رسالة في قصة شعيب عليه السلام ونفي كونه أبا لزوجة موسى عليه السلام لابن تيمية

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,331
مستوى التفاعل
136
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
[align=center]رسالة في قصة شعيب عليه السلام
لشيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية رحمه الله
[/align]


بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
أما بعد فقد ذكر الله سبحانه وتعالى قصة شعيب النبي صلى الله عليه و سلم في غير موضع من كتابه وإرساله إلى أهل مدين وقال في موضع آخر كذب أصحاب الأيكة المرسلين سورة الشعراء 176 فأكثر الناس يقولون إنهم أهل مدين ومن الناس من يجعلها قصتين وذكر في قصة موسى أنه ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما الآية سورة القصص 23 إلى آخر القصة فموسى عليه السلام قضى أكمل الأجلين ولم يذكر عن هذا الشيخ أنه كان شعيبا ولا أنه كان نبيا ولا عند أهل الكتابين أنه كان نبيا ولا نقل عن أحد من الصحابة أن هذا الشيخ الذي صاهر موسى كان شعيبا النبي لا عن ابن عباس ولا غيره بل المنقول عن الصحابة أنه لم يكن هو شعيب قال سنيد بن داود شيخ البخاري في تفسيره بإسناده عن ابن عباس قال اسمه يثرى قال حجاج وقال غيره يثرون وعن شعيب الجبائي أنه قال اسم الجاريتين ليا وصغوره وامرأة موسى صغوره ابنة يثرون كاهن مدين والكاهن الحبر وفي رواية عن ابن عباس أن اسمه يثرون أو يثرى .
وقال ابن جرير اسم إحدى الجاريتين ليا ويقال شرفا والأخرى صغورة وقال أيضا وأما أبوهما فمختلف في اسمه فقال بعضهم اسمه يثرون وقال ابن مسعود الذي استأجر موسى ابن أخي شعيب يثرون وقال أبو عبيدة هو يثرون ابن أخي شعيب النبي صلى الله عليه و سلم . وقال آخرون اسمه يثرى وهو منقول عن ابن عباس . وقال الحسن يقولون هو شعيب النبي لا ولكنه سيد أهل الماء يومئذ . قال ابن جرير وهذا لا يدرك علمه إلا بخبر عن معصوم ولا خبر في ذلك وقيل اسمه أثرون.
فهذه كتب التفسير التي تروي بالأسانيد المعروفة عن النبي صلى الله عليه و سلم والتابعين لم يذكر فيها عن أحد أنه شعيب النبي صلى الله عليه و سلم ولكن نقلوا بالأسانيد الثابتة عن الحسن البصري أنه قال يقولون إنه شعيب وليس بشعيب ولكنه سيد الماء يومئذ .
فالحسن يذكر أنه شعيب عمن لا يعرف ويرد عليهم ذلك ويقول ليس هو شعيب وإن كان الثعلبي قد ذكر أنه شعيب فلا يلتفت إلى قوله فإنه ينقل الغث والسمين فمن جزم بأنه شعيب النبي فقد قال ما ليس له به علم وما لم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا عن الصحابة ولا عمن يحتج بقوله من علماء المسلمين وخالف في ذلك ما ثبت عن ابن عباس والحسن البصري مع مخالفته أيضا لأهل الكتابين فإنهم متفقون على أنه ليس هو شعيب النبي فإن ما في التوراة التي عند اليهود والإنجيل الذي عند النصارى أن اسمه يثرون وليس لشعيب النبي عندهم ذكر في التوراة .
وقد ذكر غير واحد من العلماء أن شعيبا كان عربيا بل قد روي عن أبي ذر مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم رواه أبو حاتم وغيره أن شعيبا كان عربيا وكذلك هود وصالح وموسى كان عبرانيا فلم يكن يعرف لسانه . وظاهر القرآن يدل على مخاطبة موسى للمرأتين وأبيهما بغير ترجمان ، وإنما شبهة من ظن ذلك أنه وجد في القرآن قصة شعيب وإرساله إلى أهل مدين ووجد في القرآن مجيء موسى إلى مدين ومصاهرته لهذا فظن أنه هو والقرآن يدل أن الله أهلك قوم شعيب بالظلة فحينئذ لم يبق في مدين من قوم شعيب أحد وشعيب لا يقيم بقريه ليس بها أحد وقد ذكروا أن الأنبياء كانوا إذا هلكت أممهم ذهبوا إلى مكة فأقامة بها إلى الموت كما ذكر أن قبر شعيب بمكة وقبر هود بمكة وكذلك غيرهما .
