رد الامام الطبري للقراءات الشاذة في سورة البقرة

البهيجي

Well-known member
إنضم
16/10/2004
المشاركات
2,467
مستوى التفاعل
81
النقاط
48
العمر
65
الإقامة
العراق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين قرأت ما كتبه الطبري رحمه الله تعالى حول قراءة غلف من قوله تعالى(
وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ (88))
قال: (
والقراءة التي لا يجوز غيرها في قوله: (قلوبنا غلف)، هي قراءة من قرأ (غلف) بتسكين اللام - بمعنى أنها في أغشية وأغطية، لاجتماع الحجة من الْقَرَأَة وأهل التأويل على صحتها, وشذوذ من شذ عنهم بما خالفه، من قراءة ذلك بضم " اللام ".
وقد دللنا على أن ما جاءت به الحجة متفقة عليه، حجة على من بلغه. وما جاء به المنفرد، فغير جائز الاعتراض به على ما جاءت به الجماعة التي تقوم بها الحجة نقلا وقولا وعملا في غير هذا الموضع, فأغنى ذلك عن إعادته في هذا المكان) والذي يقصده هو في صفحة الجزء 2 : 210 ، 211 ، 265 ، 295
والقراءة المردودة هي قراءة ابن عباس رضي الله عنهما وهنا مشكل واضح : ما هي الاسباب التي تقتضي رد قراءة الصحابة وخاصة ابن عباس ؟
ارجو المشاركة والله تعالى اعلم .
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي البهيجي، أولا أود أن أنبه على أن ابن عباس رضي الله عنهما روي عنه كلا المعنيين في الآية.
- فعن الضحاك، عن ابن عباس في قوله:(وقالوا قلوبنا غلف)، قال: مملوءة علما، لا تحتاج إلى محمد صلى الله عليه وسلم ولا غيره.
- وعن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:(قلوبنا غلف)، أي في غطاء.
وفي رواية عنه (وقالوا قلوبنا غلف)، فهي القلوب المطبوع عليها.(انظر تفسير ابن جرير).

والمعنى الأول على قراءة الضم أي ضم اللام، وهذه القراءة ممن ذكرها عن الحبر ابن عباس رضي الله عنهما الإمام الطبراني رحمه الله تعالى، فقد قال في معجمه الأوسط:"حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن واقد قال حدثنا أبي قال حدثنا العباس بن الفضل عن سليمان بن ارقم عن الزهري عن عبيد الله بن عتبة عن بن عباس انه كان يقرأ قلوبنا غلف مثقلة اوعية للحكمة قال قالت اليهود حين دعاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ليتعلموا الحكمة كيف نتعلم وقلوبنا إنما هي غلف محكمة أى أوعية للحكمة."-ح 4636-.

وهذه القراءة إن كانت ثابتة عن ابن عباس (أي قراءة غلف بضم وسطها) فإنها لا تخرج عن حكم القراءة الشاذة، وإن كان القارئ بها حبر هذه الأمة، والسبب أنها اختل فيها شرط مهم من شروط قبول القراءة ألا وهو شرط التواتر أو الاستفاضة ( على خلاف بين العلماء فمنهم من يشترط التواتر ومنهم من يكتفي بالاستفاضة).

فمعلوم أن شروط القراءة الصحيحة ثلاثة:
1- موافقة الرسم أي رسم المصحف.
2- موافقة اللغة العربية ولو في وجه واحد.
3- صحة النقل وثبوته بالتواتر أو الاستفاضة.
وكل قراءة اختلت فيها هذه الشروط أو شرط واحد منها يحكم عليها العلماء بالشذوذ فلا تعتبر قرآنا.
فقراءة ابن عباس رضي الله عنهما (غلف بالضم) نلاحظ أنها موافقة للرسم وكذلك موافقة للغة العرب، لكن اختل فيها الشرط الثالث حيث لم تنقل إلا عن طريق الآحاد.

وهذه القراءة ممن قرء بها محمد بن محيصن مقرء أهل مكة (م123هــــــ)، وهو من القراء الأربعة المتتممين للقراء الأربعة عشر.
قال العلامة الزرقاني رحمه الله تعالى في مناهله:"ما وراء القراءات العشر مما صحت روايته آحادا ولم يستفض ولم تتلقه الأمة بالقبول شاذ وليس بقرآن وإن وافق رسم المصحف وقواعد العربية."-1/470-.
إذا فقراءة الضم ليست قرآنا لشذوذها.

