رسالة في فن رسم المصحف الشريف

مدثر خيري

New member
إنضم
30/12/2009
المشاركات
893
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
العمر
43
السلام عليكم ورحمة الله إخواني الكرام
وجدت هذه الرسالة القيمة في رسم المصحف فأحببت أن انقلها لكم لتعم الفائدة
رسالة في فن رسم المصحف الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه رسالة صغيرة الحجم كثيرة العلم في علم الرسم الذي هو من أفضل العلوم . وضعها العلامة الأديب والفهامة النجيب،عالم القطر السنغالي البائع أوقاته في أن يخدم العلم ويغالي، بركة هذا القطر السعيد وتحفة هذا العصر الجديد ، سيدي محمد بن العلامة محمد الكبير البصوبي الأصل البولي الوطن الواسع في كل علم من العلوم الشرعية الباع والعطن . وكان سبب وضعه لها أنه كان تبعا لشيخه الشيخ الكبير ذي العلم الواسع والفضل الغزير ، أعجوبة الزمان ، وقطب الأوان ، وكنز الكنوز ، ورمز الرموز ومن لم ينسج على منواله ، ولا ظفر الزمان بشكله ومثاله ، بدر البدور وبحر البحور ونور النور وصدر الصدور وشمس الشموس ورأس الرؤوس سيدي وسندي وملجأي ومعتمدي، الشيخ أحمد بن العلامة البركة السيد محمد بن حبيب الله البكي – رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به وجعلنا من المحسوبين على جنابه يتحسن ويستصوب كتب كتاب الله العزيز وفقا لما ذكره الشيخ العارف العلامة الغارف سيدي أحمد بن محمد الحاجي في تأليفه في علوم الرسم كالجوهر وشرحه والمبين. وقد كان كتب مصحفين ـ رضي الله تعالى عنه ـ تبع فيهما مضمون رسوم الشيخ المذكور حرفا بحرف كما هو في هذه الرسالة المسطور . ثم عزز ذينك المصحفين بثالث حذا فيه حذو أخويه إلا أنه خالف فيه الشيخ الحاجي ـ رحمه الله تعالى ـ في ستة مواضع كما ستراه في الرسالة المباركة التي ليس لها في فضلها من مشاركة . وفي الحقيقة الموضع السادس عبارة عما يصدق على عدة مواضع بخلاف ما سبقه. فهي كما سترى خمسة مواضع محققة. ولما خالف الشيخ الحاجي في هذه الحروف ولم يرسم على حسب ما ذكره في تلك الظروف أحب أن يبين السبب الداعي إلى الخلاف ليقلد الحق من كان ذا إنصاف فيظفر بمعين صاف ويتحلى بأحسن الأوصاف ونعم ما فعل . فهي مسألة متعينة "(ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة) الأنفال،آية 42.
بقلم الشيخ محمد البصوبي ابن الحاج مبكي البصوبي
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على من يستحق التبجيل والتكريم ، محمد وعلى آله أهل التقديم. الحمد لله الذي بنعمته وجلاله تتم الصالحات. والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد الذي بجاهه تتنزل البركات وعلى آله ذوي القرابة وعلى جميع الصحابة وكل من امتطى بواسطته ـ صلى الله عليه وسلم أعالي الدرجات.