وموسى لما جاء إلى مدين كانت معمورة بهذا الشيخ الذي صاهره ولم يكن هؤلاء قوم شعيب المذكورين في القرآن بل ومن قال إنه كان ابن أخي شعيب أو ابن عمه لم ينقل ذلك عن ثبت والنقل الثابت عن ابن عباس لا يعارض بمثل قول هؤلاء وما يذكرونه في عصا موسى وأن شعيبا أعطاه إياها وقيل أعطاه إياها هذا الشيخ وقيل جبريل وكل ذلك لا يثبت
وعن أبي بكر أظنه الهذلي قال سألت عكرمة عن عصا موسى قال هي عصا خرج بها آدم من الجنة ثم قبضها بعد ذلك جبريل فلقي بها موسى ليلا فدفعها إليه وقال السدي في تفسيره المعروف أمر أبو المرأتين ابنته أن يأتي موسى بعصا وكانت تلك العصا عصا استودعها ملك في صورة رجل إلى آخر القصة استودعه إياها ملك في سورة رجل وأن حماه خاصمه وحكما بينهما رجلا وأن موسى أطاق حملها دون حميه وذكر عن موسى أنه أحق بالوفاء من حميه ولو كان هذا هو شعيبا النبي لم ينازع موسى ولم يندم على إعطائه إياها ولم يحاكمه ولم يكن موسى قبل أن ينبأ أحق بالوفاء منه فإن شعيبا كان نبيا وموسى لم يكن نبيا فلم يكن موسى قبل أن ينبأ أكمل من نبي وما ذكره زيد من أنه كان يعرف أن موسى نبي إن كان ثابتا فالأحبار والرهبان كانت عندهم علامات الأنبياء وكانوا يخبرون بأخبارهم قبل أن يبعثوا والله سبحانه أعلم .
فصل
وأما شياع كون حمى موسى شعيبا النبي عند كثير من الناس الذين لا خبرة لهم بحقائق العلم ودلائله وطرقه السمعية والعقلية فهذا مما لا يغتر به عاقل فإن غاية مثل ذلك أن يكون منقولا عن بعض المنتسبين إلى العلم وقد خالفه غيره من أهل العلم وقول العالم الذي يخالفه نظيره ليس حجة بل يجب رد ما تنازعا فيه إلى الأدلة .
ومثال ذلك ما ذكره بعضهم أو كثير منهم من أن الرسل المذكورين في سورة يس هم من حواريي المسيح عليه السلام وأن حبيب النجار آمن بهم وهذا أمر باطل عند أجلاء علماء المسلمين وعند أهل الكتاب فإن الله قد أخبر عن هذه القرية التي جاءها المرسلون أنه قد أهلك أهلها فقال تعالى إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون الآية 29
وأنطاكية لما جاءها اثنان من الحواريين بعد رفع المسيح آمنوا بهما وهي أول مدينة اتبعت المسيح ولم يهلكهم الله بعد المسيح باتفاق المسلمين وأهل الكتاب فكيف يجوز أن يقال هؤلاء هم رسل المسيح . وأيضا فإن الذين أتوهم كانا اثنين من الحواريين وأهل الكتاب معترفون بذلك ولم يكن حبيب النجار موجودا حينئذ بل هؤلاء رسل أرسلهم الله قبل المسيح وأهلك أهل تلك القرية وقد قيل إنها أنطاكية وآمن حبيب بأولئك الرسل ثم بعد هذا عمرت أنطاكية وجاءتهم رسل المسيح بعد ذلك . والحواريون ليسوا رسل الله عند المسلمين بل هم رسل المسيح كالصحابة الذين كان النبي صلى الله عليه و سلم يرسلهم إلى الملوك ومن زعم أن هؤلاء حواريون فقد جعل للنصارى حجة لا يحسن أن يجيب عنها وقد بسطنا ذلك في الرد على النصارى وبينا أن الحواريين لم يكونوا رسلا فإن النصارى يزعمون أن الحواريين رسل الله مثل إبراهيم وموسى وقد يفضلونهم على إبراهيم وموسى وهذا كفر عند المسلمين وقد بينا ضلال النصارى في ذلك .
آخره والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ،،
 
