رائعة لسيد قطب في تفسيره لسورة الفتح

إنضم
01/08/2011
المشاركات
52
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
غزة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته​

هذه لفتة رائع لشهيد الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير سورة الفتح

«لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً، وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً» ..
وإنني لأحاول اليوم من وراء ألف وأربعمائة عام أن أستشرف تلك اللحظة القدسية التي شهد فيها الوجود كله ذلك التبليغ العلوي الكريم من الله العلي العظيم إلى رسوله الأمين عن جماعة المؤمنين. أحاول أن أستشرف صفحة الوجود في تلك اللحظة وضميره المكنون وهو يتجاوب جميعه بالقول الإلهي الكريم، عن أولئكالرجال القائمين إذ ذاك في بقعة معينة من هذا الوجود.. وأحاول أن أستشعر بالذات شيئا من حال أولئك السعداء الذين يسمعون بآذانهم، أنهم هم، بأشخاصهم وأعيانهم، يقول الله عنهم: لقد رضي عنهم. ويحدد المكان الذي كانوا فيه، والهيئة التي كانوا عليها حين استحقوا هذا الرضى: «إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» .. يسمعون هذا من نبيهم الصادق المصدوق، على لسان ربه العظيم الجليل..
يا لله! كيف تلقوا- أولئك السعداء- تلك اللحظة القدسية وذلك التبليغ الإلهي؟ التبليغ الذي يشير إلى كل أحد، في ذات نفسه، ويقول له: أنت. أنت بذاتك. يبلغك الله. لقد رضي عنك. وأنت تبايع.
تحت الشجرة! وعلم ما في نفسك. فأنزل السكينة عليك! إن الواحد منا ليقرأ أو يسمع: «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا» .. فيسعد. يقول في نفسه: ألست أطمع أن أكون داخلا في هذا العموم؟ ويقرأ أو يسمع: «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» .. فيطمئن. يقول في نفسه: ألست أرجو أن أكون من هؤلاء الصابرين؟ وأولئك الرجال يسمعون ويبلغون. واحدا واحدا. أن الله يقصده بعينه وبذاته.
ويبلغه: لقد رضي عنه! وعلم ما في نفسه. ورضي عما في نفسه! يا لله! إنه أمر مهول! «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» ..

ثم يعود رحمه الله مرة اخرى ليبدي اعجابه وشوقه بهذا الرضى الالهي العظيم

ومرة أخرى أحاول من وراء أربعة عشر قرنا أن أستشرف وجوه هؤلاء الرجال السعداء وقلوبهم. وهم يتلقون هذا الفيض الإلهي من الرضى والتكريم والوعد العظيم. وهم يرون أنفسهم هكذا في اعتبار الله، وفي ميزان الله، وفي كتاب الله. وأنظر إليهم وهم عائدون من الحديبية، وقد نزلت هذه السورة، وقد قرئت عليهم.
وهم يعيشون فيها بأرواحهم وقلوبهم ومشاعرهم وسماتهم. وينظر بعضهم في وجوه بعض فيرى أثر النعمة التي يحسها هو في كيانه.
وأحاول أن أعيش معهم لحظات في هذا المهرجان العلوي الذي عاشوا فيه..

ولكن أنى لبشر لم يحضر هذا المهرجان أن يتذوقه. إلا من بعيد؟!

اللهم إلا من يكرمه الله إكرامهم: فيقرب له البعيد؟!
فاللهم إنك تعلم أنني أتطلع لهذا الزاد الفريد!!!

اللهم امين يارب
 
عودة
أعلى