أما بعد فهذه مقدمة جعلتها تقدمة بين يدي الناظر في هذا المصحف الكريم النا سج على منوال المصحف العثماني القديم ليكون على بصيرة نافذة إلى أسرار مسلكه القويم إن كان له قلب سليم . إعلم أنه قد تقرر إجماع المسلمين على وجوب اتباع الرسم العثماني لكل من يريد أن يكتب مصحفا كاملا ولا يجوز له أن يكتب على الرسم المتداول القياسي فإن ذلك خرق لإجماع المسلمين. فقد نقل الإمام ابن القاضي عن اللبيب في شرح العقيلة ما محل الحاجة منه : "إن ما فعله صحابي واحد وأمر به فلنا الأخذ به و الإقتداء بفعله والإتباع لأمره. وقد اجتمع على كتب المصاحف حين كتبوها اثنا عشر ألفا من الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ ونحن مأجورون على اتباعهم ومؤثمون على مخالفتهم. فينبغي لكل مسلم عاقل أن يقتدي بهم وبفعلهم. فما كتبوه بغير ألف فواجب أن يكتب بغير ألف وما كتبوه متصلا فواجب أن يكتب متصلا وما كتبوه منفصلا فواجب أن يكتب منفصلا وما كتبوه من هاء التأنيث بالتاء فواجب أن يكتب بالتاء. وما كتبوه بالهاء فواجب أن يكتب بالهاء " ثم قال عند قوله " ولا الضالين ". اعلم أنه لابد من تضفير لام الألف لإجماع المصاحف عليه . فما يفعله الناس من عدم التضفير حرام لمخالفته الإجماع انتهى". ثم اعلم ثانيا أن الناس قد اختلفوا في النقل عن العثماني. والسبب في ذلك ـ والله أعلم ـ أن سيدنا عثمان ـ رضي الله تعالى عنه و عن بقية الصحابة أجمعين ـ لما أمر كتبة الوحي عليهم الرضوان بكتب المصاحف على العرضة الأخيرة شرط عليهم من جملة ما شرط أن تكون على وجه يحتمله كل ما صح نقله وثبتت روايته عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكتبوا كذالك ستة مصاحف أرسل واحدا منها إلى مكة وإلى الشام واحدا وإلى الكوفة واحدا وإلى البصرة واحدا وأمسك بالمدينة واحدا لأهل المدينة وواحدا لنفسه. وهو المسمى بالإمام. وقد جعلوا هذه ستة متفاوتة في الإثبات والحذف والبدل والفصل والوصل لاشتمالها على الأحرف السبعة. وربما صوروا كلمة بصورة في مصحف وبأخرى في آخر تنبيها على الجواز، لكن اتفقت المصاحف الستة على هذا الترتيب الموجود وعلى المائة والأربع عشر سورة أولها الحمد لله وآخرها الناس وعلى البسملة أول كل سورة إلا براءة فجعلوا مكانها بياضا وعلى التجرد من النقط والشكل وأسماء السور ونسبتها وعددها وتجزئتها وفواصلها. ثم ألحقت هذه بعد. وكل من قلد واحدا من الستة فقد أصاب . وقد تجرد للنقل الصحيح عن رسوم هذه المصاحف رجال سهروا ليلهم وأتعبوا نهارهم . وأول من ظهر منهم بالمغرب واتفق عليه الناس بالقبول ، سيد القراء ، الإمام أبو عمر وعثمان بن سعيد بن عثمان الأموي الداني القرطبي ـ رضي الله تعالى عنه. ولد سنة اثنين وسبعين وثلاثمائة وتوفي سنة أربعين وأربعمائة. فقد ألف في علم القراءات ما لا يحصى. وفي خصوص الرسم المقنع والمحكم وغيرهما ثم تلميذه الإمام أبو داوود وسليمان بن نجاح، صاحب التنزيل ـ رضي الله تعالى عنه ـ ثم الشيخ أبو الحسن علي بن محمد البلنسي، صاحب المنصف ـ رضي الله تعالى عنه ـ ثم الناس بعدهم