] وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ [
قال تعالى: ] وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74) إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا [ [الإسراء] .
ـــــــــــــــــــ
يذكر ابن كثير تفسيراً إجمالياً لهذه الآيات، فيقول: «يخبر تعالى عن تأييده رسوله صلوات اللَّه عليه وسلامه، وتثبيته، وعصمته، وسلامته من شر الأشرار، وكيد الفجار، وأنه تعالى هو المتولي أمره ونصره، وأنه لا يكله إلى أحد من خلقه، بل هو وليه، وحافظه وناصره ومؤيده، ومظفره، ومظهر دينه على من عاداه وخالفه وناوأه، في مشارق الأرض، ومغاربها، صلى الله عليه وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين».
ويذكر البيضاوي تفسيراً تفصيلياً فيقول: « ]وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ [ نزلت في ثقيف، قالوا لا ندخل في أمرك حتى تعطينا خصالاً نفتخر بها على العرب: لا نعشر، ولا نحشر، ولا نجبى في صلاتنا، وكل ربا لنا فهو لنا، وكل ربا لغيرنا فهو موضوعٌ عنا، وأن تمتعنا باللات سنة، وأن تحرّم وادينا كما حرمت مكة، فإن قالت العرب لم فعلت ذلك، فقل: إن اللَّه أمرني، وقيل نزلت في قريش قالوا: لا نمكنك من استلام الحجر حتى تلم بآلهتنا وتمسّها بيدك.
والمعنى أن الشأن قاربوا بمبالغتهم أن يوقعوك في الفتنة بالاستنزال ]عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [ ولو اتبعت مرادهم لاتخذوك بافتتانك ولياً لهم، بريئاً من ولايتي. ]وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ [ ولولا تثبيتنا إياك ]لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً [ لقاربت أن تميل إلى اتباع مرادهم. والمعنى أنك كنت في صدد الركون إليهم لقوة خدعهم وشدة احتيالهم، ولكن أدركتك عصمتنا، فمُنعت أن تقرب من الركون، فضلاً عن أن تركن إليهم، وهو صريح في أنه، عليه الصلاة والسلام ما همّ بإجابتهم مع قوة الدواعي إليها، ودليلٌ على أن العصمة بتوفيق اللَّه وحفظه. ]إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ[ أي لو قاربت لأذقناك ]ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ [ أي عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة، ضعف ما نعذب به في الدارين، بمثل هذا الفعل، غيرك؛ لأن خطأ الخطير أخطر».
ويذكر سيد ما يتعلق بظلال هذه الآيات فيقول: «يعدّد السياق محاولات المشركين مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأولها فتنته عما أوحى اللَّه إليه ليفتري عليه غيره، وهو الصادق الأمين. لقد حاولوا هذه المحاولة في صورٍ شتى: منها مساومتهم له أن يعبدوا إلهه في مقابل أن يترك التنديد بآلهتهم، يجعل أرضهم حراماً، كالبيت العتيق الذي حرّمه اللَّه، ومنها طلب بعض الكبراء أن يجعل لهم مجلساً غير مجلس الفقراء...
والنص يشير إلى هذه المحاولات، ويفصّلها، ليذكر فضل اللَّه على الرسول في تثبيته على الحق، وعصمته من الفتنة. ولو تخلى عنه تثبيت اللَّه وعصمته لركن إليهم، فاتخذوه خليلاً، وللقي عاقبة الركون إلى فتنة المشركين، وهي مضاعفة العذاب في الحياة والممات، دون أن يجد له نصيراً منهم يعصمه من اللَّه.
هذه المحاولات التي عصم اللَّه منها رسوله، هي محاولات أصحاب السلطان مع أصحاب الدعوات دائماً: محاولة إغرائهم لينحرفوا _ ولو قليلاً_ عن استقامة الدعوة وصلابتها، ويرضوا بالحلول الوسط التي يغرونهم بها، في مقابل مغانم كثيرة. ومن حملة الدعوات من يفتن بهذا عن دعوته؛ لأنه يرى الأمر هيناً. فأصحاب السلطان لا يطلبون إليه أن يترك دعوته كلية، إنما هم يطلبون تعديلات طفيفة، ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق. وقد يدخل الشيطان على حامل الدعوة من هذه الثغرة، فيتصور أن خير الدعوة، في كسب أصحاب السلطان إليها، ولو بالتنازل عن جانبٍ منها.