ولعل للكلام بقية إن شاء الله تعالى.
والله أعلم وأحكم .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته جزاكم الله تعالى خيرا الاستاذ الكريم ناصر عبد الغفور على مشاركتكم .
وارغب بسؤالكم عن الفقرة التالية حيث ذكرت حضرتكم ما نصه:
(
فقراءة ابن عباس رضي الله عنهما (غلف بالضم) نلاحظ أنها موافقة للرسم )
ليست موافقة فتسكين اللام هو الرسم القرآني والله تعالى أعلم .
 
بارك الله فيك أخي العزيز البهيجي ووفقك الله لكل خير.
والشكر لك موصول لفتحك بابا جديدا من أبواب الحوار والنقاش حول كتاب الله الكريم.
بالنسبة لسؤالك أخي الكريم:
فالقراءة التي نسبها الإمام الطبراني رحمه الله تعالى للحبر ابن عباس رضي الله عنها، والمنسوبة كذلك للإمام ابن محيصن رحمه الله تعالى إنما اختل فيها شرط التواتر أو الاستفاضة حيث نقلت عن طريق الآحاد.
أما الموافقة للغة وللرسم فالشرطان متوفران.

وبيانه: أن الرسم إنما هو الحروف ولا دخل -والله أعلم- للنقط أو الحركات (وهو ما يسمى بالشكل) في ذلك، فإن هذه الأمور لم تكن في عهد الصحابة رضي الله عنهم، حيث لم تكن الحركات المعروفة عندنا من فتح وضم وكسر وسكون، فقد قيل أن أول من وضع هذه الحركات هو الإمام الخليل بن أحمد الفراهدي رحمه الله تعالى صاحب كتاب العين (المعجم الصعب هه)، وأما بالنسبة للنقط فقد قيل أن أول من وضعها أبو الأسود الدؤلي وقيل الحسن البصري وقيل غيره (رحمهم الله جميعا).

ولعي أضرب مثالا: قوله تعالى:( لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً )، فقد قرءت بفتح التاء وبضمها، وكلا القراءتين موافقتان للرسم.
يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى:"واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الكوفة وبعض قرّاء المدينة وهو أبو جعفر( لا تَسْمَعُ ) بفتح التاء، بمعنى: لا تسمع الوجوه. وقرأ ذلك ابن كثير ونافع وأبو عمرو( لا تُسْمَعُ ) بضم التاء، بمعنى ما لم يسمّ فاعله ويؤنَّث تسمع لتأنيث لاغية. وقرأ ابن محيصن بالضم أيضًا، غير أنه كان يقرؤها بالياء على وجه التذكير.
والصواب من القول في ذلك عندي، أن كلّ ذلك قراءات معروفات صحيحات المعاني، فبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيب." اهــــــــــــــــــــــــ.

وللفائدة: فقد عد بعض العلماء أمر الرسم علما من علوم القرآن، منهم الإمام السيوطي رحمه الله تعالى فقد خص النوع السادس والسبعين لهذا العلم، وعنونه ب"في مرسوم الخط وآداب كتابته"، ومما جاء فيه:
"قال أشهب سئل مالك هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء فقال لا إلا على الكتبة الأولى.
رواه الداني في المقنع ثم قال ولا مخالف له من علماء الأمة." اهـــــــــ.
وفي موضع آخر:" وقال يحيى بن أبي كثير ما كانوا يعرفون شيئا مما أحدث في المصاحف إلا النقط الثلاث على رءوس الآي، أخرجه ابن أبي داود.
وقد أخرج أبو عبيد وغيره عن ابن مسعود قال جردوا القرآن ولا تخلطوه بشيء.
وأخرج عن النخعي أنه كره نقط المصاحف.
وعن ابن سيرين أنه كره النقط والفواتح والخواتم." اهــــــــــــــــــــــــ.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
والله أعلم وأحكم ونسبة العلم إليه سبحانه أسلم.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم آمين ولكم مثلها وزيادة ...الاستاذ الفاضل ناصر عبد الغفور الحركات الاعرابية موجودة في القراءة
القرآنية فمسألة أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم لم يكتبوها لا يؤثر في الرسم القرآني لإن القرآن محفوظ في
الصدور وكذلك في السطور والله تعالى اعلم .
 