أفواجا كالإمام الشاطبي صاحب العقيلة وكالخراز صاحب مورد الظمآن ـ رضي الله تعالى عنهما وغير وغير. وكل ما اتفق عليه هؤلاء الأئمة فلا محيد عنه لمغربي باتفاقهم وإذا اختلفوا فمنهم من يلتزم الداني ومنهم من يلتزم غيره حتى ظهر إمام الإقراء وشيخ المغرب ومجدد فني القراءة والرسم بها الإمام أبو زيد سيدي عبد الرحمن بن أبي القاسم ابن القاضي. ولد رحمه الله تعالى سنة تسع وتسعين وتسع مائة وتوفي صبيحة يوم الأربعاء ثاني عشر رمضان سنة اثنين وثمانين وألف ومقامه بالمغرب كمقام ابن الجزري بالمشرق في التجويد والتحقيق. فلم يوجد بعده بالمغرب أستاذ إلا وقد روي عنه أو عن تلامذته. وكان ـ رحمه الله ـ لم يلتزم واحدا من المذكورين. وإنما نظر في الأدلة فميز القوية من الضعيفة. وفيما رجحه من قبله من الأجلة كشيخه ابن عاشر وشيخ الشيوخ الإمام ابن غازي وغيرهما ـ رحم الله الجميع ـ وعلى تآليفه وأجوبته اعتماد أهل المغرب منذ ظهوره إلى وقتنا هذا. وما وجدنا من تابعه حق المتابعة في قطرنا هذا البعيد عن المعمور إلا العالم الولي سيدي أحمد بن محمد بن أحمد بابا ابن النجيب الحاجي ـ رحمه الله تعالى ونفعنا به ـ فإنه لخص زبد ما لابن القاضي في أنظامه الطنانة المقبولة كالمبين والجوهر وغيرهما وما رأيناه رجح شيئا خالف فيه عمل أهل المغرب الأقصى اليوم إلا نادرا لا حكم له . ولهذا اتخذناه إماما نقتدي به إن شاء الله إلى أن نلقى الله تعالى على ما عليه عمله وعمل السواد الأعظم ورفضنا ما وجدنا عليه متأخرى هذا القطر من التزام معين دون الدوران مع الحق حيث دارَ كما اعترف بذلك بعض محققيهم كتلميذ جدنا الأعلى ،الشيخ محمد الكبير البكي ـ رحمه الله تعالى ـ الذي كتب له المصحف الموجود بعضه الآن وهو السيد أحمد بن الحسن الجاني ـ رحمه الله تعالى ـ في أواخر القرن الثاني عشر. فإنه صرح في محول آخر ورقة من نسخته المذكورة : " أنه التزم أن ينسخ هذا المصحف على ما اتفق عليه الشيخان أبو داوود وأبو عمرو ثم على ما انفرد به أبو عمرو فقط إذا اختلفا لا على ما انفرد به أبو داوود انتهى المراد منه ". ومرادنا بمتأخري هذا القطر هذا الرجل و أضرابه ممن عاصروه ومن قبلهم بقرب. وأما من أتى بعدهم فلا عبرة بجلهم لأنهم تركوا تعلم هذا الفن رأسا واكتفوا بما تلقنوه من أفواه
معلميهم بعد أن حولوه إلى ألسنتهم العجمية من غير نظر في راجح ومرجوح وتمييز صحيح من سقيم. وذلك نحو أوائل القرن الثالث عشر وخصوصا من ظهور شيخ أجدادنا الأدنين المصحح الشهير الشيخ مصنب جِير ـ رحمه الله تعالى. فلم يشتغل بعد ظهوره بمطالعة كتب الرسم إلا أفراد من الناس اكتفاء بما تلقنوه غالبه عنه وعمن انتهج نهجه إلى اليوم.
وأما منظومات الحاجي المذكورة فلقرب زمانه من زمن هؤلاء المذكورين لم تنتشر في هذا القطر انتشارا كليا إلا في هذا العصر الجديد المبارك بشيخنا ـ رضي الله تعالى عنه الذي تجدد مع ما تجدد بتجديده رسم المصاحف الكرام على وجهه وهوـ رضي الله تعالى عنه ـ السبب في نسخ هذا المصحف الإمام وفي المصحفين قبله لا عدمناه ولا عدمنا بركاته آمين.