أحسنتم.

وكم من معتقدات خاطئة من هذا القبيل، تسري في الأمة. وإن كان بعضها هذه الأخبار لا ينتج عن التصديق بها انحراف عملي، إلا أن بعضها الآخر يمكن أن يصبح كذلك.

قبل أسابيع، حضرت سهرة مع بعض إخواننا الأفارقة فتكلم متكلمون في السهرة، فقال أحدهم من جملة ما قاله: ورد في الحديث الصحيح، (أن أبا لهب عم الرسول (ص) يخفف عنه العذاب كل يوم اثنين بسبب هدية أهداها لجاريته التي بشرته بولادة النبي (ص)) وفي هذا دلالة على أن الفرح بميلاد النبي (ص) عليه أجر كبير، حتى إن أبا لهب، وهو ما عليه ن الكفر، استفاد من هذا !!!.

وقد صدمت لهذا الكلام، واتهمت نفسي بالجهل وقلة العلم، فلو أن هناك حديثا كهذا موجود لانتهى الخلاف إذن، وزالت الحجة تماما عمن ينهون عن الاحتفاء بالمولد النبوي احتفالا دينيا.

وبعد إلقائه للكلمة، ذهبت إلى المتكلم وسألته عن مصدره، فقال لي: (في الحقيقة لم أقرأ ها الحديث، ولكن ذكره أحد خطباء الجمعة في بلدي الأصلي، وهو عندي ثقة).

فقلت له متأسفا: كان الأولى بك أن تكون أكثر نزاهة وصدقا مع المستمعين، بأن تذكر ذلك، حتى يتجعل العهدة على ذلك الخطيب. أما أن تقول (ورد في الحديث الصحيح) فقد أصبحت العهدة عليك.

وعندما عدت إلى البيت، بحثت عن هذه القصة في كتب الحديث، فلم أجدها لا في الحديث الصحيح، ولا في الضعيف ولا حتى في الموضوع. والموضع الوحيد الذي وردت فيه هذه القصة هو (فتح الباري شرح صحيح البخاري)، على هامش شرح حديث ورد فيه اسم جارية أبي لهب. والكلام ليس لها علاقة لا بأبي لهب ولا بحديث نبوي متعلق به، ولا بكلام البخاري. وفي ما يلي النص كاملا، وتجدون في آخره فقط القصة المعنية.

