رسالة ماجستير في التّعليم القرآني بالجزائر

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع أم يوسف
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

أم يوسف

New member
إنضم
18/11/2010
المشاركات
220
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الجزائر العاصمة
لقد تمّ بحمد الله مناقشة رسالتي لنيل درجة الماجستير والتي كانت بعنوان: التّعليم القرآني في المدارس القرآنية الجزائرية، أصالة تاريخية ومقترحات للتّطوير.
وقد رأيت نشر مقدّمتها وملخّصها وخاتمتها، آملة من كلّ من له ما يفيدني به من عناوين ومراجع مهما كان نوعها أن لا يبخل في دلالتي عليها، لأنّي أطمح أن أتناول الموضوع نفسه في رسالة لنيل شهادة الدكتوراه على شكل دراسات ميدانية.
مقدّمة:
الحمد لله حمدا يليق بجلاله وعظمته ، وصلى الله على نبيه وآله وصحبه..أمّا بعد:
أنزل الله كتابه الكريم رحمة للناس أجمعين، فكان حبلَه الممدود من السّماء إلى الأرض، من تمسّك به لا تُهلكه ولا تميلُ به أمواج الفتن ولا أعاصير المحن.
قد كان العربُ في جاهليّة جهلاء وضلالة عمياء، تعجَزُ معها عقولُ العباقرة وجهودُ القياصرة عن معشار ما أحدثَه نزول القرآن فيهم من تغيير، فتحوّلوا من رعاة تغلب عليهم القسوة والغلظة، وتفتك بهم الحروب والنزعات القَبَليّة، وتُريق دماءهم أتفهُ أسباب النّزغات العصبية، إلى سادة بهروا العالم بتفانيهم في نصرة قائدهم والتفافهم حوله، وبرقيّهم في أخلاقهم الزكيّة ونفوسهم النقيّة، يقودُهم إخلاصٌ عجيب نحو الكمال البشري الذي رسم صورا مشرقة في صفحات التّاريخ يفتخرُ بها المسلمون في كلّ زمان ومكان.
بداية التحوّل و حصول التغيير كان ببداية نزول القرآن وبداية تعلّمه، فكان ممّا أُثر عن الصّحابة أنّهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتّى يعلموا ما فيهنّ من العلم والعمل، مع وجود معلّمٍ بينهم هو خيرُ من وطئت قدماه الأرض صلى الله عليه وسلم، تُذعن له الأسماع والأبصار والأفئدة لعظمة أخلاقه وحكمته، وحرصه على تبليغ الخير الذي جاء به القرآن.
ثم سرى هذا النور مع قوافل من الفاتحين، كانوا كوابل غيث على أرض جُرُز في كل قطر وطئت أقدامهم فيه، فسعد به الشّمال الأفريقي وجزائرُنا تبعا، فأزهرت القلوب وأينعت العقول، وتلقّفت تعاليم الكتاب الكريم وأبحرت في واسع علومه، وأوغلت في دقائق فنونه، فأضافت في صفحات التّاريخ صورا لا تقلّ إشراقا عن إشراق الأوّلين.
وكان القرآن ولا يزال منارة الهدى، له سحرُه في استقطاب مشاعر النّاس وجذبهم بوعده ووعيده، وقَصصه وكلّ أساليبه الفذّة التي تشهد أنّه تنزيل من حكيم خبير، فما تمرّ حقبةٌ من زمن يفتُر إقبال الناس فيها على القرآن لأسباب معيّنة، إلاّ و تعقبُها حقبةٌ تشهدُ نهضة وعودة ً إلى معينه الصّافي، فتزدحم حلقات تعليم القرآن بقوافل من طلاّبه النّهمين، وهو عينُ ما نعيشُه في هذه السّنوات الأخيرة، ممّا حملني على اختيار هذا الموضوع.
