رفع الأعلام بأدلة جواز توسيع عرض المسعى المشعر الحرام للدكتور عويد المطرفي

إنضم
28/12/2007
المشاركات
2
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
مكة المكرمة
الحمدُ للهِ وَكَفَى، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى النَّبِيّ المُصْطَفَى ، وَعَلَى آلهِ وَصَحْبِهِ وَمَن اقْتَفَى.

وَبَعدُ :
فهذا رسالة لطيفة تتعلَّق بتوسعة ((المسعى المشعر الحرام))؛ لشيخنا الأستاذ الدكتور: عويِّد بن عيَّاد المِطْرِفي الحربي، رغب ـ حفظه الله تعالى ـ في نشره بخطِّ يده.
ووسمه بـ:
[align=center]((رَفْعُ الأَعْلاَمِ بِأَدِلَّةِ جَوَازِ تَوْسِيعِ عَرْضِ المَسْعَى المَشْعرِ الحَرَامِ)).[/align]
 
جزاك الله خيرا يادكتور سامي
وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفي شيخنا عويد من مرضه ويجعل ما أصابه طهورا ورفعة وأن يمد في عمره على عمل صالح.

وأحب أن أسأل عن تحقيقكم لتفسير ابن جزي ما آخر أخباره؟ وهل سنراه قريبا جدا في الأسواق؟ وفقكم الله ونفع بكم
 
جَزَاكُمُ اللهُ خَيرَاً عَلَى تَفَاعُلِكُم.
وَأمَّا عَن التَّفسيرِ؛ فَأنَا أَعملُ فيهِ، وَسيرَى النَّورَ قَريبَاً إنْْ شاءَ اللهُ تَعَالَى.
 
للفائدة فقد اطلعت على بحث في الموضوع أيضا للدكتور سعود الفنيسان توصل فيه للجواز كذلك .
 
رفع الأعلام بأدلة جواز توسيع عرض المسعى المشعر الحرام

رفع الأعلام بأدلة جواز توسيع عرض المسعى المشعر الحرام

هذا نص بحث الدكتور عويد المطرفي مطبوعاً ..


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد عبد الله ورسوله الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن الله عز وجل قد فرض على عباده المؤمنين فرائض معلومة، وجعل لأدائها أوقاتاً زمانية، ومعالم مكانية سماها لهم ليؤدوا له فيها ما فرض عليهم أداءه فيها من عبادة على الوصف الذي شرعه في المكان الذي سمَّاه وعَّينه.
وكان من هذه الفرائض المشروعة على كل حاج ومعتمر السعي بين الصفا والمروة اللذين سماهما الله عز وجل في كتابه الكريم، فقال:"إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حجَّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطَّوَّف بهما" [البقرة:158].
وهذا صريح في إيجاب التطوف بهذين المعْلَمَين اللذين هما من معالم الحج والعمرة، ومناسكهما في هذه البلاد المقدسة التي جعلها الله تعالى مهوى أفئدة عباده المؤمنين، ولا يتم حج ولا عمرة إلا بالتطوف بهما كما أمر الله في هذه الآية الكريمة.
وأكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر تأكيداً، وتبليغاً فقال:"يا أيها الناس اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي" (الأم للإمام الشافعي 3/545، والسنن الكبرى للبيهقي 5/98، وسنن الدارقطني 2/256)، وقد أدى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الشعيرة المفروضة في حجه، وعمراته التي اعتمرها في حياته المباركة في الموضع الذي عيَّنه الله عز وجل له في هذه الآية الكريمة، وعلى الوصف الذي شرعه الله له، وأمر أصحابه الكرام، وجميع المؤمنين من بعدهم بالاقتداء به في أقواله وأفعاله في خصوص هذه الشعيرة في التطوف بين الصفا والمروة المذكورين في هذه الآية الكريمة بقوله صلى الله عليه وسلم لهم:"خذوا عني مناسككم" (شرح السنة للبغوي 7/176 بنحوه)، لكونه صلى الله عليه وسلم المبلِّغ عن الله، والأسوة الحسنة للمؤمنين في كل أقواله وأفعاله وأحواله الشريفة وحياته المباركة.
صورة قلمية لما كان عليه جبل الصفا وما طرأ عليه من تطور:
معلوم علم اليقين لكل ذي لب وفكر وكل ذي وعي، ومتابعة لحركة الانتشار السكاني، والتكاثر الإنساني، والتطور الحضاري والبناء العمراني أن المسعى الذي يقع شرق الكعبة المشرفة بين جبلي الصفا والمروة قد تطاولت عليه أيدي الناس على طول الزمان ببناء دورهم ومنازلهم على جانبيه الشرقي والغربي، وطرفيه الجنوبي والشمالي ، فأحالوا سعته وانفساحه ضيقاً، وحرجاً، فاختلط الساعي لنسكه فيه تعبداً لربه بالمتسوق، والمتّجر، والقاطنين على جوانبه من كل جهاته، حتى هيأ الله عز وجل آل سعود حكام هذه البلاد المباركة عام 1375هـ فأسفروا وجهه، وأزاحوا عنه ما أساء إليه، وإلى المؤدين مناسكهم فيه من الحجاج والمعتمرين الذين جعله الله لهم منسكاً ومتعبداً، فأخلصوه لذلك حقاً جزاهم الله خيراً.
وعاد المسعى بذلك ظاهراً للعيان متسعاً عما كان عليه من قبل، وظهرت ساحاته متنفساً لحجاج وعمار بيت الله الحرام، والمتعبدين فيه، بيد أن أعداد الحجاج والمعتمرين أخذت تزداد عاماً بعد عام، واشتدت رغبة المسلمين من أقطار الأرض في أداء فريضة الحج والعمرة لما وفرته لهم هذه الدولة الكريمة من سبل الرعاية الأمنية والصحية، ويسر في المواصلات وتوفير للاتصالات والسكن، وأمن وأمان في التنقل بين المشاعر المقدسة، وما يؤدي إليها من سبل، وبينها وبين المدينتين المقدستين مكة المشرفة والمدينة النبوية المنورة، فضاقت بكثرتهم وجموعهم الأماكن والمعالم الشرعية، واكتظت بهم الساحات، ووطئ بعضهم بعضاً في أماكن التعبد ومعالم المناسك التي أمرهم الله بالسعي فيها بعد أن كانت بعد التوسعة السعودية الآنفة الذكر فضاءً مفتوحاً تتسع لمن وفد إليها من حجاج وعمار، فاحتاج الحال إلى النظر في توسعة أخرى تيسر للمسلمين أداء سعيهم وتضمن سلامتهم.
وحُقَّ -لذلك- لأهل العلم في هذه البلاد، وغيرهم من ديار الإسلام، وأهل الولاية والحكم في ديارنا هذه الذين يرون ما يعانيه وفد الله في الحج والعمرة من مشقة ورهق، وضيق بالآلاف المؤلفة في أداء مناسكهم- أن ينظروا إلى قائد مسيرتهم في هذه البلاد المباركة، وراعي ركبهم فيها، والساهر على مصالح رعيته، وغيرهم من إخوانه المسلمين الذين يقصدون هذه الديار لحج أو عمرة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله ووفقه ليوسع لهم ما يمكن توسيعه من عرض معلم المسعى الذي ضاقت بهم جنباته، وغصت بجموعهم سبله حتى دهس بعضهم بعضاً، فيه فأزهقت بسبب الازدحام والزحام فيه أنفس معصومة جاءت إلى هذه الديار راغبة في غفران الله لذنوبها، مؤملة أن تعود إلى أهلها وديارها سالمة غانمة فأزهقها ضيق المكان وركل الإنسان الذي ضاق به معلم عبادته مع إمكان إفساح ساحته دون مانع شرعي، ولا عائق طبيعي، وإذا كان هذا الشأن بهذه المثابة، والحج أحد أركان الإسلام الخمسة، والسعي بين الصفا والمروة أحد أركان العمرة إن كانت مفردة، فإن الحال يدعونا إلى بيان المراد بكل من الصفا والمروة، وامتداد عرض كل منهما؛ حتى يقع سعينا في الموضع الذي سماه الله لنا، وعيَّنه لأداء تعبدنا له فيه إذا وسعنا عرضه.

