سورة النحل مكية إلا آيات مستثناة
سورة النحل مكية إلا آيات مستثناة
بارك الله فيك على لطفك وحسن عبارتك ، وجزاك الله عني كل خير .
فهمتُ منك أن لا توافقني على أن في سورة النحل المكية آيات مدنية ، وقد أرشدتني إلى مراجعة تفسير ابن كثير ، وقد رجعتُ إليه رغم أنني كنت قد رجعتُ إليه من قبل ؛ خوفاً من أن يكون فاتني شيء ؛ فنحن البشر مفطورون على النقص ، والكمال لله جل في علاه ، فلم أجد كلاماً لابن كثير يخالف ما قلتُه بخصوص مكية سورة النحل إلا آيات مستثناة ، وإليك أيها العزيز ما كان من ابن كثير
:
لقد ضعف ابن كثير
- (تفسيره ج 2: ص 782) - بعض ما رُوي في أسباب النزول التي تدل على مدنية بعض آيات سورة النحل ، ولكنه ذكر ما رواه عبد الله بن أحمد ولم يُعقِّب عليه ، ونص الحديث كما في المسند – طبعة دار الرسالة ، بإشراف الشيخ شعيب - عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قُتِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا، وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَئِنْ كَانَ لَنَا يَوْمٌ مِثْلُ هَذَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ قَالَ رَجُلٌ لَا يُعْرَفُ: لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِنَ الْأَسْوَدُ وَالْأَبْيَضُ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا، نَاسًا سَمَّاهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}[النحل: 126] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَصْبِرُ وَلَا نُعَاقِبُ "
وقد حسّن الشيخ شعيب سنده
.
وهناك لفظ آخر فعن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ
: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أُصِيبَ مِنْ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا وَمِنْ الْمُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ فِيهِمْ حَمْزَةُ فَمَثَّلُوا بِهِمْ .
فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ
: لَئِنْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ يَوْمًا مِثْلَ هَذَا لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِمْ قَالَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (
فَقَالَ رَجُلٌ
: لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُفُّوا عَنْ الْقَوْمِ إِلَّا أَرْبَعَةً .
رواه
( الترمذي : 3054 ) و(أحمد (زوائد ابنه عبد الله) ، رقم : 21229) بسند حسن ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب من حديث أُبي بن كعب . ورواه أيضاً ابن حبان في (صحيحه ج2/ص239) ومن طريقه رواه الحاكم في ( المستدرك على الصحيحين ج2/ص484) ورواه غيرهم .
وقد وقفتُ على سند الحديث فوجدته حسناً ، وقد حسَّن هذا الحديث غير واحد من أهل العلم
.
وأذكر آية مدنية أخرى وهي قوله تعالى
(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل : 110) ، لما روى الطبري في تفسيره (ج20/ص133) بسند صحيح عن ابن عباس قال :
كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بإسلامهم ، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم فأصيب بعضهم وقتل بعض ، فقال المسلمون
: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم ، فنزلت (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ...)(النساء : 97) إلى آخر الآية.
قال
: فكتُب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية : أن لا عذر لهم ، فخرجوا فلحقهم المشركون ، فأعطوهم الفتنة ، فنزلت فيهم هذه الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ...) (العنكبوت : 10) إلى آخر الآية ، فكتب المسلمون إليهم بذلك ، فخرجوا وأيسوا من كل خير ، ثم نزلت فيهم (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)
فكتبوا إليهم بذلك
: إن الله قد جعل لكم مخرجاً ، فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل .
وهذه الرواية وإن كانت موقوفة على ابن عباس
– رضي الله عنه – إلا أنها في حكم المرفوع لأنها بيان لواقع نزول الآيات .
إلى هنا وأقول لك
: بارك الله فيك وجزاك الله خيراً أيها الأستاذ الفاضل . آمين !