|| رِسَالتي إِلَيْكَ يَا حَافِظَ القُرْآنِ ||

شهد العمري

New member
إنضم
16/08/2015
المشاركات
67
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
المدينة المنورة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رِسَالتي إِلَيْكَ يَا حَافِظَ القُرْآنِ


يا حافظ القرآن إني هامس في أذنك بكلمة, ومفض إليك بعبرة, فهلّا ترجلتَ من دولاب الحياة الدائر بك لحظة حتى تسمعها؟, وهلا أفرغتَ لي قلبك من هموم الدنيا برهة حتى تعقلها؟, فإن عزمتَ أن تستمع لما أنا قائل؛ فاصطحب حِلمك وصبرك معك, فإنك إن تفعل فقد مهدتَ لقوافلي إلى قلبك دربا, وأخليتَ لها السُبل كرما منك وأدبا, فإن أعجبتك العير وما تحمل فقد حُزتَها.. وهي لك, وإن لم ترق إلى كريم ذوقك؛ فقد أعطيتَها من حلمك أمانا حتى تنسحب إلى غيرك, فلعل الله أن يشرح لها صدرا, ويكتب لي بها أجرا.

يا حافظ القرآن أما وأنك قد أرعيتَ لي سمعك, مستحضرا قلبك, وممتطيا صبرك؛ فاسمح لي أن أحدثُك عاريا من كل الأوسمة التي تقلدتَ, وجميع الألقاب التي حزتَ, لأريك نفسك كيف كانت ستبدو لو لم يمنَّ الله عليك بحفظ كتابه,
لتعلم أنك إنما وُهبتَ هبةً لا تقدر بثمن, ولا توزن بميزان, ولا توصف ببيان!
فمن بين الآلاف المؤلفة من بين البشر ها أنت اصطفاك الله لمكانة عالية شريفة, وأشغلك عن الدُّنَا بتلاوة آيات محكمة كريمة, فهيَّأَ لسانَك للفصحى وغيرك يتلعثم, وهيَّأَ قلبَك للنور وغيرك في الظلام يتقلب, وجعلك من أهله وخاصته وربما غيرك للفجور يُنسب.

فقلي بربك: هل لحِقَتْك هذه النعمةُ من باب الاستحقاقِ؛ فأنت تحيا بها وتجني من وراءها ما هو حق لك؟! أم هي محض فضل وإنعام من الله عليك؟!
فإن كانت محض نعمة من الله وفضل؛ فهل تُعامل النعم إلا بالشكر لتربو؟ وهل يُعامل الإحسان إلا بالإحسان لينمو؟ فأين أنت من الشكر والإحسان حتى يزدك الله؟

يا حافظ القرآن أن الله أعطاك ببركة هذا القرآن النعمة تلو النعمة, والرفعة إثر الرفعة, وأنزلك به صدور المجالس, وأشرف المنازل, وأنت غارق في الغفلة, منشغل عن شكر النعمة, لاه عما يترتب عليك من استحقاقات, فإن رأيتَ أنك كذلك؛ فاحذر فإنما أنت تجني ما لا تستحق!.

ولا تعجب إن قلتُ لك أنك سائر على جسرٍ معلق, حِيكَ من الجدائل الرقيقة, وقد نُصِب على هوة سحيقة, يحملك من دنيانا الحقيرة إلى أعالي الجنة, فإن رقيتَه فسِرْ عليه ولا يشغلك جمع ما عُلِّق عليه من زينة وجوهر, وإن شجّعك الناس وغرّوك, فربَّ جوهرةٍ تطلبها من أجل أن تحوز رضاهم, أو تنال إعجابهم, فتخل بتوازنك لتهوي في الأعماق!, ويال شقائك إن هويتَ بعد أن كان يشار إليك بالبنان: "هذا قارئكم الصالح!, أو هذا حافظ كتاب الله!, أو هذا إمامنا ومعلمنا!"

فما بالك تغفل عن هول هذا الموقف؟! أما تذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سُئل: يا رسول الله.. أرأيتَ رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟ فقال عليه الصلاة والسلام:
"لا شيء له!"
أما تقلقك هذه العبارة: "لا شيء له"؟!.
أيّنا هذا الذي يحب أن يذكر بخير يعمله؟!, أيّنا ذاك الذي ملك خطام الإخلاص فطوعه؟!, أيّنا الذي يحب أن يعلم الناس بصلاح سريرته؟!, أيّنا ذاك الذي يستميتُ في اخفاء عمله خشية الرياء؟!.

ألا فاستفِق يا حافظ القرآن وانهض إلى ربك, قف بين يدي الله آيبا وابتهل له بالدعاء, قف بباب مولاك وتذلل له بالبكاء, اسكب دموع الوجل على وجنتيك, وهيأ لها ميزابا يوصلها إلى قلبك لتغسله بيديك.

ناجي ربك وقل: يا رب وجل قلبي وارتعدتْ فرائصي من يوم تنادي فيه قارئ القرآن, فتعرَّفه نعمه فيعرفها، فتقول له: فما عملتَ فيها؟ فيقول لك: يا رب تعلمتُ العلم وعلمتُه، وقرأتُ فيك القرآن، فتقول له: كذبتَ!, ولكنك تعلمتَ العلم ليقال عالم!، وقرأتَ القرآن ليقال هو قارئ!، فقد قيل، ثم تأمر به فيسحب على وجهه حتى يلقى في النار!
فيا رب يا من غفرتَ لبغي سقتْ كلبا وقد كانتْ فيما مضى تعصيك؛ اغفر لحافظ القرآن وأمطر عليه من سحائب جودك وعفوك حتى تنجيه, ولا تؤاخذه بشرك أو رياء تسلل إلى قلبه فأفسد عبادته.

يا رب إنا نشهدك أن ريائنا يقض مضاجعنا, وما قاومناه بضعفنا من جهة إلا اقتحم علينا جميع الجهات, ولا حول لنا ولا قوة إلا بك, نحن الفقراء إليك, نعصيك ولا نرتدع, ونرائي المرة تلو المرة ثم نؤوب, ثم نعاود الذنب بضعفنا ثم نتوب, وبعد التوبة إذ بنا نعود!!.

فيا رب مالنا رب سواك نسأله العفو عما فات, ونرجوه الثبات في هو آتٍ سواك يا رب العالمين, فيا من رحمت البغيّ بعفوك هب لنا عملا زاكيا ترضى به عنا.
اللهم آمين



بقلم: حفصة اسكندراني
 
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ في مجموع الفتاوى-:
لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابِهِ الَّذِي هُوَ الْهُدَى وَالشِّفَاءُ وَالنُّورُ وَجَعَلَهُ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ وَأَحْسَنُ الْقَصَصِ وَجَعَلَهُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ لِأَهْلِ الْعَقْلِ وَالتَّدَبُّرِ وَلِأَهْلِ التِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَلِأَهْلِ الِاسْتِمَاعِ وَالْحَالِ: فَالْمُعْتَصِمُونَ بِهِ عِلْمًا وَحَالًا وَتِلَاوَةً وَسَمْعًا بَاطِنًا وَظَاهِرًا هُمْ الْمُسْلِمُونَ حَقًّا .
 
تشرفت بمرورك استاذة حفصة
وللعلم فقد نشرت المقال في ثلاث ملتقيات
بارك الله فيك وفي علمك ونفع بك
 
عودة
أعلى