ربوة ذات قرار

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
10
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
قال الله تعالى : ] وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ [ [ المؤمنون : 50 ] ؛ والربوة : المكان مرتفع من الأرض على ما حوله[1].
وقد ذكر المفسرون الاختلاف في تحديد مكانها على قولين ابتداءً :
الأول : الربوة هي المكان القصي الذي اتخذته مريم لتضع عيسى u ؛ قال بذلك ابن عطية ، وابن كثير ، والشنقيطي ، وابن عاشور[2].
القول الثاني : الربوة : مكان أمرت بالخروج إليه مخافة أن يقتله ملك ذلك الزمان ؛ واختلف فيه على أربعة أقوال :
أحدها : أنها دمشق ، رواه عكرمة عن ابن عباس ؛ وبه قال عبد الله بن سلام ، وسعيد بن المسيب ؛ والثاني : أنها بيت المقدس ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، وعن الحسن كالقولين ؛ والثالث : أنها الرملة من أرض فلسطين ، قاله أبو هريرة .
والرابع : مصر ، قاله وهب بن منبه ، وابن زيد ، وابن السائب .
فأما السبب الذي لأجله أَوَيَا إِلى الربوة ، فقال أبو صالح عن ابن عباس : فرَّت مريم بابنها عيسى من ملكهم ، ثم رجعت إِلى أهلها بعد اثنتي عشرة سنة ؛ قال وهب بن منبه : وكان الملك أراد قتل عيسى[3].
قال مقيده – عفا الله عنه : استبعد ابن جرير – رحمه الله – الرملة ؛ لأنها ليس بها رُبا ؛ وضعَّف ابن عطية – رحمه الله – القول بأنها مصر ، قال : وقال ابن زيد : الربوة بأرض مصر ؛ وذلك أنها ربا يجيء فيض النيل إليها فيملأ الأرض ، ولا ينال تلك الربا ، وفيها القرى وبها نجاتها . قال : ويُضعِف هذا القول أنه لم يرو أن عيسى u ومريم كانا بمصر ، ولا حفظت لهما بها قصة[4].
ونقل ابن كثير – رحمه الله - عن ابن زيد ووهب بن منبه أنها مصر ؛ ثم قال : وهو بعيد جدًا[5].
قلت : وهذا الذي ضعفه ابن عطية واستبعده ابن كثير ربما يكون هو الحق لأمور :
الأول : أنه منقول عن وهب بن منبه ، وهو أعلم بتاريخ بني إسرائيل عن غيره ؛ ثم هو نقل عن ابن زيد ، ورواية عن ابن عباس رضي الله عنهما .
الثاني : وهو من الواقع : كان أبي – رحمه الله - يسكن بالأسرة بمنطقة المطرية - محلة بالقاهرة - وكان بالقرب من السكن مكان له سور يقال له ( شجرة مريم ) ، وقد دخلته في صباي ، وفيه شجرة جميز عتيقة ، يقال : إنها التي آوت إليه مريم لما خرجت من بيت المقدس ، وبجوارها بئر ، وبالمكان حوض من حجر ، يقال : أن مريم كانت تغسل فيه عيسى u. وهذا المكان مزار أثري ، مُعَظَّم عند النصارى ، وهو مشهور بمصر .
الثالث : نقل المقريزي في كتابه ( المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ) عن كتاب السنكسار[6]، وهو يشتمل على أخبار النصارى: أنَّ المسيح لما خرجت به أمّه ، ومعهما يوسف النجار من بيت المقدس فرارًا من هيرودس ملك اليهود ، نزلت به أول موضع من أرض مصر ، مدينة بسطة في رابع عشري بشنس ، فلم يقبلهم أهلها ، فنزلوا بظاهرها ، وأقاموا أياما ، ثم ساروا إلى مدينة سمنود ، وعدُّوا النيل إلى الغربية ، ومشوا إلى مدينة الأشمونين ، وكان بأعلاها إذ ذاك ، شكل فرس من نحاس قائم على أربعة أعمدة ، فإذا قدم إليها غريب صهل ، فجاءوا ونظروا في أمر القادم ، فعندما وصلت مريم بالمسيح u، إلى المدينة سقط الفرس المذكور ، وتكسر فدخلت به أمُّه ... ثم إنهم ساروا من الأشمونين ، وأقاموا بقرية تسمى : فيلس مدّة أيام ، ثم مضوا إلى مدينة تسمى : قس وقام ، وهي التي يقال لها اليوم : القوصية ، فنطق الشيطان من أجواف الأصنام التي بها ، وقال: إنّ امرأة أتت ، ومعها ولدها يريدون أن يخربوا بيوت معابدكم ، فخرج إليهم مائة رجل بسلاحهم، وطردوهم عن المدينة ، فمضوا إلى ناحية ميرة في غربيِّ القوصية ، ونزلوا في الموضع الذي يعرف اليوم بدير المحرق ، وأقاموا به ستة أشهر وأياما ، فرأى يوسف النجار في منامه قائلا يخبره بموت هيرودس ، ويأمره أن يرجع بالمسيح إلى القدس ، فعادوا من ميرة حتى نزلوا حيث الموضع الذي يعرف اليوم في مدينة مصر بقصر الشمع ، وأقاموا بمغارة تعرف اليوم بكنيسة بوسرجة ، ثم خرجوا منها إلى عين شمس ، فاستراحوا هناك بجوار ماء ، فغسلت مريم من ذلك الماء ثياب المسيح ، وقد اتسخت ، وصبت غسالتها بتلك الأراضي ، فأنبت الله هنالك البلسان ، وكان إذ ذاك بالأردن فانقطع من هناك ، وبقي بهذه الأرض ، وغمرت هذه البئر التي هي الآن موجودة هناك على ذلك الماء الذي غسلت منه مريم ، وبلغني أنها إلى الآن إذا اعتبرت يوجد ماؤها عينا جارية في أسفلها [7].
ومنطقة المطرية كانت من أعمال عين شمس في ذاك الزمان .
هذا والعلم عند الله تعالى .

[1] تفسير الطبري - ت شاكر : 19/ 36 .
[2] انظر ( المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ) : 4/ 145 ، وتفسير ابن كثير - ت سلامة : 5/ 477 ، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن : 3/ 391) ، والتحرير والتنوير : 18/ 67 .
[3] زاد المسير في علم التفسير : 3/ 264 ؛ وانظر : تفسير الطبري - ت شاكر : 19/ 37 ، 38 ، و( الكشف والبيان عن تفسير القرآن ) للثعلبي : 7/ 49 ، و النكت والعيون ) للماوردي : 4/ 56 ، و المحرر الوجيز : 4/ 145 ، وتفسير البغوي - إحياء التراث : 3/ 367 ، و ( مفاتيح الغيب ) للرازي : 23/ 280 ، و( البحر المحيط ) لأبي حيان : 7/ 565 ؛ وتفسير ابن كثير : 5/ 476 ، 477 ، و ( اللباب في علوم الكتاب ) لابن عادل : 14/ 224 ، والدر المنثور في التفسير بالمأثور : 6/ 100 - 102 .
[4] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز : 4/ 145 ، 146 .
[5] تفسير ابن كثير - ت سلامة : 5/ 476 .
[6] كتاب السنكسار الجامع لأخبار الأنبياء والرسل والشهداء والقديسين – وضع الأنبا بطرس الجميل وآخرين .
[7] الخطط والآثار : 1/ 426 ، 427 ؛ وعين شمس التي ذكرها هي مما تنتسب إليها ( المطرية ) التي بها شجرة مريم .
 
عودة
أعلى