ومما لا يخفى على من له أدنى إلمام بهذا الشأن أن المغاربة كما أجمعوا على مذهب إمام دار الهجرة من بين المذاهب كذلك أجمعوا على قراءة قارئها من بين القراءات وعلى رسم المصحف الإمام من بين المصاحف وعلى ضبط مصاحفهم بموافقة خصوص رواية أحد راوييه،الإمام سيدنا ورش المصري ـ رحمه الله تعالى ورضي عنه ـ واقتصروا في الأعداد الستة المتداولة في جميع أقطار المسلمين لآي القرآن على المدني فقط المروي عن إماميها، الإمام أبي جعفر يزيد بن القعقاع والإمام شيبة بن نصاح، مولى سيدتنا أم سلمة زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رضي الله تعالى عنها وعن بقية السيدات الطاهرات جُمع، إلا أن ثم مدنيين الأول وهو ما رواه الداني بسنده إلى الإمام نافع عن الإمامين المتقدمين وعدد الآي فيه ستة آلاف ومائتان وعشر آيات . والأخير وهو ما رواه الداني أيضا بسنده إلى إسماعيل بن جعفر عن سليمان بن جماز عن الإمامين أيضا وهو يزيد على الأول بأربع آيات لاختلاف أبي جعفر وشيبة في ست آيات عد منهن أبو جعفر آية ولم يعدها شيبة. وعد شيبة منهن خمسا ولم يعدهن أبو جعفر . وكان إسماعيل يأخذ فيهن بقول شيبة. وعلى هذا الأخير بحسب الاستقراء وجدنا إجماع مصاحف سلفنا ـ رحمهم الله، إلا أنا وجدنا في تعيينهم لرؤوس الآي تصرفا يسيرا إلى الآن لم يعثر الحقير على أول من تصرف فيه. وذلك أنك إذا حققت هذا العدد الموجود الآن بأيدينا وجدته ستة آلاف ومائتين وأربع عشرة آية كما للأخير.
ووجدتهم حيث خالف الأول المروي عن إمامهم الأخير المسند إلى غيره تبعوا الأخير دون الأول ثم عمدوا إلى مواضع قليلة وأخذوا بما للأول فيها وتركوا فيها ما للأخير مع بقائهم على العدد الأخير في الجملة ولنا:
وخالف الأخير في إسقاط ما *** أثبت آيا بعض من تــقدما
وهي وعدا حـسنا تلاها *** إليهم قولا معا بِطاها
وفي السماء قبل تؤتي أكلها *** أسقط ذاك البعض تلك كلها
العصر وعكس يجري *** في السامري الوسط وفي والعصر
مثل جديد قبله بخلق *** أول طه أسـفا بالحـق
والعجب العجاب ما في نوح *** فابكي له يا جارتا ونوحي
ثم اقتصروا أيضا في وضع الوقوف على ما قيد عن الإمام أبي عبد الله سيدي محمد بن أبي جمعة المبطي الصماتي الفاسي المتوفى بها سنة ثلاثين وتسعمائة ـ رضي الله تعالى عنه ـ من أول القرآن إلى آخره بهذه الصورة الواحدة المعلومة سواء كان الوقف تاما أو كافيا أو حسنا كأن الصورة مختلسة من لفظ "صه " بمعنى أسكت. والله أعلم. و أما مواضع الأحزاب والأنصاف والأرباع والأثمان فلم تنضبط لأن لكل قطر اصطلاحا يخصه. وكذلك صور العواشر والخوامس لأن صور البصريين مخالفة لصور الكوفيين وهكذا. فاقتصرنا في هذه على ما وجدنا عليه سلفنا ـ رحمهم الله تعالى ـ إذ لا مشاحة في الاصطلاح. وأما النادر الذي ذكرت لك أن ترجيح الحاجي ـ رضي الله عنه ـ خالف فيه عمل أهل المغرب الأقصى فهو يسير جدا بالنسبة لما عليه غيره من أهل القطر ولا يستحضر الحقير منه إلا حروفا يسيرة في الرسم دون الضبط ثم يحتمل ـ والله أعلم ـ أن الإمام ابن القاضي رجع أخيرا عما نقله عنه الحاجي ورجح غيره أو أن أهل المغرب و إن اعتمدوه فقد خالفوه في حروف يسيرة ـ ولا أخالهم ـ أو أن الحاجي رجح في محل ما لغير ابن القاضي كالإمام ابن الجزري ـ رحمه الله تعالى ـ أو غير ذلك ثم إني في المصحفين المتقدمين قبل هذا كنت تبعت الحاجي ـ رحمه الله تعالى ـ حتى في هذه الحروف اليسيرة موافقة له ـ رضي الله تعالى عنه. وفي هذا الثالث تبعت فيها عمل السواد الأعظم. وأما المحال المشار إليها فستة: الأول حرف المائدة فإن الحاجي ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال في مبينه: "كفارة ثم يضاهون اعلما " و قال في جوهره: كفارة في حذفه قد أطلقوا "ثم قال في شرحه نحو "كفارة له " وغير.