تعريف الصفا ووصفه:
وهنا أقول: إن الصفا الوارد ذكره في قول الله عز وجل:"إن الصفا والمروة من شعائر الله.." [البقرة:158] (جبل في سفح جبل أبي قبيس) (مجلة العرب المجلد الخامس صـ 116 شعبان عام 1390هـ) معروف بذاته وصفاته يمتد ارتفاعاً في سنده (السند هنا ما قابلك من الجبل وعلا عن سفحه، القاموس المحيط مادة سند)، ويمتد في أصله وقاعدته الغربية جنوباً إلى منعرجه نحو أجياد الصغير (موضع قصر الضيافة اليوم)، ويمتد شمالاً إلى منعطفه نحو البطحاء (موضع الساحة الواقعة اليوم أمام باب العباس).
وليس الصفا مقصوراً على الحجر الأملس الذي كان موجوداً هنالك، ولا على ما هو مشاهد اليوم في الموضع الذي يبدأ منه الساعون سعيهم كما يتبادر إلى بعض الأذهان من مشاهدة العيان، إذ لو كان الأمر كذلك لاستدعى الحال أن نضيق من عرض المسعى!!
وهذا مما لا يقول به عاقل.
وكانت أحداب ومرتفعات جبل الصفا الغربية مما يلي أجياد تمتد ظاهرة للعيان قبل أن تبدأ الهدميات لتوسعة المسعى والمسجد الحرام من ناحيته الجنوبية وغيرها في شهر صفر عام 1375هـ في عهد الملك سعود رحمه الله، وكان على أحد أكتافه الممتدة جنوباً المتصلة بجبل أجياد الصغير ثنية يُصعد إليها من أجياد الصغير، ثم تنحدر منها طريق تمر وسط سقيفة مظلمة، ومنها تنـزل الطريق من فوق هذا الجبل متعرّجة بين البيوت المنتشرة على تلك المنطقة من جبل الصفا حتى تصل إلى الصفا الذي يبدأ الساعون منه سعيهم من غربه.
كما كانت البيوت السكنية شابية على جبل الصفا من كل ناحية تفترش قمته وأكتافه، وظهره وسفحه الشمالي والجنوبي ووسطه وما يحيط بموضع ابتداء السعي منه، فغطّت معالمه ومنحدراته التي تعلوها في الجبل أصلاد (صخور) جبل أبي قبيس التي استعصى كثير منها على التسهيل لبناء الناس عليها يوم ذاك.
ولما ابتدأت هدميات هذه التوسعة ظهر للعيان جبل الصفا على حقيقته الجغرافية الطبيعية التي خلقه الله عليها يوم خلق السماوات والأرض، وأن امتداد طرفه الغربي الجنوبي المحاذي لسيل البطحاء من جنوبها كان يصل قبل إزالته في التوسعة إلى موضع الباب الشرقي للسلم الكهربائي الصاعد اليوم إلى الدور الثاني من المسجد الحرام من ناحية أجياد، وإلى موضع قصر الضيافة الملاصق للبيوت الملكية من الجهة الجنوبية، الذي موضعه الحالي جزء مرتفع من جبل الصفا.
فلا تعجب -والحال ما ذكرت لك- من تسمية كل هذه المنطقة من هذا الجبل باسم (جبل الصفا)؛ لأن أهل مكة في إبان أرومتهم العربية في الجاهلية والإسلام هم الذين سموه بهذا الاسم، وتبعهم في ذلك سكانها من بعدهم، إذ كان من عادة واضعي اللغة الذين يحتج بكلامهم في بيان المراد بمعاني الألفاظ في تفسير القرآن وغريب الحديث النبوي أن يسموا بعض أجزاء جبل ما، أو واد ما باسم خاص به يميز ما سموه منه عن اسم أصله لوصف قائم بذلك الجزء من الجبل، أو الوادي كما هو الحال في تسميتهم أصل جبل أبي قبيس من ناحيته الغربية والغربية الجنوبية وما بينهما من امتداد بالصفا الذي جعله الله عز وجل من شعائره في قوله:"إن الصفا والمروة من شعائر الله".
وقد ورد إطلاق اسم (جبل الصفا) على هذه المنطقة من هذا الجبل عند علماء العربية في مدوناتهم العلمية اللغوية فقال الأزهري في كتابه تهذيب اللغة:"الصفا والمروة وهما جبلان بين بطحاء مكة والمسجد" (تهذيب اللغة 12/249)، وكذلك قال ابن منظور في لسان العرب (لسان العرب 14/469)، وقال ابن الأثير في النهاية:"الصفا أحد جبلي المسعى" (النهاية في غريب الحديث والأثر 3/38)، وقال أبو حفص الحنبلي في تفسيره لهذه الآية:"الصفا والمروة هما في الآية الكريمة علمان لجبلين معروفين" (اللباب في علوم الكتاب 3/92)، وقال القرطبي:"أصل الصفا في اللغة الحجر الأملس، وهو هنا جبل بمكة معروف، وكذلك المروة جبل أيضاً، ولذلك أخرجهما بلفظ التعريف" (الجامع لأحكام القرآن 2/179).
وقال عرّام في كتابه أسماء جبال تهامة وسكانها.. وهو يعدد جبال مكة قال:"ومن جبال مكة أبو قبيس ومنها: الصفا والمروة جبل إلى الحرة ما هو" (أسماء جبال مكة مطبوع ضمن نوادر المخطوطات 2/418 المجموعة الخامسة تحقيق عبد السلام هارون ط 2 عام 1394هـ).
وقال الأعشى هاجياً عمير بن عبد الله بن المنذر (ديوان الأعشى 214):
فما أنت من أهل الحجون ولا الصفا *** ولا لك حق الشرب من ماء زمزم
ومعلوم لكل أحد أن الشاعر يريد سكان جبل الصفا وما حوله مما هو موضع للسكن والاستقرار، ولا يريد الصفا الذي هو الحجر الأملس، لأنه ليس محلاً للسكن ولا صالحاً له، ولا هو مما يُمدح به هذا أولاً.