السلام عليكم
بارك الله فيك أخي الفاضل البهيجي.
الذي أريد أن أقوله هو أن الرسم القرآني الذي من شروط صحة القراءة موافقته، لا يشمل لا الحركات ولا النقاط، فالمصحف الأصلي كان خاليا من كل ذلك.
وكما أسلفت فالشكل لم يظهر إلا بعد زمن الصحابة رضوان الله عليهم.
ولا إشكال بالنسبة لذلك الجيل الفريد جيل الصحابة رضي الله عنهم الجيل الذي لم يسبقه جيل مثله ولن يأته مثله بعده.
قلت لم يكن لديهم أدنى إشكال لأنهم فرسان الميدان في لغة القرآن فالعربية كانت سليقة عندهم، بل كل العلوم التي دونت بعدهم من علوم اللغة والبلاغة وأصول الفقه وغيرها لم يكونوا في حاجة إليها لإلمامهم بها فطرة.
وبالمناسبة فقد نشرت منذ زمن بحثا حول افتراء من افتراءات المستشرقين له علاقة بموضوعنا.
وسمته ب (القول الفصل في دعوى المستشرقين بأن تعدد القراءات يرجع إلى خلو المصاحف من الإعجام و الشكل)
وهو موجود في ملتقانا الكريم في سبعة أجزاء.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته حياكم الله تعالى الاستاذ الفاضل ناصر عبد الغفور
أرجو إعادة النظر بقولكم :
(
أن الرسم القرآني الذي من شروط صحة القراءة موافقته، لا يشمل لا الحركات ولا النقاط، فالمصحف الأصلي كان خاليا من كل ذلك ) نعم كان مصحف الصحابة رضي الله تعالى عنهم خالياً من ذلك لكن عندما تمت إضافتها إليه
اعتمدوا على لفظ الآية الكريمة المحفوظة في صدور أهل العلم وهم تلقوها بالسند المتواتر عن الصحابة ، فجميع ما في
المصحف من نقاط وحركات وأحكام تلاوة تمت إستنباطها من المحفوظ الذي في الصدور ...والله تعالى اعلم .
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لعلي أوضح لك أخي البهيجي الأمر أكثر قريبا إن شاء الله تعالى.

أما بالنسبة لسؤال الأخ أسري أمير الدين، فمنهج الإمام الطبري بخصوص القراءات أنه يحكم بنفسه عليها، فإذا كانت اللفظة من القرآن الكريم فيها أكثر من قراءة فإنه يشير إلى ما ورد فيها من قراءات ثم يحكم إما بالجمع وتصحيح كلا القراءاتين فبأيهما قرأ القارئ فهو مصيب، أو يرجح إحدى القراءتين على الأخرى ويبين سبب هذا الترجيح.

من أمثلة الأول: قوله تعالى:( تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ) يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى:"واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الكوفة( تَصْلَى ) بفتح التاء، بمعنى: تصلى الوجوه. وقرأ ذلك أبو عمرو( تُصْلَى ) بضم التاء اعتبارًا بقوله:( تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ) ، والقول في ذلك أنهما قراءتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب." اهــــــــ.

ومن أمثلة الثاني (أي الترجيح): قوله تعالى: ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا )، يقول الإمام ابن جرير رحمه الله تعالى:" واختلفت القرّاء في قراءة قوله:( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) فقرأ ذلك عامَّة قرّاء الأمصار:( بَلْ تُؤْثِرُونَ ) بالتاء، إلا أبا عمرو فإنه قرأه بالياء، وقال: يعني الأشقياء.
والذي لا أوثر عليه في قراءة ذلك التاء، لإجماع الحجة من القرّاء عليه. وذُكر أن ذلك في قراءة أُبي:( بَلْ أَنْتُمْ تُؤْثِرُونَ ) فذلك أيضًا شاهد لصحة القراءة بالتاء." اهـــــــــــ
 
لضيق الوقت لم أتم بعد الجواب، ولعلي أعود لإتمامه في القريب إن شاء الله تعالى.
وبالمناسبة فقد سبق أن وضعت تساؤلا للنقاش في ملتقانا الكريم له علاقة بمنهج الإمام الطبري رحمه الله تعالى في القراءات:
https://vb.tafsir.net/forum/%D8%A7%D...A1%D8%A9%D8%9F
 
عودة
أعلى