أبو محمد نائل
New member
- إنضم
- 29/03/2006
- المشاركات
- 101
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
المراكز الأكاديمية اليهودية ودورها في سلب التاريخ الفلسطيني
محمد خالد كُلاّب
يعدّ التراث العلمي في جميع أنحاء العالم هو الإرث المتوارث والأمانة التي أنيطت بالشعوب حكومة وأفرادا حيث إن التراث هو عقل كل أمة وقلبها النابض ويوم أن تفرط بعقلها وبقلبها فقد فرطت بحياتها كلها تودي بنفسها في شباك المهالك وشراك المصائب.
وعلى مرّ عصور الأمة الإسلامية ضربت فيها الأمة أروع المُثل في إنتاج تراث علمي أضحى غرة في جبين الدهر وقف أمامه اليهود ودول الغرب حائرين متعجبين حيث لم يعهدوا حضارة بهذه القوة يُقدر لها البقاء مئات السنين وهي تحتفظ بمخزون ذاكرتها وبإرث علمائها وكيف حافظت على هذه المخطوطات نسخاً وتدويناً وحفظاً وتأليفاً حتى رأوا ورأينا ما بقي منها في هذا العصر – على الرغم من عاديات الأيام – نحو ثلاثة ملايين مخطوط في نحو ألفي مكتبة من مكتبات العالم..
وضربت بلاد الشام بعامة وفلسطين على وجه الخصوص بسهم وافرٍ من نتاج هذه الحضارة وقامت على أرضها نهضة علمية لفتت أنظار العالم إليها ، والذي يهمني في هذه الأسطر هو الحديث عن مصائب التراث التي حدثت في فلسطين ، وأعني بالمصيبة هي الفاجعة التي فوق كل تدمير وحرق وتخريب ألا وهو (التهويد ..والتغريب!!!) حيث –وللأسف- لا تزال الآلاف من المخطوطات التي هي مكمن حضارتنا تنعم في سماء دول الغرب من جهة وتعبث به اليهود من جهة أخرى ، فكانت مصيبة عظيمة آلت بهذا بتراثنا إلى هذا الحال المرير الذي فقدت فيه هذه الغوالي ، نعم إنه التغريب والتهويد..
من صور تهويد التراث الفلسطيني :
وأعني بالتهويد هو العبث اليهودي الصهيوني في تراثنا وذلك خلال سرقته وتزويره وتحريفه وفعل الأفاعيل به ..وقد تنوعت الأساليب اليهودية في العبث به حيث ركزت أكثر ما ركزت على سلب ونهب هذا التراث من مخدعه الآمن ليصبح لقمة سائغة في يد اليهود، وقد كان للجامعة العبرية (التي أسست في القدس 1892م) نصيب الأسد من هذا التراث وبالتتبع يندهش القارئ عندما يرى هذا الكم الهائل من المخطوطات والمكتبات التي نقلت بالكلية إلى الجامعة العبرية .
وقد أخبرني أكثر من شخص منهم شيخنا الدكتور نزار ريان" أنه زار الجامعة العبرية قبل عشرين سنة تقريبا ووجد فيها من تراثنا ومخطوطاتنا ما يندى له الجبين حتى رأى مكتبات كاملة وعليها ختم المكتبات الأصلية موجودة بالكامل في الجامعة العبرية ".
ومن هذه المكتبات التي آلت للجامعة العبرية : مكتبة الشيخ أسعد الشقيري ( ت 1940م) ومكتبة الشيخ الفاضل راغب نعمان الخالدي مؤسس المكتبة الخالدية (ت 1950م)ومكتبة الأستاذ درويش مصطفى الدباغ اليافي ( ت1951م )ومكتبة أخيه الأستاذ الشاعر إبراهيم مصطفى الدباغ اليافي ( ت 1946م ) ومكتبة الأديب الكبير عجاج نويهض (ت 1982م) ومكتبة أديب فلسطين الكبير محمد اسعاف النشاشيبي ( ت1947م ) ومكتبة الأستاذ خليل بيدس المقدسي ( ت 1949م ) ومنها المكتبة الخليلية في القدس والتي أسسها الشيخ محمد بن محمد الخليلي مفتي الشافعية في القدس ( ت1147هـ )وكذلك مكتبة العلامة المؤرخ عبد الله مخلص المقدسي ( ت 1947م) ومكتبة آل النحوي في صفد وغيرها من المكتبات الفلسطينية العريقة والذي سأفصله في مقال لاحق يتكلم بالتفصيل عن هذه المكتبات..
فهذه نماذج من مكتبات كثيرة آلت بالكلية إلى الجامعة العبرية ينعم بها اليهود في مكتباتهم ونحن للأسف في غُفل عن هذا.
وحاول اليهود من خلال هذه الجامعة إبراز عدة أمور حيث أنهم أظهروا لنا أكثر من خمسمائة مجموع للمخطوطات يأخذ حكم الندرة ولا ثاني له في العالم ، هذا من جهة ومن جهة أهم ما تحويه هذه المكتبة العبرية من مخطوطاتنا فإنها تحتوي على ما يقارب نصف المخطوطات في فلسطين ، فقد بلغ مخطوطاتها 2143 مخطوطة – حسب ما أظهروه لنا وما خفي أعظم - منها أربع مئة مخطوطة بالفارسية ومئة وعشرون مخطوطة مزينة بالرسومات ومئة مخطوطة بالعثمانية وإضافة إلى مئة وعشرين مصحفاً وعدة مئات من هذه المخطوطات تعدّ من النوادر وقد تكونت هذه المكتبة من عدة مصادر:
الأولى: مجموعة يهودا وهو تاجر يهودي عاش بين عامي 1877-1951م وأهديت مجموعته بعد وفاته للمكتبة وعدد مخطوطات هذه المجموعة ( 1135) مخطوطة.
المصدر الثاني: هو ما قدمته الحكومة الإسرائيلية للمكتبة وعدد هذه المخطوطات 543 مخطوطة إضافة إلى ما هو موجود في المكتبة أصلاً من مخطوطات وعددها 465 مخطوطة!!! ( ندوة التراث العربي المخطوط في فلسطين ص 102-103 ).