وثانياً: بدليل أن الشاعر قابل ذكر الصفا بذكر الحجون، فقابل جبلا ذكره بجبل متسع المواضع مريداً سكان كل من الجبلين، وهذا يدل على أن الصفا في هذه الآية الكريمة موضع متسع يمكن اليوم الاستفادة مما تشمله التسمية منه في توسيع عرض المسعى، إذ الشاعر عربي ممن يحتج بدلالة قوله في دلالة ألفاظ اللغة التي نـزل القرآن مخاطباً العرب بها.
وذكر أبو إسحاق الحربي في وصفه لمكة يوم أن حج إليها في كتابه (المناسك) جبل الصفا وذكر أن امتداده أمام جبل أبي قبيس:"من طرف باب الصفا إلى منعرج الوادي.. وأن طرفاً من جبل أبي قبيس يتعرج خلف جبل الصفا" (كتاب المناسك لأبي إسحاق الحربي 479 تحقيق حمد الجاسر).
وتعرف جبل أبي قيس الذي يحتضن جبل الصفا من خلفه، والصفا أسفل منه من أول منعرجه من ناحية البطحاء (الساحة الشرقية للمسعى اليوم) إلى منعطفه إلى أجياد الصغير (موضع قصر الضيافة اليوم) تغطيه الدور التي كانت تجثم على قاعدته، وعلوه وأسفله إلى موضع السعي من الصفا المعروف اليوم كما سبق أن ذكرت آنفاً قد أزيل من موقعه بقصد توسعة المسجد الحرام على مرحلتين:
أولاهما عام 1375هـ حين قُطعت أكتاف جبل الصفا، وفتح عليها شارع لمرور السيارات يصل بين أجياد والقشاشية التي لم تبق لها اليوم عين أيضاً.
وثانيها في عام 1401هـ أزيل هذا الشارع ، وقطع الجبل من أصله، وفصل موضع الصفا عن الجبل، وفتح بينه وبين الجبل الأصل طريق متسع للمشاة بين ما بقي من أصل الجبل، وبين جدر الصفا من خارجه الشرقي، تسهيلاً للحركة والمشي حول المسجد الحرام، وتيسيراً للناس عناء صعود الجبال والهبوط منها في ذلك الموضع.
وبهذا أزيل ظاهر جبل الصفا من الوجود، ودخل في ذمة التاريخ في هذا العام 1401هـ بيد أن أصله وقاعدته موجودة تحت أرض الشارع المذكور ممتدة إلى منعطفه الشمالي الشرقي المواجه لساحة المسعى الشرقية تثبت امتداداته قبل نسفه، وفصله عن أصله، وإزالة الظاهر على وجه الأرض منه.
ومعلوم لكل من رأى باب الصفا قبل التوسعة السعودية العظيمة -التي لم يسبق لها نظير في التاريخ- أن باب الصفا الذي عناه أبو إسحاق الحربي كان يخرج منه من المسجد الحرام إلى الوادي مسيل سيل البطحاء، ثم يسار فيه بعد الخروج منه بانعطاف مرتفع نحو الشرق حتى يلاقي الطريق النازل من منحدر الثنية المنكدرة من أعلى الصفا.
ومن ثم يُدخل إلى المرتفع من الصفا الذي يبدأ الساعون منه سعيهم.
وبهذا يظهر أن طرف جبل الصفا الغربي الجنوبي كان منقاداً إلى موضع السلم الكهربائي الصاعد إلى الدور الثاني من المسجد الحرام الذي سبق أن قررت القول فيه آنفاً.
كما أن قول أبي إسحاق في تحديده لجبل الصفا "إلى منعرج الوادي" ينص صراحة على اتساع هذا الجبل شمالاً إلى منعطفه من واجهته الغربية، إلى منعطفه نحو الشمال المقابل للبطحاء (الساحة الشرقية للمسعى) ولا ريب أن ما بين طرفه الغربي الجنوبي وطرفه الشمالي عند منعرج الوادي إلى الشرق من ناحية الشمال تشمله التسمية المقصودة بالخطاب في هذه الآية الكريمة، وما شمله الاسم العلم للمسمى صح اعتبار ما يحدث في بعضه من الأعمال والأقوال حادثاً في جميعه وله حكمه ووصفه شرعاً وعرفاً، ويترتب على هذا أن المنطلق (أي الساعي) بنيّة السعي من أي موضع مما يشمله اسم الصفا لغة وعرفا يكون داخلاً في عموم المراد بالخطاب بهذه الآية الكريمة، ساعياً بحق وحقيقة بين الصفا والمروة إذا ما انتهى به سعيه مما ذكرت إلى مسامتٍ له من جبل المروة المقابل له من ناحية الشمال.
وسوف لا يكبر عليك إطلاقهم اسم الصفا على كل هذه المساحة من الصدر الغربي والجنوبي الغربي من جبل أبي قبيس، ولا كيف عدّو بعض هذا الجبل جبلاً آخر وسموه أيضاً باسم آخر إذا علمت أنهم قد عدّو أصله وأسفله من ناحيته الشمالية المقبلة على المسجد الحرام وامتداد المسعى شمالاً المحاذية لموضع مولد النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم (موضع مكتبة مكة اليوم) جبلاًَ آخر سموه فاضحاً منذ أن تغلب فيه مضاض بن عمرو الجرهمي جد نابت ابن إسماعيل عليه السلام لأمه على السميع الجرهمي أيضاً ملك قبيلة قطوراء الجرهمية وقتله وافتضح قبيلته ونساءهم، وأخرجهم من الحرم، وتملك عليه (أخبار مكة للأزرقي 1/82-83، 2/268-269) وسوف لا يكبر عليك أيضاً أنهم سموا واجهته وسفحه الجنوبي والشعاب النازلة منه (أي من جبل أبي قبيس) على المسيل اللاصق به من الجنوب أجياد الصغير (الأزرقي 2/290) وكذلك سموا شقه الأعلى المرتبط من الشرق والشمال الشرقي بالجبال المتصلة به الخندمة (الأزرقي 2/269).
فهذه أربعة أسماء لجبال أربعة متفرقة الأسماء مستقلة الذوات مجتزأة من جبل واحد يسمى كل منها جبلاً مستقلاً بذاته وصفاته على الحقيقة، وينسب إليه ما يقع فيه من أحداث ووقائع، وما يخصه من أحكام أو يخص المكلفين بعمل فيه.
المقصود من ذكر ما سبق من القول:


