رجـال طلبوا العلم على أيدي النساء (( شيخات الإمام المنذري وابن القيم ))

إنضم
05/02/2006
المشاركات
485
مستوى التفاعل
4
النقاط
18
رجـال طلبوا العلم على أيدي النساء (( شيخات الإمام المنذري وابن القيم ))

بمناسبة فقدنا لشيختين كبيرتين في العالم الاسلام من قريب وهما الشيختان المقرئة أم السعد والشيخة نفيسة الكتانية
أحببت الإدلاء بهذا الموضوع الذي وجدته في أرشيفي وهو منقول منه :

إن التاريخ يذكر لنا عالمات جليلات من النساء وفقيهات وأديبات منهن :
سكينة بنت الحسين .
ونفيسة من نسل الحسن .
وزينب طبيبة بني أود في زمن بني أمية .
وذكر ابن عساكر أن عدد شيوخه من النساء كان بضعاً وثمانين امرأة، وكريمة المروزية كانت من من رواة صحيح الإمام البخاري .


وأم الحسن بنت القاضي أحمد بن عبدالله الطنجالي اشتهرت بالشعر وحفظ القرآن والطب.
ويكفي القارئ أن يرجع إلى كتاب (( أعلام النساء )) ليرى الثروة العظيمة في مكتبتنا من إبداعات النساء وتميزهن في العلوم.
ولكي يكون حديثنا دقيقاً أكثر أردت أن أبين للقارئ شيوخ عالمين جليلين من علماء الأمة،
وهما الإمام الحافظ (( المنذري )) الراوي المعروف، والإمام العلامة (( ابن القيم )) رحمهما الله تعالى، فقد كان من بين شيوخهما النساء، وطلبا العلم على أيديهما، ونستطيع أن نتعرف عليهم كالتالي:
الحـافظ المـنذري ( المتوفى سنة 656 هـ )
البــلد اســـــــــم الشيخــة
مصر صفاء العيش عبدالله الأشرفية الخمرية ( متوفاة 627 هـ )
أم حسن غفيبـة بنت عـنان السعديـة ( متوفاة 635 هـ )
أم فضل كريمـة بنت الحـق الشافعية ( متوفاة 641 هـ )
أم مفتوح بنت إبراهيم الشامية المصرية ( متوفاة 625 هـ )
أم أبي العباس عزيزة بنت عبدالملك القرشية ( متوفاة 634 هـ )
الاسكندرية أم محمد خديجة بنت المفضل المقدسية ( متوفاة 618 هـ )
خديجة بنت الحافظ أبي الطاهر السلفي ( متوفاة 623 هـ )

دمشق نعمة بنت علي يحي الطراح ( 604 هـ )
كريمة عبدالوهاب علي الأسدية (641 هـ )

بغداد أم الحياة فرحة قراطاش العوني ( 598 هـ )
عاتكة بنت الحافظ أبي العلاء الهمدانية ( 609 هـ )
أم عبدالرحمن يحي بن علي الهمذاني ( 611 هـ )
حفصة أحمد البغدادية ( 612 هـ )
لامعة أبي بكر المبارك البغدادي ( 613 هـ )

أصبهان أم هانئ عفيفة أحمد الفارفانية ( 606 هـ )
عائشة معمر الفاخر الاصبهانية ( 607 هـ )
عين الشمس أحمد الثقفي ( 610 هـ )

نيسابور أم المؤيد زينب عبدالرحمن الجرجاني ( 615 هـ )
همذان فاطمة الحسن أحمد الهمذاني ( 617 هـ )
حران زهراء عبدالقادر الرحفاوي ( 632 هـ)



الإمام ابن القيم ( المتوفى سنة 656 هـ )

البــلد اســــــــم الشيخــة
دمشق ست الكتبة نعمة علي الطراح البغدادي ( متوفاة 604 هـ )
كريمة عبدالوهاب القرشية ( متوفاة 641 هـ )

