السلام عليكم ورحمة الله وبركاته;
بسم الله الرحمن الرحيم ;
جاء في الآية 14 سورة آل عمران: "زُيِّن للناس حُبّ الشهواتِ من النساءِ والبنينَ والقناطير المقنْطرة من الذهبِ والفضّةِ والخيلِ المسوّمة والأنعام والحرث، ذلك متاعُ الحياةِ الدنيا، والله عندهُ حسن المآب".
الزّينُ: هو شدة الحسن، والتزيين هو جعل الشيء زيناً. والكلام في الآية الكريمة يتعلق بما فُطر عليه الإنسان من حب الأمور المذكورة، ولذلك حكمة تتعلق بالحياة الدنيا، وبضرورات إعمار الكون، بل إنّ هذا التزيين هو من أهم أسس التحضر الإنساني. وعليه بعيدٌ ما يقوله بعض أهل التفسير من أنّ المُزيِّن هو الشيطان، بل هي الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، وهذا ما نجده في كل النفوس، وإن تفاوتت في الإيمان والتقوى. ولا يُذم الإنسان في حبه وميله إلى هذه المذكورات، ولكن تأتي المذمة عندما يبالغ الإنسان في اندفاعه، فيخرج عن الطور، ويقوده ذلك إلى الاعتداء وتجاوز حدود الله تعالى.
عندما يتزيّن الإنسان بزينة ما فإنما يقصد أن يظهر بمظهر هو أحسن من واقعه. والزينة تُوجِد فرقا بين الحقيقة والواقع الجديد، وكلما اتسعت الفجوة كانت الزينة أشد. وعليه فإن الزينة في الأمور التي ذكرتها الآية الكريمة تتفاوت؛ فتزيين النساء هو أشد من تزيين البنين، وتزيين البنين أشدّ من تزيين الذهب والفضة… وهكذا. أي أنّ الآية الكريمة قد سردت المذكورات تنازلياً. وعندما نقول إنّ تزيين النساء هو الأشدّ بين المذكورات فإنما نقصد أن نقول إنّ الفارق بين واقع النساء وحقيقتهن، وبين صورتهن في عيون الرجال ونفوسهم هو فارق كبير. وعليه تكون الزينة أشدّ ما تكون في النساء إذا نظرنا إليهنّ بعيون الرجال. أما إذا نظرنا إلى المرأة بعين المرأة فإننا نكون عندها أقرب إلى الواقع، وبالتالي تكون الزينة أقل.
زينة المرأة في عين الرجل أشدّ من زينة الرجل في عين المرأة. وعليه فإنّ الفارق بين حقيقة الرجل في الواقع وصورتهِ في عين المرأة أقل من حقيقة المرأة في الواقع وصورتها في عين الرجل. هذا يعني أنّ خيبة أمل الزوجة بعد الزواج أقل من خيبة أمل الزوج، وذلك في حالة تحييد العوامل الأخرى؛ فالرجل حسّي في نظرته إلى المرأة، وعلى وجه الخصوص عندما يتعلق الأمر بالعين والإبصار. من هنا لا بد أن تعي المرأة أنها تصبح بحاجة أشدّ إلى الزينة عندما تصبح زوجة. وهذا لا يعني أنّ الرجل لا يحتاج إلى الزينة، ولكننا نقارن بين فطرتين. وقد نصت الآية الكريمة، كما نلاحظ، على تزيين النساء في نفوس الرجال، ولم تنص على تزيين الرجال في عيون النساء، لأنّ الكلام هنا عن التزيين الأشدّ.
لقد نصّت الآية الكريمة على البنين دون البنات، لأنّ التزيين الفطري في البنين أشدّ منه في البنات، أي أنّ الفارق بين واقع البنين الحقيقي وبين موقعهم في نفوس الآباء والأمهات، هو أكبر من واقع البنات الحقيقي وموقعهن في نفوس الآباء والأمهات. انظر إلى تفاني الآباء والأمهات، ثم انظر إلى موقف الأبناء من الآباء والأمهات، وعلى وجه الخصوص عند الكبر. من هنا كان لا بد من التشديد في الوصية: "...إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما، وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" (الإسراء:24،23).
على الآباء والأمهات إذن أن يدركوا أنّ ذلك حقيقة من حقائق الحياة، وفطرة فطر الله الناس عليها؛ فالدافع الذي يدفع الأب والأم إلى التفاني في رعاية الولد لا توجد قوته عند الولد. هذا لا يعني أنّ الولد لا يتفانى في رعاية الوالدين، ولكنّ دوافع وقوة ذلك تختلف. بل إنّ هذا التفاني المتبادل هو من الأمور التي تميز الإنسان عن باقي الكائنات الحية؛ فأنت تجد القطة، مثلاً، تدافع بشراسة عن صغارها، ولكنّ هذا الصغير عندما يكبر لا يأبه بالأم، بل قد يعتدي عليها.
أما فيما يتعلّق بالذهب والفضة والنقود، فإن الفارق أقل بين واقعها النفعي وموقعها من نفس الإنسان؛ أي أنّ الزينة فيها أقل من زينة النساء والبنين، بمعنى أنّ حبّ الإنسان لها هو قريب إلى واقعها من حيث منفعتها وخدمتها له. وتكون الزينة أقل ما تكون في عالم النبات والزراعة؛ فدرجة حبنا وانشدادنا إلى هذا العالم قريب جدّاً إلى واقعه المنفعي.
