زمن شذوذ القراءات

سلوى أحمد

New member
إنضم
07/09/2014
المشاركات
2
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
المملكه العربيه
زمن شذوذ القراءات
من يتتبع تاريخ القرآن الكريم يجد أن الله U أنزل القرآن منجماً على الرسولe في خلال ثلاث وعشرين سنة بالأحرف السبعة رحمة بالأمة وتيسيراً عليها, وكان رسولناe يعارض جبريلu بالقرآن في كل سنة مرة, وفي العام الذي قبض فيهe وانتقل إلى الرفيق الأعلى عارض جبريلu بالقرآن مرتين فنسخت الكثير من القراءات القرآنية التي نزلت في بادئ الأمر, وهي ما يعتبرها العلماء بعد ذلك قراءات الشاذة[SUP].[/SUP]
فالعرضة الأخيرة كانت هي البداية لظهور القراءات الشواذ, إلا أن الصحابةy كان إدراكهم لأمر النسخ متأخراً مع حضور عدد منهم هذه العرضة, فقبض رسول اللهe والصحابةy يقرؤون بما تعلموا من الرسولe, ويقرئون الناس بذلك, وكل رجل منهم متمسك بما أجازه لهe, ثم جمعت الصحف في عهد أبي بكرt مشتملة على الأحرف السبعة كلها التي نزل بها القرآن الكريم, إلى أن جاء عهد الخليفة عثمانt فحدث ما حدث من اختلاف الناس في القراءة, وتكفير بعضهم لقراءة بعض, فخشي الصحابةy من اختلاف الناس وتفرقهم بسبب اختلاف القراءات, حينها أدرك الصحابةy أن الرُّخصة بالقراءة بالأحرف السبعة انتهت ولم يبق منها إلا ما ثبت واستقر في العرضة الأخيرة, فأجمعواy على كتابة القرآن العظيم على العرضة الأخيرة التي قرأها النبيe على جبريلu عام قبض, وعلى ما أنزل الله تعالى دون ما أذن فيه, وعلى ما صح مستفيضاً عن النبيe دون غيره؛ إذ لم تكن الأحرف السبعة واجبة على الأمة وإنما كان ذلك جائزاً لهم مرخصاً فيه, واجتمعوا على ذلك اجتماعاً سائغاً وهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة, ولم يكن في ذلك ترك واجب ولا فعل محظور.
وأمر عثمانt بإحراق ما عدا ذلك من الصحف, فكان جمع عثمانt هو الحد الفاصل بين القراءة الصحيحة والشاذة, وأصبحت موافقة القراءة لأحد المصاحف العثمانية شرطاً لقبولها, واستقر بذلك مفهوم الشذوذ في الأذهان لكن دون أن يترجم على الألسن.
فكان الصحابةy يتابعون مصحف عثمانt فيما تعلموه من رسول اللهe, فالقراءة الموافقة لمصحف عثمانt مقبولة مقروء بها, والمخالفة له متروكة متوقف عن القراءة بها.
ومع شذوذ هذه القراءات وخروجها عن إجماع الأمة إلا أن بعض القراء تمسكوا بها, مقتنعين بأن ما صح عن النبيe لا يمكن تجاهله، كما أشار إلى ذلك مكي القيسي بقوله: (ولذلك تمادى بعض الناس على القراءة بما يخالف خط المصحف مما ثبت نقله وليس ذلك بجيد"
ثم ظهر بعد ذلك الاسم (القراءات الشاذة), فكان من أوائل من لهج به أبو عمرو بن العلاء(ت154هـ), فيروى أن رجلاً قال له: "كيف تقرأ[FONT=QCF_BSML]ﭽ[/FONT][FONT=QCF_P594]ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ[/FONT],[FONT=QCF_P594] ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ[/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT]؟ وقد جاء عن النبي [FONT=QCF_BSML]ﭽ[/FONT][FONT=QCF_P594]ﭖ ﭗ [/FONT]يُعَذَّبُ[FONT=QCF_P594] ﭙ ﭚ[/FONT],[FONT=QCF_P594] ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ[/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT], قال أبو عمرو: "لو سمعت الرجل الذي قال: سمعت النبيe ما أخذته عنه! وتدري لم ذاك؟ لأني أتهم الواحد الشاذ إذا كان على خلاف ما جاءت به العامة".
ونافع بن العلاء المدني(169هـ) أيضاً, يروي المسيبي عن نافع أنه قال: "قرأت على هؤلاء فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته, وما شذ فيه واحد تركته, حتى ألفت هذه القراءة".
أي إنه ترك ما انفرد به أحد شيوخه وما خالف به قراءة الجماعة.
ثم تعارف الناس على هذا الاسم, وأصبح مصطلح الشذوذ يطلق على القراءة التي يخالف بها القارئ ما أجمع عليه القراء, قال أبو حاتم السجستاني: "أول من تتبع بالبصرة وجوه القرآن وألفها, وتتبع الشاذ منها فبحث عن إسناده هارون بن موسى الأعور", قال ابن الجزري: " مات هارون فيما أحسب قبل المائتين".