القاهرة أم عبدالكريم فاطمة سعد الأنصاري ( متوفاة 600 هـ )

الاسكندرية خديجة أحمد محمد الأصبهاني ( متوفاة 623 هـ )

بغداد فرحة قراطاش العوني ( متوفاة 598 هـ )
عاتكة الحسن الهمذانية ( متوفاة 618 هـ )
أم عبدالرحمن يحيى علي البغدادي ( متوفاة 623 هـ )
حفصة أحمد الأزجية ( متوفاة 641 هـ )
لامعة أبو بكر الخفاف

أصبهان عفيفة أحمد الفارفانية ( 598 هـ )

نيسابور زينب عبدالرحمن النيسابوري ( 609 هـ )

همذان فاطمة الحسن الهمذاني (611 هـ )

وكذلك كان (( ابن الجوزي )) رحمه الله تعالى فقد ذكر في مشيخته أنه سمع من ثلاث نسوة، وأورد بسنده ثلاثة أحاديث عن كل واحدة منهن حديثاً:

الأولى: فاطمة بنت محمد بن الحسين بن فضلويه الرازي البزاز .
قال عنها : كانت شيختنا فاطمة واعظة متعبدة، لها رباط تجتمع فيه الزاهدات، سمعت أبا جعفر بن المسلمة، وأبا بكر الخطيب وغيرهما، وتوفيت في ربيع الأول من سنة إحدى وعشرين وخمسة مئة .
الثانية: فاطمة بنت أبي حكيم عبدالله بن إبراهيم الخبري.
قال عنها: كانت شيختنا هذه خالة شيخنا أبي الفضل بن ناصر، وكانت خيرة، وتوفيت في رجب سنة أربع وثلاثين وخمس مئة .
والأخيرة: شهدة بنت أحمد بن الفرج بن عمر الإبري، قال : (( سمعت شهدة من بن جعفر بن السراج وطراد وغيرهما، وكان لها خط حسن، وعاشت مخالطة لدار الخلافة، وكان لها بر ومعروف وقاربت المئة، وتوفيت في محرم سنة أربع وسبعين وخمس مئة، ودفنت بمقبرة باب بيرز )).
فالنساء تميزن في التاريخ الإسلامي بالعلم وتعليم الناس، حتى قال الإمام الشوكاني مادحاً النساء العالمات والمحدثات: إنه لم ينقل عن أحد من العلماء بأنه رد خبر امرأة لكونها امرأة، فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول من امرأة واحدة من الصحابة، وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة .
بل إن العجب في الأمر أن الإمام الذهبي رحمه الله كان يتحسر على عدم لقيا العالمة الجليلة
(( أم محمد سيدة بنت موسى بن عثمان المارانية المصرية ( المتوفاة سنة 695 هـ )
قال رحمه الله تعالى في ترجمتها: (( وقد رحلت إلى لقياها، فماتت وأنا بفلسطين في رجب سنة خمس وتسعين وست مئة ))، وقال أيضاً: (( كنت أتلف على لقياها، ورحلت على مصر وعلمي أنها باقية، فدخلت فوجدتها قد ماتت من عشرة أيام، توفيت يوم الجمعة سادس رجب وأنا بوادي فحمة )) .

2- عائلة علم بسبب الوالد
عائلة ابن حجر العسقلاني فيها كثير من طالبات علم الحديث النبوي.
الحافظ ابن حجر العسقلاني خاتمة أمراء المؤمنين في الحديث، اسم مشهور عند من له أدنى عناية بالحديث النبوي، وكتابه (( فتح الباري )) من الكتب النافعة المانعة الجامعة، ويعد – بحق – شرحاً للكتب الستة ( الصحيحين ، والسنن الأربعة )، وقد قيل فيه: (( لا هجرة بعد الفتح )) .
هذا الإمام العلامة كانت له عناية فائقة بتدريس زوجاته وبناته الحديث النبوي، وبرز في عائلته غير واحدة أتقنت هذا العلم واشتهرت بالرواية، وإليك بيان ذلك بالتفصيل:

- أخته
أخته ست الركب بنت علي بن محمد بن محمد بن حجر العسقلانية (ت 798 هـ)
كانت قارئة كاتبة، أعجوبة في الذكاء، أثنى عليها، وقال : ((وكانت أمي بعد أمي )). وذكر شيوخها وإجازاتها من مكة ودمشق وبعلبك ومصر، وقال: (( تعلمت الخط، وحفظت الكثير من القرآن ،وأكثرت من مطالعة الكتب، فمهرت في ذلك جداً )). وكان لها أثر حسن عليه،
قال: (( وكانت بي برة رفيقة محسنة ))، وقد رثاها بقصيدة عنها موتها .
وقد ذكر السخاوي تحصيلها وإنجازاتها وزواجها وأولادها، وأفاد أن لها ابنة اسمها موز ( ت 850 هـ )، أخذت عن خالها ابن حجر، وأخذ عنها السخاوي، ولكنها لم تعمر، وماتت في حياة خالها وصلى عليها رحمها الله تعالى.


- زوجته
زوجته أنس ابنة القاضي كريم الدين عبدالكريم بن عبدالعزيز ناظر الجيش
كان الحافظ ابن حجر حريصاً أشد الحرص على نشر العلم بين أهل بيته وأقاربه كحرصه على نشر العلم بين الناس، ومن بين الذين حرص عليهم زوجته أنس هذه، فقد أسمعها من شيخه حافظ العصر عبدالرحيم العراقي الحديث المسلسل بالأولية، وكذا أسمعها إياه من لفظ العلامة ابن الكويك، وأجاز لها باستدعاء عدد من الحفاظ، منهم: أبو الخير ابن الحافظ العلائي، وأبو هريرة عبدالرحمن ابن الحافظ الذهبي، ولم تكن الاستدعاءات لها لتقتصر على المصريين فقط، بل من الشاميين والمكيين واليمنيين.
وقد لمع نجم أنس هذه في علم الرواية في حياة زوجها، وكان في بعض الأحيان يداعبها بقوله : (( قد صرت شيخة ))، وكان زوجها يكن لها الاحترام الكبير، كما كانت هي عظيمة الرعاية له .
وقد حدثت بحضور زوجها، وقرأ عليها الفضلاء، وكانت تحتفل بذلك وتكرم الحاضرين، وقد خرج لها السخاوي أربعين حديثاً عن أربعين شيخاً وقراها عليها بحضور زوجها،وكانت كثيرة الإمداد للعلامة إبراهيم بن خضر ابن أحمد العثماني، ( ت 852 هـ )، العلامة المتفنن ،الذي كان يقرأ لها (( صحيح البخاري )) في رجب وشعبان من لك سنة، وتحتفل يوم الختم بأنواع من الحلوى والفاكهة، ويهرع الصغار والكبار على حضور ذلك اليوم قبيل رمضان بين يدي زوجها الحافظ، ولما مات الحافظ ابن خضر، قرأ لها سبطها يوسف ابن شاهين ولم تضبط لها هفوة ولا زلة .

- بناته
ابنته زين خاتون ( ت833 هـ )
اعتنى بها أبوها واستجاز لها في سنة ولادتها ( 802 هـ ) وما بعدها، وأسمعها على شيوخه كالعراقي والهيثمي، وأحضرها على ابن خطيب دارياً، وتعلمت القراءة والكتابة، وولدت يوسف بن شاهين المعروف بـ ( سبط ابن حجر ) الذي كانت له عناية بكتب جده، وكتب من أماليه، وصنف ونسخ كتب ابن حجر.
ولم تظهر لابنته زين خاتون رواية، ولم تشتهر بذلك لوفاتها شابة سنة ( 833 هـ ) عن نحو ثلاثين سنة وهي حامل، بالطاعون رحمها الله تعالى .

