رسالة الاجتهاد . . . لمعات البصيرة الربانية لأستاذ الإيمان .

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع خلوصي
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

خلوصي

New member
إنضم
20/09/2008
المشاركات
377
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
عالم النور و الإيمان المكي
الموقع الالكتروني
www.nuronline.com
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

] وَلَو رَدّوه الى الرسول والى أولي الامرِ منهُم لَعَلِمه الذين يَستنبطونَه منهم[

ان باب الاجتهاد مفتوح، الا ان هناك ستة موانع في هذا الزمان تحول دون الدخول فيه.

اولها:

كما تُسَد المنافذ حتى الصغيرة منها عند اشتداد العواصف في الشتاء، ولا يستصوب فتح أبواب جديدة، وكما لا تفتح ثغور لترميم الجدران وتعمير السدود عند اكتساح السيول، لانه يفضي الى الغرق والهلاك..
كذلك من الجناية في حق الاسلام فتح ابواب جديدة في قصره المنيف، وشق ثغرات في جدرانه مما يمهّد السبيل للمتسللين والمخربين باسم الاجتهاد،
ولا سيما في زمن المنكرات، ووقت هجوم العادات الاجنبية واستيلائها، واثناء كثرة البدع وتزاحم الضلالة ودمارها.

ثانيها:

ان الضروريات الدينية التي لا مجال فيها للاجتهاد لقطعيتها وثبوتها، والتي هي في حكم القوت والغذاء، قد اُهملت في العصر الحاضر واخــذت بالتصــدع،
فالواجب يحتم صرف الجهود وبذل الهمم جميعاً لاحياء هذه الضروريات واقامتها،
حيث ان الجوانب النظرية للاسلام قد استثرت بافكار السلف الصالحين وتوسعت باجتهاداتهم الخالصة حتى لم تعد تضيق بالعصور جميعاً؛ لذا فان ترك تلك الاجتهادات الزكية والانصراف عنها الى اجتهادات جديدة اتباعاً للهوى انما هو خيانة مبتدعة.

ثالثها:
....
[/align]
 
هل تستصوب أخي هذا الكلام؟؟فمع كل احترام وتقدير فإن كلام النورسي المنقول فيه من التنميق والتزويق كثير ولكنه بعيد عن التحقيق فهل الإنشغال بالأهم كقضايا أمتنا المصيرية أو وجود كليات شرعية لا يجعل باب الإجتهاد مفتوحا بل انا لا أجد نكبة حلت على الفقه وأهله مثل ما حصل مممن عطلو وأغلقو باب الإجتهاد ، وكيف يغلقونه او يجعلونه متعذرا ؟؟؟ومن ثم يحصر الكلام بكلام رجال لا يجوز تعدي قولهم وكأنه شرع متبع ويتعصب لقولهم وكما حصل من خلاف حول زواج الشافعية من الحنفي على قولين والراجح الجواز قيسا على الكتابيات!!!!فواعجبي ممن لا زال يتكلم في قضايا ينبغي أن ينفض عنها الغبار وقضايا الأمة المتجددة والإحداثيات المتتالية بحاجة إلى اجتهاد لا يكل ولا يمل مع ترتيب الاولويات وعدم الإغراق في الجزئيات
 
أنا أتفهم وجهة نظرك أخي الكريم ... تماماً .
و لكن فهم مرامي الأستاذ النورسي من مجمل فقهه الدعوي و من قراءة الرسالة كاملة يعطي صورة واضحة عن منهج عميق النظر !
فأرجو منكم الاطلاع على الرسالة ككل .. و على منهج الأستاذ في التغيير .
و بارك الله فيكم .
 