وثمة مصدر رابع ذكره الأستاذ فيليب طرازي في كتابه ( خزائن الكتب العربية في الخافقين 2/662) وذلك عند ترجمته للمستشرق ( أغناطيوس غولد تسهير ) فقال: (وكان الأستاذ غولد تسهير جمّاعة للكتب ولا سيّما المخطوطات القديمة وانتهز فرصة سياحته في الشرق كي يقتني من نوادرها وذخائرها ما استطاع ، ثم حملها معه إلى وطنه وأنشأ منها ومما جمعه من مؤلفات المستشرقين خزانة ذات قيمة كبيرة ، إلأ أن أسرته باعتها بعد وفاته من دار كتب الأمة اليهودية والجامعة العبرية في القدس )ا.هـ
وبالنسبة لذكر هذه المصادر فإنني أتيت بها لأبين أن جميع هذه الكتب التي امتلكها هؤلاء المستشرقون هي من تراثنا العربي الذي نهب وسلب وصودر عبر هؤلاء ويكون هؤلاء قد ساهموا في حملة التغريب التراثي على حين غفلةٍ منا..
ويوجد فيها من المخطوطات النفيسة الشئ الكثير ففيها عدداً من النسخ المكتوبة بخطوط مؤلفين مشهورين مثل : عبد الغني النابلسي والمرتضي الزبيدي وشمس الدين الجزري وعلي بن إبراهيم الحلبي وغيرهم(المخطوطات الاسلامية في العالم 3/454 ).
ومن الأمثلة المحزنة لسرقات مكتبة الجامعة العبرية هو سرقة ذلك المخطوط النادر الذي لا ثاني له في العالم ألا وهو كتاب " فضائل البيت المقدس " لمؤلفه أبي بكر الواسطي في القرن الخامس الهجري وكان هذا الكتاب ضمن مجموع نادر في مكتبة جامع أحمد باشا الجزار في عكا (المكتبة الأحمدية) وبما أنها نسخة وحيدة ونادرة فقد صورتها دار الكتب المصرية عام 1932م ثم أعادتها إلى المكتبة وفي عام 1948م احتلت إسرائيل مدينة عكا واستولت على كنوزها ثم اختفى هذا المجموع الأصلي ولم يبرز هذا المخطوط إلا عام 1969م حيث قام بتحقيقه باحث إسرائيلي هو إسحاق حسون لينال به درجة الماجستير من الجامعة العبرية ثم صدرت مطبوعة عام 1979م.
فما الذي حدث لهذه المخطوطة ، لقد سرقت من مكانها الآمن في عكا لتستقر في مكتبة الجامعة العبرية .
وقد تعقب هذا التحقيق الأستاذ عصام الشنطي بالنقد والتمحيص في دراسة وافية نشرت في مجلة معهد المخطوطات العربية (مج36 ج1،2-1992).
وألفت الانتباه إلى مدى اهتمام اليهود بكتب الفضائل بالذات حيث يقول الشيخ المحقق الفاضل مشهور حسن آل سلمان:" ولا بدّ من الإشارة إلى أن اليهود نشروا كتباً كثيرة في فضائل الأقصى ولديهم حبٌّ وولعٌ في اقتناء الكتب في فضائل البلدان لا سيما مكة والمدينة ولديهم دراسات عن مشاعر المسلمين نحو مقدساتهم من خلال كتب الفضائل ؛ كي يتبين لهم الخط البياني لنمو المشاعر أو ضمورها ، فحينئذ يساهمون في بث ما يؤدي إلى ضمورها استعدادا ً للمعركة."ا.هـ( ندوة بلاد الشام ومستقبل الإسلام 20-21).
ويا ليت اقتصر أمر الجامعة العبرية على نهب تراث فلسطين فحسب بل وامتد أيضاً إلى تراث بلاد الشام كله ويذكر لنا الشيخ المحقق مشهور حسن آل سلمان قصة مخطوط أخرى أشبه بقصة مخطوطنا السابق " حيث ذكر مخطوطة كتاب " تأويل الرؤيا " لابن قتيبة الدينوري وقال في مقدمة تحقيقه أن هذا المخطوط كان في مطلع الثلاثينات ملكاً لمكتبة مجمع اللغة العربية في دمشق وقام بوصف دقيق لهذا المخطوط والإشارة لمكانه المذكور آنفاً العلامة الأديب علي الطنطاوي رحمه الله وذلك على صفحات مجلة الرسالة الأدبية ثم اختفى هذا المخطوط ليظهر في أواخر التسعينات من هذا القرن محققا في الجامعة العبرية في القدس ومع المقارنة مع المخطوط والوصف القديم من الشيخ علي الطنطاوي تجد أن المخطوط هو بعينه الذي كان في سوريا حتى تمت له عملية الاغتيال التراثي هذه - بأي صورة من الصور - حتى آل بعدها للجامعة العبرية " وقس على هذا الكثير الكثير.
ولم يقتصر تهويد تراثنا على الجامعة العبرية فحسب ، بل توزع على أكثر من مؤسسة ومركز ومكتبة خاضعة لسلطة اليهود وتحت تصرفهم منها:
المكتبة الزراعية في زمّارين (مكتبة هارون أرنسون) والتي قال عنها العلامة عبد الله مخلص في مقاله المعنون بـِ( المكتبة الزراعية وكتاب الفلاحة ) والمنشور في مجلة المقتبس 9/155) ما نصه :" في قرية زمّارين التي تبعد عن حيفا زهاء ثلاثين كيلو متراً مكتبة غنية جمعت كل ما عُرف الآن من المصنفات الزراعية على مختلف اللغات " ا.هـ
وقال فيليب طرازي :" ومن متروكات هارون –مؤسسها- مكتبة ضخمة آهلة بما يقارب سبعة آلاف مجلد في شتى اللغات إذ كان يجيد التكلم والكتابة في لغات عديدة أما ما حوته تلك الخزانة من الأسفار العربية فقد تجاوز سبعمائة مجلد بينها أربعون مخطوطاً معظمها في علم النبات ومن أهم تلك المخطوطات كتاب ( الفلاحة ) تاليف ابن العوام منسوخ في عهد المؤلف نفسه) ا.هـ( خزائن الكتب 2/661)
ومن المكتبات اليهودية أيضاً ( مكتبة بدية زمارين ):
قال فيليب طرازي :" زمّارين مستعمرة يهودية آل روتشلد لإيواء اليهود اللاجئين إلى فلسطين وأنفقوا على تكوينها وتعزيزها مبالغ طائلة وقد أحرزت بلدية زمارين مكتبة حوت زهاء أربعة آلاف مجلد مختلفة اللغات والفنون ولا يقل قسمخا العربي عن أربعمائة مجلد تبحث في الزراعة والصناعة وحفظ الصحة وسائر الشؤون العلمية والغاية من إنشاء هذه المكتبة إفادة الصهيونيين ومساعدتهم على القيام بأشغالهم الحقلية البيتية طبقاً للفن الحديث"ا.هـ (خزائن الكتب 2/660)
ومن المؤسسات اليهودية ( المتحف الفلسطيني- متحف روكلفر- ويسمى أيضاً متحف العمارة الفلسطيني) وهو موجود في القدس .