- ابنته فرحة (ت 828 هـ )
استجاز لها أبوها مع أمها واعتنى بها، وأسمعها من مشايخه.
- ابنتاه فاطمة وعالية ( كلاهما 819 هـ ) بالطاعون .
استجاز لهما أبوهما ابن حجر من جماعة.
- ابنته رابعة ( ت 832 هـ )
أسمعها والدها على المراغي بمكة سنة 815 هـ ، وأجاز لها جمع من الشاميين والمصريين.
وبالمناسبة فإن ابن حجر رحمه الله سمي بذلك لأنه كان يطلب العلم ويكتبه على الحجر من شدة فقره، ولم يكن لديه وسيلة أخرى يدون عليها العلم فهذا نموذج لعائلة متميزة علمياً، كان الأب العالم على رغم كثرة انشغاله إلا أنه يهتم بتعليم زوجته وأخته وبناته.
3- طرائف ومواقف في العلم العائلي وطلبه
1- زوجة تمدح كتاب زوجها
في (( مسالك الهداية )) لأبي سالم العياشي: أنشدني بعض الإخوان بالقاهرة لبنت الباعوني زوجة القسطلاني في كتابه (( المواهب )):
كتاب المواهب ما مثله
كتاب جليل وكم قد جمع
إذا قال غمرله مشبه
يقول الورى منك لا يستمع