ملخّص:

أنزل الله كتابه الكريم هداية للنّاس أجمعين، وجعله نورا يستضيء به كلّ باحث عن سبيل النّجاة من ظلمات الجهل والضّلال، فكان أوّل من استضاء بنور فنارِه الصّحابةُ رضوان الله عليهم؛ خيرُ أمّة أخرجت للنّاس، ثمّ ما لبثوا أن حملوا سُرجا من ذلك النّور أنقذوا به الحيارى في أقطار عدّة، فكان للشّمال الأفريقي -والجزائر تبعا- نصيب من سطوعه ساقهم إلى تحوّل عجيب، هو من جنس التحوّل الذي سعدت به جزيرة العرب بفضل القرآن العظيم وإرسال النّبي الكريم.
القرآن أصل الهدى وبه صلح الأوّلون، ولا يصلُح الآخرون إلا بما صلح به الأوّلون، ومن هنا انبثقت فكرة ضرورة إصلاح عمليّة تعليمه وتجديدها للنّاس، فاحتاج الأمر –ابتداء- إلى التّطرّق إلى مفهوم التّعليم القرآني ودُوره، ثمّ مدى حاجة المجتمعات له ولإنشاء مدارسه لصلاح الأفراد ولتعزيز الأمن الفكري، وضرورة إنفاق الأموال في سبيل ذلك.
كما احتاج الموضوع إلى تتبّع وتقصّ، فعمدت إلى بعض صفحات التّاريخ، نقّبت فيها عن البداية المباركة التي صاحبت طلائع الفاتحين الأولى ومن تبعهم واهتدى هديهم في حمل راية القرآن ونشر تعليمه في شمال أفريقيا عموما، ثمّ عرجت على ذكر تراجم لأعلام جزائريين برعوا في علوم القرآن وذكر بعض مؤلّفاتهم، مع ذكر تراجم لبعض نزلاء الجزائر من أهل القرآن وعلمائه، ممّن استطابوا المكوث على أرضها لما وجدوا من بيئة علمية قرآنية ملائمة لتوجّهاتهم، ولما نالوه من ترحاب وإقبال من أهل هذه الأرض المباركة، مضيفة لذكر نماذج لدور عتيقة شاهدة على الحركة التّعليمية لتلك الأرواح الطّاهرة تحت سُقُفها وبين جدرانها، وكان ذكري لذلك كلّه على سبيل التّمثيل لا على سبيل الحصر والإحصاء.
ثمّ أوقفني مليّا ذلك الاستدمار الفرنسي المرير، فشعرت بانكسار في نفسيتي كأنّه صورة مصغّرة للكسر الذي أحدثه الغزو في التّعليم في جزائرنا، حوّلني من شعور بالفخر والاعتزاز إلى مشاعر مختلطة من الأحزان والحسرة والغيظ على ما جناه في حق العلم وأهله وآثارهم، فكان الجندي الفرنسي الأميّ يستدفئ ويُشعل غليونه بحرق ورقات من نفائس المخطوطات وما جادت به العقول الجزائرية الفذّة من تآليف !!، فكان لزاما علي التّعريج على هذه الحقبة وذكر المآسي التّي مرّت على أبناء أرضنا المباركة، وكيف اجتهدت السلطات الفرنسية في فصل الدّين عن التّعليم ومحاربة القرآن الذي هو أصل العلوم، واضطهاد أهله من العلماء والأئمة وسائر المعلّمين.
ولمّا كان الجنس الجزائري جنسا أصيلا من ذهب ابريز، تغشوه غشاوة ولا تحوّله عن معدنه، كانت العودة إلى القرآن والنّهم من علومه شيئا طبيعيا لا بدّ من حصوله –بإذن من الله-، فسعدت بعدها بذكر بوادر هذه العودة المباركة باحتضانها الشعبي والرسمي، غير أنّ الأمر لايزال في حاجة إلى تأطير وتنظيم لأجل نهضة تعليمية حقيقية، ننعم بعوائدها الطيّبة في مجتمعاتنا.