بسم الله الرحمن الرحيم ;
جاء في الآية 14 سورة آل عمران: "زُيِّن للناس حُبّ الشهواتِ من النساءِ والبنينَ والقناطير المقنْطرة من الذهبِ والفضّةِ والخيلِ المسوّمة والأنعام والحرث، ذلك متاعُ الحياةِ الدنيا، والله عندهُ حسن المآب".
الزّينُ: هو شدة الحسن، والتزيين هو جعل الشيء زيناً. والكلام في الآية الكريمة يتعلق بما فُطر عليه الإنسان من حب الأمور المذكورة، ولذلك حكمة تتعلق بالحياة الدنيا، وبضرورات إعمار الكون، بل إنّ هذا التزيين هو من أهم أسس التحضر الإنساني. وعليه بعيدٌ ما يقوله بعض أهل التفسير من أنّ المُزيِّن هو الشيطان، بل هي الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، وهذا ما نجده في كل النفوس، وإن تفاوتت في الإيمان والتقوى. ولا يُذم الإنسان في حبه وميله إلى هذه المذكورات، ولكن تأتي المذمة عندما يبالغ الإنسان في اندفاعه، فيخرج عن الطور، ويقوده ذلك إلى الاعتداء وتجاوز حدود الله تعالى.
عندما يتزيّن الإنسان بزينة ما فإنما يقصد أن يظهر بمظهر هو أحسن من واقعه. والزينة تُوجِد فرقا بين الحقيقة والواقع الجديد، وكلما اتسعت الفجوة كانت الزينة أشد. وعليه فإن الزينة في الأمور التي ذكرتها الآية الكريمة تتفاوت؛ فتزيين النساء هو أشد من تزيين البنين، وتزيين البنين أشدّ من تزيين الذهب والفضة… وهكذا. أي أنّ الآية الكريمة قد سردت المذكورات تنازلياً. وعندما نقول إنّ تزيين النساء هو الأشدّ بين المذكورات فإنما نقصد أن نقول إنّ الفارق بين واقع النساء وحقيقتهن، وبين صورتهن في عيون الرجال ونفوسهم هو فارق كبير. وعليه تكون الزينة أشدّ ما تكون في النساء إذا نظرنا إليهنّ بعيون الرجال. أما إذا نظرنا إلى المرأة بعين المرأة فإننا نكون عندها أقرب إلى الواقع، وبالتالي تكون الزينة أقل.
زينة المرأة في عين الرجل أشدّ من زينة الرجل في عين المرأة. وعليه فإنّ الفارق بين حقيقة الرجل في الواقع وصورتهِ في عين المرأة أقل من حقيقة المرأة في الواقع وصورتها في عين الرجل. هذا يعني أنّ خيبة أمل الزوجة بعد الزواج أقل من خيبة أمل الزوج، وذلك في حالة تحييد العوامل الأخرى؛ فالرجل حسّي في نظرته إلى المرأة، وعلى وجه الخصوص عندما يتعلق الأمر بالعين والإبصار. من هنا لا بد أن تعي المرأة أنها تصبح بحاجة أشدّ إلى الزينة عندما تصبح زوجة. وهذا لا يعني أنّ الرجل لا يحتاج إلى الزينة، ولكننا نقارن بين فطرتين. وقد نصت الآية الكريمة، كما نلاحظ، على تزيين النساء في نفوس الرجال، ولم تنص على تزيين الرجال في عيون النساء، لأنّ الكلام هنا عن التزيين الأشدّ.
لقد نصّت الآية الكريمة على البنين دون البنات، لأنّ التزيين الفطري في البنين أشدّ منه في البنات، أي أنّ الفارق بين واقع البنين الحقيقي وبين موقعهم في نفوس الآباء والأمهات، هو أكبر من واقع البنات الحقيقي وموقعهن في نفوس الآباء والأمهات. انظر إلى تفاني الآباء والأمهات، ثم انظر إلى موقف الأبناء من الآباء والأمهات، وعلى وجه الخصوص عند الكبر. من هنا كان لا بد من التشديد في الوصية: "...إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما، وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" (الإسراء:24،23).
على الآباء والأمهات إذن أن يدركوا أنّ ذلك حقيقة من حقائق الحياة، وفطرة فطر الله الناس عليها؛ فالدافع الذي يدفع الأب والأم إلى التفاني في رعاية الولد لا توجد قوته عند الولد. هذا لا يعني أنّ الولد لا يتفانى في رعاية الوالدين، ولكنّ دوافع وقوة ذلك تختلف. بل إنّ هذا التفاني المتبادل هو من الأمور التي تميز الإنسان عن باقي الكائنات الحية؛ فأنت تجد القطة، مثلاً، تدافع بشراسة عن صغارها، ولكنّ هذا الصغير عندما يكبر لا يأبه بالأم، بل قد يعتدي عليها.
أما فيما يتعلّق بالذهب والفضة والنقود، فإن الفارق أقل بين واقعها النفعي وموقعها من نفس الإنسان؛ أي أنّ الزينة فيها أقل من زينة النساء والبنين، بمعنى أنّ حبّ الإنسان لها هو قريب إلى واقعها من حيث منفعتها وخدمتها له. وتكون الزينة أقل ما تكون في عالم النبات والزراعة؛ فدرجة حبنا وانشدادنا إلى هذا العالم قريب جدّاً إلى واقعه المنفعي.