2- كان المهر شرح كتاب أبيها
أورد العلماء في ترجمة أبي بكر الكاساني قصة حسنة تنبئ عن نبوغ بعض النساء في العلم، قالوا:
تفقه عليه الإمام أبو بكر السمر قندي وقرأ عليه معظم تصانيفه مثل (( التحفة في الفقه )) وغيرهما من كتب الأصول، وزوجه شيخه المذكور ابنته فاطمة الفقيهة العاملة، قيل: إن
سبب تزويجه بابنته أنها كانت حسناء النساء، وكانت حفظت (( التحفة )) من تصنيف والدها،
طلبها جماعة من ملوك بلاد الروم، فامتنع والدها، فجاء الكاساني ولزم والدها واشتغل بطلب العلم عليه، وبرع في علمي الأصول والفروع، وصنف (( كتاب البدائع )) وهو شرح (( التحفة )) وعرضه على شيخه، فازداد فرحاً به وزوجه ابنته وجعل مهرها منه ذلك، فقال الفقهاء في عصره: (( شرح تحفته فزوجه ابنته )). وجعل مهرها منه ذلك.
3- بنات متميزات
ألا ترى إلى بنت سعيد بن المسيب رضي الله عنهما لما أن دخل بها زوجها وكان أحد طلبة والدها، فلما أن أصبح، أخذ رداءه يريد أن يخرج، فقالت له زوجته: إلى أين تريد؟ فقال:إلى مجلس سعيد أتعلم العلم، فقالت له: اجلس أعلمك علم سعيد.
وكذلك ما روي عن الإمام مالك رحمه الله حين كان يقرأ عليه (( الموطأ )) فإن لحن القارئ في حرف أو زاد أو نقص تدق ابنته الباب، فيقول أبوها للقارئ : ارجع فالغلط معك،فيرجع القارئ فيجد الغلط.
وكذلك ما حكي عن أشهب أنه كان في المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وأنه اشترى خضرة من جارية وكانوا لا يبيعون الخضرة إلا بالخبز، فقال لها: إذا كان عشية
حين يأتينا الخبز، فأتنا نعطيك الثمن،فقالت :ذلك لا يجوز،فقال لها:ولم؟قالت:لأنه بيع طعام بطعام غير يد بيد، فسأل عن الجارية، فقيل له إنها جارية بنت مالك بن أنس رحمه الله تعالى.
4- أب يدعو الله أن يرزق ابنته زوجاً عالماً
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في ترجمة القاضي أبي بكر محمد بن عبدالباقي البغدادي البزاز الأنصاري ( ت 535 ببغداد ) :قال الشيخ الصالح أبو القاسم الخراز
الصوفي البغدادي :سمعت القاضي أبا بكر محمد بن عبدالباقي بن محمد البزاز الأنصاري يقول:
كنت مجاوراً بمكة حرسها الله تعالى فأصابني يوماً من الأيام جوع شديد ولم أجد شيئاً ادفع به عني الجوع، فوجدت كيساً من إبريسم مشدوداً بشرابة من إبريسم أيضاً، فأخذته وجئت به إلى بيتي، فحللته فوجدت فيه عقداً من لؤلؤ لم أر مثله، فخرجت فإذا بشيخ ينادي عليه، ومعه خرقة فيها خمسمئة دينار وهو يقول :هذا لمن يرد علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ،فقلت: أنا محتاج ،وأنا جائع ، فآخذ هذا الذهب فأنتفع به، وأرد عليه الكيس.
فقلت له: تعال إلى فأخذته وجئت به إلى بيتي، فأعطاني علامة الكيس وعلامة الشرابة،وعلامة اللؤلؤ وعدده،والخيط الذي هو مشدود به، فأخرجته ودفعته إليه،فسلم إلى خمسمئة دينار، فما أخذتها ،وقلت :يجب علي أن أعيده إليك، ولا آخذ له جزاء، قال لي:
لا بد أن تأخذ وألح علي كثيراً، فلم أقبل ذلك منه، فتركني ومضى .
وأما ما كان مني،فإنني خرجت من مكة وركبت البحر،فانكسر المركب وغرق الناس وهلكت أموالهم ، وسلمت أنا على قطعة من المركب، فبقيت مدة في البحر لا أدري أين أذهب، فوصلت إلى جزيرة فيها قوم،فقعدت في بعض المساجد، فسمعوني أقرأ،فلم يبق في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إلي وقال :علمني القرآن ، فحصل لي من أولئك القوم شيء كثير من المال .
ثم إني رأيت في ذلك المسجد أوراقا ًمن مصحف ، فأخذتها أقرأ فيها ، فقالوا لي:تحسن
تكتب؟فقلت:نعم،فقالوا:علمنا الخط، فجاؤوا بأولادهم من الصبيان والشباب،فكنت أعلمهم،فحصل لي أيضاً من ذلك شيء كثير،فقالوا لي بعد ذلك:عندنا صبية يتيمة ولها شيء من الدنيا نريد أن تتزوج بها،فامتنعت،فقالوا:لا بد وألزموني،فأجبتهم إلى ذلك.
فلما زفوها إلى مددت عيني أنظر إليها،فوجدت ذلك العقد بعينه معلقاً في عنقها،فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه،فقالوا:يا شيخ!كسرت قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد،ولم تنظر إليها،فقصصت عليهم قصة العقد،فصاحوا وصرخوا بالتهليل والتكبير حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة،فقلت:ما بكم؟فقالوا:ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية،وكان يقول:ما وجدت في الدنيا مسلماً إلا هذا الزي رد علي هذا العقد، وكان يدعو ويقول :اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي،ولآن قد حصلت،فبقيت معها مدة،ورزقت منها بولدين.
ثم إنها ماتت فورثت العقد أنا وولداي، ثم مات الولدان، فحصل العقد لي، فبعته بمئة ألف دينار، وهذا المال الذي ترونه معي من بقايا ذلك المال .
 
