known member
سألني تلميذي الماليزي النجيب:
ما الفرق بين [ أفلا تعقلون ... وأفلا تتفكرون] في القرآن؟
فأجبت بالآتي:
ما الفرق بين [ أفلا تعقلون ... وأفلا تتفكرون] في القرآن؟
فأجبت بالآتي:
نبدأ أولا فنتعرف معنى [يعقل ، يفكر]
-عقل الشيء: أدركه ، وعقل المسألة: أي فهمها
والعقل مرتبط بالحواس، أي أن العقل يدرك عن طريق الحواس،
قال الله تعالى: "صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُون" فإن فقد إنسان حَوَاسَّه [السمع والنطق والبصر] فلن يعقل.
قال الله تعالى: "صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُون" فإن فقد إنسان حَوَاسَّه [السمع والنطق والبصر] فلن يعقل.
- وفَكَرَ في الأمرِ : أَعْمَلَ العقْلَ فيه ورتَّبَ بعضَ ما يعلم ليصَل به إلى مجهول
وفكّر في الأمر : تفكَّر فيه ، تَأَمَّلَه ، أَعْمَلَ الْعَقْلَ فيه ليصل إلى نتيجة أو حَلٍّ أو قرار.
- فإن العقل يعي بالحواس ويدرك المعارف ويخزن المعرفة
- أما الفكر فإنه يكون بإعمال العقل الذي تخزنت فيه المعارف، فيربط العقل بالتفكير والتأمل بين هذه المعارف والخبرات والأسباب حتى يصل إلى نتائج وابتكارات واختراعات.
مثال : المسألة الرياضية
حين تُعْرَضُ عليك مسألة رياضية وتقرأها وتعي المطلوب فيها فإنك قد عَقَلْتَها أي أدركتها
وحين تبدأ في حَلِّهَا فقد بدأت إعمال عقلك بالتفكير ، ووصولك إلى الحل يكون نتيجة التفكير.
- فالعقل إدراك ووعي ومعارف وخبرات مخزونة
- والتَّفَكُّر تَأَمُّل وتَدَبُّر وربط بين العلاقات والأسباب ثم استنتاج ووصول إلى فهم أعلى وأعظم من مجرد المعرفة.
والآن نأتي إلى السؤال:
ما الفرق بين [ أفلا تعقلون ... وأفلا تتفكرون] في القرآن؟
أولا: بيان عام للأسلوبين:
- أفلا تعقلون: أسلوب استفهام غرضه الإنكار والتوبيخ والتَّعْرِيض بـ [بغبائهم وحماقتهم] والمعنى المقصود: أي كأنكم لا عقل لكم يدرك ويعي ويتعرف آيات الله في الكون وآيات كتابه العزيز.
- أفلا تتفكرون: أسلوب استفهام غرضة الإنكار والتوبيخ والتعريض بـ [ بعجز عقولهم وقصورها عن التفكر] أي كأن عقولكم عاجزة قاصرة عن الوقوف على آيات قدرة الخالق والوصول إلى أن هناك إلها واحدا وربا واحدا لهذا الكون.
- فكأن [أفلا تعقلون ] نفي للعقول أي لا عقل لهم.
- وكأن [أفلا تتفكرون] تعريض بعجز عقولهم وقصورها، أي لهم عقول لكنها عاجزة عن التفكير والفهم.
ثانيا: بحث في مواضع [ أفلا تعقلون ... وأفلا تتفكرون] في القرآن:
أ- [ أفلا تعقلون ] عن طريق خاصية البحث في القرآن في المكتبة الشاملة وجدتُ أن [ أفلا تعقلون] وردت في القرآن الكريم 14 مرة إحدها بياء الغائبين [أفلا يعقلون]
وقد تأملت هذه الآيات فوجدت أن [أفلا تعقلون] جاءت خاتمة لآيات تدور حول عدة معان مختلفة في جملتها لكنها لا تحتاج إلى إعمال كثير للعقل لإدراكها ومنها ما يلي:
1- آيات بارزة واضحة تدرك بالحواس الظاهرة السمع والبصر ، ولم يعقلوها مثل: قول الله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الصافات: 137، 138] ، وقوله تعالى، وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [المؤمنون:80]، وقوله تعالى: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 66، 67]
2- المبارزة بالحجة الواضحة على بطلان ما يعتقدون، ومثال ذلك: قول الله تعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [يونس: 16]، ) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 43، 44] وقوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 65]، وقوله تعالى: { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأعراف: 169].
3- تحقير الحياة الدنيا وتعلقهم بها رغم حقارتها، ومثال ذلك قول الله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 32]، وقوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [القصص: 60]
ب- أما [ أفلا تتفكرون] بالبحث وجدت أن [أفلا تتفكرون] قد وردت في القرآن مرة واحدة وذلك في قول الله تعالى: { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: 50]
ولو تأملنا الآية سنجد أن تأويلها ومعانيها يحتاج إلى إعمال العقل والتفكير والتأمل حتى يفهموا وبفقهوا حقائق ما يلي:
إن الله تعالى يخاطب النبي محمد ويأمره أن يقول للمشركين الذين يطلبون منه أن يكون ذا مال وكنوز وأن يأتي بملَك وغير ذلك من المطالب قل لهم يا محمد:
إني لا أزعم أن خزائن الله بيدي أتصرف فيها كيف أشاء، لا ، ولا أزعم أني أعلم الغيب ، فإن الغيب لا يعلمه إلا الله ، ولا أزعم أني ملَك ، إنما أنا بشر مثلكم ، أتبع ما يوحي به إليَّ ربي، فمن آمن فهو المؤمن البصير، ومن كذب وأعرض فهو الكافر وهو كالأعمى الذي لا يبصر.
هذا والله أعلم
أحوكم د. محمد الجبالي