محمد بن إبراهيم الحمد
New member
[align=justify][align=center]رمضان شهر القرآن[/align]
إن القرآن الكريم: كلام الله، ورسالته الأخيرة للبشرية، وهو آخر الكتب السماوية، وخاتمَها، وأطولُها، وأشملها؛ فيه نبأ السابقين، وخبر اللاحقين، وفيـه الحُكْم، والحِكمة، والأحكام.
والقرآن الكريم: هو المهيمن على الكتب السابقة، والحكَم عليها؛ فما شهد له بالصدق فهو المقبول، وما حكم عليه بالرد فهو مردود قـد دخله التحريف والتبديل.
والقرآنُ محفوظٌ من الزيادة والنقص، والتحريف والتبديل؛ فلقد أنـزله الله وتكفل بحفظه، قال -عز وجل-: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
والقرآن جاء في الذروة من البلاغة والإعجاز؛ فهو معجزٌ في لفظه ومعناه، معجزٌ في إخباره عن الغيوب السابقة واللاحقة؛ معجزٌ في حِكَمِه وأحكامه وكلِّ ما جاء به.
بل هو معجز في تأثيره في القلوب؛ فما يسمعه أحد وهو مُلْقٍ سمعَه إلا ويأخذ بمجامع قلبه، ويستحوذ على نياط فؤاده؛ فتشهد كلُّ ذرة في كيان جسده: أن هذا كلام رب العالمين الذي تَنَزَّه عن شوائب اللبس وخَلُصَ من أكدار الشبهات، وتجافى عن مضاجع القلق، وبَرِىء من وَصْمَة التعقيد، وسَلِمَ من معرَّة اللغو والخطأ.
والقرآنُ الكريمُ مشتملٌ على أعدل الأحكام، وأعظمها، وأشرفها، وأشملها، فلم يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا وأحاط بها إجمالاً وتفصيلاً، يشهد بذلك كلُّ منصف ولو لم يكن مسلماً.
ومن خصائص القرآن الكريم: أن قارئه لا يَمَلُّ قراءته، وأن سامعه لا يسأمه، ولا يمجّه، بل الإكباب على تلاوته يزيده حلاوة، وترديدُه يوجب له محبةً، وغيرُه من الكلام يُعادىَ إذا أعيد، ويُملُّ من كثرة الترديد.
ورحم الله الإمام الشاطبي إذ يقول:
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وإنَّ كِــــتَــابَ اللهِ أوثقُ شَافِعٍ = وأغنى غَناءًا واهباً مُتَفَضِّلا
وخــــيرُ جليسٍ لا يُمَلُّ حديثُهُ = وتَرْدَادُه يزدادُ فيه تَجَمُّلا
فيــا أيُّـهَا القَارِي بهِ مُتمسِّكاً = مُجِلاً له في كلِّ حالٍ مُبَجِّلا
هنيئاً مريئـاً والـداكَ عليهِمـا = مَلابـسُ أنـوارٍ مِن التَّاجِ والحُلى[/poem]
هذا القرآن هو: طريق السعادة، وسبيل العزة للفرد والأمة، قال-سبحانه وتعالى-: (طه{1} مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)، وقال: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)، وقال: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ).
القرآن الكريم: نور الصدور، وجلاء الهم والغم، وفرح الفؤاد، وقرة العين.
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,royalblue" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وكـتابُ ربِّك إن في نفحاتِه = مِـن كلَّ خيرٍ فوقَ ما يُتَوقّعُ
نورُ الوجودِ وأنسُ كلِّ مُرَوَّعٍ = بكروبِه ضاق الفضاءُ الأوسعُ
والـعاكفون عليه هم جلساءُ مَن = ْلجلاله كلُّ العوالم تخشعُ
فادفن همومَك في ظِلال بيانِهِ = تَحْلُ الحــياةُ وتطمئنَّ الأضلعُ
فبكـل حرفٍِ من عجائب وحيـه = نبأٌ يبشـر أو نذيـرٌ يقـرعُ[/poem]
القرآن الكريم: حبل الله المتين، وصراطُه المستقيم، سمّاه الله نوراً وتبياناً، وموعظة ورحمةً، وشفاءً لما في الصدور، لا تنقضي عجائبه، ولا يَخْلَقُ عنه كثرة الردّ، لا يعوجّ فيقوَّم، ولا يزيغ فيُستعتَب، فيه القصص العجيبة، ودلائل التوحيد والنبوة، فيه المواعظ الحسنة، وفيه البراهين الجلية القاطعة، التي تسبق إلى الأفهام ببادئ الرأي، وأول النظر، ويشترك كافةُ الخلق في إدراكها؛ فهو مثل الغذاء ينتفع به كلُّ إنسان، بل كالماء الذي ينتفع به الصبي، والرضيع، والرجل القوي والضعيف.
