وهذا نص فتوى الشيخ سعود الفنيسان
المسعى بعد التوسعة الجديدة
أ.د. سعود بن عبد الله الفنيسان 6/12/1428
15/12/2007
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد، وبعد:
كثر الكلام عن حكم السعي في الزيادة في المسعى بعد توسعته الحالية بين العامة وبعض طلاب العلم فأحببت أن أقف بعض وقفات مختصرة حول هذا الموضوع مما يفيد الجاهل ويذكر طالب العلم:
الوقفة الأولى:
إن الله سبحانه حدد المشاعر لخليل الله إبراهيم عليه السلام وسماها الله مقاما لخليله وأمر الأنبياء وأممهم باتباعها والوقوف عند حدودها فقال: "وَاتَّخِذُوا مِن مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً" [البقرة:125]. ومقام إبراهيم فسر بأنه موضع القدمين لإبراهيم عليه السلام حينما كان يبني الكعبة مع ابنه إسماعيل كما قال تعالى: "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" [البقرة:127]. وهو اليوم داخل زجاج بلوري مقابل باب الكعبة. والمراد باتخاذه مصلى: أداء ركعتي الطواف خلفه وهذا قول جمهور المفسرين. وفسر بعض العلماء (المقام) بالحرم كله أي ما بين الأميال مما يحرم فيه قتل الصيد وقطع الشجر والظلم والقتال، وليس المسجد الذي في جوفه الكعبة ومحاط بالجدران وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه: "باب من صلى ركعتي الطواف خارجا من المسجد وصلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه خارجاً من الحرم" وطاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد صلاة الصبح فركب حتى صلى الركعتين بذي طوى (الأبطح) وأخرج البخاري بإسناده عن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها وهو بمكة لما أراد الخروج: "إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون ففعلت ذلك فلم تصل حتى خرجت" ومن هذا الحديث أخذ جمهور العلماء أن من نسي ركعتي الطواف قضاهما حيث ذكرهما من حل أو حرم. قال ابن المنذر احتملت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لآية: "وَاتَّخِذُوا مِن مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً" [البقرة:125]. حين صلى ركعتي الطواف خلف المقام أن تكون صلاة الركعتين خلفه فرضا ولكن أجمع أهل العلم على أن الطائف تجزئة ركعتا الطواف حيث شاء. وليس ذلك أكثر من صلاة المكتوبة. ولعل الخلاف مبني على ما هو المراد بـ(المسجد الحرام) فتبين أن (مقام إبراهيم) و(المسجد الحرام) فيهما قولان:
الأول: المسجد الحرام هو الذي وسطه الكعبة والمحاط بالجدران. ومقام إبراهيم: موضع القدمين لخليل الله إبراهيم عليه السلام.
الثاني: أن المسجد الحرام ومقام إبراهيم هو الحرم كله الذي يحرم فيه قتل الصيد وقطع الشجر فمعظم مساكن ومساجد مكة في هذا القول داخلة في المسجد الحرام تضاعف فيها الحسنات.
الوقفة الثانية:
معلوم أن الحرم كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوز بعض صحن المطاف اليوم ولا زال الخلفاء والحكام على مدار التاريخ يوسعون فيه لحاجة الناس وتزايد أعدادهم وأكبر توسعة حصلت في تاريخ المسجد الحرام حتى يومنا هذا هي توسعة الحكومة السعودية وفقها الله.
وكل زيادة في مساحة المسجد تعتبر شرعاً داخلة فيه إذ القاعدة عند الفقهاء (أن الزيادة لها حكم المزيد) (وما بين الشرق والغرب قبله) فلو أدخلت بعض أحياء مكة في الحرم لكانت مسجداً.
الوقفة الثالثة:
طول المسعى هو ما بين جبل الصفا –وهو جبل أبي قبيس- والمروة وهو جبل قيقعان. والجبلان معروفان يشاهد كل الناس أجزاء منها بادية للعيان حتى بعد التوسعات المتكررة فمسافة المعسى في الطول معلومة عند الفقهاء والمؤرخين فالفقهاء نصوا على وجوب استيعاب الساعي مسافة ما بين الجبليين فقط ولا يلزم صعودهما.
أما المؤرخون فيحددون ما بينهما بالأذرع والأصابع أحياناً.
