رحلات المفسرين

إنضم
08/02/2009
المشاركات
614
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
وهو موضوع ممتع و (مروق = رائق)، ولا أدري إن كتب فيه قبل، ولو بحث لو وجد فيه مادة طيبة، لا سيما رحلات المغاربة والأندلسيين إلى المشرق العربي، ورصد أثر ذلك في التفسير، وأذكر أن القاضي ابن العربي المالكي الإشبيلي، كان له رحلة إلى المشرق دامت لعقد من الزمان (485ـ 495هـ) وكان لها أثرها الواضح في تفسيره، وغيره من كتبه، وهو يعد من أعلام فن الرحلات وأدبه، وله كتابات في ذلك، ضاع أكثرها.
 
...ورحلة الطبري وابن أبي حاتم...

...ورحلة الطبري وابن أبي حاتم...

رحلة ابن العربي كما حررها ضاعت بحكم الاضطراب السياسي الذي شهدته الفترة الأخيرة من حياته،لكن بالامكان جمعها من كتبه خاصة القانون والأحكام والقبس...ولعل أبرز من خدم هذا الجانب أخي د.السليماني،أما رحلة ابن أبي حاتم الرازي - أحد حفاظ المفسرين - ففيها من الطرائف التعليمية الكثير...، من ذلك أنه رحل الى مصر للأخذ عن أهلها،ومما أخذه هناك تفسير التابعي سعيد بن جبير من طريق عطاء الهذلي وجادة...ومن طرائف شدة حرصه على مجالسة أهل العلم أنه اشترى يوما سمكة،فبينما كان يحضرها للطبخ وصل وقت مجلس أحد الشيوخ فتركها نيئة وذهب الى المجلس ومنه الى آخر ولما رجع وقد نال منه الجوع والجهد أكلها ومن معه من طلبة العلم نيئة كما تركها!!!وقد أورثته شدة حرصه بركة في التحصيل،لكنه اشتهر عند الباحثين المعاصرين بالحديث،أما علمه بالتفسير فقد ظل محدودا...،ورغم ما بذل من جهود في جامعة أم القرى منذ ثلاثين سنة لخدمة ما بقي من تفسيره المسند،الا أن الاهتمام به (غطى عليه) الاحتفال بمعاصره الامام الطبري الذي اشترك معه في كثير من شيوخ الرحلة.
 
ابن العربي بالقدس

ابن العربي بالقدس

لقد ذكر ابن العربي في القبس خبرا غريبا جدا حول الصخرة التي تحت القبة في الحرم :
في تفسير سورة المؤمنون : الآية ١٨
qos1.png
وأنزلنا من السماء ماء ...
qos2.png
قال :

أربعة اتجاهات في تفسير العبارة
qos1.png
ماء
qos2.png
. وقال في الرابع : إن مياء الأرض كلها ثقب من تحت صخرة بيت المقدس ....فإنها صخرة نسعى في وسط مسجد الأقصى (كذا!) مثل الضرب ، قد انقطعت من كل جهة لا يمسكها إلا الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه...إلى آخر الفقرة .
وورد عند مجير الدين العليمي ( ت ١٥٢٢ م ) هذا النظر حول الصخرة مع قصة أخرى وبغير إحالة إلى ابن العربي .
أما عبد الغني بن اسماعيل النابلسي ( ت ١٧٣١ م ) فذكر هذا التفسير مشيرا إلى ما جاء عند ابن العربي (وأفاد أيضا أن البناء حول الصخرة من أعمال الأفرنج ! - إلا أن هذا الأمر لا يهمنا هنا) .
سؤالي إلى القراء الكرام في هذا الملتقى :
هل هناك مفسرون آخرون يفسرون الآية المذكورة مثل تفسير ابن العربي ؟