قال الأستاذ خضر سلامة ( وبه مكتبة مراجع أنشئت في عام 1927م وهي خاضعة لإدارة المتحف الإسرائيلي .. وبها حوالي 20 مخطوطا عربياً مصوراً بعضها على الفوتستات وليس فيها أي مخطوط أصلي وقد تبنى المتحف في الأربعينات من القرن العشرين برنامجا بإشراف س.حنا أصطيفان للتعرف على المخطوطات الهامة في المكتبات المحلية ونسخها ، فصورت نسخ على الفوتستات وكتبت نسخ بخط اليد أودعت بمكتبة المتحف ، ولهذه النسخ أهمية بالغة خاصة بعدما لحق بأصولها من دمار في سنة 1948م وما بعدها ومن المخطوطات الهامة بهذا المتحف :
1-نصاب الإحتساب / لعمر بن محمد الشامي.
2-تراجم أهل القدس في القرن الثاني عشر/لحسن عبد اللطيف الحسيني.
وكلاهما مصور بالفوتستات عن مخطوطات المكتبة الخالدية وقد فقدت أصولهما )ا.هـ (المخطوطات الإسلامية في العالم 3/431-432).
ومن هذه المؤسسات اليهودية : ( المتحف الإسرائيلي المؤسس عام 1965 م)
قال الأستاذ خضر سلامة :" وهو متحف مستقل افتتح سنة 1965م في القدس الغربية وأهديت إليه مكتبة الناشر الألماني (اكسيل اشبرنجر) ويتكون من عدة وحدات مستقلة منها المكتبة التي تقتني مخطوطا اسلامياً ما بين عربي وفارسي وتركي ... وقد اقتنى المتحف مخطوطاته الإسلامية لقيمتها الفنية سواء في الزخارف أو الخطوط وبعضها مكتوب بخط خطاطين مشهورين وخاصة في العصر العثماني ومنها على سبيل المثال (48) منمنمة من نسخة هندية من كتاب (عجائب المخلوقات) لزكريا بن محمد القزويني ترجع إلى القرن الثامن عشر الميلادي ومن أهم مخطوطاته :
خمسة مصاحف غنية بزخارفها ترجع إلى الفترة من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر الميلادي أحدها نسخة كشميربة مكتوبة سنة 1000 هـ -1699 م على ورقة من الحرير ومجلّدة بجلدة غنية بالأشكال الزخرفية من الخارج وبالأشجار المزهرة على أرضية حمراء من الداخل ) ا.هـ (المخطوطات الاسلامية في العالم 3/426-428).
ومن هذه المكتبات اليهودية :( مكتبة موسى بيشوتو )
وهو من أسرة أوروبية إسرائيلية نزحت من إيطاليا إلى حلب وأما موسى المذكور (1868-1943م) فقد نزح من حلب إلى فلسطين واستقر منذ عام 1933م في تل أبيب .
قال فيليب طرازي :" وهو شديد الهيام بجمع الكتب ، اقتنى منها طائفة كبيرة باللغة العربية واللغات الإفرنجية وقد وجّه عنايته إلى الكتب العربية فأحرز عددا وافراً من تصانيف قدماء المؤلفين ومشاهير المتأخرين وضم إلى خزانته مجموعات من أرقى المجلات العربية كالمقتطف والشرق والهلال وغيرها)ا.هـ (خزائن الكتب 2/662).
ومن المكتبات أيضاً : ( مكتبة جامعة تل أبيب )
قال الأستاذ خضر سلامة :" أسست في عام 1957 وتحتوي على تسعٍ وأربعين مخطوطة ولعل أهم مخطوطة فيها/ القسم الثاني من الكشف والبيان عن تفسير القرآن لأحمد بن إبراهيم الثعالبي)ا.هـ ( التراث العربي المخطوط في فلسطين ص 105) .
وأما عن تغريب هذا التراث :
فأبدأ بمعنى التغريب وهو غربة التراث وترحيله إلى الدول الغربية والأوروبية، فقد حصلت مكتبات أوروبا على مجموعة ضخمة من التراث الإسلامي والعربي كان فيها من التراث الفلسطيني الشئ الكثير وبالذات المكتبات التركية بحكم كونها عاصمة الخلافة العثمانية في ذلك الوقت وكان إهداء الكتاب إليها من مدن الشام وحكامها وكبارها الدافع الأول لذهاب تراثنا هناك حيث كانوا يتزلفون ويتقربون به على عتبات السلاطين.
ولقد نعمت بعض الدول الأوروبية الاستعمارية الكبرى كفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها بهذا التراث حيث استطاعت بفعل استعمارها واستيطانها في البلاد العربية أن تسيطر على هذا التراث العربي والإسلامي .
وقد قامت هذه الدول الغربية بحفظ هذا التراث المنهوب معتقدة أنه ملك لها ولا يجوز التصرف به حتى ولو كان رئيس دولة وخذ هذا الموقف العجيب ..!!
يقول الأستاذ أيمن فؤاد سيد :" كنت في باريس في عام 1993 وكان رئيس الدولة الفرنسي في زيارة إلى كوريا وقد حمل معه إحدى المخطوطات التي أخذها الفرنسيون من كوريا وكان مع المخطوطة اثنان من أمناء المكتبة الوطنية ، وحدث أثناء الزيارة أن قرر الرئيس الفرنسي إهداء المخطوطة إلى الحكومة الكورية ، فما كان من الأمناء إلا أنهم اعترضوا اعتراضاً صريحاً على قرار الرئيس لأن المخطوطة ملك المكتبة الوطنية وليست ملك الرئيس الفرنسي ، وتعاطف رئيس المكتبة الوطنية مع موقف الأمناء ولم تُمنح المخطوطة لكوريا على الرغم من أنها مسروقة – أصلاً – من كوريا!!!" (ندوة التراث العربي المخطوط في فلسطين ص65).
وقد تفطن بعض زعامات ورؤساء الغرب للتراث العربي فأولوه اهتماما شديد حتى إن زعيم ألمانيا هتلر أمر بجمع المخطوطات العربية وغيرها من مخطوطات الحضارات الأخرى من مكتبة الدولة في برلين ، ثم ترحيلها إلى مقاطعات ألمانيا.
أمر هتلر بهذا والحرب العالمية الثانية مشتعلة وقذائف الحلفاء تنصب على برلين ، وهذا الذي فعله هتلر أنقذ كثيرا من المخطوطات العربية ويدل على ذلك ما نجده من مخطوطات في محافظات ومقاطعات ألمانيا( نفس المصدر65).
فهل بعد هذا كله ينبغي لنا الرقود والغفلة عن تراثنا ذي المجد الأثيل.