أنا أخي ما حكمت إلا بما أنت عنه نقلت جزيت خيرا...ولكن حقيقة أنا لست بواسع الإطلاع في كتب الشيخ -رحمه الله- ولكن نقلك واضح عنه في هذه الفكرة والله المعين وبه نتأيد
 
أنا أخي ما حكمت إلا بما أنت عنه نقلت جزيت خيرا...ولكن حقيقة أنا لست بواسع الإطلاع في كتب الشيخ -رحمه الله- ولكن نقلك واضح عنه في هذه الفكرة والله المعين وبه نتأيد
حسناً أخي الكريم .. إن شئت أن نتدارس معاً هذه الرسالة بعد إتمام عرضها ؟
و أحاول جهدي تبيين ما أعرفه من حيثيات .. و ما خبرته من الواقع الذي نعيشه , ما يمكن أن يؤكد عمق ما أدعيه , و في الوقت نفسه أظنه لن يعارض ما تسعى إليه من المنفعة بالاجتهاد ... و كلٌ باعتبار .
و لك جزيل الشكر على حوارك الجميل النافع .
 
يا حبذا ولك خالص الشكر وأتم العرفان ...ولكن أين أجد الرسالة؟؟؟ حتى يتم لنا الحوار
 
بل الشكر لك سيدي ... و الرسالة سأنسقها هنا بإذن الله هدية لكم
icon7.gif
 
حفظكم الله ورعاكم وأيدكم بنصره ونحن في انتظاركم
 
ثالثها:


مثلما يروّج لمتاع في السوق حسب المواسم ويرغّب فيه، كذلك اسواق الحياة الاجتماعية ومعارض الحضارة البشرية في العالم، فترى متاعاً يرغّب فيه في عصر، فيكون له رواج، فتُوجَّه اليه الانظار، وتجذب نحوه الافكار، فتحوم حوله الرغبات.


فمثلاً: ان المتاع الذي تُلفت اليه الانظار في عصرنا الحاضر وتُرغّب فيه هو الانشغال بالامور السياسية واحداثها، وتأمين الراحة في الحياة الدنيا وحصر الهمّ بها، ونشر الافكار المادية وترويجها. بينما نرى ان السلعة الغالية النفيسة، والبضاعة الرائجة المقبولة في عصر السلف الصالح واكثر ما يرغَّب فيه في سوق زمانهم هو
ارضاء رب السموات والارض والوقوف عند حدوده، واستنباط اوامره ونواهيه من كلامه الجليل، والسعي لنيل وسائل الوصول الى السعادة الخالدة التي فتح ابوابها الى الابد القرآن الكريم ونور النبوة الساطع.
فكانت الاذهان والقلوب والارواح كلها متوجهة - في ذلك العصر - وبكل قواها الى معرفة مرضاة الله سبحانه وادراك مرامي كلامه، حتى باتت وجهة حياتهم واحوالهم المختلفة وروابطهم فيما بينهم وحوادثهم واحاديثهم مقبلة كلها الى مرضاة رب السموات والارضين، لذا ففي مثل هذه الحياة التي تجري بشتى جوانبها وفق مرضاة رب العالمين سبحانه تصبح الحوادث بالنسبة لصاحب الاستعداد والقابليات الفطرية دروساً وعبراً له من حيث لا يشعر، وكأن قلبه وفطرته يتلقيان الدروس والارشاد من كل ما حوله، ويستفيدان من كل حادثة وظرف وطور، وكأن كل شئ يقوم بدور معلم مرشد يعلم فطرته ويلقنها ويرشدها ويهيؤها للاجتهاد،
حتى يكاد زيت ذكائه يضئ ولو لم تمسسه نار الاكتساب.
فاذا ما شرع مثل هذا الشخص المستعد في مثل هذا المجتمع، بالاجتهاد في اوانه، فان استعداده ينال سراً من اسرار (نور على نور) ويصبح في اقرب وقت واسرعه مجتهداً.


بينما في العصر الحاضر: فان تحكم الحضارة الاوروبية، وتسلط الفلسفة المادية وافكارها، وتعقد متطلبات الحياة اليومية.. كلها تؤدي الى
تشتت الافكار وحيرة القلوب وتبعثر الهمم وتفتت الاهتمامات، حتى اضحت الامور المعنوية غريبة عن الاذهان.