ذكرت هذا الخبر قبل عام بالضبط :
http://vb.tafsir.net/tafsir33633/
 
د. موراني (وفقك الله لما يحب ويرضى)
دائما تخرج بنا إلى مواضيع أخرى.
حسناً، بالنسبة لما ذكرتم في تفسير آية سورة المؤمنون (18) فقد رجعت إلى تفسير القاضي ابن العربي (أحكام القرآن) فلم أجده ذكر ما يتعلق بصخرة بيت المقدس، وذكر شيئا آخر قريباً منه: في المسألة الخامسة: (( روى ابن عباس وغيره أن النبي r قال: (أنزل الله من الجنة إلى الأرض خمسة أنهار: سيحون: وهو نهر الهند، وجيحون: وهو نهر بَلْخ، ودجلة والفرات: وهما نهرا العراق، والنيل: وهو نهر مصر، أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة في أسفل درجة من درجاتها، فاستودعها الجبال، وأجراها في الأرض، وجعل فيها معايش للناس في أصناف معايشهم)، وذلك قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض} [المؤمنون: 18] فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله جبريل فرفع من الأرض القرآن والعلم، وهذه الأنهار الخمسة؛ فيرفع ذلك إلى السماء، وذلك قوله: {وإنا على ذهاب به لقادرون} [المؤمنون: 18])). وهذا جائز في القدرة إن صحت به الرواية.... وإنما الذي في الصحيح: (أن النبي r ليلة الإسراء رأى سدرة المنتهى، وذكر ما أنشأ من الماء ومن النبات. اهـ [ يعني: أنه رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقلت: يا جبريل، ما هذه الأنهار؟ قال: أما النهران الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران: فالنيل والفرات. صحيح مسلم (164)].
وقد ذكر القاضي الصخرة في أول سورة المائدة فقال في المسألة الرابعة: (شاهدت المائدة بطُوْر زيتا مراراً، وأكلت عليها ليلاً ونهاراً، وذكرت الله سبحانه فيها سراً وجهاراً، وكان ارتفاعها أسفل من القامة بنحو الشِبر، وكان لها درجتان قلبياً وجوفياً، وكانت صخرة صلداء لا تؤثر فيها المعاول، فكان الناس يقولون: مسخت صخرة، إذْ مسخ أربابها قردة وخنازير.
والذي عندي: أنها كانت في الأصل صخرة قطعت من الأرض محلاً للمائدة النازلة من السماء، وكل ما حولها حجارةٌ مثلها، وكان ما حولها محفوفاً بقُصُور، وقد نحت في ذلك الحجر الصلد بيوت، أبوابها منها، ومجالسها منها مقطوعة فيها، وحناياها في جوانبها، وبيوت خدمتها قد صورت من الحجر، كما تصور من الطين والخشب، فإذا دخلت في قصر من قصورها ورددت الباب وجعلت من ورائه صخرة كثمن درهم لم يفتحه أهل الأرض للصوقه بالأرض؛ فإذا هبت الريح وحثت تحته التراب لم يفتح إلا بعد صب الماء تحته والإكثار منه، حتى يسيل بالتراب وينفرج منعرج الباب، وقد مات بها قوم بهذه العِلَّة، وقد كنت أخلو فيها كثيراً للدرس، ولكني كنت في كل حين أكنس حول الباب مخافةَ مما جرى لغيري فيها، وقد شرحت أمرها في كتاب ترتيب الرحلة بأكثر من هذا).
وبالنسبة لنقلكم من القبس فأود تصحيح العبارة إلى: (اختلف الناس في تأويل هذه الآية على أربعة أقوال:... الرابع: قيل: إن مياه الأرض كلها تخرج من تحت صخرة بيت المقدس وهي من عجائب الله في أرضه[!]، فإنها صخرة تسعى في وسط مسجد الأقصى، مثل الضرب، قد انقطعت من كلجهة لا يمسكها إلا الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه...). [الضرب: ما نتأ من الحجارة، وحدَّ طَرَفُه].
والذي ذكره ابن العربي ليس خبراً، والمسجد الأقصى ليس بحرم. هذا ما تيسر، والله أعلم.
 
جاء النص في القبس كما ذكرت أنا قبل عام بإسقاط كلمات حيث ظهرت النقط الثلاثة . (بتحقيق أيمن نصر الأزهري وعلاء إبراهيم الأزهري . دار الكتب العلمية ١٩٩٨ ) .
أربعة اتجاهات في تفسير العبارة
qos1.png
ماء
qos2.png
. وقال في الرابع :
(هذا قولي للاختصار).
والأهم كما يبدو لي أنّ الرحال ابن العربي عثر على هذه روايات وأخبار أو أساطير (كما تحب!) أثناء إقامته في بيت المقدس. غير أنني لم أجد شاهدا لهذا إلا فيما بعد والمشار إليه في المشاركة الأولى . وفي آخر هذه الفقرة يذكر الرحال ابن العربي عجائب أخرى لا وجود لها عند غيره حسب علمي ، والكل يدخل من باب العجائب والأساطير إلا أنها لا ذكر لها في المؤلفات [فضائل بيت المقدس] المطبوعة .
هذا ، قبة الصخرة والمسجد الأقصى كلاهما في الحرم ، كما يقول أهل البلد في [الحرم الشريف] ، ومن نفى هذا فلا محل له بينهم ولا مكانة وعزة ....
 