وكذلك قد تغرب هذا التراث عبر تجار الكتب والمخطوطات الذين كان همهم جمع المال ولو على حساب تراثهم المجيد.
يقول العلامة محمد كرد علي رحمه الله بعد أن تكلم عن مصائب الكتب وأشهر المآتم التي أقيمت عليها فقال " هذا ما وقع للكتب العربية من النكبات العامة في القرون الوسطى وقد وقع لها ما بعده نكبات أعظم وأدهى نريد بها جهل القوم وزهدهم فيها ومناداتهم بها وبيعها بثمن بخس لكل طالب ولا زال الشيوخ من أهل هذا الجيل يحدثوننا بما وقع لكتبنا في مصر والشام وأقله السرقة والحرق الاختياري وبيعها من الدلالين ينقلوها إلى الأجانب.
حدثني ثقة أن دلال كتب في دمشق كان يغشى منازل أهل العمائم ممن يُعرفون بين القوم بالعلماء ويختلف إلى متولي خزائن الكتب في المدارس فيبتاع منها ما طاب له من كتب القوم المخطوطة بأثمان زهيدة إذ لم يكونوا يحرصون إلا على كتب الفقه وكانوا أبيع من أخوة يوسف لكتب التاريخ لأنها كذب بزعمهم والكذب لا ينبغي أن يوضع في قماطرهم وخزائنهم وهناك فنون كثيرة تلحق فن التاريخ بالطبع وهي كتب الحكمة والأدب ، قال : وقد ابتاع معظم هذه الكتب قنصل ألمانيا إذ ذاك بما يساوي ثمن ورقها أبيض وبقي سنين يتلقطها من أطراف سورية حتى اجتمع له منها خزانة مهمة رحل بها إلى بلاده فأخذتها حكومته منه وكافأته عليها والغالب أن معظم ما في مكتبة برلين العربية هو من بقايا الكتب التي كان بعدها أولئك المتعالمون أضاليل وأباطيل والتخلص منها بدراهم معدودة خير وأبقى...."( المقتبس2/569-580).
وهذا الذي ذكره محمد كرد على هو بعينه ما وقع لتراثنا حتى وقع في شباك التغريب هذه فقد ذكر العلامة عبد الله مخلص رحمه الله عن مكتبة الشيخ العلامة مفتي نابلس ما نصه " إن خزانة المرحوم الشيخ نعمان هاشم قد تمزقت كل ممزق فإنه فيما مضى مدت إليها بعض الأيدي ثم جعلت وقوداً مكان الحطب أيام الحرب العامة ولم يبق منها سوى بقية لا تستحق الذكر وسائر المكتبات الشهيرة في نابلس وضواحيها تجدها على هذا المنوال فإنه على ما فهمت كان يأتي أحد كتبيي دمشق بالكتب المطبوعة ويستبدلها بالمخطوطات النفيسة "( مجلة الزهراء م1 ج 8 ص 504-505).
ولا أدلّ على عبث التجار بتراثنا وجنايتهم عليه ما ذكره فيليب طرازي في كتابه ( خزائن الكتب 1/21-22) ما نصه:" ومن أثمن ما وقع عليه نظرنا في القدس الشريف عام 1893 مصحف بديع موشّى بالعسجد واللجُين (1 ) كتبه عبد الله ابن أمير المسلمين أبي سعيد عثمان سلطان الجزائر وهذا المصحف الذي يزيّن خزائن المسجد الأقصى مكتوب بحبر أحمر وأزرق وأخضر وقرمزيّ مُزج بالمسك والزعفران ، يرتقي تاريخه إلى سلخ ذي الحجة سنة 745 هـ ولما سُرق هذا المصحف منذ بضعة أعوام قامت الحكومة الفلسطينية وقعدت للأمر وبثّت العيون على النصوص في جميع الأمصار حتى عثرت سنة 1936 على المسروق في حانوت أحد تجار العاديات بالقاهرة فاستولت عليه وأعادته إلى مركزه في خزائن المسجد الأقصى . " ا. هـ
وهذه صور ونماذج لهذا التغريب :
1-قال إسحاق موسى الحسيني رحمه الله وهو يتكلم عن مأساة مآل تراثنا السليب فيقول ".. ويظهر أيضاً أن تجار المخطوطات من الغرباء سطَوا على كثير من الكتب الثمينة والتي وقفها السلاطين والأمراء والأعيان وهرّبوها إلى خارج البلاد في غفلةٍ من أهلها فهناك صناديق مليئة بالمخطوطات في جامعة ( هايد لبرغ) في ألمانيا عليها ختم المسجد الأقصى عدا ما تسرب إلى أوروبا وأمريكا من تراثنا السليب .. " ا.هـ ( وثيقة مقدسية تاريخية ص 4 )
2- يقول الدكتور أيمن فؤاد سيد في بحثه الرائع " نفائس المخطوطات في مكتبات فلسطين " الذي نشر في " ندوة التراث العربي المخطوط في فلسطين ص 109" ما نصه :
" ومن بين المخطوطات النادرة التي كانت تحتفظ بها مكتبات فلسطين في ذلك الوقت نسخة نادرة من كتاب ( الفهرست ) لابن النديم كانت في مصر في القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي ،طالعها مؤرخ مصر الشهير تقي الدين أحمد بن علي المقريزي عام 813هـ وسجّل عليها بخطه ترجمة موجزة لابن النديم ، جاء في آخرها ( وتوفي يوم الأربعاء لعشرٍ بقين من شعبان عام ثمانين وثلاث مئة ببغداد ، وقد اتهم بالتشيع عفا الله عنه) ثم أوقف هذه النسخة في عام 1781م أحمد باشا الجزار على المدرسة الأحمدية بجامع عكا بفلسطين على أن لا تخرج من الجامع ثم استقرت هذه النسخة الآن بعد أن انقسمت إلى قسمين :
قسمها الأول في مكتبة شستربتي بدبلن ، وقسمها الثاني بمكتبة شهيد علي باشا بإستنبول " ا.هـ
ولعلّ هذا القدر كافٍ في إبراز أهم معالم التهويد والتغريب التي حدثت لتراثنا ، ولعل بذكرها تبعث الهمة العالية في شبابنا ومثقفينا لأن ينتبهوا لهذا الغزو الفكري والحضاري فينهضوا نهضة رجل واحد يحيون مجد آبائهم وينقذون تراث أجدادهم وقل عسى أن يكون قريبا .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ـــــــــــــــ
منقول للفائدة والنقاش والمراجعة ( الدين النصيحة ) والبيان يساعد في سعة الأفهام ..... ، وللآجيال القادمة من أمة إقرأ ، نقله طالب العلم العبد الفقير : نائل سيد أحمد / القدس ـ الجمعة 4/5/2007م.