لذا، لو وجد الآن مَن هو بذكاء (سفيان بن عيينة)(1) الذي حفِظ القرآن الكريم وجالس العلماء وهو لا يزال في الرابعة من عمره، لاحتاج الى عشرة امثال ما احتاجه ابن عيينة ليبلغ درجة الاجتهاد، اي انه لو كان قد تيسر لسفيان بن عيينة الاجتهاد في عشر سنوات فان الذي في زماننا هذا قد يحصل عليه في مائة سنة، ذلك لان مبدأ تعلم (سفيان) الفطري للاجتهاد يبدأ من سن التمييز ويتهيأ استعداده تدريجاً كاستعداد الكبريت للنار، اما نظيره في الوقت الحاضر فقد غرق فكرُه في مستنقع الفلسفة المادية وسرح عقلُه في احداث السياسة، وحار قلبُه امام متطلبات الحياة المعاشية، وابتعدت استعداداته وقابلياته عن الاجتهاد، فلا جرم قد ابتعد استعداده عن القدرة على الاجتهادات الشرعية بمقدار تفننه في العلوم الارضية الحاضرة، وقصر عن نيل درجة الاجتهاد بمقدار تبحره في العلوم الارضية، لذا لا يمكنه ان يقول لِمَ لا استطيع ان ابلغ درجة سفيان بن عيينة، وانا مثله في الذكاء؟ نعم، لا يحق له هذا القول، كما انه لن يلحق به ولن يبلغ شأوه ابداً.


رابعها:



ان ميل الجسم الى التوسع لاجل النمو إن كان داخلياً فهو دليل التكامل. بينما ان كان من الخارج فهو سبب تمزق الغلاف والجلد، اي انه سبب الهدم والتخريب لا النمو والتوسع.


وهكذا، فان وجود ارادة الاجتهاد والرغبة في التوسع في الدين عند الذين يدورون في فلك الاسلام ويأتون اليه من باب التقوى والورع الكاملَين وعن طريق الامتثال بالضروريات الدينية فهو دليل الكمال والتكامل. وخير شاهد عليه السلف الصالح.

اما التطلع الى الاجتهاد والرغبة في التوسع في الدين
إن كان ناشئاً لدى الذين تركوا الضروريات الدينية واستحبوا الحياة الدنيا، وتلوثوا بالفلسفة المادية، فهو
وسيلة الى تخريب الوجود الاسلامي وحل ربقة الاسلام من الاعناق.



خامسها:



هناك ثلاث نقاط تدعو الى التأمل والنظر، تجعل اجتهادات هذا العصر ارضية وتسلب منها روحها السماوي، بينما الشريعة سماوية والاجتهادات بدورها سماوية، لاظهارها خفايا احكامها. والنقاط هي الاتي:


اولاًـ ان (علّة) كل حكم تختلف عن (حكمته) فالحكمة والمصلحة سبب الترجيح وليست مناط الوجود ولامدار الايجاد، بينما (العلة) هي مدار وجود الحكم.


ولنوضح هذا بمثال: تُقصر الصلاة في السفر، فتصلّى ركعتان فعلّة هذه الرخصة الشرعية السفر. اما حكمتها فهي المشقة. فاذا وجُد السفرُ ولم تكن هناك مشقة فالصلاة تُقصر، لان العلة قائمة وهي السفر. في حين ان لم يكن هناك سفر وكانت هناك اضعاف اضعاف المشقة، فلن تكون تلك المشقات علة القصر.


وخلافاً لهذه الحقيقة يتوجه نظر الاجتهاد في هذا العصر، الى اقامة المصلحة والحكمة بدل العلة، وفي ضوئها يصدر حكمه، فلا شك ان اجتهاداً كهذا ارضي وليس بسماوي.