ثم تلاه جملة من العلماء الذين ألفوا في شواذ القراءات, منهم: محمد بن جرير الطبري(ت310هـ) ألف كتاباً كبيراً في مشهور القراءات وشاذها.
كذلك أبو بكر بن مجاهد(ت324هـ) فبعد أن ألف كتاب السبعة في القراءات المتواترة, ألف كتاباً آخر سماه الشواذ.
وكان هؤلاء العلماء قد أطلقوا الشذوذ وحكموا به على قراءات عدها العلماء بعد ذلك من المقبول, إذ أن كلاً منهم يطلق الشذوذ وفق مقاييس اختيارية وضوابط معينة, يميز بها ما يجب أخذه, وما يجب رده, ولم يكن يصدر الحكم على قراءة بشكل عشوائي.
إلى أن ظهر بعد ذلك التخليط في القراءات, وعسر الضبط, وانتشر التفريط, واشتبه الصحيح بالشاذ الفاذ, فوضع الأئمة لذلك ميزاناً يرجع إليه, ومعياراً يعول عليه, وحددوا الأبعاد الثلاثية لقبول القراءة, أو ردها والحكم عليها يالشذوذ وعدم القبول, حتى يعرف أولها من آخرها ومبتداها من منتهاها, قال الإمام أبي شامة, في شرحه للشاطبية: "وذكر المحققون من أهل العلم بالقراءة, ضابطاً حسناً في تمييز ما يعتمد عليه من القراءات, وما يطرح, فقالوا: كل قراءة ساعدها خط المصحف, مع صحة النقل فيها, ومجيئها على الفصيح من لغة العرب, فهي قراءة صحيحة معتبرة, فإن اختلت هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة شاذة أو ضعيفة", وقال الإمام الجعبري: "ضابط كل قراءة تواتر نقلها, ووافقت العربية مطلقاً, ورسم المصحف ولو تقديراً, فهي من الأحرف السَّبعة, ومالا تجتمع فيه فشَّاذ".
فبدأ الحكم على بعض القراءات بالشذوذ بعد أن عرفت هذه الضوابط التي تقاس بها القراءات الصحيحة, وقبل هذه الفترة كانت القراءات الشاذة موجودة لكن لم يطلق عليها هذا الاصطلاح بعد[SUP],[/SUP]ولم يحكم عليها به.
ومن الأمور التي ساهمت في شذوذ بعض القراءات, ما يعرف عند القراء بمسألة "الاختيار", وهو ما يميل إليه القارئ من بين مروياته, ويركن إليه على وفق مقاييس معينة, فيلتزمه ويُقرئ به حتى عرف به واشتهر عنه.
ومنه قول الإمام نافع السابق الذكر: "قرأت على هؤلاء فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته, وما شذ فيه واحد تركته, حتى ألفت هذه القراءة".
وهذا الاختيار مأخوذ بنقل وأثر لا عن اجتهاد ورأي في تخير الوجوه والروايات المأثورة, قال أبو عمرو الداني في نسبة الاختيارات والقراءات إلى القراء أنها: "إضافة اختيار ودوام ولزوم لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد".
فما أهمله القراء من تلك المرويات أصبح في عداد القراءات الشواذ بسبب انقطاع الإسناد.
والذي أراه هنا-والله أعلم-:
-أن القراءات الشاذة لها مكانتها في الدين؛ إذ أن مصدرها الوحي من اللهU كغيرها من القراءات القرآنية, ولكن نسخ قسم منها بالعرضة الأخيرة, ورد العلماء قسماً آخر لقلة القراءة بها بعد أن كانت متواترة في عصر من العصور, قال الإمام السبكي: "أن المتواتر في الطبقة الأولى قد يكون آحاداً فيما بعدها, وهذا محمل القراءات الشاذة".
-أن بداية ظهور الشاذ في القرآن الكريم كان عند معارضة جبريلu القرآن مع النبيe في السنة التي توفي فيهاu, فما نسخ من القراءات بعد هذه المعارضة اعتبر شاذاً.
وأما ما فعله عثمانt من إحراق المصاحف وجمع الناس على ما صح من القراءة فيعتبر الحد الفاصل بين القراءات الصحيحة والشاذة.
-أن اشتهار لفظ الشذوذ كان في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري, وكان الحكم به على بعض القراءات بعد وضع العلماء لضوابط القراءة المقبولة في أوائل القرن الرابع, ولعل السبب في تسميتها بالقراءة الشاذة يعود إلى أنها شذت عن الطريق الذي نقل به القرآن, حيث نقل بجميع حروفه نقلاً متواتراً.
-أن وصف القراءات بالشذوذ فيه نوع من الحدة والمبالغة إلى حد ما, فلو حكم عليها بالنسخ أو الرفع أو متوقف عن القراءة بها لكان أولى وأجدر؛ إذ من المعلوم أن القراءات التي رواها لنا الصحابة كابن مسعود وأبيّ وعائشة وغيرهم, منزلة من الله عز وجل نقلوها عن النبيe ولم يتقولوها أو يأتيوا بها من تلقاء أنفسهم, وإطلاق التسمية بالشاذ يوهم هذا, ويدخل في النفس الشك في أمانتهم, وهم لم يقرؤوا إلا في حدود ما أنزل الله تعالى على نبيه محمدe.
 
عودة
أعلى