تصحيحي تم من تحقيق دكتور محمد عبد الله ولد كريم (طبعة ابن الجوزي)
والقاضي أبو بكر ابن العربي ليس مجرد (رحالة) بل هو إمام عالم فقيه حافظ قاضي، وما دونه نتيجة مشاهدة واقعية حقيقية، وليست أساطير ولا عجائب أو حكايات منقولة (أو متناقلة).
ولا يلزم ورودها في الكتب التي أشرت إليها.
وبالنسبة لما قلته من أنه لا يوجد إلا حرمان شريفان فقط الحرم المكي والحرم المدني، وعلى المثبت الدليل.
والفضيلة إنما هي للمسجد الأقصى وليست لقبة الصخرة، الذي يظنه الكثير أنه المراد بالمسجد الأقصى، وله من سياسة يهود.
وغريب قولك:(ومن نفى هذا فلا محل له بينهم ولا مكانة وعزة ....)!!!
 
بارك الله فيك ! أنا أعلم منزلة ابن العربي وشهرته علما يقينا ولا يخفى على شيء منه .
هذا ، والكثير يقول (كذا في الغرب أيضا) أن قبة الصخرة هو مسجد عمر . وليس هناك سياسة يهود كما تزعم ، بل أهم الدراسات العلمية حول الفن الاسلامي والفن المعماري والهندسي المتعلقة بقبة الصخرة وصلت إلينا من أقلام المستشرقين والمتخصصين في الفنون الاسلامية هناك ، بما في ذلك نشر الكتابة العتيقة حول تأسيس البناء بأمر عبد الملك بن مروان . وفضيلة القبة أن الإسراء تم من تلك الصخرة حسب الروايات . وهناك أراد إبراهيم ذبح ابنه - حسب الروايات أيضا .
وقولي في آخر مشاركتي ليس غريبا ، الأمر هكذا ، ولو لم يكن هكذا لم أشر إلى هذا الواقع أو إلى هذا موقف أهل البلد .
 
هذا مقتطف من رحلة الشهيد المفسر سيد قطب رحمه الله الى امريكا


كنا على ظهر الباخرة في عرض الأطلنطي في طريقنا إلى نيويورك، حينما أقمنا صلاة الجمعة على ظهر المركب..
ستة من الركاب المسلمين من بلاد عربية مختلفة وكثير من عمال المركب أهل النوبة. وألقيت خطبة الجمعة متضمنة آيات من القرآن في ثناياها. وسائر ركاب السفينة من جنسيات شتى متحلقون يشاهدون! وبعد انتهاء الصلاة جاءت إلينا- من بين من جاء يعبر لنا عن تأثره العميق بالصلاة الإسلامية- سيدة يوغسلافية فارة من الشيوعية إلى الولايات المتحدة! جاءتنا وفي عينيها دموع لا تكاد تمسك بها وفي صوتها رعشة. وقالت لنا في انجليزية ضعيفة: أنا لا أملك نفسي من الإعجاب البالغ بالخشوع البادي في صلاتكم..
ولكن ليس هذا ما جئت من أجله.. إنني لا أفهم من لغتكم حرفاً واحداً. غير أنني أحس أن فيها إيقاعاً موسيقياً لم أعهده في أية لغة.. ثم.. إن هناك فقرات مميزة في خطبة الخطيب. هي أشد إيقاعاً. ولها سلطان خاص على نفسي!!! وعرفت طبعاً أنها الآيات القرآنية، المميزة الإيقاع ذات السلطان الخاص! لا أقول: إن هذه قاعدة عند كل من يسمع ممن لا يعرفون العربية.. ولكنها ولا شك ظاهرة ذات دلالة!