وكريمة هي التي قيل فيها : إنها ولدت 363 هـ وتوفيت 463 هـ بعد مائة سنة

جاورت أم الكرام " كريمة بنت احمد المرزوية " المسجد الحرام ، ورحلت في طلب العلم مع والدها ، وعاشت تحفظ وتروي وتعلم ، وتتلمذ على يدها كبر الفقهاء في عصرها ، وصفت بأنها كانت محدثة فاضلة ذات فهم ونباهة ، بل إليها انتهى علو الإسناد لصحيح البخاري ، ولم تفرط في منهجها ، لذا لم تقبل أن ينتسب إليها الخطيب في روايته للصحيح دون أن يقابل معها نسختها نسخته ، وذلك بأن تقرا عليه ، ثم يقرأ عليها ، وهي في خدرها من وراء حجاب ،

ولنا أن نتصوريالجهد الذي بذلته في سماعها للخطيب فقد قرأ عليها في خمسة أيام !

هل تعجبون هل تعجبيبن من أمرها ؟! كيف استطاعت أن توف هذا الوقت للعلم ؟.. ينتهي عجبك ربما حين تعلمين انها عاشت مئة سنة وماتت عام 463هـ ولم تتزوج .

وترجمها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله في العلماء العزاب

وكتب الأخ الفاضل مشرف الأكاديمية الإسلامية المفتوحة جوابا على هذا الإشكال يقول :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

فتواصلاً مع سؤال الأخت الكريمة عن امرأة من المحدثات أخذ عنها الإمام البخاري :

الذي يظهر بعد البحث على عجل : أن الإمام البخاري – رحمه الله تعالى - لم يتتلمذ على امرأة ، ولكن لا مانع من وجود ذلك وتصوره عقلاً وشرعاً وواقعاً .

وإنما الكلام عن الثبوت ، ومن المعلوم والمقرر أنه لا يثبت شيءٌ – من أمور الشرع أو التاريخ أو اللغة أو عموم العلوم - إلا إذا قام عليه الدليل .

أما كريمة المذكورة ، فهي : كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية ، وتكنى بأم الكرام ، وهي متأخرة عن البخاري جداً ، فمحال أن يكون البخاري تتلمذ عليها ، أو تتلمذت عليه .

وقد كانت كريمة هذه من المحدثات الشهيرات ، بل هي من شهيرات النساء عموماً ،

وتلقى عنها الحديثَ جماعةٌ من الأعلام الكبار ، منهم :

1- الحافظ الخطيب البغدادي ، صاحب تاريخ بغداد ، وإمام علوم الحديث ، والذي قيل عنه : كل من جاء بعده فهو عيال على كتبه في علوم الحديث .
2- أبو عبد الله محمد بن نصر ، الحميدي .
3- أبو المحاسن المصري ، المؤرخ المعروف .
4- الحافظ السمعاني ، المحدث والنسابة المشهور .
5- الحافظ أبو طالب الحسين بن محمد الزينبي .
وغيرهم كثير ...

وقد كانت مجاورة بمكة ، واشتهرت برواية وتدريس صحيح البخاري ، وأخذه عنها جماعة من الأعلام ، وكانت ذا فهم ونباهة ، قيل : توفيت عن نحو مئة سنة ، ولم تتزوج قط .

توفيت كريمة المروزية ( رحمها الله تعالى ) سنة ( 463 ) ، كما ترجم لها الحافظ ابن الجوزي في وفيات هذه السنة من تاريخه (( المنتظم في تاريخ الملوك والأمم )) ، [ 8 : 270 ] .
وكذا ترجم لها مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي في وفيات هذه السنة من كتابه (( العبر في خبر مَن غبر )) ، [ 3 : 254 ] .

وقد ترجم لها جماعة من المؤرخين ، منهم : ابن الأثير في الكامل ، وابن الجوزي في المنتظم ، والذهبي في السير ، وفي العبر ، وابن كثير في البداية والنهاية ، وابن العماد في شذرات الذهب ، والزركلي في الأعلام ، وغيرهم .