ثانياًـ ان نظر هذا العصر متوجه اولاً وبالذات الى تأمين سعادة الدنيا، وتوجّه الاحكام نحوها، والحال ان قصد الشريعة متوجه اولا وبالذات الى سعادة الآخرة، وينظر الى سعادة الدنيا بالدرجة الثانية، ويتخذها وسيلة للحياة الاخرى، اي ان وجهة هذا العصر غريبة عن روح الشريعة ومقاصدها، فلا تستطيع ان تجتهد باسم الشريعة.



ثالثاً ـ ان القاعدة الشرعية (الضرورات تبيح المحظورات) ليست كلية،
لان الضرورة ان كانت ناشئة عن طريق الحرام لا تكون سبباً لإباحة الحرام. والاّ فالضرورة التي نشأت عن سوء اختيار الفرد، او عن وسائل غير مشروعة لن تكون حجة ولا سبباً لإباحة المحظورات ولا مداراً لأحكام الرُخص.


فمثلاً: لو اسكر احد نفسه - بسوء اختياره - فتصرفاته لدى علماء الشرع حجة عليه، اي لا يُعذَر، وان طلّق زوجته فطلاقُه واقع، وان ارتكب جريمة يعاقب عليها، ولكن ان كانت من دون اختيار منه، فلا يقع طلاقه، ولا يعاقب على ما جنى. فليس لمدمن خمر - مثلاً - ان يقول انها ضرورة لي، فهي اذن حلال لي، حتى لو كان مبتلىً بها الى حد الضرورة بالنسبة له.


فانطلاقاً من هذا المفهوم فان هناك كثير من الامور في الوقت الحاضر ابتلي بها الناس وباتت ضرورية بالنسبة لهم،
حتى اخذت شكل (البلوى العامة) فهذه التي تسمى ضرورة، لن تكون حجة لاحكام الرُخَص، ولا تباح لاجلها المحظورات، لانها نجمت من سوء اختيار الفرد ومن رغبات غير مشروعة ومن معاملات محرمة.


وحيث ان اهل اجتهاد هذا الزمان قد جعلوا تلك الضرورات مداراً للاحكام الشرعية،
لذا اصبحت اجتهاداتهم ارضية وتابعة للهوى ومشوبة بالفلسفة المادية، فهي اذن ليست سماوية، ولا تصح تسميتها اجتهادات شرعية قطعاً؛ ذلك لان اي تصرف في احكام خالق السموات والارض واي تدخل في عبادة عباده دونما رخصة او إذن معنوي فهو مردود.


ولنضرب لذلك مثالاً:


يستحسن بعض الغافلين القاء خطبة الجمعة وامثالها من الشعائر الاسلامية باللغة المحلية لكل قوم دون العربية ويبررون استحسانهم هذا بسببين:


الاول: (ليتمكن عوام المسلمين من فهم الاحداث السياسية)! مع انها قد دخلها من الاكاذيب والدسائس والخداع ما جعلها في حكم وسوسة الشياطين! بينما المنبر مقام تبليغ الوحي الإلهي، وهو ارفع واجل من ان ترتقى اليه الوسوسة الشيطانية.


الثاني: (الخطبة هي لفهم ما يرشد اليه بعض السور القرآنية من نصائح).


نعم؛ لو كان معظم المسلمين يفهمون المسلّمات الشرعية والاحكام المعلومة من الدين بالضرورة، ويمتثلون بها، فلربما كان يستحسن عند ذاك ايراد الخطبة باللغة المعروفة لديهم، ولكانت ترجمة سور من القرآن لها مبرر - ان كانت الترجمة ممكنة(1) - وذلك ليفهموا النــظـــريات الشــرعية والمســائــل الدقيقة والنــصائـح الخــفية.
امـــا وقد اهملت في زماننا هذا الاحكام الواضحة المعلومة؛ كوجوب الصلاة والزكاة والصيام وحرمة القتل والزنا والخمر، وان عوام المسلمين ليسوا بحاجة الى دروس في معرفة هذا الوجوب وتلك الحرمة بقدر ما
هم بحاجة الى الامتثال بتلك الاحكام واتباعها في حياتهم. ولا يتم ذلك الا بتذكيرهم وحثهم على العمل وشحذ الهمم واثارة غيرة الاسلام في عروقهم، وتحريك شعور الايمان لديهم كي ينهضوا بامتثال واتباع تلك الاحكام المطهرة.