مقتطف من: فتح الباري شرح صحيح البخاري (كتاب النكاح)
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكِ فَقُلْتُ نَعَمْ لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ ذَلِكِ لَا يَحِلُّ لِي قُلْتُ فَإِنَّا نُحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ قُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي إِنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ قَالَ عُرْوَةُ وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ قَالَ لَهُ مَاذَا لَقِيتَ قَالَ أَبُو لَهَبٍ لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ.
الشرح‏:‏
حديث أم حبيبة وهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله ‏(‏أنكح أختي‏)‏ أي تزوج‏.‏
قوله ‏(‏بنت أبي سفيان‏)‏ في رواية يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب عند مسلم والنسائي في هذا الحديث ‏"‏ انكح أختي عزة بنت أبي سفيان ‏"‏ ولابن ماجه من هذا الوجه ‏"‏ انكح أختي عزة ‏"‏ وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث عند الطبراني أنها قالت ‏"‏ يا رسول الله هل لك في حمنة بنت أبي سفيان‏؟‏ قال‏:‏ أصنع ماذا‏؟‏ قالت‏:‏ تنكحها ‏"‏ وقد أخرجه المصنف بعد أبواب من رواية هشام لكن لم يسم بنت أبي سفيان، ولفظه ‏"‏ فقال فأفعل ماذا ‏"‏‏؟‏ وفيه شاهد على جواز تقديم الفعل على ‏"‏ ما ‏"‏ الاستفهامية خلافا لمن أنكره من النحاة‏.‏
وعند أبي موسى في ‏"‏ الذيل ‏"‏ درة بنت أبي سفيان، وهذا وقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان عن هشام، وأخرجه أبو نعيم والبيهقي من طريق الحميدي وقالا‏:‏ أخرجه البخاري عن الحميدي، وهو كما قالا قد أخرجه عنه لكن حذف هذا الاسم وكأنه عمدا، وكذا وقع في هذه الرواية زينب بنت أم سلمة وحذفه البخاري أيضا منها ثم نبه على أن الصواب درة وسيأتي بعد أربعة أبواب، وجزم المنذري بأن اسمها حمنة كما في الطبراني‏.‏
وقال عياض‏.: لا نعلم لعزة ذكرا في بنات أبي سفيان إلا في رواية يزيد بن أبي حبيب‏.‏
وقال أبو موسى‏:‏ الأشهر فيها عزة‏.‏
قوله ‏(‏أو تحبين ذلك‏)‏ ‏؟‏ هو استفهام تعجب من كونها تطلب أن يتزوج غيرها مع ما طبع عليه النساء من الغيرة‏.‏
قوله ‏(‏لست لك بمخلية‏)‏ بضم الميم وسكون المعجمة وكسر اللام اسم فاعل من أخلى يخلي، أي لست بمنفردة بك ولا خالية من ضرة‏.‏
وقال بعضهم هو بوزن فاعل الإخلاء متعديا ولازما، من أخليت بمعنى خلوت من الضرة، أي لست بمتفرغة ولا خالية من ضرة، وفي بعض الروايات بفتح اللام بلفظ المفعول حكاها الكرماني‏.‏
وقال عياض: مخلية أي منفردة يقال أخل أمرك وأخل به أي انفرد به‏.‏
وقال صاحب النهاية‏:‏ معناه لم أجدك خاليا من الزوجات، وليس هو من قولهم امرأة مخلية إذا خلت من الأزواج‏.‏
قوله ‏(‏وأحب من شاركني‏)‏ مرفوع بالابتداء أي إلى‏.‏
وفي رواية هشام الآتية قريبا ‏"‏ من شركني ‏"‏ بغير ألف، وكذا في الباب الذي بعده، وكذا عند مسلم‏.‏
قوله ‏(‏في خير‏)‏ كذا للأكثر بالتنكير أي أي خير كان‏.‏
وفي رواية هشام ‏"‏ في الخير ‏"‏ قيل المراد به صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتضمنة لسعادة الدارين الساترة لما لعله يعرض من الغيرة التي جرت بها العادة بين الزوجات، لكن في رواية هشام المذكورة ‏"‏ وأحب من شركني فيك أخي ‏"‏ فعرف أن المراد بالخير ذاته صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله ‏(‏فإنا نحدث‏)‏ بضم أوله وفتح الحاء على البناء للمجهول‏.‏