ولكن الانحراف الطفيف في أول الطريق، ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق. وصاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزءٍ منها، ولو يسير، وفي إغفال طرفٍ منها، ولو ضئيل، لا يملك أن يقف عند ما سلّم به أول مرة؛ لأن استعداده للتسليم يتزايد، كلما رجع خطوةً إلى الوراء!.
والمسألة مسألة إيمان بالدعوة كلها. فالذي ينزل عن جزءٍ منها، مهما صغر، والذي يسكت عن طرفٍ منها، مهما ضؤل، لا يمكن أن يكون مؤمناً بدعوته حق الإيمان. فكل جانبٍ من جوانب الدعوة، في نظر المؤمن هو حق كالآخر، وليس فيها فاضل ومفضول، وليس فيها ضروري ونافلة، وليس فيها ما يمكن الاستغناء عنه، وهي كل متكامل، يفقد خصائصه كلها حين يفقد أحد أجزائه، كالمركب يفقد خواصه كلها إذا فقد أحد عناصره.
وأصحاب السلطان يستدرجون أصحاب الدعوات، فإذا سلّموا في الجزء، فقدوا هيبتهم وحصانتهم، وعرف المتسلطون أن استمرار المساومة، وارتفاع السعر ينتهيان إلى تسليم الصفقة كلها.
والتسليم في جانب، ولو ضئيل، من جوانب الدعوة، لكسب أصحاب السلطان إلى صفها، هو هزيمة روحية، بالاعتماد على أصحاب السلطان في نصرة الدعوة. واللَّه وحده هو الذي يعتمد عليه المؤمنون بدعوتهم، ومتى دبّت الهزيمة في أعماق السريرة، فلن تنقلب الهزيمة نصراً.
لذلك امتنّ اللَّه على رسوله صلى الله عليه وسلم أن يثبته على ما أوحى اللَّه، وعصمه من فتنة المشركين له، ووقاه الركون إليهم _ولو قليلاً_ ورحمه من عاقبة هذا الركون، وهي عذاب الدنيا والآخرة مضاعفاً، وفقدان المعين والنصير .
منقول من http://www.al-waie.org/home/
قال تعالى: ] وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74) إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا [ [الإسراء] .
ـــــــــــــــــــ
يذكر ابن كثير تفسيراً إجمالياً لهذه الآيات، فيقول: «يخبر تعالى عن تأييده رسوله صلوات اللَّه عليه وسلامه، وتثبيته، وعصمته، وسلامته من شر الأشرار، وكيد الفجار، وأنه تعالى هو المتولي أمره ونصره، وأنه لا يكله إلى أحد من خلقه، بل هو وليه، وحافظه وناصره ومؤيده، ومظفره، ومظهر دينه على من عاداه وخالفه وناوأه، في مشارق الأرض، ومغاربها، صلى الله عليه وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين».
ويذكر البيضاوي تفسيراً تفصيلياً فيقول: « ]وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ [ نزلت في ثقيف، قالوا لا ندخل في أمرك حتى تعطينا خصالاً نفتخر بها على العرب: لا نعشر، ولا نحشر، ولا نجبى في صلاتنا، وكل ربا لنا فهو لنا، وكل ربا لغيرنا فهو موضوعٌ عنا، وأن تمتعنا باللات سنة، وأن تحرّم وادينا كما حرمت مكة، فإن قالت العرب لم فعلت ذلك، فقل: إن اللَّه أمرني، وقيل نزلت في قريش قالوا: لا نمكنك من استلام الحجر حتى تلم بآلهتنا وتمسّها بيدك.
والمعنى أن الشأن قاربوا بمبالغتهم أن يوقعوك في الفتنة بالاستنزال ]عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [ ولو اتبعت مرادهم لاتخذوك بافتتانك ولياً لهم، بريئاً من ولايتي. ]وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ [ ولولا تثبيتنا إياك ]لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً [ لقاربت أن تميل إلى اتباع مرادهم. والمعنى أنك كنت في صدد الركون إليهم لقوة خدعهم وشدة احتيالهم، ولكن أدركتك عصمتنا، فمُنعت أن تقرب من الركون، فضلاً عن أن تركن إليهم، وهو صريح في أنه، عليه الصلاة والسلام ما همّ بإجابتهم مع قوة الدواعي إليها، ودليلٌ على أن العصمة بتوفيق اللَّه وحفظه. ]إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ[ أي لو قاربت لأذقناك ]ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ [ أي عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة، ضعف ما نعذب به في الدارين، بمثل هذا الفعل، غيرك؛ لأن خطأ الخطير أخطر».