في القرآن حثٌّ على كل خلق جميل، وفيه التنفير من كل خلق ساقط رذيل (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).
هذا القرآن: هو الذي أحرزت به الأمةُ السعادةَ، وهو الذي اجتثَّ منها عروقَ الذِّلـة والاستكانة، وهو الذي رباها وأدَّبها، فزكَّى منها النفوسَ، وصفَّى القرائحَ، وأذكى الفِطَنَ، وجلا المواهبَ، وأعلا الهممَ، وأرهف الحسَّ، وقوّى العزائم، واستثار العقـول.
وهو الذي غرس الإيمان في الأفئدة، وملأ القلوبَ بالرحمة، وحفز الأيديَ للعملِ النافعِ، والأرجلَ للسعيِ المثمرِ، ثم ساق تلك القوى-على ما في الأرض من شرِّ وباطَلٍ وفسادٍ- فطهرها منه تطهيراً، وعمَّرها بالحق والإصلاح تعميراً.
هذا القرآن: هو الذي أنار العقول بالنور الإلهي؛ فأصبحت كشافةً عن الحقائق العليـا، وطهَّر النفوس من أدران السقوط والإسفاف؛ فأصبحت نـزاعةً إلى المعالي، مُقْدِمَةً على العظائم.
وبهذه الروح القرآنية اندفعت تلك النفوس بأصحابها تفتحُ الآذانَ قبل البلدان، وتمتلك بالعدل، والإحسانِ الأرواحَ قبل الأشباح.
هذا القرآن: هو الذي أخرج الله به من رعاة الغنم رعاةَ الأمم، ومن خمول الجهل أعلام الحكمة والعدل والعلم.
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,royalblue" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
الله أكـبر إن دينَ محمدٍ = وكتابه أقوى وأقومُ قِيلا
طلعت به شمسُ الهدايةِ للورى = وأبى لها وصـفُ الكمال أفُولا
والحقُّ أبلجُ في شريعــته التي = جمعت فروعاً للهدى وأصولا
لا تذكر الكتب السوالف عنـده = طلع الصباحُ فأطفئوا القِنديـلا [/poem]
هذا هو القرآن، وها نحن في شهر القرآن، قال الله -سبحانه وتعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ).
فقوله -عز وجل-: (أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) يحتمل عدة معانٍ تدور حول هذا الشهر، ومَيْزةِ إنـزال القرآن فيه:
- فقد يكون المرادُ إنـزالَ القرآن من اللوح المحفـوظ إلى سـماء الدنيـا في رمضان، كما جاء ذلك عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
- وقد يكون المرادُ أن ابتداءَ إنـزالِ القرآن على محمد – صلى الله عليه وسلم - كان في شهر رمضان.
- وقد يكون المراد أن القرآن قد نـزل في مدح رمضان، والثناء عليه، والتنويه بشأنه.
ما أحرانا في هذا الشهر أن نجدد العهد بالقرآن، وأن نكثر من تلاوته وتدبره، وعقلـه، والتخلّق بأخلاقه، والامتثال بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، وأن يكون ذلك دأباً لنا في بقية أعمارنا؛ لنسعد في دنيانا وآخرتنا، ولِننال الثواب الجزيل من ربنا -عز وجل-.
ولقد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة في فضل تلاوة القرآن الكريم؛ فالله -عز وجل- أمر بتلاوة كتابه، وبين أن هذا هو دَأَبُ الصالحين، فقال -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ{29} لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ حرفاً من كتاب الله؛ فله بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" رواه الترمذي وهو حديث صحيح.
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" رواه مسلم.
فقراءة القرآن خير وأجر وبركة في كل وقت، وهي في رمضان أعظم وأكبر.
ولقد كان جبريل -عليه السلام- يأتي النبي– صلى الله عليه وسلم - في رمضان؛ فيدارسه القرآن كل ليلة، كما في الصحيحين عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: "كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسول الله – صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة".
وفي العام الذي تُوفي فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - عارضه جبريل القرآن مرتين، رواه البخاري.