وهي قطعاً ليست من شيوخ البخاري ، بل هي من تلامذة تلامذة تلاميذ البخاري ، وقد روت الصحيح عن أبي الهيثم محمد بن المكي الكُشْمِيهني ، وغيره ، وبينها وبين البخاري أكثر من مائة عام ، فقد توفي البخاري رحمه الله في منتصف القرن الثالث سنة ( 256 ) ، وولدت كريمة المروزية بعد منتصف القرن الرابع سنة ( 363 ) ، وتوفيت بعد منتصف القرن الخامس سنة ( 463 ) .


والذي يظهر أن سبب الوهم في كون البخاري أخذ عنها أنها اشتهرت برواية صحيحه وإسماعه ، فارتبط اسمها باسم صحيح البخاري ، فلا يكاد أحد يترجم لها إلا أشار إلى ذلك ، ثم انتقل ذهن من توهم المشيخة بينهما إلى الربط الذهني بينها وبين البخاري ، فتوهما من مشايخه . والله أعلم .


ونظير هذا الوهم في كون كريمة المروزية شيخةً للإمام البخاري ما وقع فيه بعض من قام بتحقيق : طبقات الحفاظ للذهبي ، وطبقات الحفاظ للسيوطي ، وذلك حينما أورد في الفهارس المحدثة كريمة على أنها شيخةٌ للإمام أبي شامة المقدسي ، وهو من علماء القرن السابع ، ذكر هذا المحقق : أنها كريمة بنت أحمد المروزية ، ولعل ذلك لشهرتها .

والصواب أنها كريمة أخرى ، وهي : كريمة بنت عبد الوهاب الشامية ، التي ترجم لها الذهبي نفسه في تذكرة الحفاظ ، حيث أوردها في وفيات سنة ( 641 ) ، وقال [ 4 : 1434 ] : (( وفيها ماتت مسندة الشام ، أم الفضل ، كريمة بنت المحدث عبد الوهاب بن علي بن الخضر ، القرشية ، الزبيدية ، توفيت سنة ( 641 ) ، عن ( 95 ) سنة )) .

وقد ولد الإمام أبو شامة ( وهو : عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم ) سنة ( 599 ) ، وتوفي سنة ( 665 ) ، فكيف يسمع من كريمة المروزية مع أنها توفيت قبله بنحو قرن ونصف سنة ( 463 ) ؟*

ولكريمة المروزية والشامية نظائر كثيرات من النساء العالمات المحدثات في القرون الأولى ، بل وفي القرون المتأخرة ممن قمن بتدريس العلوم ، ولا سيما علم الحديث ...
ومن العلماء الكبار الذين أخذوا العلم – ولا سيما الحديث والرواية - عن بعض النساء : الإمام الزهري ، والإمام مالك بن أنس ، والإمام أحمد ، وأبو يعلى الفراء .
وكذا : أبو سعد السمعاني ، وابن عساكر ، وأبو طاهر السِّلَفي ، وابن الجوزي ، والمنذري ، وابن القيم ، والذهبي ، وابن حجر . رحمهم الله تعالى ...

وفي هذا المثال أو هذين المثالين حث للأخوات الكريمات على طلب العلم ، والصبر على تحصيله ، والحرص على نفع الناس به ، ولا سيما في هذا العصر الذي- مع كثرة الملهيات فيه - تنوعت فيه سبل طلب العلم ، وتعددت وسائل نشره بما يفوق الخيال ، وقد أقام الله بذلك الحجة على عباده ، وقطع عنهم المحجة ، فلله الحمد والشكر والمنة والثناء الحسن ، ونسأله المزيد من فضله وتيسيره (( وقل رب زدني علما )) .


وأختم بسباق ترجمة العالمة كريمة المروزية من الكتاب العظيم (( سير أعلام النبلاء )) ، لمؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي ، قال ( رحمه الله تعالى ) :

(( الشيخة ، العالمة ، الفاضلة ، المسنِدة ، أم الكرام ، كريمة بنت أحمد ابن محمد بن حاتم ، المروزية ، المجاورة بحرم الله .