وهذا رابط كتاب امريكا التي رايت لسيد قطب يجسد فيه رحلته الى الولايات المتحدة ونظرته للشعب الامريكي الذي يصفه بالبدائي


أمريكا التى رأيت
سيد قطب
أمريكا التى رأيت
1ـ أمريكا الدنيا الجديدة
أمريكا …

الدنيا الجديدة … ذلك العالم المترامى الأطراف , الذى يشغل من أذهان الناس وتصوراتهم ، أكثر مما تشغل من الأرض رقعته الفسيحة ، وترف عليه أخيلتهم وأحلامهم , بالأوهام والأعاجيب ، وتهوى إليه الأفئدة , من كل فج ، شتى الأجناس والألوان ، شتى المسالك والغايات ، شتى المذاهب والأهواء .
أمريكا …
تلك المساحات الشاسعة من الأرض بين الأطلنطى والباسيفيكى .
تلك الموارد التى لا تنضب من المواد والخامات ، ومن القوى والرجال .
تلك المصانع الضخمة التى لم تعرف لها الحضارة نظيرًا .
ذلك النتاج الهائل الذى يعيا به العد والإحصاء .
تلك المعاهد والمعامل والمتاحف المبثوثة فى كل مكان .
عبقرية الإدارة والتنظيم التى تثير العجب والإعجاب .
وذلك الرخاء السابغ كأحلام الجنة الموعودة .
ذلك الجمال الساحر فى الطبيعة والوجود والأجسام .
تلك اللذائذ الحرة الطلقة من كل قيد أو عرف .
تلك الأحلام المجسمة فى حيز من الزمان والمكان ….
أمريكا هذه كلها ..
ما الذى تساوية فى ميزان القيم الإنسانية ؟
وما الذى أضافته إلى رصيد البشرية من هذه القيم ، أو يبدو أنها ستضيفه إليه فى نهاية المطاف ؟ .
أخشى ألا يكون هناك تناسب بين عظمة الحضارة المادية في أمريكا ، وعظمة ( الإنسان ) الذي ينشئ هذه الحضارة , وأخشى أن تمضى عجلة الحياة ، ويطوى سجل الزمن ، وأمريكا لم تضف شيئًا ـ أو لم تضف إلا اليسير الزهيد ـ إلى رصيد الإنسانية من تلك القيم ، التى تميز بين الإنسان والشيء ، ثم بين الإنسان والحيوان .
إن كل حضارة من الحضارات التى مرت بها البشرية ، لم تكن كل قيمتها , فيما ابتدعه الإنسان من آلات ، ولا فيما سخره من قوى ، ولا فيما أخرجت يداه من نتاج .
إنما كان معظم قيمتها , فيما اهتدى إليه الإنسان من حقائق عن الكون ، ومن صور وقيم للحياة ، وما تركه هذا الاهتداء فى شعوره من ارتقاء , وفى ضميره من تهذيب ، وفى تصوره لقيم الحياة من عمق ، والحياة الإنسانية بوجه خاص ، مما يزيد المسافة بعداً فى حسابه وحساب الواقع ، بينه وبين مدراج الحيوانية الأولى ، فى الشعور والسلوك ، فى تقويم الحياة وتقويم الأشياء ( 1 ) .
فأما ابتداع الآلات ، أو تسخير القوى ، أو صنع الأشياء ، فليس له فى ذاته وزن فى ميزان القيم الإنسانية ، إنما هو مجرد رمز لقيمة أساسية أخرى : هى مدى ارتقاء العنصر الإنسانى فى الإنسان ، ومدى ما أضاف إلى رصيده الإنسانى من ثراء فى فكرته عن الحياة ، وفى شعوره بهذه الحياة .
هذه القيمة الأساسية هى موضع المفاضلة والموازنة بين حضارة وحضارة ، وبين فلسفة وفلسفة ، كما أنها هى الرصيد الباقى وراء كل حضارة ، المؤثر فى الحضارات التالية ، حين تتحطم الآلات وتفنى الأشياء ، أو حين تنسخها آلات أجدّ وأشياء أجود ، مما يقع بين لحظة وأخرى ، فى مشارق الأرض ومغاربها .
وإنه ليبدو أن العبقرية الأمريكية كلها قد تجمعت وتبلورت , فى حقل العمل والإنتاج ، بحيث لم يبق فيها بقية تنتج شيئًا , فى حقل القيم الإنسانية الأخرى .
ولقد بلغت فى ذلك الحقل ما لم تبلغه أمة ، وجاءت فيه بالمعجزات التى أحالت الحياة الواقعية إلى مستوى فوق التصور ووراء التصديق , لمن لم يشهدها عياناً .
ولكن ( الإنسان ) لم يحفظ توازنه أمام الآلة ، حتى ليكاد هو ذاته يستحيل آلة ، ولم يستطع أن يحمل عبء العمل , وعبء ( الإنسان ) ! .
وإن الباحث فى حياة الشعب الأمريكى , ليقف فى أول الأمر حائرًا أمام ظاهرة عجيبة ، قد لا يراها فى شعب من شعوب الأرض جميعًا :
شعب يبلغ فى عالم العلم والعمل ، قمة النمو والارتقاء ، بينما هو فى عالم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) فى الظلال ( 2: 1091 ) : تعرض سيد قطب لتفسير قوله تعالى : ** فلما نسوا ما ذُكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ، حتى إذا فرحوا بما أتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } الأنعام : 44 ، يقول : لقد كنت فى أثنائ وجودى فى الولايات المتحدة الأمريكية أرى رأى العين مصداق قول الله تعالى ** فلما نسوا ما ذُكروا به فتحنا عليهم أبوا ب كل شيء } فإن المشهد الذى ترسمه هذه الآية مشهد تدفق كل شيء من الخيرات والأرزاق بلا حساب , وكنت أرى غرور القوم بهذا الرخاء وفى صلف , على أهل الأرض كلهم .. كنت أرى هذا كله فأذكر هذه الآية , وأتوقع سنة الله … وأكاد أرى خطواتها وهى تدب إلى الغافلين .