ويذكر سيد ما يتعلق بظلال هذه الآيات فيقول: «يعدّد السياق محاولات المشركين مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأولها فتنته عما أوحى اللَّه إليه ليفتري عليه غيره، وهو الصادق الأمين. لقد حاولوا هذه المحاولة في صورٍ شتى: منها مساومتهم له أن يعبدوا إلهه في مقابل أن يترك التنديد بآلهتهم، يجعل أرضهم حراماً، كالبيت العتيق الذي حرّمه اللَّه، ومنها طلب بعض الكبراء أن يجعل لهم مجلساً غير مجلس الفقراء...
والنص يشير إلى هذه المحاولات، ويفصّلها، ليذكر فضل اللَّه على الرسول في تثبيته على الحق، وعصمته من الفتنة. ولو تخلى عنه تثبيت اللَّه وعصمته لركن إليهم، فاتخذوه خليلاً، وللقي عاقبة الركون إلى فتنة المشركين، وهي مضاعفة العذاب في الحياة والممات، دون أن يجد له نصيراً منهم يعصمه من اللَّه.
هذه المحاولات التي عصم اللَّه منها رسوله، هي محاولات أصحاب السلطان مع أصحاب الدعوات دائماً: محاولة إغرائهم لينحرفوا _ ولو قليلاً_ عن استقامة الدعوة وصلابتها، ويرضوا بالحلول الوسط التي يغرونهم بها، في مقابل مغانم كثيرة. ومن حملة الدعوات من يفتن بهذا عن دعوته؛ لأنه يرى الأمر هيناً. فأصحاب السلطان لا يطلبون إليه أن يترك دعوته كلية، إنما هم يطلبون تعديلات طفيفة، ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق. وقد يدخل الشيطان على حامل الدعوة من هذه الثغرة، فيتصور أن خير الدعوة، في كسب أصحاب السلطان إليها، ولو بالتنازل عن جانبٍ منها.
ولكن الانحراف الطفيف في أول الطريق، ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق. وصاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزءٍ منها، ولو يسير، وفي إغفال طرفٍ منها، ولو ضئيل، لا يملك أن يقف عند ما سلّم به أول مرة؛ لأن استعداده للتسليم يتزايد، كلما رجع خطوةً إلى الوراء!.
والمسألة مسألة إيمان بالدعوة كلها. فالذي ينزل عن جزءٍ منها، مهما صغر، والذي يسكت عن طرفٍ منها، مهما ضؤل، لا يمكن أن يكون مؤمناً بدعوته حق الإيمان. فكل جانبٍ من جوانب الدعوة، في نظر المؤمن هو حق كالآخر، وليس فيها فاضل ومفضول، وليس فيها ضروري ونافلة، وليس فيها ما يمكن الاستغناء عنه، وهي كل متكامل، يفقد خصائصه كلها حين يفقد أحد أجزائه، كالمركب يفقد خواصه كلها إذا فقد أحد عناصره.
وأصحاب السلطان يستدرجون أصحاب الدعوات، فإذا سلّموا في الجزء، فقدوا هيبتهم وحصانتهم، وعرف المتسلطون أن استمرار المساومة، وارتفاع السعر ينتهيان إلى تسليم الصفقة كلها.
والتسليم في جانب، ولو ضئيل، من جوانب الدعوة، لكسب أصحاب السلطان إلى صفها، هو هزيمة روحية، بالاعتماد على أصحاب السلطان في نصرة الدعوة. واللَّه وحده هو الذي يعتمد عليه المؤمنون بدعوتهم، ومتى دبّت الهزيمة في أعماق السريرة، فلن تنقلب الهزيمة نصراً.
لذلك امتنّ اللَّه على رسوله صلى الله عليه وسلم أن يثبته على ما أوحى اللَّه، وعصمه من فتنة المشركين له، ووقاه الركون إليهم _ولو قليلاً_ ورحمه من عاقبة هذا الركون، وهي عذاب الدنيا والآخرة مضاعفاً، وفقدان المعين والنصير .
منقول من http://www.al-waie.org/home/