ثم قال ابن القاضي: كفارة له سكت عنها في التنزيل والعمل بالإثبات وحذفها المنصف وهو مما يخطئون فيه إلخ ". وقد قال الإمام ابن القاضي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه الذي لقبه بقوله "بيان الخلاف و التشهير والاستحسان وما أغفله مورد الظمآن وما سكت عنه في التنزيل والبرهان وما جرى به العمل من الخلافيات الرسمية في القرآن وما خالف فيه العمل النص فخذ بيانه بأوضح بيان" ما نصه: "كفارة له سكت عنها في التنزيل والعمل بالإثبات وحذفها المنصف ولم يعتبر هنا لعدم النسبة فيها له انتهى ". وفي دليل الحيران على موارد الظمآن عند قوله " ربائب كفارة يواري إلخ " ما نصه" وكان من حق الناظم أن يستثنى لأبي داوود فهو كفارة له الواقع أولا في العقود لأن أبا داوود ذكر ألفاظ "كفارة " كلها وسكت عنه . وقد أطلق صاحب المصنف الحذف في لفظ "كفارة" كالناظم هنا . وفي عمدة البيان إلى أن قال: " والعمل عندنا على الحذف في جميع هذه الألفاظ المذكورة في هذا البيت حيث وقعت إلا كفارة من " فهو كفارة له" في العقود. فالعمل عندنا على ثبته". فتأمل في هذا فإن الإمام ابن القاضي اعترض هنا على كلام المصنف الذي نقله عنه الحاجي ولم ينقل اعتراضه عليه وكأنه رجح ما للمصنف. وعامة مصاحف المغاربة على الإثبات. وهذا المحل لا يبعد أن يكون من الاحتمال الثالث في الاحتمالات التي تقدمت لنا. والثاني والثالث حرفا البراءة. فقد قال الشيخ الحاجي ـ رحمه الله تعالى ـ في جوهره في المحذوف بعد القاف " أعقابكم بقادر سقاية " وفي المحذوف بعد الميم: "أعمامكم إمامهم أ مانة " لقمن إسماعيل مع عماَرة" ثم قال في مبينه:
وَالحذف في سقَاية عِمارهْ *** ذكره ابن الجزري إشارهْ
إلى قراءة سقاة عَمَرهْ *** فإنها رواية مشتهره
إلى أبي جعـفـرهم وابن جبير *** أحمد قد نسبها وابن الزبير
قال وقد رأيتها في مصحـف *** أهل المدينة بحذف الألف
وليس للإثبات من توجيه *** لفقد نص فيه عن وجيه
انتهى فتبصر فإن المغاربة قاطبة لم يعرجوا على الحذف الحرفين. ولعل هذا المحل يمكن أن يكون من الاحتمال الثالث لأنه لم يعز فيه إلى ابن القاضي. وأما ابن الجزري الذي نسبت إليه الرواية فقد صرح فيها بمصحف أهل المدينة. وقد تقدم أن المغاربة أجمعوا على رسم المصحف الإمام من بين المصاحف فلا يبعد أن يكون إثبات الحرفين ثبت لهم عنه برواية صحيحة، وإن قال الحاجي ـ رحمه الله تعالى ـ عن قوم "لفقد نص فيه عن وجيه" إذ الأمة لا تجتمع على ضلالة. والله أعلم.