وإنما ذكرت هذا بياناً لمجمل ما أردت إيضاحه من أن الصفا جبل متسع التكوين عريض الامتدادات من جنوبه الغربي، وشماله المحاذي للامتداد الشرقي والغربي لجبل المروة، وليس مقصوراً على الموضع الذي حجز اليوم بالبناء عليه لبدء الساعين منهم سعيهم كما يتبادر لعين المشتغل بأداء شعيرة السعي فيه، كما سأوضحه في ما يلي من بحثي هذا إن شاء الله، ليُعلم أن ما يصل بين موضعين متقابلين من هذين الجبلين مشمول بخطاب ما شرعه الله تعالى من التطوف بهما للحاج والمعتمر.
المروة في الوضع اللغوي هي واحدة المرو، بهذا عرّفها علماء اللغة في مدوناتهم العلمية.
و "المروة حجارة بيض برّاقة صلاب" (لسان العرب 15/275 مادة "مرا" وتاج العروس 39/520 مادة "مرو").
وأما المروة المرادة بالخطاب في قول الله عز وجل:"إن الصفا والمروة من شعائر الله" فهي كما قال ابن منظور في كتابه لسان العرب:"جبل مكة شرفها الله تعالى" (لسان العرب 15/276) وقال الفيزوز ابادي في القاموس المحيط، والزبيدي في شرحه تاج العروس:"المروة بهاءٍ: جبل بمكة يذكر مع الصفا، وقد ذكرهما الله تعالى في كتابه العزيز: إن الصفا والمروة من شعائر الله" ثم قال الزبيدي – أيضاً- قال الأصمعي: سمي (أي الجبل) لكون حجارته بيضاء براقة" (تاج العروس 39/521).
وقال الفيومي في المصباح المنير:"المرو الحجارة البيض، الواحدة مروة، وسمي بالواحدة الجبل المعروف بمكة" (المصباح المنير 2/235).
وكل هذا ينص صراحة على أن المقصود بالمروة في هذه الآية الكريمة جبل بعينه بمكة، وليس حجراً ولا موضعاً صغيراً في جبل يُقصر الحكم عليه دون غيره من بقية الجبل المقصود بالخطاب مواجهاً لجبل الصفا.
وزيادة في البيان والإيضاح أقول: سبق آنفاً أن ذكرت أن كلاً من الأزهري وابن منظور وابن الأثير وأبي حفص الحنبلي والقرطبي، وعرام قد سموا المروة جبلاً بمكة وأنه يذكر مع الصفا، وأنهما المقصودان بالخطاب في هذه الآية الكريمة "إن الصفا والمروة من شعائر الله".
وكذلك سماها جبلاً كل من الآلوسي في كتابه بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب فقال:"وأما المروة فجبل بمكة يعطف على الصفا يميل إلى الحمرة" (بلوغ الأرب 1/239)، وكذلك سماها جبلاً ابن سيده في المحكم (المحكم لابن سيده 10/336)، والبكري في معجم ما استعجم (معجم ما استعجم للبكري 4/1217) والحموي في معجم البلدان فقال:"الصفا والمروة وهما جبلان بين بطحاء مكة والمسجد الحرام" (معجم البلدان 3/411).
وكل هذا أيضاً يدل صراحة على أن المروة جبل قائم بذاته وصفاته ممتد الجوانب واسع الواجهة المقابلة من الشمال لجبل الصفا، وامتداده إلى منعطفه نحو الوادي المواجه من الشمال الشرقي لبطن المسعى.
كما يدل على هذا بقوة قول قصي الجد الرابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يمتدح ويفخر ويُظهر بسط سلطانه على أرض المروة وما جاورها من أراض حيث يقول (السيرة النبوية لابن هشام 1/135):
لي البطحاء قد علمت معد *** ومروتها رضيت بها رضيت
إذ من المعلوم أنه كان يعني بقوله هذا "جبل المروة" وكل امتداداته وما حوله من الأرض التي هي محل للرغبة في التملك والسكن والسيادة التي يفخر بمثلها مثله، ولا يقصد بحال من الأحوال ذات المروة التي هي الحجر الأبيض، لوجود هذا النوع من الحجر وتوفره في كل موضع من السهل والجبل.
وهو على هذا المعنى الأخير لا يُفخر بتملكه ولا بحيازته، إذ ليس فيه مطمع لأحد ولا حاجة له به.
ويؤيد ما أقول من اتساع جبل المروة في تكوينه الطبيعي الكبير الممتد شرقاً وغرباً عما هو عليه الآن إذ قد أزيلت معالمه الشرقية، وقطعت متونه وأكتافه وامتداداته العضوية التي خُلق عليها في التوسعة للحجاج والمعتمرين والقاطنين عام 1375هـ.
أقول يؤيد قولي هذا ما رواه الأزرقي في موضعين من تاريخه (أخبار مكة) بسنده من طريق علقمة بن نضلة قال:"وقف أبو سفيان بن حرب على ردم الحدائين فضرب برجله فقال:"سنام الأرض إن لها سناماً، يزعم ابن فرقد أني لا أعرف حقي من حقه، له سواد المروة، ولي بياضها، ولي ما بين مقامي هذا إلى تجنى" (أخبار مكة للأزرقي 2/165،237 وتجنى ثنية قريب الطائف)، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إن أبا سفيان لقديم الظلم، ليس لأحد حق إلا ما أحاطت عليه جدراته" (نفس المصدر، وانظر العقد الفريد 4/272).
وسواد المروة هو ما امتدت إليه مساحة المروة السوداء، ووصل إليه عرضها من ناحيتها الغربية من طرف جبل المروة الغربي المواجه من الشمال اليوم لباب الفتح.
وبياضها هو ما امتد إليه عرض جبلها من ناحيته الشرقية مما يلي دار أبي سفيان الذي يقع اليوم مكانه على يسار النازل من المدعى إلى الساحة الشرقية من المروة، وما يتصل بها من الساحة الشرقية من المروة، وما يتصل بها من الساحة الواقعة شرق المسعى، وهو داره الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة:".. ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن" (أخبار مكة للأزرقي 2/235) وابن فرقد هذا الذي كان يشاحن أبا سفيان في المروة هو عتبة بن فرقد السلمي حليف بني عبد المطلب ابن عبد مناف.
وكانت داره برباع حلفاء بني عبد المطلب بن عبد مناف بشق المروة السوداء التي أقر أبو سفيان في قوله هذا بملك ابن فرقد لها.
ومما يؤيد وجود كل من المروتين هاتين، وأنهما كانتا معروفتين عند أهل مكة آنذاك، وأن لكل من أبي سفيان ملكاً في المروة البيضاء، ولابن فرقد ملكاً في المروة السوداء أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم ينفِ ملك أي منهما لما يملكه، ولا نفى وجود واحدة من المروتين، وإنما ذم توسع ادعاء أبي سفيان في ملك ما ليس يملكه هذه واحدة.
والأخرى أن أبا سفيان عربي اللسان والأرومة يحتج بكلامه في تفسير معاني الألفاظ، وتعيين المسميات وتحديد المعالم والأمكنة في ديارهم، وكلامه هذا يدل على وجود مروتين في جبل المروة وليس مروة واحدة.
كما يدل أيضاً على اتساع مسمى المروة وواقعها، وأن المروة البيضاء التي نحقق القول اليوم في امتدادها شرقاً تصل ارتفاعاتها دار أبي سفيان الواقعة على يسار النازل اليوم من شارع المدعى إلى ساحة المسعى، وأن المروة السوداء تمتد غرب المروة المعروفة اليوم، وكل هذا يدل على اتساع مساحة المروة إلى جهة الشرق على أوسع بكثير مما يقصر الناس التسمية عليه اليوم من ظنهم أنها واحدة، وأنها مقصورة على ما كان عليه العقد الذي كان منصوباً على الطرف الشمالي من المروة قبل توسعة المسعى.
وقد كان معروفاً قبل نسف ارتفاعات هذا الجبل، وإزالتها أن جميع المباني والبيوت التي كانت قائمة في هذه المنطقة كانت مبنية على الجبل، وأن ارتفاعاته التي كانت تحت تلك البيوت قد أزالتها معاول النسف والتفجير تسهيلاً لسير الناس من حجاج وعمار ومواطنين عليها دون إعاقة ولا عنت.