محمد خالد كُلاّب
يعدّ التراث العلمي في جميع أنحاء العالم هو الإرث المتوارث والأمانة التي أنيطت بالشعوب حكومة وأفرادا حيث إن التراث هو عقل كل أمة وقلبها النابض ويوم أن تفرط بعقلها وبقلبها فقد فرطت بحياتها كلها تودي بنفسها في شباك المهالك وشراك المصائب.
وعلى مرّ عصور الأمة الإسلامية ضربت فيها الأمة أروع المُثل في إنتاج تراث علمي أضحى غرة في جبين الدهر وقف أمامه اليهود ودول الغرب حائرين متعجبين حيث لم يعهدوا حضارة بهذه القوة يُقدر لها البقاء مئات السنين وهي تحتفظ بمخزون ذاكرتها وبإرث علمائها وكيف حافظت على هذه المخطوطات نسخاً وتدويناً وحفظاً وتأليفاً حتى رأوا ورأينا ما بقي منها في هذا العصر – على الرغم من عاديات الأيام – نحو ثلاثة ملايين مخطوط في نحو ألفي مكتبة من مكتبات العالم..
وضربت بلاد الشام بعامة وفلسطين على وجه الخصوص بسهم وافرٍ من نتاج هذه الحضارة وقامت على أرضها نهضة علمية لفتت أنظار العالم إليها ، والذي يهمني في هذه الأسطر هو الحديث عن مصائب التراث التي حدثت في فلسطين ، وأعني بالمصيبة هي الفاجعة التي فوق كل تدمير وحرق وتخريب ألا وهو (التهويد ..والتغريب!!!) حيث –وللأسف- لا تزال الآلاف من المخطوطات التي هي مكمن حضارتنا تنعم في سماء دول الغرب من جهة وتعبث به اليهود من جهة أخرى ، فكانت مصيبة عظيمة آلت بهذا بتراثنا إلى هذا الحال المرير الذي فقدت فيه هذه الغوالي ، نعم إنه التغريب والتهويد..
من صور تهويد التراث الفلسطيني :
وأعني بالتهويد هو العبث اليهودي الصهيوني في تراثنا وذلك خلال سرقته وتزويره وتحريفه وفعل الأفاعيل به ..وقد تنوعت الأساليب اليهودية في العبث به حيث ركزت أكثر ما ركزت على سلب ونهب هذا التراث من مخدعه الآمن ليصبح لقمة سائغة في يد اليهود، وقد كان للجامعة العبرية (التي أسست في القدس 1892م) نصيب الأسد من هذا التراث وبالتتبع يندهش القارئ عندما يرى هذا الكم الهائل من المخطوطات والمكتبات التي نقلت بالكلية إلى الجامعة العبرية .
وقد أخبرني أكثر من شخص منهم شيخنا الدكتور نزار ريان" أنه زار الجامعة العبرية قبل عشرين سنة تقريبا ووجد فيها من تراثنا ومخطوطاتنا ما يندى له الجبين حتى رأى مكتبات كاملة وعليها ختم المكتبات الأصلية موجودة بالكامل في الجامعة العبرية ".
ومن هذه المكتبات التي آلت للجامعة العبرية : مكتبة الشيخ أسعد الشقيري ( ت 1940م) ومكتبة الشيخ الفاضل راغب نعمان الخالدي مؤسس المكتبة الخالدية (ت 1950م)ومكتبة الأستاذ درويش مصطفى الدباغ اليافي ( ت1951م )ومكتبة أخيه الأستاذ الشاعر إبراهيم مصطفى الدباغ اليافي ( ت 1946م ) ومكتبة الأديب الكبير عجاج نويهض (ت 1982م) ومكتبة أديب فلسطين الكبير محمد اسعاف النشاشيبي ( ت1947م ) ومكتبة الأستاذ خليل بيدس المقدسي ( ت 1949م ) ومنها المكتبة الخليلية في القدس والتي أسسها الشيخ محمد بن محمد الخليلي مفتي الشافعية في القدس ( ت1147هـ )وكذلك مكتبة العلامة المؤرخ عبد الله مخلص المقدسي ( ت 1947م) ومكتبة آل النحوي في صفد وغيرها من المكتبات الفلسطينية العريقة والذي سأفصله في مقال لاحق يتكلم بالتفصيل عن هذه المكتبات..
فهذه نماذج من مكتبات كثيرة آلت بالكلية إلى الجامعة العبرية ينعم بها اليهود في مكتباتهم ونحن للأسف في غُفل عن هذا.
وحاول اليهود من خلال هذه الجامعة إبراز عدة أمور حيث أنهم أظهروا لنا أكثر من خمسمائة مجموع للمخطوطات يأخذ حكم الندرة ولا ثاني له في العالم ، هذا من جهة ومن جهة أهم ما تحويه هذه المكتبة العبرية من مخطوطاتنا فإنها تحتوي على ما يقارب نصف المخطوطات في فلسطين ، فقد بلغ مخطوطاتها 2143 مخطوطة – حسب ما أظهروه لنا وما خفي أعظم - منها أربع مئة مخطوطة بالفارسية ومئة وعشرون مخطوطة مزينة بالرسومات ومئة مخطوطة بالعثمانية وإضافة إلى مئة وعشرين مصحفاً وعدة مئات من هذه المخطوطات تعدّ من النوادر وقد تكونت هذه المكتبة من عدة مصادر:
الأولى: مجموعة يهودا وهو تاجر يهودي عاش بين عامي 1877-1951م وأهديت مجموعته بعد وفاته للمكتبة وعدد مخطوطات هذه المجموعة ( 1135) مخطوطة.
المصدر الثاني: هو ما قدمته الحكومة الإسرائيلية للمكتبة وعدد هذه المخطوطات 543 مخطوطة إضافة إلى ما هو موجود في المكتبة أصلاً من مخطوطات وعددها 465 مخطوطة!!! ( ندوة التراث العربي المخطوط في فلسطين ص 102-103 ).
وثمة مصدر رابع ذكره الأستاذ فيليب طرازي في كتابه ( خزائن الكتب العربية في الخافقين 2/662) وذلك عند ترجمته للمستشرق ( أغناطيوس غولد تسهير ) فقال: (وكان الأستاذ غولد تسهير جمّاعة للكتب ولا سيّما المخطوطات القديمة وانتهز فرصة سياحته في الشرق كي يقتني من نوادرها وذخائرها ما استطاع ، ثم حملها معه إلى وطنه وأنشأ منها ومما جمعه من مؤلفات المستشرقين خزانة ذات قيمة كبيرة ، إلأ أن أسرته باعتها بعد وفاته من دار كتب الأمة اليهودية والجامعة العبرية في القدس )ا.هـ
وبالنسبة لذكر هذه المصادر فإنني أتيت بها لأبين أن جميع هذه الكتب التي امتلكها هؤلاء المستشرقون هي من تراثنا العربي الذي نهب وسلب وصودر عبر هؤلاء ويكون هؤلاء قد ساهموا في حملة التغريب التراثي على حين غفلةٍ منا..
