زاوية بأقلامهنّ: ( في مدينةِ الكلمات)

إنضم
29/05/2011
المشاركات
144
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بسم الله الرّحمن الرّحيم

(في مدينة الكلمات)

في طريقي في عوالم هذا العالم ، ولجتُ إلى مدينة الكتابة والقلم .. ولا أدري أعرج بي الطريق إليها عمداً, أم أنَّ صوت تكتكة القلم، ورائحة الحبر المسالِ على ورقٍ لم يجفّ بعد كرائحة كعكة برتقال حديثة الخَبز , قد جذبتني إليها وأغرتني بالدّخول ؟!..

دلفتُ إلى المدينة ؛ وقد وجدت بابها مُشرعاً لكل زائر دون بوّابين !
هزَّني منظر الأقلام وقد ازدحمت في المداخل كأسنّة رماح المقاتلين الآيبين من قتالٍ طويل..
وكقوافل التُّجار المحملة بالبضائع ،كانت الأوراق تدخل فتغيب طويلا.. ثم تخرج، البعض منها يخرج متماهياً على الصفحات، والبعض الآخر يخرج محمولاً على الأكتاف..

دلفتُ وأنا أتحسسُ فكري كي لاتسرقه عيون بعض المتفرسين في الوجوه, الباحثين عن ما تموج به الخواطر ويفيض به الوجدان .. ودلفت وأنا أتنسّم روائح الإبداع في المكان..


كان ثمَّةَ حوانيت عريقة لأصحابها دُربةٌ وصنعة، هم أصحاب سمعة طيبة, يظهرها ازدحام الأقدام وتلاطم المناكب بأبوابهم, صور لعمالقة الكتابة وأسماؤهم تملأ المكان كمتحف يضم القديم والحديث مما تفّرد به أولئك وامتازوا به.


فيما كانت الطريق التي تطول وتطول في تشعبات، ملأى بالسائرين مثلي, وكان ثمة متسولون يستجدون فتات الأفكار، يأكلون ما يجدونه ملقى هنا أوهناك من فضلات الحوانيت والمارة يثيرون ضوضاءهم ويفسدون بهجة المكان..
كان ثمّة حوانيت أبوابها مغلقة , سوداء معتمة، لا نوافذ لها وتفوح منها روائح منكرَة , تسيل من تحت عتبات أبوابها قاذورات اختلطت بما فيها (ومن فيها)، لا يدخل إليها إلا أهل الريبة وسوء الطويّة..وما أكثرهم!..
يخرجون وهم يلمعون ويشار إليهم بالبنان ,فكأنما سحروا ببضاعتهم القذرة أعين الناس ولوَّثوا بفكرهم أدمغتهم فمضى الجهّلاء يطبِّلون لهم ويزمّرون ..

وكان ممن يدخل- للأسف- أناس تظهر عليهم سماتُ الصلاح قد اشتدّت أعوادهم، فلا يلبثوا فيها إلا قليلاً ثم يخرجون، قد علت الريبة وجوههم في أيديهم صار الدرهم والدينار باعوا أنفسهم بثمنٍ بخسٍ دراهم معدودة!.

وجدت من هذه الحوانيت المشبوهة الكثير، وأسِفت لحال أصحاب الحوانيت المضيئة الذين رغم تزاحم الأقدام عندهم إلا أنهم قد لا يجدون من المال ما يملأ بطونهم ويسد حاجتهم..، ورغم أناقتهم الظاهرة إلا أن بؤس الحال قد بدأ يظهر فيهم..

وأخذني موكب المسير ، فهنا يافطات برّاقة تشبه ما ألفته من مطاعم الوجبات السريعة وصوت تكتكات لوحات الطباعة تصدح..جُلّ مرتاديها من الشباب , وإن كان بعض أولي الصنعة قد دلفوا المكان ، يتبعون التيار!
ولم لا ،طالما أن الفكرَ هو هو ؟!

