رحلة التفسير وظروف الحياة

إنضم
09/03/2006
المشاركات
77
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
كل المفسرين قضوا سنوات عدة في رحلتهم مع التفسير ، تمر خلالها ظروف الحياة ، وتقلبات الأيام ، ونحن نقرأ في كتب التفسير

فتجد :

المفسر أحياناً ينشط فيبسط الكلام على الآية وألفاظها ، وأحياناً يجمل إجمالاً .

ومن أسباب ذلك أن التفسير رحلة عُمُر يعتري المفسر خلالها ظروف الحياة ، بل قد يصل أثر تلك الظروف الحياتية إلى واقع تفسيره للآيات ، فإذا ( نشط بسط ) وإذا ( فتر كسل ) ومن ذلك :

الرازي رحمه الله وعفا عنه :
لما ختم الكلام على سورة يوسف قال :
" تم تفسير هذه السورة بحمد الله تعالى يوم الأربعاء السابع من شعبان ، ختم بالخير والرضوان ، سنة إحدى وستمائة ، وقد كنت ضيق الصدر جداً بسبب وفاة الولد الصالح محمد تغمده الله بالرحمة والغفران وخصه بدرجات الفضل والإحسان " .
أثر ذلك على تفسيره :

من تأمل الآيات من قوله ( ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك إلى نهاية السورة ، ( عشر آيات ) وجدها مختلفة الأسلوب عن أسلوب

الرازي المعتاد ، ويكفي أن نعرف :

أنه لم يذكر في هذه الآيات أي مسألة ، مع أن تفسيره ملئ بقوله (وفيها مسائل ) ، كما أن الرازي الذي فسر الفاتحة (سبع آيات) في مجلد كامل ، نجده في آخر سورة يوسف يفسر (عشر آيات ) في أربع صفحات !!!

وفي نهاية الآيات ذكر انه كان ضيق الصدر جداً ، على وفاة ابنه الصالح رحمه الله ، فعرفنا السبب ،

وأنه لم ينبسط صدره للبسط في معاني الآيات .

لا أملك أمثلة أخرى لكني متأكد أن كتب التفسير تملك ذلك .

وأختم بأن ذلك يقودنا إلى التنبه لأمرين :

1ـ كما ينبغي مراعاة الجوانب العقدية والفقهية للمفسر ، فينبغي مراعاة الجوانب النفسية المتعلقة بما يمر على المفسر أثناء رحلة االتفسير تحديداً .

2ـ إنها الهمة العالية التي تجعل أحدهم – الرازي مثالاً – يكتب تفسيره مع موت ابنه ، أو يملي تفسيره في زنزانة سجنه ، أو أثناء غربته .
 
شكر الله لكم ياشيخ عقيل
فالمفسرون كغيرهم يعتريهم ما يعتري غيرهم من المنغصات والمكدرات..
فإضطراب الأمر ونزول البلايا والمحن على المرء لاشك انه يشغل ذهنه
تامل قصة عمر رضي الله عنه كيف نسي الآية وكأنه لأول مرة يسمعها
(((وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ..))) الآية
نسأل ان يجمع شتات قلوبنا
 
بارك الله فيكم أخي الكريم عقيل على هذه الإشارة اللطيفة التي تحتمل بحثاً طويلاً جديراً بالتأمل اثناء قراءة كلام المفسرين في بعض المواضع من كتب التفسير، والتي تظهر فيها آثار تأثره بأمرٍ من أمور الحياة، وقد كتب أخي عبدالعزيز الضامر بحثاً عن أثر المكان في التفسير ، وخصص الحديث عن أثر السجن في تفسير المفسرين الذين كتبوا تفاسيرهم في السجن، وكانت لفتة طيبة في البحث، لعغله ينشره أو يذكر لنا أبرز نتائجه .
وكنتُ أحرص على إبراز هذه المسألة في ترجمتي للمفسرين في برنامج (أهل التفسير) على قناة المجد العلميَّة، وكنتُ أجد لها صدى طيباً عند من يسمع مثل تلك الإشارات .
 
موضوع لطيف يجدر الوقوف حوله !
وكنتُ أحرص على إبراز هذه المسألة في ترجمتي للمفسرين في برنامج (أهل التفسير) على قناة المجد العلميَّة، وكنتُ أجد لها صدى طيباً عند من يسمع مثل تلك الإشارات .
منها على سبيل المثال: الحلقة التي كانت عن ابن عطية رحمه الله فقد كان في ضمنها وفقك الله وزادك :
(( وقد كان لمشاركته في الجهاد أثر في تفسيره، فإنك عندما تتأمل في تفسير ابن عطية لآيات الجهاد، تجد فيها روح ذلك المجاهد الذي كان يشارك في المعارك ويعرف ما يدور في ساحاتها وما يحيط بها من ملابسات.
ومن ذلك قوله عند تفسير قوله تعالى: ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) قال رحمه الله : (واستمر الإجماع على أن الجهاد على أمة محمد عليه السلام فرض كفاية إذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين، إلا أن ينزل العدو بساحة الإسلام فهو حينئذ فرض عين ) _ وكأنه يتحدث عن واقع الأندلس في ذلك الوقت ، عندما كان النصارى والأعداء يبيتون للمسلمين في مدنهم وقراهم في الأندلس _
وتجدون أيضا عند تفسير قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) يثني ابن عطية على المرابطين المجاهدين الذين اعتادوا وضع اللثام على وجوههم من حبهم له وشغفهم به ؛ ولذلك كان بعض المؤرخين يسمي دولة المرابطين (دولة الملثمين) لأنهم قد اعتادوا أن يضعوا اللثام على وجوههم في أيام المعارك وفي غيرها . إلا أنهم كانوا إذا التقت الصفوف فإنهم يميطون هذا اللثام عن وجوههم ، فيقول ابن عطية - رحمه الله - : (قال ابن عباس: يكره التلثم عند القتال).
قال الفقيه الإمام القاضي أبو محمد _رضي الله عنه الذي هو ابن عطية _: ( ولهذا والله أعلم يستن المرابطون بطرحه عند القتال على ضنانتهم به). يعني : أن المرابطين يستنون بسنة ترك اللثام عند القتال كأنهم يأخذون هذا من قول ابن عباس رضي الله عنهما.
ومن تدبر تفسير ابن عطية في تفسيره لآيات الجهاد وجد ما يدل على أنه كان يشارك كثيرا في المعارك )).
 
عودة
أعلى