ويوجد فيها من المخطوطات النفيسة الشئ الكثير ففيها عدداً من النسخ المكتوبة بخطوط مؤلفين مشهورين مثل : عبد الغني النابلسي والمرتضي الزبيدي وشمس الدين الجزري وعلي بن إبراهيم الحلبي وغيرهم(المخطوطات الاسلامية في العالم 3/454 ).
ومن الأمثلة المحزنة لسرقات مكتبة الجامعة العبرية هو سرقة ذلك المخطوط النادر الذي لا ثاني له في العالم ألا وهو كتاب " فضائل البيت المقدس " لمؤلفه أبي بكر الواسطي في القرن الخامس الهجري وكان هذا الكتاب ضمن مجموع نادر في مكتبة جامع أحمد باشا الجزار في عكا (المكتبة الأحمدية) وبما أنها نسخة وحيدة ونادرة فقد صورتها دار الكتب المصرية عام 1932م ثم أعادتها إلى المكتبة وفي عام 1948م احتلت إسرائيل مدينة عكا واستولت على كنوزها ثم اختفى هذا المجموع الأصلي ولم يبرز هذا المخطوط إلا عام 1969م حيث قام بتحقيقه باحث إسرائيلي هو إسحاق حسون لينال به درجة الماجستير من الجامعة العبرية ثم صدرت مطبوعة عام 1979م.
فما الذي حدث لهذه المخطوطة ، لقد سرقت من مكانها الآمن في عكا لتستقر في مكتبة الجامعة العبرية .
وقد تعقب هذا التحقيق الأستاذ عصام الشنطي بالنقد والتمحيص في دراسة وافية نشرت في مجلة معهد المخطوطات العربية (مج36 ج1،2-1992).
وألفت الانتباه إلى مدى اهتمام اليهود بكتب الفضائل بالذات حيث يقول الشيخ المحقق الفاضل مشهور حسن آل سلمان:" ولا بدّ من الإشارة إلى أن اليهود نشروا كتباً كثيرة في فضائل الأقصى ولديهم حبٌّ وولعٌ في اقتناء الكتب في فضائل البلدان لا سيما مكة والمدينة ولديهم دراسات عن مشاعر المسلمين نحو مقدساتهم من خلال كتب الفضائل ؛ كي يتبين لهم الخط البياني لنمو المشاعر أو ضمورها ، فحينئذ يساهمون في بث ما يؤدي إلى ضمورها استعدادا ً للمعركة."ا.هـ( ندوة بلاد الشام ومستقبل الإسلام 20-21).
ويا ليت اقتصر أمر الجامعة العبرية على نهب تراث فلسطين فحسب بل وامتد أيضاً إلى تراث بلاد الشام كله ويذكر لنا الشيخ المحقق مشهور حسن آل سلمان قصة مخطوط أخرى أشبه بقصة مخطوطنا السابق " حيث ذكر مخطوطة كتاب " تأويل الرؤيا " لابن قتيبة الدينوري وقال في مقدمة تحقيقه أن هذا المخطوط كان في مطلع الثلاثينات ملكاً لمكتبة مجمع اللغة العربية في دمشق وقام بوصف دقيق لهذا المخطوط والإشارة لمكانه المذكور آنفاً العلامة الأديب علي الطنطاوي رحمه الله وذلك على صفحات مجلة الرسالة الأدبية ثم اختفى هذا المخطوط ليظهر في أواخر التسعينات من هذا القرن محققا في الجامعة العبرية في القدس ومع المقارنة مع المخطوط والوصف القديم من الشيخ علي الطنطاوي تجد أن المخطوط هو بعينه الذي كان في سوريا حتى تمت له عملية الاغتيال التراثي هذه - بأي صورة من الصور - حتى آل بعدها للجامعة العبرية " وقس على هذا الكثير الكثير.
ولم يقتصر تهويد تراثنا على الجامعة العبرية فحسب ، بل توزع على أكثر من مؤسسة ومركز ومكتبة خاضعة لسلطة اليهود وتحت تصرفهم منها:
المكتبة الزراعية في زمّارين (مكتبة هارون أرنسون) والتي قال عنها العلامة عبد الله مخلص في مقاله المعنون بـِ( المكتبة الزراعية وكتاب الفلاحة ) والمنشور في مجلة المقتبس 9/155) ما نصه :" في قرية زمّارين التي تبعد عن حيفا زهاء ثلاثين كيلو متراً مكتبة غنية جمعت كل ما عُرف الآن من المصنفات الزراعية على مختلف اللغات " ا.هـ
وقال فيليب طرازي :" ومن متروكات هارون –مؤسسها- مكتبة ضخمة آهلة بما يقارب سبعة آلاف مجلد في شتى اللغات إذ كان يجيد التكلم والكتابة في لغات عديدة أما ما حوته تلك الخزانة من الأسفار العربية فقد تجاوز سبعمائة مجلد بينها أربعون مخطوطاً معظمها في علم النبات ومن أهم تلك المخطوطات كتاب ( الفلاحة ) تاليف ابن العوام منسوخ في عهد المؤلف نفسه) ا.هـ( خزائن الكتب 2/661)
ومن المكتبات اليهودية أيضاً ( مكتبة بدية زمارين ):
قال فيليب طرازي :" زمّارين مستعمرة يهودية آل روتشلد لإيواء اليهود اللاجئين إلى فلسطين وأنفقوا على تكوينها وتعزيزها مبالغ طائلة وقد أحرزت بلدية زمارين مكتبة حوت زهاء أربعة آلاف مجلد مختلفة اللغات والفنون ولا يقل قسمخا العربي عن أربعمائة مجلد تبحث في الزراعة والصناعة وحفظ الصحة وسائر الشؤون العلمية والغاية من إنشاء هذه المكتبة إفادة الصهيونيين ومساعدتهم على القيام بأشغالهم الحقلية البيتية طبقاً للفن الحديث"ا.هـ (خزائن الكتب 2/660)
ومن المؤسسات اليهودية ( المتحف الفلسطيني- متحف روكلفر- ويسمى أيضاً متحف العمارة الفلسطيني) وهو موجود في القدس .
