محمد محمود إبراهيم عطية
Member
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّلَ الْإِذْنَ لِلرِّجَالِ بِأَنَّ ذَلِكَ يُذَكِّرُ بِالْمَوْتِ ، وَيُرَقِّقُ الْقَلْبَ ، وَيُدْمِعُ الْعَيْنَ .. هَكَذَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَد ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا فُتِحَ لَهَا هَذَا الْبَابُ أَخْرَجَهَا إلَى الْجَزَعِ وَالنَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ ، لِمَا فِيهَا مِنْ الضَّعْفِ ، وَكَثْرَةِ الْجَزَعِ ، وَقِلَّةِ الصَّبْرِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِتَأَذِّي الْمَيِّتِ بِبُكَائِهَا ، وَلِافْتِتَانِ الرِّجَالِ بِصَوْتِهَا وَصُورَتِهَا ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ : " فَإِنَّكُنَّ تَفْتِنَّ الْحَيَّ ، وَتُؤْذِينَ الْمَيِّتَ " ، وَإِذَا كَانَتْ زِيَارَةُ النِّسَاءِ مَظِنَّةً وَسَبَبًا لِلْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ فِي حَقِّهِنَّ وَحَقِّ الرِّجَالِ ، وَالْحِكْمَةُ هُنَا غَيْرُ مَضْبُوطَةٍ ؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحُدَّ الْمِقْدَارَ الَّذِي لَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ ، وَلَا التَّمْيِيزَ بَيْنَ نَوْعٍ وَنَوْعٍ ؛ وَمِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْحِكْمَةَ إذَا كَانَتْ خَفِيَّةً ، أَوْ غَيْرَ مُنْتَشِرَةٍ ، عَلَّقَ الْحُكْمَ بِمَظِنَّتِهَا ؛ فَيَحْرُمُ هَذَا الْبَابُ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ ، كَمَا حَرُمَ النَّظَرَ إلَى الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْفِتْنَةِ ، وَكَمَا حَرُمَ الْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ النَّظَرِ ؛ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ مَا يُعَارِضُ هَذِهِ الْمَفْسَدَةَ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا دُعَاؤُهَا لِلْمَيِّتِ ، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي بَيْتِهَا ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ : إذَا عَلِمَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ نَفْسِهَا أَنَّهَا إذَا زَارَتْ الْمَقْبَرَةَ بَدَا مِنْهَا مَا لَا يَجُوزُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، لَمْ تَجُزْ لَهَا الزِّيَارَةُ بِلَا نِزَاعٍ .... ( مجموع الفتاوى : 24 / 355 ، 356 ) .