يقول المؤرخ الثقة أبو الوليد الأزرقي تـ(340)هـ في كتابه أخبار مكة (2/95) (... وذرع ما بين الصفا والمروة سبعمائة ذراع وستة وستون ذرعاً ونصف ذراع (766.5) وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى العلم الذي بحذاءه على باب دار العباس بن عبد المطلب وبينهما عرض المسعى: خمسة وثلاثون ذراعا ونصف (35.5) ومن العلم الذي على دار العباس إلى العلم الذي عند دار ابن عباد الذي بحذاء العلم في حد العمارة بينهما مائة ذراع وواحد وعشرون ذراعاً (121) قلت: وهذا طول المسيل أو الوادي الذي يرمل فيه بين العلمين.
وذكر البكري تـ(487)هـ في كتابه (المسالك والممالك) (1/309): أن طول المسافة ما بين العلمين في المسعى هي (112) ذراعاً أي بما يقل عما حدده الأزرقي بـ(9) أذرع.
واختلف المؤرخون في تقدير ما زاد على الذراع في ما بين الصفا والمروة أو ما بين العلمين فمحمد بن إسحاق الفاكهي: يقدر نصف الذراع بـ(20) إصبعا. وقدر البكري نصف الذراع في عرض المسعى بـ(12) إصبعا في حين أن الأزرقي اكتفى بذكر نصف الذراع مجملاً دون تحديده بالأصابع.
الوقفة الرابعة:
وجدت في مصنف ابن أبي شيبة صـ(260) قولا للإمام مجاهد ابن جبر تلميذ ابن عباس رضي الله عنه يقول في ما بين العلمين في المسعى: (هذا بطن المسيل الذي رمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الناس انتقصوا منه) وذكر الإمام ابن كثير تـ(774)هـ في كتابه البداية (وقال بعض العلماء: ما بين هذه الأميال أوسع من بطن المسيل الذي رمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم) فإذا كان مجاهد بن جبر يرى أن الناس في زمنه انتقصوا من مساحة بطن الوادي –الذي يرمل فيه- وابن كثير بعد أكثر من سبعمائة سنة يرى أن الناس وسعوا من مساحة بطن الوادي.
الوقفة الخامسة:
وإذا كان عرض المسعى كما قال الأزرقي (35.5) خمسة وثلاثون ذراعا ونصف الذراع وإذا كان (المتر) في قياسنا اليوم يساوي ذراعين تقريباً فعرض المسعى الحالي يقرب من (ثمانية عشر متراً) أو تزيد. وزيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله وفقه الله تقرب من عشرين متراً مع عرض الجدار.
الوقفة السادسة:
لما عرض أمر التوسعة على هيئة كبار العلماء اختلف اجتهادهم في كيفية هذه الزيادة لا في أصلها فمنهم من منع الزيادة في عرض المسعى ورأى أن تكون الزيادة رأسياً بزيادة الأدوار. ومنهم من أجاز الزيادة الأفقية في عرض المسعى وهو الذي عليه جرت توسعة خادم الحرمين الشريفين الحالية. ويظهر لي والله أعلم أن الصواب مع من أجاز توسعة المسعى في عرضه لا في بناء أدوار عليا لمبررات منها:
1- أن تحديد عرض المسعى ليس فيه دليل نصي يوقف عنده بل كل ما نص عليه العلماء هو وجوب الاستيعاب في السعي طولا ما بين جبلي الصفا والمروة. أما عرضه فلم يشر إليه أحد من علماء المذاهب فيما اطلعت عليه. أما المؤرخون فمختلفون في تحديده فما حكاه ابن كثير رحمه الله يخالف قول مجاهد ابن جبر رضي الله عنه. في حين أن ابن كثير يرى أن الناس وسعوه ومجاهد يرى أنهم ضيقوه. ولو كان هناك نص في تحديد عرض المسعى يوقف عنده ما وقع الخلاف.
2- أن جبلي الصفا والمروة في أصلهما أطول وأعرض مما نشاهده في المسعى قبل توسعة الملك عبد الله الحالية.
3- وعلمت أن جماعة من كبار السن والخبرة من سكان مكة أثبتوا شهادتهم في المحكمة الشرعية بمكة المكرمة بأن جبلي الصفا والمروة أعرض وأكبر وأنهما ممتدان من الجهة الشرقية، ومن هؤلاء الشهود من كان بيته على الصفا وبعضهم على المروة.
4- وأخيراً إن توسعة الملك عبد الله الحالية في الدور الأرضي هي أولى من بناء أدوار عليا فالسعي في الدور الأرضي أسهل على الحجاج والمعتمرين إذ الصعود للأدوار حيث لا يستطيع الصعود كبار السن والعجزة والنساء حتى مع وضع السلالم الكهربائية وهي معرضة للأعطال والزحام فالتوسعة الحالية هي عين الصواب. والله أعلم
مصدر الفتوى