قال الأستاذ خضر سلامة ( وبه مكتبة مراجع أنشئت في عام 1927م وهي خاضعة لإدارة المتحف الإسرائيلي .. وبها حوالي 20 مخطوطا عربياً مصوراً بعضها على الفوتستات وليس فيها أي مخطوط أصلي وقد تبنى المتحف في الأربعينات من القرن العشرين برنامجا بإشراف س.حنا أصطيفان للتعرف على المخطوطات الهامة في المكتبات المحلية ونسخها ، فصورت نسخ على الفوتستات وكتبت نسخ بخط اليد أودعت بمكتبة المتحف ، ولهذه النسخ أهمية بالغة خاصة بعدما لحق بأصولها من دمار في سنة 1948م وما بعدها ومن المخطوطات الهامة بهذا المتحف :
1-نصاب الإحتساب / لعمر بن محمد الشامي.
2-تراجم أهل القدس في القرن الثاني عشر/لحسن عبد اللطيف الحسيني.
وكلاهما مصور بالفوتستات عن مخطوطات المكتبة الخالدية وقد فقدت أصولهما )ا.هـ (المخطوطات الإسلامية في العالم 3/431-432).
ومن هذه المؤسسات اليهودية : ( المتحف الإسرائيلي المؤسس عام 1965 م)
قال الأستاذ خضر سلامة :" وهو متحف مستقل افتتح سنة 1965م في القدس الغربية وأهديت إليه مكتبة الناشر الألماني (اكسيل اشبرنجر) ويتكون من عدة وحدات مستقلة منها المكتبة التي تقتني مخطوطا اسلامياً ما بين عربي وفارسي وتركي ... وقد اقتنى المتحف مخطوطاته الإسلامية لقيمتها الفنية سواء في الزخارف أو الخطوط وبعضها مكتوب بخط خطاطين مشهورين وخاصة في العصر العثماني ومنها على سبيل المثال (48) منمنمة من نسخة هندية من كتاب (عجائب المخلوقات) لزكريا بن محمد القزويني ترجع إلى القرن الثامن عشر الميلادي ومن أهم مخطوطاته :
خمسة مصاحف غنية بزخارفها ترجع إلى الفترة من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر الميلادي أحدها نسخة كشميربة مكتوبة سنة 1000 هـ -1699 م على ورقة من الحرير ومجلّدة بجلدة غنية بالأشكال الزخرفية من الخارج وبالأشجار المزهرة على أرضية حمراء من الداخل ) ا.هـ (المخطوطات الاسلامية في العالم 3/426-428).
ومن هذه المكتبات اليهودية :( مكتبة موسى بيشوتو )
وهو من أسرة أوروبية إسرائيلية نزحت من إيطاليا إلى حلب وأما موسى المذكور (1868-1943م) فقد نزح من حلب إلى فلسطين واستقر منذ عام 1933م في تل أبيب .
قال فيليب طرازي :" وهو شديد الهيام بجمع الكتب ، اقتنى منها طائفة كبيرة باللغة العربية واللغات الإفرنجية وقد وجّه عنايته إلى الكتب العربية فأحرز عددا وافراً من تصانيف قدماء المؤلفين ومشاهير المتأخرين وضم إلى خزانته مجموعات من أرقى المجلات العربية كالمقتطف والشرق والهلال وغيرها)ا.هـ (خزائن الكتب 2/662).
ومن المكتبات أيضاً : ( مكتبة جامعة تل أبيب )
قال الأستاذ خضر سلامة :" أسست في عام 1957 وتحتوي على تسعٍ وأربعين مخطوطة ولعل أهم مخطوطة فيها/ القسم الثاني من الكشف والبيان عن تفسير القرآن لأحمد بن إبراهيم الثعالبي)ا.هـ ( التراث العربي المخطوط في فلسطين ص 105) .
وأما عن تغريب هذا التراث :
فأبدأ بمعنى التغريب وهو غربة التراث وترحيله إلى الدول الغربية والأوروبية، فقد حصلت مكتبات أوروبا على مجموعة ضخمة من التراث الإسلامي والعربي كان فيها من التراث الفلسطيني الشئ الكثير وبالذات المكتبات التركية بحكم كونها عاصمة الخلافة العثمانية في ذلك الوقت وكان إهداء الكتاب إليها من مدن الشام وحكامها وكبارها الدافع الأول لذهاب تراثنا هناك حيث كانوا يتزلفون ويتقربون به على عتبات السلاطين.
ولقد نعمت بعض الدول الأوروبية الاستعمارية الكبرى كفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها بهذا التراث حيث استطاعت بفعل استعمارها واستيطانها في البلاد العربية أن تسيطر على هذا التراث العربي والإسلامي .
وقد قامت هذه الدول الغربية بحفظ هذا التراث المنهوب معتقدة أنه ملك لها ولا يجوز التصرف به حتى ولو كان رئيس دولة وخذ هذا الموقف العجيب ..!!
يقول الأستاذ أيمن فؤاد سيد :" كنت في باريس في عام 1993 وكان رئيس الدولة الفرنسي في زيارة إلى كوريا وقد حمل معه إحدى المخطوطات التي أخذها الفرنسيون من كوريا وكان مع المخطوطة اثنان من أمناء المكتبة الوطنية ، وحدث أثناء الزيارة أن قرر الرئيس الفرنسي إهداء المخطوطة إلى الحكومة الكورية ، فما كان من الأمناء إلا أنهم اعترضوا اعتراضاً صريحاً على قرار الرئيس لأن المخطوطة ملك المكتبة الوطنية وليست ملك الرئيس الفرنسي ، وتعاطف رئيس المكتبة الوطنية مع موقف الأمناء ولم تُمنح المخطوطة لكوريا على الرغم من أنها مسروقة – أصلاً – من كوريا!!!" (ندوة التراث العربي المخطوط في فلسطين ص65).
وقد تفطن بعض زعامات ورؤساء الغرب للتراث العربي فأولوه اهتماما شديد حتى إن زعيم ألمانيا هتلر أمر بجمع المخطوطات العربية وغيرها من مخطوطات الحضارات الأخرى من مكتبة الدولة في برلين ، ثم ترحيلها إلى مقاطعات ألمانيا.
أمر هتلر بهذا والحرب العالمية الثانية مشتعلة وقذائف الحلفاء تنصب على برلين ، وهذا الذي فعله هتلر أنقذ كثيرا من المخطوطات العربية ويدل على ذلك ما نجده من مخطوطات في محافظات ومقاطعات ألمانيا( نفس المصدر65).
فهل بعد هذا كله ينبغي لنا الرقود والغفلة عن تراثنا ذي المجد الأثيل.
وكذلك قد تغرب هذا التراث عبر تجار الكتب والمخطوطات الذين كان همهم جمع المال ولو على حساب تراثهم المجيد.