أثار انتباهي أن جميعهم كانوا يُحيون كتاباتهم في طقوس فريدة فتخرج كلماتهم مشبعةً بهم وبهويّاتهم..
فبعضهم تراكمت أمامه فناجين القهوة بمختلف أمزجتها، وبعضهم ارتدى حللاً أنيقة، والبعض الآخر كان رثا مهلهلًا تتطاير الأوراق عن جنبيه، قد سنّ القلم ومضى يسير وهو يحادث نفسه..

كل طقوسهم في الكتابة امتزجت فغدت كرنفالا يأخذ بالألباب..

أسفتُ لسوداوية قد انزوت في طريقٍ معتم ، مليءٍ بالآهات والعبرات..

وضحكت من أفكار بعض الساخرين المبهرجة المقامة وسط الساحات, تُضحِكُ المجموع ، ينتقدها البعض, ويقلدها البعض..غير أنّ بعض تلك الضحكات كان مؤذياً حدّ أن أهلها كانوا يرقصون بحروفهم على الجراح وبالجراح ولا يقيمون شأناً لأحد!


بالطبع لم يشارك أولئك الذين يكتبون كلامهم بحبر الطلاسم وفنون التعجيز في شيء من هذا وذاك , فلقد كانت نظاراتهم النصفيّة ، وسطورهم المقصوصة وأنوفهم المرتفعة قليلا تأنف من هكذا جموع!!ا

وانتهى بي المسير لبقعة ضوء؛ فيها أراوح طاهرة سعت بالقلم لتنير القلوب والعقول، وغدت أقلامها مباضع جراحين مهرة تعرف موضع الألم وتبرع في استئصال الخبيث..أولئك كانوا شموسا وسط المكان ومساجد.. وعوالم شتى ..
حينها قررت أن أنضمّ لركبهم وأنا أعجب لأصحاب نفوذ لم يكن لهم حوانيت وإنما أقلام مأجورة ؟! يتاجرون بالفكر ويبيعون حبر أرواح كل أولئك الساكنين هنا؟!

تطاولت علّي أجد للمكان محتسباً يكافيء المحسن ويأخذ على يد المفسد ، ينشر الفضيلة ويحارب الرذيلة..فالكتابة فكر ..وهويّة أمة..فلم يكن ثمّة أحد إلا مقصات تقصّ هنا وهناك، وأجهزة تراقب من بعيد ..


لملمت شعث أفكاري ونشرتها هنا قبل أن يسرقها لص فكر من هنا وهناك فينشرها باسمه , ويدلف بها إلى أحد الحوانيت ببدلة مستعارة أو مسروقة هي الأخرى..
لكل من حمل القلم دفاعاً عن حق أو نشراً لحق ، تحية إكبار تهتز له أعطاف الأوراق..في مدينة الكلمات..

والسّلام
 
كنتُ أعلم أن ثمة مواهب رائعة ستكتشفها هذه الزاوية المباركة... لكن بهذه الروعة لم أكن أحلم.
فلك مني كل الشكر والتقدير.
حفظك الله ورعاك وزادك إبداعا وتوفيقا.​
 
أختي أم يوسف
أختي بنت اسكندراني
كل الشكر لكما، أنا التي أعجز عن الشكر
دعواتكم( :
 
أختي الكريمة مها، تستحقين بجدارة أن تتسلمي مفاتيح مدينة الكلمات، بورك في فكرك وفي قلمك الذي أبدع في ترجمته لنا كلمات وصور رائعة ومعانٍ عميقة بين السطور.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أختي نوران الفجر
أخي الأستاذ فهد الجريوي
د.سمر الأرنأووط
أحمد ربي أن لاقت كلماتي طريقها إلى قلوبكم فاستحسنتموها وذلك الفضل من الله.
جزيتم كل خير
دعواتكم..
والسلام
 
عودة
أعلى