ثم بعد كتبي هذا ـ والله الموفق ـ وقفت على كلام للحاجي ـ رضي الله تعالى عنه ونفعنا به ـ يصحح ما احتملنا قبل. وهو ما ذكره في صدر شرحه للجوهر عند قوله:
فما ذكرت فيه إلا ما كتب *** في هذه أو شبهها من الكتب
بعد أن عدد الكتب المعتمدة في هذا الفن. ولفظه "وكلما ذكرت عن العقيلة وما قبلها فبواسطة بعض من ذكر بعضها غالبا إلا أني ذكرت كلمتين. وهما سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام " معتمدا فيهما كتابا لبعض المتأخرين يتكلم على ما أخطأ فيه بعض المصاحف ولا أدري حاله إلا أن نقل صحة وتحقيق. وقد عزى ما ذكر فيهما للنشر في قراءة العشر لابن الجزري . وليس هو عندنا الآن. ولكن كلامه كلام تحقيق. وما ذكر يشبه الصحة. ثم إني رأيتهما منصوصتين للشيخ سيدي عبد الله ابن الحاجي حمى الله وهو ثقة. ولا أعلم أحدا نص على الإثبات فيهما" انتهى. والرابع حرف طه.
فقد قال في الجوهر:
وألفا في "يابنؤم" فارسم *** كما إلى مصحف عثمان نمي

وقال في المبين:
وألف ابن بعد يا النداء *** في "يابنؤم" ارسم بلا امتراء
نص على ذاك سليل الجزري *** أعني أبا الخير محمد السري
في النشر في قراءة العشر وقال *** هذا هو الحق وغيره ضلال
لأنني رأيتها في الشام *** به وفى العثماني والإمام
وقد رءاها قبله السخاوي *** في المصحف الشامي بثبت الهاوي
وقال في التنزيل خمس أحرف يريد إنها بغير ألف
لكن ما نسب للصحابه *** أرجح من سواه في الكتابه
انتهى ومع هذا فلم يعرجوا على إثبات الألف فيه. فلعل نقل الجزري في تحقيقه وعزوه للعثماني الإمام لم يزلزلهم و ينزلهم عن نص إمامهم في تنزيله. قال في دليل الحيران عند قول المتن : " إما نِعِمّا عم صل ويبنؤم " بعد كلام له وما ذكره من حذف همزة الوصل من ابن في (يبنؤم) " هو صريح كلام أبي داوود في التنزيل. ويستفاد من المقنع ونص عليه اللبيب . وبه العمل خلافا لمن قال بإثباتها رسما. وأما حذف ألف يا من يبنؤم في الرسم فيؤخذ من قول الناظم في حذف الألفات: " وما أتى تنبيها أو نداءا" البيت انتهى. والله أعلم. والخامس حرف الروم. فقد قال في الجوهر: " ومطلق الرياح والخطايا " ثم قال في شرحه على المختار ثم ساق ما نصه في مبينه على السبعة المختلف فيها إلى أن قال: والحذف أوجه في الجميع لقراءتهن بغير ألف مفردات. وقال الخراز في مورد الظمآن في ضمن ذكر ما اختلف في حذفه وإثباته من لفظ "الرياح" وما اتفق على حذفه:
وجاء أولى الروم بالتخيير *** لابن النجاح ليس بالمأثور