وفي رواية هشام المذكورة ‏"‏ قلت بلغني ‏"‏ وفي رواية عقيل في الباب الذي بعدها ‏"‏ قلت يا رسول الله فوالله إنا لنتحدث ‏"‏ وفي رواية وهب عن هشام عند أبي داود ‏"‏ فوالله لقد أخبرت‏"‏‏.‏
قوله ‏(‏أنك تريد أن تنكح‏)‏ في رواية هشام الآتية ‏"‏ بلغني أنك تخطب ‏"‏ ولم أقف على اسم من أخبر بذلك، ولعله كان من المنافقين فإنه قد ظهر أن الخبر لا أصل له، وهذا مما يستدل به على ضعف المراسيل‏.‏
قوله ‏(‏بنت أبي سلمة‏)‏ في رواية عقيل الآتية وكذا أخرجه الطبراني من طريق ابن أخي الزهري عن الزهري ومن طريق معمر عن هشام بن عروة عن أبيه ومن طريق عراك عن زينب بنت أم سلمة ‏"‏ درة بنت أبي سلمة ‏"‏ وهي بضم المهملة وتشديد الراء‏.‏
وفي رواية حكاها عياض وخطأها بفتح المعجمة وعند أبي داود من طريق هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة درة أو ‏"‏ ذرة ‏"‏ على الشك، شك زهير راوية عن هشام‏.‏
ووقع عند البيهقي من رواية الحميدي عن سفيان عن هشام ‏"‏ بلغني أنك تخطب زينب بنت أبي سلمة ‏"‏ وقد تقدم التنبيه على خطئه‏.‏
ووقع عند أبي موسى في ‏"‏ ذيل المعرفة ‏"‏ حمنة بنت أبي سلمة وهو خطأ، وقوله بنت أم سلمة هو استفهام استثبات لرفع الإشكال، أو استفهام إنكار، والمعنى أنها إن كانت بنت أبي سلمة من أم سلمة فيكون تحريمها من وجهين كما سيأتي بيانه، وإن كانت من غيرها فمن وجه واحد، وكأن أم حبيبة لم تطلع على تحريم ذلك إما لأن ذلك كان قبل نزول آية التحريم وإما بعد ذلك وظنت أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، كذا قال الكرماني، والاحتمال الثاني هو المعتمد، والأول يدفعه سياق الحديث، وكأن أم حبيبة استدلت على جواز الجمع بين الأختين بجواز الجمع بين المرأة وابنتها بطريق الأولى، لأن الربيبة حرمت على التأييد والأخت حرمت في صورة الجمع فقط، فأجابها صلى الله عليه وسلم بأن ذلك لا يحل، وأن الذي بلغها من ذلك ليس بحق، وأنها تحرم عليه من جهتين‏.‏
قوله ‏(‏لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي‏)‏ قال القرطبي‏:‏ فيه تعليل الحكم بعلتين، فإنه علل تحريمها بكونها ربيبة وبكونها بنت أخ من الرضاعة، كذا قال، والذي يظهر أنه نبه على أنها لو كان بها مانع واحد لكفى في التحريم فكيف وبها مانعان فليس من التعليل بعلتين في شيء، لأن كل وصفين يجوز أن يضاف الحكم إلى كل منهما لو انفرد فإما أن يتعاقبا فيضاف الحكم إلى الأول منهما كما في السببين إذا اجتمعا، ومثاله لو أحدث ثم أحدث بغير تخلل طهارة فالحدث الثاني لم يعمل شيئا أو يضاف الحكم إلى الثاني كما في اجتماع السبب والمباشرة، وقد يضاف إلى أشبههما وأنسبهما سواء كان الأول أم الثاني، فعلى كل تقدير لا يضاف إليهما جميعا، وإن قدر أنه يوجد فالإضافة إلى المجموع ويكون كل منهما جزء علة لا علة مستقلة فلا تجتمع علتان على معلول واحد، هذا الذي يظهر والمسألة مشهورة في الأصول وفيها خلاف، قال القرطبي‏:‏ والصحيح جوازه لهذا الحديث وغيره‏.‏
وفي الحديث إشارة إلى أن التحريم بالربيبة أشد من التحريم بالرضاعة‏.‏
وقوله ‏"‏ربيبتي ‏"‏ أي بنت زوجتي، مشتقة من الرب وهو الإصلاح لأنه يقوم بأمرها، وقيل من التربية‏.‏
وهو غلط من جهة الاشتقاق، وقوله ‏"‏في حجري ‏"‏ راعى فيه لفظ الآية وإلا فلا مفهوم له، كذا عند الجمهور وأنه خرج مخرج الغالب، وسيأتي البحث فيه في باب مفرد‏.‏