ومن أجل ذلك حاولت اقتراح ما رأيته يعين على ذلك، استنادا إلى تجربتي المتواضعة في مجال التّعليم القرآني، واستنادا إلى عموم ما اطّلعت وقرأت في هذا المجال، مع الحرص على طرح المقترحات في قالب من الواقعية بعيدا عن المثالية التي تعجز وسائلنا المتاحة تحقيق معشارها، فتحدّثت عن الجهود البشرية القائمة على تسيير نشاطات المدارس القرآنية ومباشرة التّعليم فيها، فتناولت المشرفين والمعلّمين، ثمّ البرامج والمناهج وطرق التّعليم القرآني ووسائله، وختمت بحثي بجملة نتائج أردفتها بتوصيات، لعلّ الله يجعلها تسهم ولو بقدر يسير في تحقيق النّهضة المنشودة.
الخاتمة:
بعد هذه الجولة الممتعة في محطّات متفرّقة من روض التّعليم القرآني في الجزائر، انطلاقا من أوّل قطرة من وابل غيثه على أرضنا المباركة - على أنّي لا أدّعي أنّي استوفيت الموضوع من كلّ جوانبه ولا استقصيت كلّ فروعه- أجدني خلصت إلى مجموعة نتائج تتمثّل في الآتي:
1) القرآن وتعليمه هو أساس الوحدة في كلّ قطر مهما تعددت أصول أهله وساكنيه واختلفت، فمن رام الاجتماع وجمع الشّتات بغيره نال من وراء سعيه خسرا.
2) البربر هم بمثابة الأنصار من المهاجرين، نصروا دين الله وتبنّوا تعاليمه بمجرّد أن أيقنوا أنّ دعوة الإسلام ليست دعوة اضطهادية، وأنّ الفتح ليس من جنس غزو الرّومان، الذي طبع في عقولهم أنّ كلّ وافد عليهم فهو وافدٌ معتدي يسعى لسلب أموالهم وأراضيهم واستعبادهم.
3) الاستعمار –بل الاستدمار بتعبير أصحّ-، هو أصل كلّ البلايا التي حلّت بجزائرنا، أصاب من جسدنا مقتلا، غير أنّ الله قادر على أن يبعث الموتى، فأبى إلا أن تبقى راية القرآن ترفرف على أرضنا، ويظلَّ ذكرُ الفاتحين وجهودهم يضيء صفحات تاريخنا وينير دروب مستقبلنا.
4) التّعليم القرآني في الجزائر يشهد نهضة وعودة هي في مهدها الأول اليوم، تحتاج إلى تكاثف جهود المسؤولين والقائمين على المدارس القرآنية لتوجيهها نحو الوجهة الصّحيحة، حيث تحقيق الأهداف المنشودة.
5) حسن إدارة الأوقات والبرامج يقتضي التّنسيق بين وزارة الشؤون الدّينية والأوقاف ووزارة التّربية والتّعليم، لصياغة برامج متكاملة وتنظيم الأوقات على أساس من التّعاون والتّفاهم، باعتبار أنّ أهداف القطاعين متشابهة في السّعي إلى الرقيّ بفكر الطّلبة وتوجيههم وإعدادهم ليكونوا عناصر خادمة لمجتمعاتهم، فيستلزم ذلك توحيدا للوسائل وتكاملا في العمل.
6) إعداد طالب المدرسة القرآنية اليوم يعني إعداد معلّمها غدا، وإعداد معلّميها يعني إعداد مشرفيها مستقبلا، والبداية تبدو نوعا ما صعبة تحتاج تضحيات وقياما عصاميا من المعلّمين على وجه الخصوص.
7) معظم الخلل الموجود في برامج التّعليم القرآني وطرقه وعدم ملاءمتها للظروف الملابسة لعناصر مجتمع المدرسة القرآنية الجزائرية هو بسببين:
أولهما: ما يشبه خاصية (نسخ لصق)، بحيث يعمد القائمون على التّعليم إلى تقليد تطبيق برامج ناجحة في بلدان أخرى مع وجود فارق كبير بيننا وبينهم في البيئة التّعليمية ووسائلها.