فيا لسعادة من أحب القرآن، وأقبل عليه تعلماً، وتعليماً، وتلاوة، وبذلاً، وعملاً لأجل نشره، والدعوة إليه؛ فيا لسعادة ذلك، ويا لعزته في الدنيا والآخرة، ويا لِحرمان من حُرم ذلك الخير، وصُدّ عن ذلك النور.[/align]
إن القرآن الكريم: كلام الله، ورسالته الأخيرة للبشرية، وهو آخر الكتب السماوية، وخاتمَها، وأطولُها، وأشملها؛ فيه نبأ السابقين، وخبر اللاحقين، وفيـه الحُكْم، والحِكمة، والأحكام.
والقرآن الكريم: هو المهيمن على الكتب السابقة، والحكَم عليها؛ فما شهد له بالصدق فهو المقبول، وما حكم عليه بالرد فهو مردود قـد دخله التحريف والتبديل.
والقرآنُ محفوظٌ من الزيادة والنقص، والتحريف والتبديل؛ فلقد أنـزله الله وتكفل بحفظه، قال -عز وجل-: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
والقرآن جاء في الذروة من البلاغة والإعجاز؛ فهو معجزٌ في لفظه ومعناه، معجزٌ في إخباره عن الغيوب السابقة واللاحقة؛ معجزٌ في حِكَمِه وأحكامه وكلِّ ما جاء به.
بل هو معجز في تأثيره في القلوب؛ فما يسمعه أحد وهو مُلْقٍ سمعَه إلا ويأخذ بمجامع قلبه، ويستحوذ على نياط فؤاده؛ فتشهد كلُّ ذرة في كيان جسده: أن هذا كلام رب العالمين الذي تَنَزَّه عن شوائب اللبس وخَلُصَ من أكدار الشبهات، وتجافى عن مضاجع القلق، وبَرِىء من وَصْمَة التعقيد، وسَلِمَ من معرَّة اللغو والخطأ.
والقرآنُ الكريمُ مشتملٌ على أعدل الأحكام، وأعظمها، وأشرفها، وأشملها، فلم يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا وأحاط بها إجمالاً وتفصيلاً، يشهد بذلك كلُّ منصف ولو لم يكن مسلماً.
ومن خصائص القرآن الكريم: أن قارئه لا يَمَلُّ قراءته، وأن سامعه لا يسأمه، ولا يمجّه، بل الإكباب على تلاوته يزيده حلاوة، وترديدُه يوجب له محبةً، وغيرُه من الكلام يُعادىَ إذا أعيد، ويُملُّ من كثرة الترديد.
ورحم الله الإمام الشاطبي إذ يقول:
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وإنَّ كِــــتَــابَ اللهِ أوثقُ شَافِعٍ = وأغنى غَناءًا واهباً مُتَفَضِّلا
وخــــيرُ جليسٍ لا يُمَلُّ حديثُهُ = وتَرْدَادُه يزدادُ فيه تَجَمُّلا
فيــا أيُّـهَا القَارِي بهِ مُتمسِّكاً = مُجِلاً له في كلِّ حالٍ مُبَجِّلا
هنيئاً مريئـاً والـداكَ عليهِمـا = مَلابـسُ أنـوارٍ مِن التَّاجِ والحُلى[/poem]
هذا القرآن هو: طريق السعادة، وسبيل العزة للفرد والأمة، قال-سبحانه وتعالى-: (طه{1} مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)، وقال: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)، وقال: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ).
القرآن الكريم: نور الصدور، وجلاء الهم والغم، وفرح الفؤاد، وقرة العين.
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,royalblue" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وكـتابُ ربِّك إن في نفحاتِه = مِـن كلَّ خيرٍ فوقَ ما يُتَوقّعُ
نورُ الوجودِ وأنسُ كلِّ مُرَوَّعٍ = بكروبِه ضاق الفضاءُ الأوسعُ
والـعاكفون عليه هم جلساءُ مَن = ْلجلاله كلُّ العوالم تخشعُ
فادفن همومَك في ظِلال بيانِهِ = تَحْلُ الحــياةُ وتطمئنَّ الأضلعُ
فبكـل حرفٍِ من عجائب وحيـه = نبأٌ يبشـر أو نذيـرٌ يقـرعُ[/poem]
القرآن الكريم: حبل الله المتين، وصراطُه المستقيم، سمّاه الله نوراً وتبياناً، وموعظة ورحمةً، وشفاءً لما في الصدور، لا تنقضي عجائبه، ولا يَخْلَقُ عنه كثرة الردّ، لا يعوجّ فيقوَّم، ولا يزيغ فيُستعتَب، فيه القصص العجيبة، ودلائل التوحيد والنبوة، فيه المواعظ الحسنة، وفيه البراهين الجلية القاطعة، التي تسبق إلى الأفهام ببادئ الرأي، وأول النظر، ويشترك كافةُ الخلق في إدراكها؛ فهو مثل الغذاء ينتفع به كلُّ إنسان، بل كالماء الذي ينتفع به الصبي، والرضيع، والرجل القوي والضعيف.