الشعور والسلوك بدائى , لم يفارق مدراج البشرية الأولى ، بل أقل من بدائي ( 1 ) فى بعض نواحى الشعور والسلوك ! .
ولكن هذه الحيرة تزول , بعد النظرة الفاحصة , فى ماضى هذا الشعب وحاضره ، وفى الأسباب التى جمعت فيه , بين قمة الحضارة وسفح البدائية :
فى العالم القديم آمن الإنسان بقوى الطبيعة المجهولة ، وصاغ حولها الخرافات والأساطير ، وآمن بالدين ، وغمرت روحه أضواؤه ورؤاه ، وآمن بالفن وتجسمت أشواقه ألواناً وألحاناً وأوزاناً ..
ثم آمن بالعلم أخيرًا ، بعد ما انقسمت نفسه لأنماط من الإيمان ، وألوان من المشاعر ، وأشكال من صور الحياة , وتهاويل الخيال ، بعد ما تهذبت روحه بالدين ، وتهذب حسه بالفن ، وتهذب سلوكه بالاجتماع ، بعد ما صيغت مثله ومبادئه من واقعية التاريخ ، ومن أشواقه الطليقة .
وسواء تحققت هذه المباديء أم لم تتحقق فى الحياة اليومية ، فقد بقيت على الأقل هواتف فى الضمير ، وحقائق فى الشعور ، مرجوة التحقق فى يوم من الأيام ، قرب أم بعد ، لأن وجودها حتى فى عالم المثال وحده ، خطوة واسعة من خطوات البشرية فى مدارج الإنسانية ، وشعاع مضيء من الرجاء فى تحقيقها يومًا من الأيام .
أما فى أمريكا فقد وُلد الإنسان على مولد العلم ، فآمن به وحده ، بل آمن بنوع منه خاص ، هو العلم التطبيقى ، لأنه وهو يواجه الحياة الجديدة فى القارة الجديدة ، وهو يتسلم الطبيعة هنالك بكراً جامحة عتيدة ، وهو يهم أن ينشيء ذلك الوطن الجديد الذى أنشأه بيده ، ولم يكن له من قبل وجود ، وهو يصارع ويناضل لبناء هذا الوطن الضخم .. كان العلم التطبيقى هو خير عون له فى ذلك الجهد العنيف , لأنه يسعفه بالأداة العملية الفعالة , فى مجال البناء والخلق والتنظيم والإنتاج .
ولم يفرغ الأمريكى بعد من مرحلة البناء ، فما تزال هناك مساحات شاسعة لا تكاد تحد من الأراضى البكر التى لم تمسسها يد ، ومن الغابات البكر التى لم تطأها قدم ، ومن المناجم البكر التى لم تُفتح ولم تُستغل ، وما يزال ماضياً فى عملية البناء الأولى ، على الرغم من وصوله إلى القمة فى التنظيم والإنتاج .
ويحسن ألا ننسى الحالة النفسية التى وفدها بها الأمريكى إلى هذه الأرض
9836651.jpg


http://goo.gl/wg8yZF
 
عودة
أعلى