سمعت من : أبي الهيثم الكشميهني صحيح البخاري ، وسمعت من زاهر بن أحمد السرخسي ، وعبد الله بن يوسف بن بامويه الأصبهاني .

وكانت إذا روت قابلت بأصلها .

ولها فهم ومعرفة مع الخير والتعبد .

روت الصحيح مرات كثيرة ، مرة بقراءة أبي بكر الخطيب في أيام الموسم .

وماتت بكرا لم تتزوج أبدا .

حدث عنها : الخطيب ، وأبو الغنائم النرسي ، وأبو طالب الحسين بن محمد الزينبي ، ومحمد بن بركات السعيدي ، وعلي بن الحسين الفراء ، وعبدالله بن محمد بن صدقة بن الغزال ، وأبو القاسم علي بن إبراهيم النسيب ، وأبو المظفر منصور بن السمعاني ، وآخرون .

قال أبو الغنائم النرسي : أخرجت كريمة إليَّ النسخة بالصحيح ، فقعدت بحذائها ، وكتبت سبعَ أوراق وقرأتها ، وكنت أريد أن أعارض وحدي فقالت : لا ، حتى تعارض معي فعارضت معها . قال : وقرأت عليها من حديث زاهر .

وقال أبو بكر بن منصور السمعاني : سمعت الوالد يذكر كريمة ، ويقول : وهل رأى إنسان مثل كريمة .

قال أبو بكر : وسمعت بنت أخي كريمة تقول : لم تتزوج كريمة قط ، وكان أبوها من كشميهن ، وأمها من أولاد السياري ، وخرج بها أبوها إلى بيت المقدس ، وعاد بها إلى مكة ، وكانت قد بلغت المئة .

قال ابن نقطة : نقلت وفاتها من خط ابن ناصر سنة خمس وستين وأربع مئة .
قلت [ الذهبي ] : الصحيح موتها في سنة ثلاث وستين .

قال هبة الله بن الأكفاني : سنة ثلاث .

حدثني عبد العزيز بن علي الصوفي قال : سمعت بمكة من مخبر بأن كريمة توفيت في شهور هذه السنة .

وقال أبو جعفر محمد بن علي الهمداني : حججت سنة ثلاث وستين فنُعيت إلينا كريمة في الطريق ولم أدركها )) . انتهى .


* ومن أراد الاستزادة وطلب المزيد في هذه المسألة وفروعها – ولا سيما أخواتنا الطالبات وخصوصاً صاحبة السؤال – فعليه بالرجوع إلى الكتاب القيم المفرد في هذا الباب :

- كتاب : (( عناية النساء بالحديث النبوي )) : صفحات مضيئة من حياة المحدثات حتى القرن الثالث عشر .
- تأليف : الشيخ : مشهور بن حسن بن سلمان( حفظه الله تعالى ) .
- طباعة ونشر : دار ابن عفان للنشر والتوزيع ، المملكة العربية السعودية ، المنطقة الشرقية – الخبر .
الطبعة الأولى ، عام ( 1414 ) .
- هاتف : ( 8987506 / 03 ) .
- صندوق البريد : ( 20745 ) ، الرمز البريدي : ( 31952 ) .

والكتاب يقع في ( 160 ) صفحة من الحجم المتوسط ( غلاف ) .

وقد تحدث المؤلف عن الكريمتين العالمتين : كريمة المروزية ، وكريمة الشامية ( ص : 82 – 85 ) .

هذا ما تيسر لي وأسعفني به الوقت ، أرجو أن يكون فيه الغنية والكفاية ...

ومن وقف على أمر يتعلق بتقرير هذه المسألة فليَجُدْ به على من يتلهف إليه ، وله علينا الدعاء ، ومن الله الأجر والثواب ...

وأسأل الله لي ولكم النفع والفائدة .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

__________________
 
عودة
أعلى