قال شارحه المحقق السملالي الكرماني ـ رحمه الله تعالى ـ في قوله ليس بالمأثور أي بالمروي. بل أجمع كتاب المصاحف على إثبات الألف فيه. وإنما خير أبو داوود بالقياس على غيره من ألفاظ " الرياح " الذي روى فيها الحذف ليأتي الألفاظ على طريق واحد انتهى ". وقال هنا صاحب دليل الحيران ما لفظه: ذكر هنا حكم الألف في لفظ الرياح حيث وقع في القرآن. وجملة مواضعه اثنا عشر إلى أن قال إن أبا داوود خير في حذف الألف الرياح الواقع أولا في الروم وفي إثباته. ولم يرو فيه عن المصاحف شيئا. ثم قال بعد كلام: " وفي كل من المواضع الاثني عشر عدا أول الروم قراءتان سبعيتان بالإفراد والجمع. وقد اختار أبو داوود الحذف في الرياح الذي في أول الروم . واستحب الحذف في الذي في سورة الحجر. والعمل عندنا على حذف ألف الرياح حيث وقع إلا الذي في أول الروم فالعمل عندنا على إثبات ألفه لعدم ثبوت أصل الحذف فيه مع إجماع القراء على قراءته بالجمع ". وعلى ما لهذين الشارحين أطبقت مصاحفهم الآن. والله سبحانه وتعالى أعلم. والسادس أن الحاجي _رضي الله تعالى عنه_ اقتصر في المعقوص من الياءات على ثلاثة أنواع فقط . وهي صورة الهمزة نحو شاطئ الوادي والسيئ والساكنة حية نحو شيء ويدي أو ميتة نحو والذي والتي والزائدة نحو نبإي ومن ورائي ورجح الوقص فيما سوى هذه. قال في جوهرة:
والياء إن صور أو سكن رد *** والغير بالتعريق والخلف يرد
ثم قال في شرحه:إثر قوله والخلف يرد " أي في كل نوع منهما لكن المشهور ما ذكرنا. وهو الأولى بالإتباع والأحق بالإستماع. وقال في مبينه:
والعقص لازم بياء واردة *** ساكنة أو صورة أو زائدة
والوقص في ذات تحرك ولو *** عارضا أو ما بانقلاب قد تلو
كذا جرى عمل أهل المغرب *** وهو الأحق عندنا في المذهب
انتهى وقد زاد المغاربة من المتحركات نوعا رابعا أجمعوا على عقصه. وهو المكسور بين ساكنين نحو "أنت وليي" وما تصرف من لفظ الإحياء والإستحياء وصار إلى هذه الحالة نحو يحيى و محيى ويستحيى . وقد أسبغ الكلام في الياء الموقوصة والمعقوصة الإمام ابن القاضي في بيان الخلاف والتشهير نظما ونثرا، فقد صدرفيه بما عزاه إليه وإلى عمل أهل المغرب الحاجي ـ رحمه الله ـ من الإقتصار على الأنواع الثلاثة ثم جلب نصوص الأئمة في المسألة بذكر كلام اللبيب في شرح العقيلة عن الطلمنكي أن الياء في كتاب الله تعالى تنقسم إلى أربعة أقسام ثم ذكر تقسيم القيسي في الميمونة في نحو خمسة عشر بيتا ثم تقسيم التنسي (؟) في الطراز إلى ثمانية أقسام بقوله:
الوقص في ذي فتح أو قلب كثر *** في ذات كسر والسكونين نزر
ذوالضم بالسوى وما صدر مع *** ما زيد عين فيهما العقص تضع
ثم نقل كلام المصنف وكلام التنزيل وأنه لانص للداني فيها لا في المقنع ولا في المحكم وساق كلام ميمون في الدرة في نحو أحد عشر بيتا . ولعل اعتمادهم في هذا النوع الرابع هو نص الطراز المتقدم بنزر الوقص في ذات كسر والسكونين يفهم كثرة العقص فيهما . والله تعالى أعلم. ولم يستحضر الحقير مع طول البحث موضعا سابعا خالفهم فيه ترجيح الشيخ الحاجي ـ رضي الله تعالى عنه ـ في فن الرسم كله ولا في مسألة واحدة من مسائل الضبط.
فجزاه الله تعالى عن الإسلام خيرا. فقد خدم في هذين الفنين وغيرهما خدمة أراح بها كل من أتى بعده ممن يعتني بهذا الشأن.
وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي وعلى آله الإخوان وعلى صحابته نجوم الإهتداء لكل مهتد على مر الزمان وأماتنا على محبتهم وموالاتهم واقتفاء آثارهم وحشرنا في زمرتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون بجاههم وبجاه أشياخنا أولهم وآخرهم آمين يا رب العالمين. سبحن ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
وللناقل مقيدا:
ما خالف الحاجي أهل المغرب *** في غير رسم ذي الحروف فاحسب
كفارة له سقاية عما *** رة ويـبنؤم في طه سما
لفظ الرياح أولا في الروم *** كذاك ياء جاء في المرسوم
مكسورا إن بساكنين اكتنفا *** قدتم ما الراوي رواه فاعرفا
في غير يـبنؤم يحذف الألف *** من ذي بعكسهم ووقص اليا ألف
للعالم المحقق البصوبي *** نسبتها يا رب لي اغفر حوبي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد فقد وقف راقم الحروف ، وراسم الظروف ، على رساله ، كأنها غزاله، جاءت على أحسن حاله، ولم تكن بمختاله، بل جاءت تمشي على استحياء، كأنها أعيت ومابها إعياء ، في علم الرسم الشريف، للمصحف المنيف، وهو وإن كان من الفروض الكفائيه ، فمعرفته عن أهل هذا القطر كانت نائيه، وهي رسالة تدل على طول الباع، وكثرة الإطلاع، وغزارة الماده ، وسلوك الجاده ، وغاية التحقيق ، ونهاية التدقيق، وكيف لا ومؤلفها من لم يجد الزمان بمثاله، ولم ينسج على منواله ، حامل راية التحقيق في هذا الزمان، الذي هو لداخل جرمه من اغتيال جنود الجهالة أمان ، المقدم اليوم في محكم التنزيل، المقنع للخصم بما يشفي الغليل، المنصف للخصوم، في كل العلوم، مورد الظمئان ، ودليل الحيران ،القاذف بحره بالجوهر المنظم، في علم القرءان المعظم، المزري بهذه الرسالة البهيه ، والدرة الشهيه ، والعقيلة الميمونه ، على كل رسالة في هذا الفن مصونه ، من لم ينسج أحد قبله على هذا الطراز، ولم يتصد أن يبرز هذا العلم بهذا الإبراز، أعني بذلك، وأخص بما هنالك، سيدي وسندي، وذخري ومعتمدي، العلامة محمد ابن العلامة البركة سيدي محمد البصوبي محتدا، البولي موطنا ومنشئا ومولدا، متعنا الله تعلى منه بطول الثواء والبقاء، والصعود إلى سماء المعالي والإرتقاء، بجاه سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه بئاله وسلم، وشرف وكرم وبارك ومجد وعظم، وقد قلت مقرظا هذه الرساله، بهذه العجاله،
هذه مخدرة كانت محجبة *** عن غير فكر الإمام الشيخ بك بص
حتى جلاها لنا الشيخ الرضى فغدت *** به قد انتهزت من وصلها الفرص
فالجاهلون بقدر الخود قد زهدوا *** في وصلها وذوو العرفان قد حرصوا
إن البياض بياض العين ينظره *** ذو الجهالة يحجي أنه برص
والأعين الوُطْف إن تبدو لذي رمد *** تحجي بـها مَرَهٌ أو أنـها رُمُص
فاحرص على وصلها ياخل مجتهدا *** واخلص إلى خدرها فيمن له خلصوا
كتبه فقير ربه تعالى عبد القادر بن محمد بن عبد القادر الكمليلي، لطف الله تعالى به وغفر ذنبه النهار والليلي، ءامين ءامين ءامين ، والحمد لله رب العالمين.
المصدر:

ملاحظة للأمانة العلمية:
غيرت تنسيق الأبيات في الرسالة لأن تنسيقها لم يكن جيداً، وقمت بتعديل بعض الأخطاء الإملائية التي وجدتها، وغيرت لون الخط ووو....
وضعت نسخة منسقة من الرسالة في المرفقات.
أسأل الله تعالى لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح وأن يصلح نياتنا إنه جواد كريم
 
عودة
أعلى