في القرآن حثٌّ على كل خلق جميل، وفيه التنفير من كل خلق ساقط رذيل (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).
هذا القرآن: هو الذي أحرزت به الأمةُ السعادةَ، وهو الذي اجتثَّ منها عروقَ الذِّلـة والاستكانة، وهو الذي رباها وأدَّبها، فزكَّى منها النفوسَ، وصفَّى القرائحَ، وأذكى الفِطَنَ، وجلا المواهبَ، وأعلا الهممَ، وأرهف الحسَّ، وقوّى العزائم، واستثار العقـول.
وهو الذي غرس الإيمان في الأفئدة، وملأ القلوبَ بالرحمة، وحفز الأيديَ للعملِ النافعِ، والأرجلَ للسعيِ المثمرِ، ثم ساق تلك القوى-على ما في الأرض من شرِّ وباطَلٍ وفسادٍ- فطهرها منه تطهيراً، وعمَّرها بالحق والإصلاح تعميراً.
هذا القرآن: هو الذي أنار العقول بالنور الإلهي؛ فأصبحت كشافةً عن الحقائق العليـا، وطهَّر النفوس من أدران السقوط والإسفاف؛ فأصبحت نـزاعةً إلى المعالي، مُقْدِمَةً على العظائم.
وبهذه الروح القرآنية اندفعت تلك النفوس بأصحابها تفتحُ الآذانَ قبل البلدان، وتمتلك بالعدل، والإحسانِ الأرواحَ قبل الأشباح.
هذا القرآن: هو الذي أخرج الله به من رعاة الغنم رعاةَ الأمم، ومن خمول الجهل أعلام الحكمة والعدل والعلم.
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,royalblue" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
الله أكـبر إن دينَ محمدٍ = وكتابه أقوى وأقومُ قِيلا
طلعت به شمسُ الهدايةِ للورى = وأبى لها وصـفُ الكمال أفُولا
والحقُّ أبلجُ في شريعــته التي = جمعت فروعاً للهدى وأصولا
لا تذكر الكتب السوالف عنـده = طلع الصباحُ فأطفئوا القِنديـلا [/poem]
هذا هو القرآن، وها نحن في شهر القرآن، قال الله -سبحانه وتعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ).
فقوله -عز وجل-: (أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) يحتمل عدة معانٍ تدور حول هذا الشهر، ومَيْزةِ إنـزال القرآن فيه:
- فقد يكون المرادُ إنـزالَ القرآن من اللوح المحفـوظ إلى سـماء الدنيـا في رمضان، كما جاء ذلك عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
- وقد يكون المرادُ أن ابتداءَ إنـزالِ القرآن على محمد – صلى الله عليه وسلم - كان في شهر رمضان.
- وقد يكون المراد أن القرآن قد نـزل في مدح رمضان، والثناء عليه، والتنويه بشأنه.
ما أحرانا في هذا الشهر أن نجدد العهد بالقرآن، وأن نكثر من تلاوته وتدبره، وعقلـه، والتخلّق بأخلاقه، والامتثال بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، وأن يكون ذلك دأباً لنا في بقية أعمارنا؛ لنسعد في دنيانا وآخرتنا، ولِننال الثواب الجزيل من ربنا -عز وجل-.
ولقد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة في فضل تلاوة القرآن الكريم؛ فالله -عز وجل- أمر بتلاوة كتابه، وبين أن هذا هو دَأَبُ الصالحين، فقال -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ{29} لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ حرفاً من كتاب الله؛ فله بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" رواه الترمذي وهو حديث صحيح.
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" رواه مسلم.
فقراءة القرآن خير وأجر وبركة في كل وقت، وهي في رمضان أعظم وأكبر.
ولقد كان جبريل -عليه السلام- يأتي النبي– صلى الله عليه وسلم - في رمضان؛ فيدارسه القرآن كل ليلة، كما في الصحيحين عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: "كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسول الله – صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة".
وفي العام الذي تُوفي فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - عارضه جبريل القرآن مرتين، رواه البخاري.
فيا لسعادة من أحب القرآن، وأقبل عليه تعلماً، وتعليماً، وتلاوة، وبذلاً، وعملاً لأجل نشره، والدعوة إليه؛ فيا لسعادة ذلك، ويا لعزته في الدنيا والآخرة، ويا لِحرمان من حُرم ذلك الخير، وصُدّ عن ذلك النور.[/align]