وكانت البيوت السكنية تلك التي لا يزال بعض سكانها أحياء يرزقون والحمد لله أعرف كثيراً منهم تفترش بيوتهم واجهة جبل المروة الممتدة شرقا إلى الطريق النازل اليوم من المدعى إلى ساحة المسعى، كما تفترش سفحه ومنحدراته وارتفاعاته الواقعة على واجهته الجنوبية المطلة على المسعى، وعلى الوادي الفاصل بين جبل الصفا وجبل المروة الذي ابتطحته البيوت السكنية هو الآخر قبل التوسعة السعودية، فأذهبت معالمه وقطعت ظاهر ما كان بين الصفا والمروة من اتصال متسع ينجو به الساعون من مخاطر ومحاذير الازدحام إذ كانت الجهة الشرقية للمسعى فضاءً غير محدود ببناء قبل أن يزحف عليها الناس ويضيقوا سعته بما أقاموا عليها من دور ومنازل قبل أن تفك التوسعة السعودية ضائقته وتطلق أسره من المعتدين عليه.
ومن ثم عاد مهندسو التوسعة السعودية فضيقوا على المسعى ما انفسح به عرضه، ولو تركوه دون أن يقيموا عليه جدراً من الشرق لما ضاق المسعى اليوم بأحد من الساعين فيه، ولما احتاج الأمر منا إلى بيان ولا إلى رجاء توسيع عرضه.
وأعود فأقول: إن الواجهة الجنوبية الشرقية لجبل المروة المواجهة لجبل الصفا من الشمال كانت مغطاة بالبيوت السكنية منقادة متراصة بعضها بجانب بعض على طول متن الجبل من ملاصقة جدر المروة الشرقي، إلى الطريق الصاعد من شرقي الطرف الشمالي للمسعى إلى المدعى.
وقد كانت بيوت السادة المراغنة التي كان يستأجرها صالح بن محمد سابق على جبل المروة ملاصقة جدرانها جدر المروة الشرقي وعرض بيتهم الملاصق لجدر المروة من الشرق ممتداً نحو الشرق حوالي خمسة عشر متراً.
ويتصل به ملاصقة من الشرق حوش المحناطة الذي كان بائعو الحبوب بالمدعى ينخلون فيه حبوبهم قبل بيعها وامتداده من دار المراغنة على جبل المروة أيضاً إلى جهة الشرق باتجاه طريق المدعى حوالي خمسة وعشرين متراً.
وتمتد منه سقيفة طويلة هي الطريق منه إلى طريق المدعى لمن أراد الذهاب بالحبوب المنخولة إلى أصحابها البائعين.
فهذا بعض عرض واجهة مرتفعات جبل المروة من ناحية الشرق من ملاصقة المروة التي يسعى منها الناس على خط مستقيم نحو الشرق، إلى شارع المدعى على متن جبل المروة كان مرتفعاً جبلياً عن مستوى المسعى ارتفاعاً..
ظاهرا يعرفه العام والخاص قبل تكسيره وتسويته بالأرض، ويلاصق بيت المراغنة الآنف الذكر من الجنوب على امتداد طول المسعى على واجهة المسعى الشرقية على يسار النازل من المروة مُنْحَدِرً إلى المسعى مُتجها إلى الصفا وَقفُ المراغنة يفتح بابه على داخل المسعى، ويلاصقه متصلا به من الجنوب – أيضاً – على نفس الوصف بيت الجادة على يسار النازل من المروة إلى المسعى، ثم يلاصقه من الجنوب أيضاً على ذات الحال والوصف بيت عبد الرحمن سمباوة، ويلاصقه من الجنوب أيضاً بيت المندر، ثم يلاصقه أيضاً على ذات الوصف بيت النفوري وغيرها من البيوت، وجميع أبوابها تفتح على بطن المسعى، وأعظم هذه البيوت على المنحدر الجبلي من المروة.
أقول: لولا الزحف على عرض المسعى هل كان أحد يجرؤ على البناء على عرضه دون وازع ديني، ولا رقيب إداري ؟!
وقد عوضت هذه الدولة الكريمة أصحاب هذه الدور وغيرهم ممن دخل داره في التوسعة بما أغناهم وأرضاهم جزاها الله خيراً.
والحاصل الذي لا مَين َ، ولا مراء فيه أن المرتفعات الجبلية الصخرية لواجهة جبل المروة الشرقية الجنوبية تمتد شرق موقع المروة الحالي الذي يقف عليه الساعون اليوم زيادة عما هو عليه الحال الآن بما لا يقل عن أربعين متراً من ناحية الشرق حتى تلاقي الطريق النازل من المدعى إلى ساحة المروة الشرقية.
وهذا يدعو عاجلاً إلى توسيع عرض المسعى بما لا يقل عن العرض الموجود حالياً حتى تكون التوسعة الجديدة موضعاً لسعي القادمين من الصفا.
ويكون المسعى الموجود حالياً موضعاً للساعين من المروة إلى الصفا.
ويقام على التوسعة الجديدة دوران علويان فوقها، حتى يصبح المسعى بهذه ستة مسارات كل ثلاثة منها فوق بعضها بعضاً.
وقد طلبت من صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبد العزيز وزير الشؤون البلدية والقروية ورئيس هيئة تطوير مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة حفظه الله في اجتماعنا الثاني معه بداره الكائنة بحي العزيزية بمكة المشرفة بعد صلاة تراويح مساء السبت 29/9/1427هـ عمل مجسات للمنطقة الشرقية الملاصقة للمروة؛ حتى يظهر للعيان ثبوت ما أقول من أن الواجهة الجنوبية الشرقية الصخرية لجبل المروة ممتدة إلى مسامتة الطريق النازل اليوم من المدعى إلى ساحة المسعى الشرقية قبل أن تزال مرتفعاته وأكتافه ومتونه الجنوبية الشرقية، ويقطع امتداده الشمالي عن أصله المتصل به من الشمال، ويفتح بين أصلي الجبل من الشمال وموضع الوقوف على المروة شارع سفلي موازياً لها من الشمال تحت الجسر الآتي من الجبل من الشمال إلى الدور الثاني للمروة والمسعى.
وآخر علوي يربط شارع المدعى من شمال المروة بالشارع النازل على مورد زمزم الحالي على جبل المروة من ناحيتها الغربية تسهيلاً لحركة الحجاج والمعتمرين وجميع السائرين في هذا المشعر الشريف، فوافق سموه الكريم في الحال جزاه الله خيراً وشكر له سعيه.
وقد تَمَّ وقوفنا على الموضع المذكور مع معالي الدكتور ناصر السلوم الأمين العام لهيئة تطوير مكة المكرمة والمدينة والمشاعر المقدسة اللطيف اللقاء والسماحة وصحبة الفضلاء ضحى يوم الاثنين 8/10/1427هـ للنظر في ذلك.
والمؤمل أن يحقق الله المساعي، ويكلل الأعمال بالنجاح – ولو بدون عمل المجسّات – لما فيه خير وراحة المؤمنين بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم في تأديتهم للسعي بين الصفا والمروة وتسهيل سيرهم وحركتهم في هذه المنطقة المحتاجة دوماً للتسهيل والرعاية حفظاً لسلامتهم وعناية بصحتهم وتوفيراً لأمنهم الحياتي من الموت دهساً في الزحام حتى يؤدوا مناسكهم في يسر وطمأنينة وأمان تحقيقاً لقول الله تعالى ( أو لم نمكن لهم حرماً آمنا). [سورة القصص آية:57].
هذا مجمل القول في ما يتعلق بامتداد المرتفعات الشرقية لجبل المروة البيضاء الواقعة في الواجهة الشرقية والجنوبية الشرقية من قبل جبل المروة على بطحاء مكة الكائنة بين جبلي الصفا والمروة، وموضع السعي بينهما، وهذا هو الموضع الذي آمل مخلصاً صادقاً داعياً الله تعالى أن يهيئ ولي أمرنا في هذه البلاد المقدسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود إمام المسلمين وقدوتهم الطيبة في فعل الخيرات وتيسير أمور الحياة لهم والعناية بسلامتهم فيُجري على يديه الكريمتين توسعة عرض المسعى من جانبه الشرقي، وسيبقى له الأجر العظيم جارياً ما بقيت الدنيا، وما عند الله خير للأبرار.
وحاصل القول أن ما ذكرته آنفاً من حدود جبل كل من الصفا والمروة وامتدادات كل منهما بطبيعة خلقه مع تقابل واجهة الصفا الشمالية لامتدادات جبل المروة الشرقية الجنوبية المواجهة للصفا أدلة ظاهرة على جواز توسيع عرض المسعى من ناحيته الشرقية الممتدة من جبل الصفا إلى جبل المروة بما لا يدع مجالاً للتوقف ولا للشك في القول بهذا لتحقق دخول ما يُزادُ في عرضه من الشرق في وقعه يقيناً موضعاً للسعي بين هذين المعْلَمَينْ اللذين جعلهما الله تعالى من شعائره في أعمال الحج والعمرة.
الكلام في ما يتعلق بالمروة السوداء:


وأما ما يتعلق بالمروة السوداء (1) التي قلَّ أو يندر أن يعرف أحد من الناس في هذا العصر موقعها لبناء المنازل والأسواق عليه قبل التوسعة السعودية بدهر طويل، ثم لتحويل المسعى عن موقعها في التوسعة الثانية للخليفة المهدي العباسي عام 167هـ ثم لإزالتها في التوسعة السعودية عام 1375هـ مع ما أزيل من دور ومنازل وأسواق وشوارع وطرق كانت عليها دون أن يفطن لها أحد من أهل العلم المهتمين بالمعالم المكية الذين يُعْنَون بمثل هذه المواقع فإن موقعها اليوم غرب موقع المروة الحالي في واجهة جبل المروة، المقابل اليوم للجزء الشرقي من باب الفتح الحالي بالمسجد الحرام، فيما بين الدرجة الصاعدة من ساحة باب الفتح إلى مورد ماء زمزم الحالي الذي فوق جبل المروة في وقتنا الحاضر، ويفصل بينها وبين المروة التي ينتهي الساعون إليها اليوم في سعيهم جدار المروة والباب، وموضع السلم الصاعد منها إلى الدور الثاني من المسعى وما يليه من متسع غرب جدار المسعى.
ويلي موضعها من الغرب الميضأة الحالية الواقعة اليوم على يسار الصاعد من ساحة باب الفتح إلى مورد زمزم المواجه لباب الفتح من الشمال المنجور لها تحت أصلاد ( صخور) جبل المروة السوداء الذي أزيلت مرتفعاته، وَوطّئ صدره ومتنه اليوم طريقاً للسيارات الواردة إلى ماء زمزم المورود نميرة والصاعدة من جواره إلى مرتفع القرارة المؤدي إلى الراقوبة.
وهذا الموضع من المروة – وهو الموضع الذي كان فيه دار ابن فرقد السلمي الآنف ذكره في اعتراف أبي سفيان له به – كان قبل توسعة المهدي الثانية عام 167هـ - كان يقابل أدنى المرتفعات الصخرية الغربية الجنوبية من جبل الصفا، والممتدة يوم ذاك إلى موضع السلم الكهربائي الصاعد اليوم من أجياد إلى الدور الثاني من المسجد الحرام كما ذكرت آنفاً في تحديد مرتفعات جبل الصفا.
وموضع المروة السوداء هذه هو الامتداد الطبيعي لجبل المروة من جانبه الغربي الجنوبي الذي كان على هيئة نشوزات وأحداب من الكتلة الجبلية الغربية لجبل المروة التي كانت ينتهي إليها سعي الساعين من الصفا في الجنوب إلى المروة في الشمال " قبل أن يؤخر المسعى "(2).
من موضعه الذي كان فيه ببطن المسجد الحرام إذ " كان المسعى في موضع المسجد الحرام"(3). قبل توسعة المهدي الثانية عام 167هـ كما يدل على ذلك ما رواه الأزرقي عن جده الذي عايش تلك التوسعة، والتوسعة الأولى عام 160هـ كما سأوضح هذا بعد قليل في بحثي هذا إن شاء الله بذكر ما هدم من دُور كانت محيطة بالمطاف، ومتصلة به من جانبه الشرقي الذي كان لا يفصله عن المسعى سوى دارين اثنين، الشرقي منهما بابه مفتوح على أصل المسعى مباشرة فاستدعت توسعة المطاف للمسلمين يوم ذاك أمرين اثنين هما:
1. هدم الدور المحيطة بالمطاف من جهة، وبالمسعى من جهتها الأخرى الشرقية.
2. تأخير المسعى ونقله من موضعه الذي كان هو فيه ممتداً في موضع الحصوة التي كانت شرقي بئر زمزم إلى الموضع الذي هو فيه اليوم متصلاً من شرقه بالفضاء والممتد بين جبلي الصفا والمروة مفتوح عرضه للساعين فيه مهما كثروا وازدحموا لا يعيقهم فيه عائق لعدم وجود حاجز يمنع توسع الساعين في عرضه إذا ازدحموا فيه في حيز ما بين الجبلين قبل أن يعتدي الناس عليه ببناء دورهم على جانبه الشرقي وتضييقه على الساعين، وطمس معالم اتساعه عرضاً بما أقاموه عليه من دورٍ وأسواقٍ دون أن يمنعهم حكامهم من الاعتداء على المشاعر المقدسة.
توسعة المطاف وتأخير المسعى عن موضعه:
الدعوة إلى توسيع عرض المسعى لتخفيف الازدحام فيه عن الساعين أمر مطلوب شرعاً ومرغوب عرفاً من جوه كثيرة:
أولها: ما سبق أن ذكرته آنفاً من بيان حدود كل من جبل الصفا وجبل المروة، وأن توسيع عرض المسعى من الشرق على الطريق الغربي من الساحة الملاصق للجدر الشرقي من المسعى بقدر عرض المسعى الحالي، ليكون الحالي للآتي من المروة والجديد للساعي من الصفا إلى المروة يقع ضمن حدود البينية الكائنة بين جبلي الصفا والمروة، وليس خارجاً عن أي منهما.
وأنه مشمول بقول الله تعالى: ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما ).
وهذا جائز شرعاً لعدم خروجه عن دلالة نص هذه الآية الكريمة ومنطوقها.
وقد سبق آنفاً إيضاحي تفصيلاً بيان حدود هذين الجبلين وامتدادات كل منهما.
ثاني هذه الوجوه، أن التوسعة في مثل هذا المشعر الحرام سبق لها نظير في مثله، بل في ما هو مقدم شرعاً.
فقد وسّع عمر بن الخطاب رضي الله عنه المطاف حين رأى شدة ازدحام الحجاج فيه، فاشترى البيوت التي كانت محيطة به فهدمها، ووضع المطاف في موضعها، وذلك سنة 17 هـ.
ثُمَّ وَسَّعهُ – أيضاً _ عثمان بن عفان رضي الله عنه في عهده سنة 26 هـ لنفس الغرض أيضاً.
ثُمَّ وسعه – أيضاً – عبد الله بن الزبير أيام خلافته لنفس الأمر حين رأى كثرة الزحام فيه.
فهذا عمل اثنين من الخلفاء الراشدين الذين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأخذ بسنتهم والعض عليها بالنواجذ.
وهو – أيضاً – عمل صحابي آخر هو أحد خلفاء المسلمين وحكامهم.
وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على هذا وأقروه حيث لم يعترض منهم أحد على هذا العمل، بل حَبَّذوه ورأوه عملاً صالحاً تم لمصلحة المسلمين.
ثالثها، أن المسعى الحالي ليس هو في عرضه على ما كان في العهد النبوي، ولا في عهد الصحابة رضي الله عنهم، بل اقتصر من عرضه بزحف المباني عليه من ناحيته: الغربية والشرقية.
1 – أما من الناحية الغربية فيدل على ذلك أن البيوت كانت لاصقة بالمطاف مرتصاً بعضها بلصق بعض من المطاف إلى المسعى حيث كان:
أ - دار الأزرق بن عمرو الغساني جدره لاصق بالمطاف من ناحية الشرق، فاشترى ابن الزبير نصفها وأدخله في المطاف. ثم اشترى بقيته المهدي العباسي عام 160 هـ فأدخلها المطاف.
ب ـ واشترى دار خيرة بنت سباع الخزاعية التي كانت لاصقة بدار الأزرق من الشرق وبابها الشرقي كان شارعاً مفتوحاً مباشرة على المسعى قبل أن يؤخر عن موضعه، وَوُضع المسجد في موضع دارها ودار آل جبير بن مطعم، وجميع الدور التي كانت بين المسجد والمسعى فَوُضِع المسجد في موضعها وأّخَّرَ المسعى إلى موضعه الذي هو فيه اليوم(4).
ج ـ وفي توسعة المهدي الثانية عام 167هـ أمر بشراء الدور التي كانت باقية بين المسجد والمسعى فاشتريت وهدمت وهدم أكثر دار محمد بن عباد العائذي الكائنة عند العلم الأخضر بركن المسجد من جهة الصفا وما جاورها توسعة للمسجد وللمسعى.
قال الأزرقي: " فهدموا ما كان بين الصفا والوادي من الدور، وجعلوا المسعى والوادي فيها"(5) أي نقلوا المسعى من بطن المسجد إلى موضع الدور التي هدموها.
أقول: ما اختُصِر من عرضه حينا، وزيد فيه حينا آخر يجوز اليوم حتماً توسيع عرضه محافظة على سلامة الساعين وحياتهم بدفع الازدحام عنهم فيه بقيد ما ذكرته سابقاً في بياني لحدود جبلي الصفا والمروة.
دـ هذا من ناحيته الغربية، وأما من ناحيته الشرقية فإن عدم منع الناس من الزحف عليه ببناء منازلهم وأسواقهم على جانبه الشرقي قد ضيق عرضه كثيراً يدل على هذا ما رواه الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين (3/502-503) من أن يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم قال – وهو يخبر عن طمع أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور(6) في امتلاكه لدارهم التي هي دار جدهم الأرقم بن أبي الأرقم التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجتمع فيها بأصحابه في أول أمر دعوته صلى الله عليه وسلم إلى عبادة الله وحده، وكانت تسمى " دار الإسلام " في حجة حجها حين كان يسعى بين الصفا والمروة، وهم على ظهر الدار ينظر إليهم من حين يهبط من الوادي حتى يصعد إلى الصفا.
قال: " فيمر تحتنا لو أشاء أن آخذ قلنسوته لأخذتها ".
أقول: قوله هذا يدل صراحة على أن دار الأرقم بن أبي الأرقم التي كانوا يجلسون على ظهرها، وأمير المؤمنين أبو جعفر يصعد إلى الصفا من تحتها كان موقعها على شفا الطرف الشرقي من الصفا على يمين النازل منه.
وموقع هذه الدار معروف قديماً وحديثاً لم يتغير منذ كان.
وهو الآن خارج جدر الصفا الشرقي يكون بعض منه في موضع المبنى اللاصق بالمسعى من الشرق مقر إدارة جمعية تحفيظ القرآن الكريم بمكة اليوم.
وكان يقوم على موقعه قبل التوسعة السعودية للمسعى دار الحديث التي كان مديرها شيخنا محمد عبد الرزاق حمزة رحمه الله المتوفى سنة 1392هـ.
ويوم أن كانت داراَ للحديث كان بينها وبين طرف الصفا الشرقي أكثر من عشرين متراً.
وهذا يدل على أن المنازل في تلك الأيام قد تقدمت عليها، وحالت بينها وبين الصفا الذي كانت هي على طرفه تماماً مما يدل على أن أصحاب تلك المنازل قد بنوها على موضع السعي من الصفا، فضيقوا عرضه واعتدوا على أرضه دون أن يمنعهم أحد.
وحاصل القول في أن توسيع عرض المسعى من الجهة الشرقية بقدر ما يماثل المسعى الحالي ليكون القديم للآتي من المروة إلى الصفا، ويكون الجديد للنازل من الصفا ذاهباً إلى المروة عمل مبرور وسعي مشكور لا حرج فيه لا شرعاً، ولا عرفاً، لتحقق كونه بين جبلي الصفا والمروة كما حققت هذا آنفاً هذا أولاً.
ولتحقيقه المصلحة والسلامة للمسلمين الساعين فيه للحج، أو عمرة ثانياً.
اقتراح تجميلي:
مما ينبغي عمله وإظهاره للعيان لجميع الساعين والرائين أيضاً أن إذا يسَّر الله توسيع عرض المسعى على ما قلت أن يقام في موضع الصفا صفاً صناعياً على مثل وشكل الجبل الذي أزيل يتدرج ارتفاعه من أسفل إلى فوق.
وكذلك تقام مروة بيضاء مثل الجبل الذي أزيل يتدرج ارتفاعها من أسفل إلى فوق، حتى تطمئن القلوب، ويذهب عنها ما قد يوسوس به الموسوسون، وينصرف النظر عن الاشتغال بما لا داعي له من تمحُّل.