فالمسلم العامي - مهما بلغ جهله - يدرك هذا المعنى الاجمالي من القرآن الكريم، ومن الخطبة العربية. ويعلم في قرارة نفسه بان الخطيب او المقرئ للقرآن الكريم يذكّره - ويذكّر الاخرين معه - باركان الايمان واسس الاسلام التي هي معلومة من الدين بالضرورة. وعندها يفعم قلبه بالاشواق الى تطبيق تلك الاحكام.


ليت شعري اي تعبير في الكون كله يمكنه ان يقف على قدميه حيال الاعجاز الرائع في القرآن الكريم الموصول بالعرش العظيم.. واي ترغيب وترهيب وبيان وتذكير يمكن ان يكون افضل منه؟!


سادسها:
 
ان قرب عهد المجتهدين العظام من السلف الصالحين لعصر الصحابة الكرام الذي هو عصر الحقيقة وعصر النور يسَّر لهم ان يأخذوا النور الصافي من اقرب مصادره، فتمكنوا من القيام باجتهاداتهم الخالصة، في حين ان مجتهدي العصر الحديث ينظرون الى كتاب الحقيقة من مسافة بعيدة جداً ومن وراء كثير جداً من الاستار والحجب حتى ليصعب عليهم رؤية اوضح حرف فيه.

فان قلت: ان مدار الاجتهادات ومصدر الاحكام الشرعية هو عدالة الصحابة وصدقهم، حتى اتفقت الامة على انهم عدول صادقون، علما انهم بشر مثلنا، لا يخلون من خطأ!

الجواب: ان الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين هم روّاد الحق وعشاقه، وهم التواقون الى الصدق والعدل. ولقد تبين في عصرهم قبح الكذب ومساوؤه، وجمال الصدق ومحاسنه بوضوح تام، بحيث اصبح البون شاسعاً بين الصدق والكذب كالبعد بين الثريا والثرى وبين العرش والفرش!! اذ يوضح ذلك الفارق الكبير بين الرسول الاعظم صلى الله عليه و سلم الواقف على قمة درجات الصدق وفي اعلى عليين وبين مسيلمة الكذاب الذي كان في اسفل سافلين وفي اوطأ دركات الكذب.

فالذي اهوى بمسيلمة الى تلك الدركات الهابطة الدنيئة هو الكذب والذي رفع محمداً الامين صلى الله عليه و سلم الى تلك الدرجات الرفيعة هو الصدق والاستقامة.

لذا فالصحابة الكرام رضوان الله عليهم الذين كانوا يملكون الهمم العالية والخلق الرفيع واستناروا بنور صحبة شمس النبوة، لا ريب انهم ترفعوا عن الكذب الممقوت القبيح الموجود في بضاعة مسيلمة الكذاب ونجاساتها الموجبة للذلة والهوان - كما هو ثابت - وتجنبوا الكذب كتجنبهم الكفر الذي هو صنوه، وسعوا سعياً حثيثاً في طلب الصدق والاستقامة والحق، وتحروه بكل ما اوتوا من قوة وعزم. فشغفوا به ولا سيما في رواية الاحكام الشرعية وتبليغها، تلك الاحكام المتسمة بالحسن وبالجمال القمينة بالمباهاة والفخر، والتي هي وسيلة للعروج صعداً الى الرقي والكمال، والموصولة السبب بعظمة الرسول صلى الله عليه و سلم الذي تنورت بنور شعاعه الحياة البشرية.