يقول العلامة محمد كرد علي رحمه الله بعد أن تكلم عن مصائب الكتب وأشهر المآتم التي أقيمت عليها فقال " هذا ما وقع للكتب العربية من النكبات العامة في القرون الوسطى وقد وقع لها ما بعده نكبات أعظم وأدهى نريد بها جهل القوم وزهدهم فيها ومناداتهم بها وبيعها بثمن بخس لكل طالب ولا زال الشيوخ من أهل هذا الجيل يحدثوننا بما وقع لكتبنا في مصر والشام وأقله السرقة والحرق الاختياري وبيعها من الدلالين ينقلوها إلى الأجانب.
حدثني ثقة أن دلال كتب في دمشق كان يغشى منازل أهل العمائم ممن يُعرفون بين القوم بالعلماء ويختلف إلى متولي خزائن الكتب في المدارس فيبتاع منها ما طاب له من كتب القوم المخطوطة بأثمان زهيدة إذ لم يكونوا يحرصون إلا على كتب الفقه وكانوا أبيع من أخوة يوسف لكتب التاريخ لأنها كذب بزعمهم والكذب لا ينبغي أن يوضع في قماطرهم وخزائنهم وهناك فنون كثيرة تلحق فن التاريخ بالطبع وهي كتب الحكمة والأدب ، قال : وقد ابتاع معظم هذه الكتب قنصل ألمانيا إذ ذاك بما يساوي ثمن ورقها أبيض وبقي سنين يتلقطها من أطراف سورية حتى اجتمع له منها خزانة مهمة رحل بها إلى بلاده فأخذتها حكومته منه وكافأته عليها والغالب أن معظم ما في مكتبة برلين العربية هو من بقايا الكتب التي كان بعدها أولئك المتعالمون أضاليل وأباطيل والتخلص منها بدراهم معدودة خير وأبقى...."( المقتبس2/569-580).
وهذا الذي ذكره محمد كرد على هو بعينه ما وقع لتراثنا حتى وقع في شباك التغريب هذه فقد ذكر العلامة عبد الله مخلص رحمه الله عن مكتبة الشيخ العلامة مفتي نابلس ما نصه " إن خزانة المرحوم الشيخ نعمان هاشم قد تمزقت كل ممزق فإنه فيما مضى مدت إليها بعض الأيدي ثم جعلت وقوداً مكان الحطب أيام الحرب العامة ولم يبق منها سوى بقية لا تستحق الذكر وسائر المكتبات الشهيرة في نابلس وضواحيها تجدها على هذا المنوال فإنه على ما فهمت كان يأتي أحد كتبيي دمشق بالكتب المطبوعة ويستبدلها بالمخطوطات النفيسة "( مجلة الزهراء م1 ج 8 ص 504-505).
ولا أدلّ على عبث التجار بتراثنا وجنايتهم عليه ما ذكره فيليب طرازي في كتابه ( خزائن الكتب 1/21-22) ما نصه:" ومن أثمن ما وقع عليه نظرنا في القدس الشريف عام 1893 مصحف بديع موشّى بالعسجد واللجُين (1 ) كتبه عبد الله ابن أمير المسلمين أبي سعيد عثمان سلطان الجزائر وهذا المصحف الذي يزيّن خزائن المسجد الأقصى مكتوب بحبر أحمر وأزرق وأخضر وقرمزيّ مُزج بالمسك والزعفران ، يرتقي تاريخه إلى سلخ ذي الحجة سنة 745 هـ ولما سُرق هذا المصحف منذ بضعة أعوام قامت الحكومة الفلسطينية وقعدت للأمر وبثّت العيون على النصوص في جميع الأمصار حتى عثرت سنة 1936 على المسروق في حانوت أحد تجار العاديات بالقاهرة فاستولت عليه وأعادته إلى مركزه في خزائن المسجد الأقصى . " ا. هـ
وهذه صور ونماذج لهذا التغريب :
1-قال إسحاق موسى الحسيني رحمه الله وهو يتكلم عن مأساة مآل تراثنا السليب فيقول ".. ويظهر أيضاً أن تجار المخطوطات من الغرباء سطَوا على كثير من الكتب الثمينة والتي وقفها السلاطين والأمراء والأعيان وهرّبوها إلى خارج البلاد في غفلةٍ من أهلها فهناك صناديق مليئة بالمخطوطات في جامعة ( هايد لبرغ) في ألمانيا عليها ختم المسجد الأقصى عدا ما تسرب إلى أوروبا وأمريكا من تراثنا السليب .. " ا.هـ ( وثيقة مقدسية تاريخية ص 4 )
2- يقول الدكتور أيمن فؤاد سيد في بحثه الرائع " نفائس المخطوطات في مكتبات فلسطين " الذي نشر في " ندوة التراث العربي المخطوط في فلسطين ص 109" ما نصه :
" ومن بين المخطوطات النادرة التي كانت تحتفظ بها مكتبات فلسطين في ذلك الوقت نسخة نادرة من كتاب ( الفهرست ) لابن النديم كانت في مصر في القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي ،طالعها مؤرخ مصر الشهير تقي الدين أحمد بن علي المقريزي عام 813هـ وسجّل عليها بخطه ترجمة موجزة لابن النديم ، جاء في آخرها ( وتوفي يوم الأربعاء لعشرٍ بقين من شعبان عام ثمانين وثلاث مئة ببغداد ، وقد اتهم بالتشيع عفا الله عنه) ثم أوقف هذه النسخة في عام 1781م أحمد باشا الجزار على المدرسة الأحمدية بجامع عكا بفلسطين على أن لا تخرج من الجامع ثم استقرت هذه النسخة الآن بعد أن انقسمت إلى قسمين :
قسمها الأول في مكتبة شستربتي بدبلن ، وقسمها الثاني بمكتبة شهيد علي باشا بإستنبول " ا.هـ
ولعلّ هذا القدر كافٍ في إبراز أهم معالم التهويد والتغريب التي حدثت لتراثنا ، ولعل بذكرها تبعث الهمة العالية في شبابنا ومثقفينا لأن ينتبهوا لهذا الغزو الفكري والحضاري فينهضوا نهضة رجل واحد يحيون مجد آبائهم وينقذون تراث أجدادهم وقل عسى أن يكون قريبا .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ـــــــــــــــ
منقول للفائدة والنقاش والمراجعة ( الدين النصيحة ) والبيان يساعد في سعة الأفهام ..... ، وللآجيال القادمة من أمة إقرأ ، نقله طالب العلم العبد الفقير : نائل سيد أحمد / القدس ـ الجمعة 4/5/2007م.