---------------------------------------------------
(1) تاريخ مكة للأزرقي تحقيق ابن دهيش 2/860، أخبار مكة للفاكهي 3/276 تحقيق ابن دهيش.
(2) أخبار مكة للأزرقي 1/75 سطر 2.
(3) أخبار مكة للأزرقي 1/79 سطر 5، إتحاف الورى 2/214 سطر 14.
(4) أخبار مكة للأزرقي 2/69-75 باختصار.
(5) الأزرقي 2/80،79
(6) تولى الخلافة سنة 136 هـ وتوفي سنة 158 هـ



المصدر : الإسلام اليوم
 
جزاكم الله خيراً ياشيخ سامي، على هذا الموضوع
وإني بهذه المناسة أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفي شيخي الدكتور عويد، فهو المشرف على رسالتي، وقد تفضل علي بأفضال كثيرة، ولا يمكنني أن أوفيه حقه إلا بالدعاء له ـ حفظه الله ، وعجل له الشفاء ـ.
 
جزى الله الدكتور عبد الرحمن خيراً لتفضله بكتابة الموضوع على الحاسب وليته يجعله مرفقاً على ملف وورد ليتيسر لنا تحميله وطباعته .
 
[align=center]جزاكم الله خيراً،،
وأسأل الله تعالى أن يشفي شيخنا د/ عويد وأن يمد في عمره إنه سميع مجيب، وقد أهداني نسخة من بحثه بخط يده،،
أما عن طلب الدكتور أحمدالبريدي، فإن الأمر يسير فقط قم بنسخه عن طريق التظليل ثم الصقه في صفحة وورد،،
والله أعلم،،[/align]
 
وهذا نص فتوى الشيخ سعود الفنيسان


المسعى بعد التوسعة الجديدة

أ.د. سعود بن عبد الله الفنيسان 6/12/1428
15/12/2007



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد، وبعد:
كثر الكلام عن حكم السعي في الزيادة في المسعى بعد توسعته الحالية بين العامة وبعض طلاب العلم فأحببت أن أقف بعض وقفات مختصرة حول هذا الموضوع مما يفيد الجاهل ويذكر طالب العلم:
الوقفة الأولى:
إن الله سبحانه حدد المشاعر لخليل الله إبراهيم عليه السلام وسماها الله مقاما لخليله وأمر الأنبياء وأممهم باتباعها والوقوف عند حدودها فقال: "وَاتَّخِذُوا مِن مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً" [البقرة:125]. ومقام إبراهيم فسر بأنه موضع القدمين لإبراهيم عليه السلام حينما كان يبني الكعبة مع ابنه إسماعيل كما قال تعالى: "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" [البقرة:127]. وهو اليوم داخل زجاج بلوري مقابل باب الكعبة. والمراد باتخاذه مصلى: أداء ركعتي الطواف خلفه وهذا قول جمهور المفسرين. وفسر بعض العلماء (المقام) بالحرم كله أي ما بين الأميال مما يحرم فيه قتل الصيد وقطع الشجر والظلم والقتال، وليس المسجد الذي في جوفه الكعبة ومحاط بالجدران وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه: "باب من صلى ركعتي الطواف خارجا من المسجد وصلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه خارجاً من الحرم" وطاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد صلاة الصبح فركب حتى صلى الركعتين بذي طوى (الأبطح) وأخرج البخاري بإسناده عن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها وهو بمكة لما أراد الخروج: "إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون ففعلت ذلك فلم تصل حتى خرجت" ومن هذا الحديث أخذ جمهور العلماء أن من نسي ركعتي الطواف قضاهما حيث ذكرهما من حل أو حرم. قال ابن المنذر احتملت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لآية: "وَاتَّخِذُوا مِن مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً" [البقرة:125]. حين صلى ركعتي الطواف خلف المقام أن تكون صلاة الركعتين خلفه فرضا ولكن أجمع أهل العلم على أن الطائف تجزئة ركعتا الطواف حيث شاء. وليس ذلك أكثر من صلاة المكتوبة. ولعل الخلاف مبني على ما هو المراد بـ(المسجد الحرام) فتبين أن (مقام إبراهيم) و(المسجد الحرام) فيهما قولان:
الأول: المسجد الحرام هو الذي وسطه الكعبة والمحاط بالجدران. ومقام إبراهيم: موضع القدمين لخليل الله إبراهيم عليه السلام.
الثاني: أن المسجد الحرام ومقام إبراهيم هو الحرم كله الذي يحرم فيه قتل الصيد وقطع الشجر فمعظم مساكن ومساجد مكة في هذا القول داخلة في المسجد الحرام تضاعف فيها الحسنات.
الوقفة الثانية:
معلوم أن الحرم كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوز بعض صحن المطاف اليوم ولا زال الخلفاء والحكام على مدار التاريخ يوسعون فيه لحاجة الناس وتزايد أعدادهم وأكبر توسعة حصلت في تاريخ المسجد الحرام حتى يومنا هذا هي توسعة الحكومة السعودية وفقها الله.
وكل زيادة في مساحة المسجد تعتبر شرعاً داخلة فيه إذ القاعدة عند الفقهاء (أن الزيادة لها حكم المزيد) (وما بين الشرق والغرب قبله) فلو أدخلت بعض أحياء مكة في الحرم لكانت مسجداً.
الوقفة الثالثة:
طول المسعى هو ما بين جبل الصفا –وهو جبل أبي قبيس- والمروة وهو جبل قيقعان. والجبلان معروفان يشاهد كل الناس أجزاء منها بادية للعيان حتى بعد التوسعات المتكررة فمسافة المعسى في الطول معلومة عند الفقهاء والمؤرخين فالفقهاء نصوا على وجوب استيعاب الساعي مسافة ما بين الجبليين فقط ولا يلزم صعودهما.
أما المؤرخون فيحددون ما بينهما بالأذرع والأصابع أحياناً.
يقول المؤرخ الثقة أبو الوليد الأزرقي تـ(340)هـ في كتابه أخبار مكة (2/95) (... وذرع ما بين الصفا والمروة سبعمائة ذراع وستة وستون ذرعاً ونصف ذراع (766.5) وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى العلم الذي بحذاءه على باب دار العباس بن عبد المطلب وبينهما عرض المسعى: خمسة وثلاثون ذراعا ونصف (35.5) ومن العلم الذي على دار العباس إلى العلم الذي عند دار ابن عباد الذي بحذاء العلم في حد العمارة بينهما مائة ذراع وواحد وعشرون ذراعاً (121) قلت: وهذا طول المسيل أو الوادي الذي يرمل فيه بين العلمين.
وذكر البكري تـ(487)هـ في كتابه (المسالك والممالك) (1/309): أن طول المسافة ما بين العلمين في المسعى هي (112) ذراعاً أي بما يقل عما حدده الأزرقي بـ(9) أذرع.
واختلف المؤرخون في تقدير ما زاد على الذراع في ما بين الصفا والمروة أو ما بين العلمين فمحمد بن إسحاق الفاكهي: يقدر نصف الذراع بـ(20) إصبعا. وقدر البكري نصف الذراع في عرض المسعى بـ(12) إصبعا في حين أن الأزرقي اكتفى بذكر نصف الذراع مجملاً دون تحديده بالأصابع.
الوقفة الرابعة:
وجدت في مصنف ابن أبي شيبة صـ(260) قولا للإمام مجاهد ابن جبر تلميذ ابن عباس رضي الله عنه يقول في ما بين العلمين في المسعى: (هذا بطن المسيل الذي رمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الناس انتقصوا منه) وذكر الإمام ابن كثير تـ(774)هـ في كتابه البداية (وقال بعض العلماء: ما بين هذه الأميال أوسع من بطن المسيل الذي رمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم) فإذا كان مجاهد بن جبر يرى أن الناس في زمنه انتقصوا من مساحة بطن الوادي –الذي يرمل فيه- وابن كثير بعد أكثر من سبعمائة سنة يرى أن الناس وسعوا من مساحة بطن الوادي.
الوقفة الخامسة:
وإذا كان عرض المسعى كما قال الأزرقي (35.5) خمسة وثلاثون ذراعا ونصف الذراع وإذا كان (المتر) في قياسنا اليوم يساوي ذراعين تقريباً فعرض المسعى الحالي يقرب من (ثمانية عشر متراً) أو تزيد. وزيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله وفقه الله تقرب من عشرين متراً مع عرض الجدار.