اما الآن، فقد ضاقت المسافة بين الكذب والصدق، وقصرت حتى صارا متقاربين بل متكاتفين، وبات الانتقال من الصدق الى الكذب سهلاً وهيناً جداً بل غدا الكذب يفضل على الصدق في الدعايات السياسية.

فان كان اجمل شئ يباع مع اقبحه في حانوت واحد جنباً الى جنب وبالثمن نفسه، ينبغي على مشتري لؤلؤة الصدق الغالي الاّ يعتمد على كلام صاحب الحانوت ومعرفته دون فحص وتمحيص.

الخاتمة

تتبدل الشرائع بتبدل العصور، وقد تأتي شرائع مختلفة، وترسل رسل كرام في عصر واحد، حسب الاقوام. وقد حدث هذا فعلاً.

اما بعد ختم النبوة، وبعثة خاتم الانبياء والمرسلين عليه أفضل الصلاة والسلام فلم تعد هناك حاجة الى شريعة اخرى. لان شريعته العظمى كافية ووافية لكل قوم في كل عصر.

اما جزئيات الاحكام غير المنصوص عليها التي تقتضي التبديل تبعاً للظروف، فان اجتهادات فقهاء المذاهب كفيلة بمعالجة التبديل. فكما تبدل الملابس باختلاف المواسم، وتغيّر الادوية حسب حاجة المرضى، كذلك تبدل الشرائع حسب العصور، وتدور الاحكام وفق استعدادات الامم الفطرية، لان الاحكام الشرعية الفرعية تتبع الاحوال البشرية، وتأتي منسجمة معها وتصبح دواء لدائها.

ففي زمن الانبياء السابقين عليهم السلام كانت الطبقات البشرية متباعدة بعضها عن بعض، مع ما فيهم من جفاء وشدة في السجايا، فكانوا اقرب ما يكونون الى البداوة في الافكار، لذا اتت الشرائع في تلك الازمنة متباينة مختلفة، مع موافقتها لأحوالهم وانسجامها على اوضاعهم، حتى لقد اتى انبياء متعددون بشرائع مختلفة في منطقة واحدة وفي عصر واحد.

ولكن بمجىء خاتم النبيين وهو نبي آخر الزمان e ، تكاملت البشرية وكأنها ترقت من مرحلة الدراسة الابتدائية فالثانوية الى مرحلة الدراسة العالية واصبحت اهلاً لان تتلقى درساً واحداً، وتنصت الى معلم واحد، وتعمل بشريعة واحدة. فرغم كثرة الاختلافات لم تعد هناك حاجة الى شرائع عدة ولا ضرورة الى معلمين عديدين.

ولكن لعجز البشرية من ان تصل جميعاً الى مستوى واحد، وعدم تمكنها من السير على نمط واحد في حياتها الاجتماعية فقد تعـددت المـذاهب الفقهــية في الفروع.

فلو تمكنت البشرية - باكثريتها المطلقة - ان تحيا حياة اجتماعية واحدة، واصبحت في مستوى واحد، فحينئذ يمكن أن تتوحد المذاهب.

ولكن مثلما لا تسمح احوال العالم، وطبائع الناس لبلوغ تلك الحالة، فان المذاهب كذلك لا تكون واحدة
.

فان قلت: ان الحق واحد، فكيف يمكن ان تكون الاحكام المختلفة للمذاهب الاربعة والاثني عشر حقاً؟

الجواب: يأخذ الماء احكاماً خمسة مختلفة حسب اذواق المرضى المختلفة وحالاتهم:

فهو دواء لمريض على حسب مزاجه، اي تناوله واجب عليه طباً. وقد يسبب ضرراً لمريض آخر فهو كالسم له، اي يحرم علـيه طـــباً، وقد يولد ضـــرراً اقل لمريض آخر فهو اذن مكروه له طباً، وقد يكون نافعاً لآخر من دون أن يضره، فيسنّ له طباً، وقد لا يضر آخر ولا ينفعه، فهو له مباح طباً فليهنأ بشربه.

