رحلة فريدة في عالم الأسفار

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
الحج تلك الرحلة الفريدة في عالم الأسفار ؛ إنها رحلة العمر ، فقد فُرضت في العمر مرة واحدة ، وندب إلى تكرارها لما فيها من الفضل والأجر ، ينتقل المسلم فيها ببدنه وقلبه إلى بيت الله الحرام طاعة لله تعالى ، وتلبية لأمره ، واستجابة لتحقيق العبودية له سبحانه ، قال تعالى:  وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ  [آل عمران:97] .
إنها رحلة يعيشها المسلم بروحه وقلبه وجوانحه ، يجدد العهد مع الله ، بإعلان التوبة والأوبة والندم على ما فات مما اقترف من المعاصي والآثام ، راجيًا بذلك عفو الله ورضاه ومغفرته .
إليك إلهي قد أتيت ملبيا ... فبـارك إلهي حجتي ودعائيا
قصدتك مضطرًا وجئتك باكيًا ... وحاشاك ربي أن ترد بكائيا
كفاني فخرًا أنني لك عابـد ... فيا فرحتي إن صرت عبدًا مواليا
أتيت بلا زاد وجودك مطمعي ... وما خاب من يهفو لجودك ساعيا
لبيك إلهي قد حضرت مؤمِّلاً ... خلاص فؤادي من ذنوبي ملبيا​
والحج رحلة لا تشبهها رحلة في الفضل والأجر ، إلا من خرج بنفسه وماله في سبيل الله فلم يرجع من ذلك بشيء ؛ كما أخبر النبي  .
ولا يشبه الجهاد عمل إلا الحج ؛ وقد قال فيه النبي  " جهاد الكبير والصغير والضعيف والمرأة : الحج والعمرة " رواه النسائي عن أبي هريرة  ؛ وسألته أم المؤمنين عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ ؟ قَالَ : " لَا ؛ لَكُنَّ أَفْضَلُ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ " .
والحج من أفضل الأعمال ، فقد سئل : أي العمل أفضل؟ قال: " إيمان بالله ورسوله " قيل: ثم ماذا ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " قيل : ثم ماذا ؟ قال : " حج مبرور " متفق عليه .
والحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم ؛ مأخوذ من البر وهو الطاعة ؛ وقيل : هو المقبول ومن علامة القبول أن يرجع خيرًا مما كان ، ولا يعاود المعصية ؛ وقيل : هو الذي لا رياء فيه .
والحاج والمعتمر يفدون على الله تعالى ، ومن يفد على الكريم يُكرم ؛ فعن أبي هريرة  قال : قال رسول الله  : " وفد الله ثلاثة الغازي والحاج والمعتمر " وعن ابن عمر عن النبي  قال : " الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم "
وفي الحج مغفرة للذنوب ؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة  قال سمعت النبي  يقول : " من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه " ؛ وقد قال النبي  لعمرو بن العاص  : " أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله " رواه مسلم .
والحج المبرور ثوابه الجنة ؛ فقد قال رسول الله  : " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ؛ والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " .
وفي المتابعة بين الحج والعمرة نفي للفقر والذنوب ؛ فعن ابن عباس – رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله  : " تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد " .
والحج رحلة انكسار، وتواضع لله تعالى ، وترك للمظاهر والترف ، فدع عنك مظاهر الاستعلاء ، ولا تؤذ المسلمين ، أو تدفعهم ، أو تسابقهم .. وسر بسير الضعفاء .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : حَجَّ النَّبِيُّ  عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ وَقَطِيفَةٍ تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ أَوْ لَا تُسَاوِي ، ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لَا رِيَاءَ فِيهَا وَلَا سُمْعَةَ " .
وعن أبي موسى  قال : قال رسول الله  : " لقد مر بالروحاء سبعون نبيا ، فيهم نبي الله موسى  ، حفاة عليهم العباء ، يؤمون بيت الله العتيق "
وكان ابن عمر إذا نظر إلى ما أحدث الحجاج من الزي والمحامل يقول : الحاج قليل والركب كثير ، ثم نظر إلى رجل مسكين رث الهيئة تحته جوالق فقال : هذا نعم من الحجاج .
وفي الحج تتجلى المساواة في أعظم صورها ، فالجميع الغني والفقير ، الأبيض والأسود ، الحاكم والمحكوم ، قد طرحوا ما يميزهم ولبسوا زيًّا موحدًّا بسيطًا ؛ ليس هناك ( VIB ) ؛ ولا افتخار بآباء وجنسيات وألوان ولغات .
كما تتجلى فيه – أيضًا - معنى الوحدة .. وحدة المشاعر والشعائر والغاية والوسيلة ، فالنية واحدة والرب واحد والبيت واحد ؛ وفي أيام التشريق من حجة الوداع قال الرسول  : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ؛ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى " رواه أحمد ، إنها الممارسة العملية للوحدة والمساواة .
والحج مؤتمر سنوي من أعظم المؤتمرات العالمية وأخطرها ،إن أحسنا الاستفادة منه ففيه يمكن للمسلمين أن يتعارفوا ويتشاوروا في واقعهم وحالهم ،يضاف إلى ذلك ما يمكن أن يجنيه الحجاج من معارف ومنافع تحقيقًا لقوله تعالى : { ليشهدوا منافع لهم } .
ولقد أراد الله  أن تكون الكعبة قبلة المسلمين ومحور عباداتهم التي يلتقون عليها ويلتفون حولها .
إنه رحلة فريدة في عالم الأسفار ..
 
عودة
أعلى