رد على ملحد يتطاول على القرآن

هشام البوزيدي

فريق إشراف ملتقى الانتصار للقرآن
إنضم
05/01/2013
المشاركات
30
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
هذا رد ختمت به محاورة مع ملحد يطعن في إعجاز القرآن, وذلك أني تحديته - بإشارة من بعض الفضلاء- بجملة من عندي فقلت:

مادمنا بصدد الكلام عن البلاغة, وما دمنا قد اتفقنا على تفاوت مراتبها, فأنا أدعوك إلى تأمل الجملة التالية:
"لله عليك نعمةٌ فارعها!"
وأنا أتحداك أن تأتي بجملة في عدد كلماتها بنفس معانيها ومقاصدها, وتكون أبلغ منها. فهل تقبل التحدي؟
فكان من جوابه أن تغيير ترتيب الجملة ممكن, ولا يغير من بلاغتها شيئا.
فأجبته:
قلتَ إن:" ارع نعمة الله عليك" و "لله عليك نعمة فارعها" بمعنى واحد وعلى درجة واحدة من جهة البلاغة. وهذا شيء عجيب فعلا, فإن عدم فهمك لسر صياغة الجملة على هذا النحو الذي تراه, يخبرني أنك لا تعلم شيئا عن مسألة التقديم والتأخير في العربية وما يفيده من معان بلاغية.
وليس مرادي من سؤالي سوى اختبار موقفك حين يتحداك خصم في أمر تراه في مقدورك, فلنقل إن حميتك تحركت لإجابة التحدي فاقترحت تغيير تركيب الجملة الذي ظننته لا ينقص من بلاغة الكلام.
ودعني أفترض جدلا أنك أبطلت التحدي, فهذا بيت القصيد, فجملتي أعلاه ليست في قمة البلاغة البشرية فضلا عن أن تكون معجزة, ولو غيرك سألت لسمعت من الاستدراكات ما تقر به أعين البليغ, ولكن لنقل إنك نقضت قولي وأظهرت بطلان التحدي, فهذا يدل على أمور يسرني أن تتأملها لعل الله أن يهديك فما ذلك على ربنا بعزيز:

1. تحركت فيك دواعي إجابة التحدي لا لشيء إلا لتثبت قوة حجتك في محاورة دخلناها بأسماء مستعارة, وموضوع التحدي جملة من أربع كلمات, وليست الهزيمة في مثل هذا ذات أثر يذكر, فكيف يكون حال من تحداهم رب العالمين في كتابه من مشركي العرب البلغاء أن يأتوا بكتاب من مثله, ثم لم يزل يتنزل معهم إلى أن تحداهم بسورة من مثله, ثم نكصوا وعجزوا؟ مع أن الدواعي لإجابة هذا التحدي عظيمة جدا, فهم من أشد الناس عداوة لصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم, وهم من أشد الناس حمية, ومن أفصحهم وأظهرهم بلاغة, ومن أملكهم لنواصي البيان, ومن أحرص الناس على هدم هذا الدين الذي سفه أحلامهم وأحلام آبائهم وكبرائهم وعاب دينهم وآلهتهم, وهم مع ذلك لم يزالوا على بلاغتهم ونبوغهم اللغوي, يعارض بعضهم بعضا, فلا يقال إن قدرتهم قد ذهبت.

2. ثم إنك ترى في زماننا هذا كيف تستعر الحرب الشاملة على هذا الدين, وأظهر وجوهها التشويه المستمر له في وسائل الإعلام ونشر الأكاذيب والإشاعات, وتصيد العثرات, واختلاق الشبهات. فهل تظن أن هؤلاء جميعا قديما وحديثا قد سكتوا عن إجابة التحدي زهدا وورعا؟ أم أنهم ما نكصوا إلا عجزا وخورا؟

3. هذا القدر يكفيك لتعلم ماذا نقصد بقولنا إن القرآن معجز, فأنت لم تفهم ما يفيده التقديم والتأخير في اللغة العربية. فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. لكن للفائدة: تأمل هداك الله هذه الآية العظيمة: (إياك نعبد) فهل تظن أنها تعادل قولنا "نعبد إياك". أو (ولله ما في السّماوات وما في الأرض) فهل تساوي قولنا "ما في السّماوات وما في الأرض لله"؟ كلا, بل إن هذا التقديم يفيد التخصيص والحصر.

فما دمت لا تتذوق أمثال هذه المسائل البلاغية فإن حسبك أن تعلم أن أهل البلاغة أجمعوا على أن معارضة هذا القرآن غاية لا تدرك, وأنه معجز, فهذا يكفيك. ثم إني أدعوك إلى الإيمان بهذا الكتاب العزيز الذي اشتمل على أسباب الهداية والسعادة في الدارين, وإن شئت أن تقف على دقائق بلاغته فلا مناص لك من أن تسلك سبيل ذلك, بتعلم كلام العرب والوقوف على أساليبهم في الخطابة والبلاغة والبيان, فإني أضمن لك إن فعلت أنك لن تعود بعدها أبدا لتقول :"أنا لا أرى القرآن بليغا بشكل معجز" بل ستقر معنا ومع جماهير البلغاء أنه بهر الناس عربهم وعجمهم بالإعجاز.

وإني أصدقك القول, إن عدم فهمك للإعجاز القرآني مصدره النقص الكبير في الملكة اللغوية في أصلها فضلا عن إدراك كمالاتها وحليتها التي هي بالنسبة للكلام كالزخرُف بالنسبة للبناء فإذا كنت لم تحصل أصل البناء فقل لي كيف تكون قادرا على تصور معنى الإعجاز البلاغي؟! على أنك لو استعملت عقلك لأدركت أن العجز عن النهوض للتحدي هو أعظم دليل على صحة الإسلام, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت تدري لم يتحد الناس بكلامه هو وإن كان أفصح العرب لأن كلامه ليس معجزا. ومامن أحد فهم الدرس البلاغي وأتقنه إلا عرف الفرق بين الكلامين وأنه بلا ريب كالفرق بين الله الخالق والبشر المخلوق.
 
عودة
أعلى