فنرى من الامثلة السابقة:

ان الحق قد تعدد هنا، فالاقسام الخمسة كلها حق، فهل لك ان تقول: ان الماء علاج لا غير، او واجب فحسب، وليس له حكم آخر؟.

وهكذا ـ بمثل ما سبق - تتغير الاحكام الإلهية بسَوْقٍ من الحكمة الإلهية وحسب التابعين لها. فهي تتبدل حقاً، وتبقى حقاً ويكون كل حكم منها حقاً ويصبح مصلحة.

فمثلا: نجد ان اكثرية الذين يتبعون الامام الشافعي رضى الله عنه هم اقرب من الاحناف الى البداوة وحياة الريف، تلك الحياة القاصرة عن حياة اجتماعية توحدّ الجماعة. فيرغب كل فرد في بث ما يجده في نفسه الى قاضي الحاجات بكل اطمئنان وحضور قلب، ويطلب حاجته الخاصة بنفسه ويلتجئ اليه، فيقرأ سورة الفاتحة بنفسه رغم انه تابع للامام. وهذا هو عين الحق، وحكمة محضة في الوقت نفسه. اما الذين يتبعون الامام الاعظم (ابو حنيفة النعمان) رضى الله عنه، فهم باكثريتهم المطلقة اقرب الى الحضارة وحياة المدن المؤهلة لحياة اجتماعية، وذلك بحكم التزام اغلب الحكومات الاسلامية لهذا المذهب. فصارت الجماعة الواحدة في الصلاة كأنها فرد واحد، واصبح الفرد الواحد يتكلم باسم الجميع، وحيث ان الجميع يصدقونه ويرتبطون به قلباً، فان قوله يكون في حكم قول الجميع، فعدم قراءة الفرد وراء الامام بـ(الفاتحة) هو عين الحق وذات الحكمة.

ومثلاً: لما كانت الشريعة تضع حواجز لتحول دون تجاوز طبائع البشر حدودها، فتقوّمها بها وتؤدبها، فتربى النفس الامارة بالسوء، فلابد ان ينقض الوضوء بمس المرأة وقليل من النجاسة يضر، حسب المذهب الشافعي الذي اكثر اتباعه من اهل القرى وانصاف البدو والمنهمكين بالعمل اما حسب المذهب الحنفي الذين هم باكثريتهم المطلقة قد دخلوا الحياة الاجتماعية، واتخذوا طور انصاف متحضرين فـ(لا ينقض الوضوء من مسِّ المرأة، ويسمح بقدر درهم من النجاسة). ولننظر الآن الى عامل والى موظف، فالعامل بحكم معيشته في القرية معرض للاختلاط والتماس بالنساء الاجنبيات والجلوس معـــاً حول مـــوقــد واحــد، والـــولــــوج في اماكن ملوثة فهو مبتلى بكل هذا بحكم مهنته ومعيشته، وقد تجد نفسه الامارة بالسوء مجالاً امامها لتتجاوز حدودها؛ لذا تلقي الشريعة في روع هذا صدى سماوياً فتمنع تلك التجاوزات بامرها له: لا تمس ما ينقض الوضوء، فتبطل صلاتك. اما ذلك الموظف، فهو حسب عادته الاجتماعية لا يتعرض للاختلاط بالنساء الاجنبيات - بشرط ان يكون نبيلاً - ولا يلوث نفسه كثيراً بالنجاسات، آخذاً باسباب النظافة المدنية. لذا لم تشدد عليه الشريعة، بل اظهرت له جانب الرخصة - دون العزيمة - باسم المذهب الحنفي وخففت عنه قائلة: ان مست يدك امرأة اجنبية فلا ينقض وضوءك، ولا ضرر عليك ان لم تستنج بالماء حياء من الحاضرين، فهناك سماح بقدر درهم من النجاسة فتخلصه بهذا من الوسوسة، وتنجّيه من التردد.

