محمد محمود إبراهيم عطية
Member
يُقَال : رَوِّضْ نَفْسَكَ بالتَّقْوَى ، أي : ألزمها بأعمال المتقين ، فتعتاد عليها بتكرارها ؛ قال ابن القيم - رحمه الله : وَرِيَاضَةُ النّفُوسِ بِالتّعَلّمِ وَالتّأَدُّبِ ، وَالْفَرَحِ وَالسّرُورِ ، وَالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ وَالْإِقْدَامِ ، وَالسَّمَاحَةِ ، وَفِعْلِ الْخَيْرِ ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَرْتَاضُ بِهِ النّفُوسُ ، وَمِنْ أَعْظَمِ رِيَاضَتِهَا : الصَّبْرُ ، وَالْحُبُّ ، وَالشَّجَاعَةُ ، وَالْإِحْسَانُ ؛ فَلَا تَزَالُ تَرْتَاضُ بِذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتّى تَصِيرَ لَهَا هَذِهِ الصِّفَاتُ هَيْئَاتٍ رَاسِخَةً وَمَلَكَاتٍ ثَابِتَةً [1] .
فرياضة النفس - كما يقول الماوردي رحمه الله - تَعْصِمُ مَنْ قام بها عمَّا يَشِينُه ، إذ هي كل رِيَاضَةٍ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بها الإِنسانُ في فَضيلَة من الفَضَائِلِ ؛ ومَنْ عَانَى تَهْذِيبَ نَفْسِهِ تَظَاهَرَ بِالتَّخَلُّقِ دُونَ الْخُلُقِ ، ثُمَّ بِالْعَادَةِ يَصِيرُ كَالْخُلُقِ ؛ قَالَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ :
فَلَمْ أَجِدْ الْأَخْلَاقَ إلَّا تَخَلُّقًا ... وَلَمْ أَجِدْ الْأَفْضَالَ إلَّا تَفَضُّلَا [2]
فمن أراد مثلًا أن يحصل لنفسه خلق الجود ، فطريقه أن يتكلف تعاطي فعل الجود ، وهو بذل المال ، فلا يزال يطالب نفسه ويواظب عليه تكلفًا مجاهدًا نفسه فيه ، حتى يصير ذلك طبعًا له ، ويتيسر عليه فيصير به جوادًا ؛ وكذا من أراد أن يحصل لنفسه خلق التواضع وقد غلب عليه الكبر ، فطريقه أن يواظب على أفعال المتواضعين مدة مديدة ، وهو فيها مجاهد نفسه ومتكلف ، إلى أن يصير ذلك خلقًا له وطبعًا ، فيتيسر عليه ، وجميع الأخلاق المحمودة شرعًا تحصل بهذا الطريق ، وغايته أن يصير الفعل الصادر منه لذيذًا ، فالسخي هو الذي يستلذ بذل المال دون الذي يبذله عن كراهة ، والمتواضع هو الذي يستلذ التواضع . ولن ترسخ الأخلاق الدينية في النفس ما لم تتعود النفس جميع العادات الحسنة ، وما لم تترك جميع الأفعال السيئة ، وما لم يواظب عليها مواظبة من يشتاق إلى الأفعال الجميلة ويتنعم بها ، ويكره الأفعال القبيحة ويتألم بها [3] .
-------------------------------------------
[1] انظر ( زاد المعاد ) : 4 / 225 – تحقيق : الأرناؤوط – مؤسسة الرسالة .
[2] انظر ( أدب الدنيا والدين ) .
[3] انظر ( موعظة المؤمنين ) للقاسمي ، ص 179 .
فرياضة النفس - كما يقول الماوردي رحمه الله - تَعْصِمُ مَنْ قام بها عمَّا يَشِينُه ، إذ هي كل رِيَاضَةٍ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بها الإِنسانُ في فَضيلَة من الفَضَائِلِ ؛ ومَنْ عَانَى تَهْذِيبَ نَفْسِهِ تَظَاهَرَ بِالتَّخَلُّقِ دُونَ الْخُلُقِ ، ثُمَّ بِالْعَادَةِ يَصِيرُ كَالْخُلُقِ ؛ قَالَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ :
فَلَمْ أَجِدْ الْأَخْلَاقَ إلَّا تَخَلُّقًا ... وَلَمْ أَجِدْ الْأَفْضَالَ إلَّا تَفَضُّلَا [2]
فمن أراد مثلًا أن يحصل لنفسه خلق الجود ، فطريقه أن يتكلف تعاطي فعل الجود ، وهو بذل المال ، فلا يزال يطالب نفسه ويواظب عليه تكلفًا مجاهدًا نفسه فيه ، حتى يصير ذلك طبعًا له ، ويتيسر عليه فيصير به جوادًا ؛ وكذا من أراد أن يحصل لنفسه خلق التواضع وقد غلب عليه الكبر ، فطريقه أن يواظب على أفعال المتواضعين مدة مديدة ، وهو فيها مجاهد نفسه ومتكلف ، إلى أن يصير ذلك خلقًا له وطبعًا ، فيتيسر عليه ، وجميع الأخلاق المحمودة شرعًا تحصل بهذا الطريق ، وغايته أن يصير الفعل الصادر منه لذيذًا ، فالسخي هو الذي يستلذ بذل المال دون الذي يبذله عن كراهة ، والمتواضع هو الذي يستلذ التواضع . ولن ترسخ الأخلاق الدينية في النفس ما لم تتعود النفس جميع العادات الحسنة ، وما لم تترك جميع الأفعال السيئة ، وما لم يواظب عليها مواظبة من يشتاق إلى الأفعال الجميلة ويتنعم بها ، ويكره الأفعال القبيحة ويتألم بها [3] .
-------------------------------------------
[1] انظر ( زاد المعاد ) : 4 / 225 – تحقيق : الأرناؤوط – مؤسسة الرسالة .
[2] انظر ( أدب الدنيا والدين ) .
[3] انظر ( موعظة المؤمنين ) للقاسمي ، ص 179 .