ثانيهما: اعتماد طريقة قديمة لا ينسجم معها طلبة هذا العصر، أو تتطلّب تفرّغا تامّا منهم ولا يجدون لها وقتا ولا جهدا بسبب ارتباطهم بالمدارس النّظامية، وبسبب قصور الهمم وكثرة الصّوارف.
8) الملل الذي يعتري طلبة المدارس القرآنية هو بسبب الجديّة المبالغ فيها، وحرمانهم من تنظيم نشاطات تعليمية ممزوجة بالمرح المحبّب إلى قلوبهم وأخرى ترفيهية محضة.
9) افتقار المدارس القرآنية لوسائل تنظيم النّشاطات التّرفيهية يرجع إلى خلل في الأفكار المترسّبة في العقول، والتي لا تعطي أهميّة لمثل هذه النّشاطات ولا تحسب لها حسابا، ممّا يدعو إلى إعادة النّظر في الأفكار ابتداء قبل نقد الأفعال، فما السّلوك إلا مخاض الفكر.
كما لا يفوتني وقد تشرفت بالبحث في هذا الموضوع الجليل، أن أتوجّه أوّلا للباحثين وإلى مصلحة الدّراسات العليا بجملة توصيات فيما يخصّ جوانب معيّنة لمست – في حدود ما علمته واطّلعت عليه- أنّها تحتاج إلى اهتمام وبسط، مثل:
1) إحياء تراث علماء الجزائر من أهل الإقراء وعلوم القرآن، وذلك بالتّنقيب عن مخطوطاتهم في هذا المجال والسّعي إلى تحقيقها وإخراجها إلى عالم المؤلّفات التي تنفع طلبة العلم.
2) القيام ببحوث تعريفية لأعلام الإقراء وعلماء القرآن الجزائريين.
3) القيام بدراسات ميدانية لنشاط المدارس القرآنية في الجزائر، قصد البحث عن نقاط القوّة لتعزيزها، وتتبع الأسباب التي تحول بين التّعليم القرآني وبين تحقيق أهدافه لاجتنابها.
4) إفراد كلّ من موضوع الإشراف وموضوع التّعليم بالبحث مع شيء من التّركيز على الكفاءات والمهام وطريقة ممارسة كل وظيفة على وجهها الأكمل، ليكون دليلا إرشاديا للمشرفين والمعلّمين، خاصة في ظلّ نقص التّكوين في هذا المجال.
5) تنظيم بحوث تقدّم اقتراحات تفصيلية لبرامج وأنشطة ترقّي من مستوى التّعليم القرآني بما يناسب البيئة التّعليمية الجزائرية وظروفها، وبما يناسب كلّ الفئات من صغار وكبار، مثقفين وأميّين.
كما أرجو من وزارة الشؤون الدّينية والأوقاف بالجزائر إنشاء مدارس لتكوين المعلّمين، والاستعانة ببعض المعلّمين القدامى من العصاميين ذوي الباع الطّويل في التّعليم القرآني، وممّن يملكون شهادات عليا في التّخصّص القرآني لإدارتها والقيام بنشاطاتها التّكوينية.
كما أتمنّى من الوزارة المذكورة السّعي للتّنسيق مع وزارة التّربية والتّعليم لإيجاد صيغة نخفف بها تزاحم وتداخل واجبات وأوقات المدرسة النّظامية مع المدرسة القرآنية، أو السّعي لإدماج التّعليم القرآني في المدارس النّظامية في كلّ يوم يفتتح به اليوم الدّراسي ببضع دقائق لا تؤثّر على برامج العلوم الأخرى، فيكون بمثابة التّربية الأخلاقية التي يدعو إلى إدراجها بعض المعلّمين والمربّين.
هذا؛ وأسأل الله أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، وأن يجعله لبنّة تُرصّ في صرح التّعليم القرآني في جزائرنا الحبيبة، جزائر الأصالة والوفاء لعهد الفاتحين والشّهداء الأبرار.
 
عودة
أعلى