فهاتان قطرتان من البحر نسوقهما مثالاً، قس عليهما، واذا استطعت ان تزن موازين الشريعة بميزان (الشعراني) على هذا المنوال فافعل.

] سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا اِلاّ ما عَلَّمْتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيم[

اللّهم صل وسلم على مَن تمثّل فيه انوارُ محبتك لجمال صفاتك واسمائك، بكونه مرآةً جامعة لتجليات اسمائك الحسنى.. ومَن تمركز فيه شعاعاتُ محبتك لصنعتك في مصنوعاتك بكونه اكملَ وابدعَ مصنوعاتك، وصيرورته انموذج كمالات صنعتك، وفهرستة محاسن نقوشك.. ومَن تظاهر فيه لطائف محبتك ورغبتك لاستحسان صنعتك بكونه أعلى دلالي محاسن صنعتك وأرفع المستحسنين صوتاً في اعلان حسن نقوشك وأبدعهم نعتاً لكمالات صنعتك.. ومَن تجمّع فيه اقسامُ محبتك واستحسانك لمحاسن اخلاق مخلوقاتك ولطائف اوصاف مصنوعاتك، بكونه جامعاً لمحاسن الاخلاق كافة بإحسانك وللطائف الاوصاف قاطبة بفـضلك.. ومَن صار مصداقاً ومقياساً فائقاً لجميع من ذكرتَ في فرقانك انك تحبهم من المحسنين والصابرين والمؤمنين والمتقين والتوابين والاوابين وجميع الاوصاف الذين احببتهم وشرفتهم بمحبتك، في فرقانك حتى صار امام الحبيبين لك، وسيد المحبوبين لك ورئيس اودّائك وعلى آله واصحابه واخوانه اجمعين آمين برحمتك يا ارحم الراحمين.
 
جزيت خيرا وسالت الله ان يمدك بحفظه ...حقيقة وإن اختلفت مع هذا الرجل ولو قلت عن كلامه اي شيء ولكن شواهد كلامه وفن محاورته لتشهدان له بالعظمة ،جزيت خيرا فحقيقة قد استفدت من كلامه فلا أراكم الله مكروها
 
و بارك الله فيكم أخي الفاضل العزيز على حسن التحاور الذي لم يبدأ بعد
icon7.gif
..

نعم يا سيدي !
فإن من ينظر اليوم - مثلاً - إلى كثير من الإجراءات القانونية الغربية , كإعطاء الأطفال حق تهديد الأهل و إخبار الشرطة عنهم لحجزهم !! , قد يستهزيء بها من بعيد ...؟ حتى إذا اقترب من ذلك الواقع علم علم اليقين أنهم ما كانوا ليفعلوا ذلك لولا أن السكين قد لامست العظم ! فيعذرهم في ما هم فيه من جزئيات الأحكام التي تبقى مع ضرورتها الآنية الجزئية أمارات على واقع خطير كارثي .. نعم يمكن تلطيفه بتلك الإجراءات ! و لكن العلاج الحقيقي و الأصيل و الكلي الذي لا بد منه هو البدء بتغيير الحيثيات التي ولّدت ذلك الواقع ..؟
و قد تكون المسافة بين الحيثيات و النتائج التي آل إليها المجتمع أصبحت بعيدة في نظر التأمل العاجل المستعجل للحلول ..! إلا أن ذلك لا يعني أن هذا السبيل هو الأولى .. بل الكلي الذي ستتفرع منه بقية السبل .. و إن طالت الطريق !
و قس على ذلك - نوعاً ما - حاجاتنا اليومية و العصرية .. و حاجتنا إلى الاجتهاد فيها .
تلك مقدمة التحاور عندي أيها العزيز .. و هي على غموضها النسبي ما جرى به القلم عفو الخاطر .. فالعفو منكم .
 
عودة
أعلى