وفي رواية عراك عن زينب بنت أم سلمة عند الطبراني ‏"‏ لو أني لم أنكح أم سلمة ما حلت لي، إن أباها أخي من الرضاعة ‏"‏ ووقع في رواية ابن عيينة عن هشام ‏"‏ والله لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي ‏"‏ فذكر ابن حزم أن منهم من احتج به على أن لا فرق بين اشتراط كونها في الحجر أو لا، وهو ضعيف لأن القصة واحدة والذين زادوا فيها لفظ ‏"‏ في حجري ‏"‏ حفاظ أثبات‏.‏
قوله ‏(‏أرضعتني وأبا سلمة‏)‏ أي أرضعت أبا سلمة، وهو من تقديم المفعول على الفاعل‏.‏
قوله ‏(‏ثويبة‏)‏ بمثلثة وموحدة ومصغر، كانت مولاة لأبي لهب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الحديث‏.‏
قوله ‏(‏فلا تعرضن‏)‏ بفتح أوله وسكون العين وكسر الراء بعدها معجمة ساكنة ثم نون على الخطاب لجماعة النساء، وبكسر المعجمة وتشديد النون خطاب لأم حبيبة وحدها، والأول أوجه‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ ضبط بضم الضاد في بعض الأمهات، ولا أعلم له وجها لأنه إن كان الخطاب لجماعة النساء وهو الأبين فهو بسكون الضاد لأنه فعل مستقبل مبني على أصله، ولو أدخلت عليه التأكيد فشددت النون لكان تعرضان لأنه يجتمع ثلاث نونات فيفرق بينهن بألف، وإن كان الخطاب لأم حبيبة خاصة فتكون الضاد مكسورة والنون مشددة‏.‏
وقال القرطبي‏: جاء بلفظ الجمع وإن كانت القصة لاثنين وهما أم حبيبة وأم سلمة ردعا وزجرا أن تعود واحدة منهما أو غيرهما إلى مثل ذلك، وهذا كما لو رأى رجل امرأة تكلم رجلا فقال لها أتكلمين الرجال فإنه مستعمل شائع، وكان لأم سلمة من الأخوات قريبة زوج زمعة بن الأسود، وقريبة الصغرى زوج عمر ثم معاوية، وعزة بنت أبي أمية زوج منبه بن الحجاج، ولها من البنات زينب راوية الخبر، ودرة التي قيل إنها مخطوبة‏.‏
وكان لأم حبيبة من الأخوات هند زوج الحارث بن نوفل، وجويرية زوج السائب بن أبي حبيش، وأميمة زوج صفوان بن أمية، وأم الحكم زوج عبد الله بن عثمان، وصخرة زوج سعيد بن الأخنس، وميمونة زوج عروة بن مسعود‏.‏
ولها من البنات حبيبة وقد روت عنها الحديث ولها صحبة وكان لغيرهما من أمهات المؤمنين من الأخوات أم كلثوم وأم حبيبة ابنتا زمعة أختا سودة، وأسماء أخت عائشة، وزينب بنت عمر أخت حفصة وغيرهن، والله أعلم‏.‏
قوله ‏(‏قال عروة‏)‏ هو بالإسناد المذكور، وقد علق المصنف طرفا منه في آخر النفقات فقال ‏"‏ قال شعيب عن الزهري قال عروة ‏"‏ فذكره‏.‏
وأخرجه الإسماعيلي من طريق الذهلي عن أبي اليمان بإسناده‏.‏
قوله ‏(‏وثويبة مولاة لأبي لهب‏)‏ قلت‏:‏ ذكرها ابن منده في ‏"‏ الصحابة ‏"‏ وقال‏:‏ اختلف في إسلامها‏.‏
وقال أبو نعيم‏:‏ لا نعلم أحدا ذكر إسلامها غيره، والذي في السير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرمها، وكانت تدخل عليه بعدما تزوج خديجة، وكان يرسل إليها الصلة من المدينة، إلى أن كان بعد فتح خيبر ماتت ومات ابنها مسروح‏.‏
قوله ‏(‏وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ ظاهره أن عتقه لها كان قبل إرضاعها، والذي في السير يخالفه، وهو أن أبا لهب أعتقها قبل الهجرة وذلك بعد الإرضاع بدهر طويل وحكى السهيلي أيضا أن عتقها كان قبل الإرضاع، وسأذكر كلامه‏.‏
قوله ‏(‏أريه‏)‏ بضم الهمزة وكسر الراء وفتح التحتانية على البناء للمجهول‏.‏
قوله ‏(‏بعض أهله‏)‏ بالرفع على أنه النائب عن الفاعل‏.‏