الوقفة السادسة:
لما عرض أمر التوسعة على هيئة كبار العلماء اختلف اجتهادهم في كيفية هذه الزيادة لا في أصلها فمنهم من منع الزيادة في عرض المسعى ورأى أن تكون الزيادة رأسياً بزيادة الأدوار. ومنهم من أجاز الزيادة الأفقية في عرض المسعى وهو الذي عليه جرت توسعة خادم الحرمين الشريفين الحالية. ويظهر لي والله أعلم أن الصواب مع من أجاز توسعة المسعى في عرضه لا في بناء أدوار عليا لمبررات منها:
1- أن تحديد عرض المسعى ليس فيه دليل نصي يوقف عنده بل كل ما نص عليه العلماء هو وجوب الاستيعاب في السعي طولا ما بين جبلي الصفا والمروة. أما عرضه فلم يشر إليه أحد من علماء المذاهب فيما اطلعت عليه. أما المؤرخون فمختلفون في تحديده فما حكاه ابن كثير رحمه الله يخالف قول مجاهد ابن جبر رضي الله عنه. في حين أن ابن كثير يرى أن الناس وسعوه ومجاهد يرى أنهم ضيقوه. ولو كان هناك نص في تحديد عرض المسعى يوقف عنده ما وقع الخلاف.
2- أن جبلي الصفا والمروة في أصلهما أطول وأعرض مما نشاهده في المسعى قبل توسعة الملك عبد الله الحالية.
3- وعلمت أن جماعة من كبار السن والخبرة من سكان مكة أثبتوا شهادتهم في المحكمة الشرعية بمكة المكرمة بأن جبلي الصفا والمروة أعرض وأكبر وأنهما ممتدان من الجهة الشرقية، ومن هؤلاء الشهود من كان بيته على الصفا وبعضهم على المروة.
4- وأخيراً إن توسعة الملك عبد الله الحالية في الدور الأرضي هي أولى من بناء أدوار عليا فالسعي في الدور الأرضي أسهل على الحجاج والمعتمرين إذ الصعود للأدوار حيث لا يستطيع الصعود كبار السن والعجزة والنساء حتى مع وضع السلالم الكهربائية وهي معرضة للأعطال والزحام فالتوسعة الحالية هي عين الصواب. والله أعلم


مصدر الفتوى
 
مصدر الفتوى موقع الشيخ اضغط هناالسعي في المسعى الجديد


السَّعِي في المَسْعَى الجديد

الشيخ/ عبد الكريم الخضير


يقول: ما حكم السَّعي بالمَسْعَى الجَدِيدْ، وإذا كان لا يجُوز، فهل نُحجم عن الاعتمار، ريثما يُعاد فتح القديم؟

المَسْعَى الجديد الآن ليسَ سِرًّا أنَّ كلام أهل العلم مُؤدَّاهُ إلى اختلاف، يعني يختلفون، منهم من يقول السَّعي صحيح، ومنهم من يقول السَّعي باطل؛ لأنَّ المسعى الجديد ليس في حدود المسعى الذي سَعى فيهِ النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-، لا سِيَّما وأنَّ تواريخ مكة تقول إنَّ عرض المسعى قالوا: سبع وثلاثين ذراع تقريباً، خمس وثلاثين ذراع، يعني بقدر القديم، وعلى كل حال ما دام هذا الخلاف موجُود فأُسُّ المسألة لا يُدْرَك من خلال النُّصُوص، فالاجتهاد ليس للصِّغار والمُتوسِّطين من طُلاَّب العلم الذين لم يُدْرِكُوا مكان السَّعي قبل العِمَارة، أما الذِّين أدركُوا مكان السَّعي قبل أنْ يُعمر، ورأوا المسعى على حقيقته، وأنَّهُ أوسَع من القديم، فهؤُلاء لهم أنْ يُفتُوا، ومعروف كلام الشيخ ابن جبرين -حفظهُ الله- قال بمثل هذا، أنَّهُ حجّ سنة تسعة وستِّين قبل عمارة المسعى وكان أوسع من هذا، فلا مانع حينئذ من السَّعي في الجديد، على كُلِّ حال هذه المسألة من المسائل الكبار التِّي لا يُفتي فيها إلا الكبار، فيُنتظر ما يقُولُهُ المُفتي وما تقُولُهُ اللجنة الدَّائِمَة وما يقوله أعضاءُ الهيئة – نسألُ الله -جلَّ وعلا- أنْ يُعينهم ويُسدِّدهم؛ وإلاَّ فالمسألة من عُضل المسائل رُكْن من أركان النُّسُك هذا، يحتاج إلى تحرِّي، ويحتاج إلى تأكُّد وتحقُّق، بعضُهم يقول أنت مُحْصَر، تَحلَّل بِدَمْ! لا تسْعَ تحلَّل بدم! وبعضُهُم يقول حُكم الحاكم يرفع الخِلاف، والمشايخ اختلفُوا وولي الأمر رأى أنَّ الرُّجحان مع من يُجيز، وأُحْضِر شُهُود يَشْهَدُون أنَّ المَسْعَى أعْرَضْ من المَسْعَى القائم، ورأى وليُّ الأمر، ولا يُشك يعني في إرادة المصلحة في مثل هذا؛ لكنَّ الإرادة والنِّيَّة وحدها لا تكفي؛ بل لا بُدَّ من الصدور عن أقوال أهل العلم؛ لأنَّ العبادات محضة ما تخضع للاجتهاد، يعني لو رأى راءٍ مثلاً إنَّ عرفة ضاقت بالنَّاس وقال نبي نوسعه، نُوسِّع عرفة، يُمْكِنْ؟! ما يُمكن؛ لأنَّ هذا رُكن من أركان الحج، والسَّعي رُكن منْ أركان الحج، على كلِّ حال نسأل الله -جلَّ وعلا- أنْ يَدُلُّهُم على الحق -أعنِي وُلاة الأمر- سواءً كانُوا من أهل الحلِّ والعَقْد والأمر والنَّهي أو أهل العلم، ومثل ما قلت الذِّي يصغر سِنُّهُ عنْ إدراك المسعى القديم ليسَ لهُ أنْ يُفتي في هذه المسألة؛ لأنَّ المسألة مبنِيَّة على نَظَر في نُصُوصٍ شرعِيَّة، والنُّصُوص مبنِيَّة على واقع، فهل المَسْعَى بالفعل الذِّي سعى فيه النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- وتتابعت عليهِ الأُمَّة، وتواتر تواتُراً عَمَلِيًّا بالعمل والتَّوارُثْ، هل هو أوْسَع من القائم أو بِمقدارِهِ؟ يحتاج إلى نظر؛ مِمَّنْ أَدْرَكَهُ قبل العِمَارة.
 
الله ينفع بهم

الله ينفع بهم

هؤلاء هم العلماء اينما وقعوا نفعوا .....
 
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم [/align]
عندي تساؤلات أرجو الإجابة عليها ممن يهتمون بهذا الموضوع وهي :
1 - هل تحديد المسعى هو أمر اجتهادي أم أنه حدد بواسطة الوحي طولا وعرضا ؟
2 - وإذا أقرت التوسعة فما الذي يقيدني بعد ذلك بالمسعى الجديد ؟ بمعنى أنني أستطيع أن أخرج خارج المسعى لأداء السعي محتجا بالازدحام . وهذا يفتح بابا للفوضى
3 - ثم ماهي الحدود التي سيتفق عليها المسلمون بعد ذلك ؟وهل سيظل يوسع حتى يغطي الساحة الشرقية برمتها ؟
4 - وهل يجوز أن نحتج بالازدحام أو بغيره من أمور التطوير بالحرم فنصغر من حجم الكعبة لتسهيل الطواف للناس ؟؟ علما أنه لما حدث ذلك في الكعبة في الماضي لم يجز الفقهاء رحمهم الله تعالى للذي يطوف بالكعبة أن يمر من حجر اسماعيل ( أو حجر الكعبة ) وإذا فعل بطل طوافه أو شوطه وعليه الإعادة ، فهل هذا حاصل بالمسعى أم لا ؟
5 - ثم لماذا أزيل الصفا وحطم ؟ وهل سيأتي بعد زمن أحد ليقول إن طول المسعى ليس هذا وإنما رأيت قديما وأنا صغير أن الجبل كان قبل هذه النقطة أو بعدها وأن بيته كان عليه ويشهد على ذلك ؟


أرجو أن تلاقي هذه الأسئلة اهتماما ممن أفتوا بالتوسعة . وجزاكم الله خيرا وسدد خطاكم لما يحبه ويرضاه ، وأسأله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص لوجهه الكريم
 
عودة
أعلى