وذكر السهيلي أن العباس قال‏:‏ لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول في شر حال فقال‏:‏ ما لقيت بعدكم راحة، إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين، قال‏:‏ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين، وكانت ثويبة بشرت أبا لهب بمولده فأعتقها‏.‏ (انتهى النقل)

إذن فالقصة لا هي واردة عن النبي (ص)، ولا هي صحيحة الإسناد. وفوق ذلك فهي متعلقة بمسألة غيبية واعتقادية في نفس الوقت (عذاب عذاب الكافر في الآخرة)، وبالتالي لا يجوز التهاون أو التساهل فيها.

وعندما راسلت المتكلم المذكور وبعض منظمي السهرة المذكورة منبها إياهم للخطإ وضرورة إرسال هذا التصويب إلى جميع من حضروا السهرة (وعددهم بالمئات)، خشية إيقاعهم في وهم وجود حديث كهذا يؤيد الاحتفال بالمولد، قوبلت فتور شديد، وتبرير مؤسف مفاده أن الحديث ورد على الهامش وأن تصويبه بهذا الشكل سيثير فتنة !! رغم علمهم بأنني أبعد الناس عن مثل هذه الفتن، خصوصا في ما يتعلق بالأمور الخلافية وقضايا الوحدة بين المسلمين.

ولست أدري كيف يسمح البعض لأنفسهم بالتهاون في هذه الأمور. كما لا أدري كم من الحضور راق له سماع تلك القصة فبنى عليها بنيانا من المسوغات الشرعية للمولد القادم.

أوردت هذه القصة لبيان أن بعض الأخبار قد لا يكون للتصديق بها أثر عملي (كالقول بأن شعيبا عليه السلام هو صهر موسى عليه السلام)، والخطر الأكبر هو في الأخبار الأخرى التي ينتج عنها أثر عملي.

ملاحظة:
إيرادي للقصة المذكورة لم يكن القصد منه الحديث عن مشروعية (أو عدم مشروعية) الاحتفال بالمولد النبوي، فلهذا الموضوع (في تقديري) جوانب مختلفة ليس هنا موضعها. وإنما القصد الوحيد هو بيان أهمية التثبت في نقل الأخبار وفهم المسائل المتعلقة بالدين، لأن هذا التثبت هو أول المداخل الضرورية لتقليص حجم الاختلاف في فهم الدين وتطبيقه.
 
جزاكم الله خير الجزاء على نقل كلام شيخ الإسلام في هذه المسألة التي عمت البلوى بها حتى صار من البديهي عند العوام وأشباه العوام أن شعيبا هو حمو موسى عليهما السلام ولا حجة لهم في ذلك إلا الاشتراك في الانتساب إلى مدين.

والقول إن اسم حمي موسى عليه السلام هو يثرون مأخوذ من التوراة كما وضح شيخ الإسلام وربما تحسن الإشارة إلى أن هذا أحد ثلاثة أقوال في اسم حمي موسى عليه السلام جاءت كلها في التوراة التي بين أيدي القوم؛ أجدها أن اسمه يثرون (سفر الخروج 3:1)، والآخر أنه رعوئيل (سفر الخروج 2:18)، والثالث أنه حوباب (سفر القضاة 4:11). أما اسم زوجة موسى فهو صفورة بالفاء الذي يعني بالعربية عصفورة.
 
عودة
أعلى