حاتم القرشي
New member
رؤية منهجية في تفسير {والعاديات ضبحاً} بين علي بن أبي طالب وابن عباس
الحمد لله والصلام والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم، أما بعد :
فإن ما تركه سلفنا الصالح من زاد وفير في علوم مختلفة هو مجال خصب لتثويره واستخراج ما فيه من فوائد مختلفة ترسم معالم المنهج الصحيح لسلوك طريقهم وارتسام هديهم .
ومما هو خير زاد نستفيئ بضلاله واستخراج فوائده ما جاء عن سلفنا الصالح من نقولات في تفسير القرآن الكريم لاسيما ما كان في الصدر الأول .
وإن القارئ لما رُوي عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير القرآن ليختلف نظره ومسلكه بحسب مراده ومكوناته العقلية، فمثلاً أي حادثة في تفسير القرآن قد يكتفي منها القارئ بمعرفة معنى الآية أو قول الصحابة فيها فحسب، وآخر يتعرف على معنى الآية ويزيد على ذلك التعمق في النص وتحليله واستخراج ما فيه من فوائد قد لا تظهر للقارئ من أول وهلة، وهذا فيه خير عظيم واستخراج لفوائد مختلفة تساعد في تلمس منهج القوم وتاريخ العلم وغيره .
ومما يمكننا الوقوف معه وقفة تحليل واستنباط لفوائده ما أخرجه ابن جرير في تفسيره عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه حدَّثه قال: " بينما أنا في الحِجْر جالس، أتاني رجل يسأل عن {العاديات ضبحا} فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل الله، ثم تأوي إلى الليل، فيصنعون طعامهم، ويورون نارهم. فانفتل عني، فذهب إلى علي بن أبي طالب رضى الله عنه وهو تحت سقاية زمزم، فسأله عن {العاديات ضبحا} فقال: سألتَ عنها أحداً قبلي؟ قال: نعم، سألتُ عنها ابنَ عباس، فقال: الخيل حين تغير في سبيل الله، قال: اذهب فادعه لي؛ فلما وقفت على رأسه قال: تفتي الناس بما لا علم لك به، والله لكانت أول غزوة في الإسلام لبدر، وما كان معنا إلا فرسان: فرس للزبير، وفرس للمقداد فكيف تكون العاديات ضبحا. إنما العاديات ضبحا من عرفة إلى مزدلفة إلى منى؛ قال ابن عباس: فنزعتُ عن قولي، ورجعتُ إلى الذي قال علي رضي الله عنه ".
عند النظر لهذا المثال نجد أن القارئ أو المفسر يمكنه أن يقف على معنى (العاديات) وأنه قيل فيها الخيل أو الإبل، ثم يرجح ويختار القول . وآخر يعرف ما سبق ويزيد عليه استخراج ما في القصة من فوائد وحِكَم وهذا بيت القصيد .
وعند تأملنا لموقف علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنها في تفسير الآية السابقة نجد فوائد متعددة منها فوائد منهجية في مسلك الصحابة في تفسير القرآن ومنها فوائد سلوكية وتربوية، وسأذكر ما ظهر لي منها فيما يلي :
1- تعدد قول ابن عباس في تفسير الآية الواحدة . ونص ابن عباس على أن له قولين فيها.
2- تنزيل علي بن أبي طالب للآية على الوقائع والزمان، وتفسيره للآية بما وقع في غزوة بدر .
3- ورع ابن عباس وعدم جداله وأخذه بقول علي بعدما اتضح له رجحانه .
4- حمية علي بن أبي طالب على القرآن وتفسيره بتشديده على ابن عباس وغيره عندما قال: "تفتي الناس بما لا علم لك به".
5- علي بن أبي طالب اعتبر التفسير بمنزلة الفتيا، ولذا شدد في عدم الفتيا فيه إلا بعلم.
6- رغبة علي بن أبي طالب في معرفة حال السائل وحال المستفتي، فسأله: " سألت عنها أحدا قبلي؟". ثم استمع لإجابته ولم يأمره بالأخذ بقوله بل صحح له المعلومة بحسب علمه .
7- تأخر علي بن أبي طالب في إجابة السائل لمصلحة رآها، فلم يجب السائلَ فورا سؤاله، بل أولاً استفصل منه هل سأل أحداً قبله، ثم أمره بإحضار من أفتاه ثم صوَّب لكليهما المعلومة.
8- تمثل علي بن أبي طالب دور المعلم والمربي فعلم السائل تفسير الآية وربَّى الأستاذ في طريقة تفسيره واستدلاله لتفسير الآية.
9- رفعة مكانة علي بن أبي طالب فإنه أمر ابن عباس بأن يحضر عنده، سواء أكان ذلك إبان خلافة علي أو لا.
10- وفيه أيضاً تقدير ابن عباس لعلي بن أبي طالب ومعرفته لمكانته، فلما أمره بالحضور حضر له، ولم يجد غضاضة في ذلك .
11- علي بن أبي طالب لم يرغب تعديل المعلومة للسائل فحسب، بل أراد الإنكار على ابن عباس في تفسيره للآية بما كان يعتقده.
12- لم يتقبل علي بن أبي طالب قول ابن عباس من أنه مجرد خلاف في الرأي بل صوبه له وشدد عليه في المسألة، كونها متعلقة بتفسير الكتاب العزيز.
13- السائل سأل ابن عباس ثم بحث عن آخر من صحابة رسول الله، ولعله أراد التأكد من أكثر من واحد، أو كان يرغب تعزيز المعلومة.
[FONT="]ولا يخفى أن هذه الاستنباطات مستندها الاجتهاد؛ ولذا فإن بعضها قد يخالف فيه أحدنا وقد يضيف أو يعدل، وهذا لا ضير فيه . وإنما مقصد الأمر هو عدم الاكتفاء بما هو على شاطئ الحادثة بل الغوص في أعماق ما روي عن سلفنا في النصوص بشكل عام وفي تفسير القرآن بشكل خاص لاستلهام منهجهم والاهتداء بنورهم. والله الموفق[/FONT]
[FONT="] فجر الخميس 25 ذو القعدة 1433هـ [/FONT]
ومما هو خير زاد نستفيئ بضلاله واستخراج فوائده ما جاء عن سلفنا الصالح من نقولات في تفسير القرآن الكريم لاسيما ما كان في الصدر الأول .
وإن القارئ لما رُوي عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير القرآن ليختلف نظره ومسلكه بحسب مراده ومكوناته العقلية، فمثلاً أي حادثة في تفسير القرآن قد يكتفي منها القارئ بمعرفة معنى الآية أو قول الصحابة فيها فحسب، وآخر يتعرف على معنى الآية ويزيد على ذلك التعمق في النص وتحليله واستخراج ما فيه من فوائد قد لا تظهر للقارئ من أول وهلة، وهذا فيه خير عظيم واستخراج لفوائد مختلفة تساعد في تلمس منهج القوم وتاريخ العلم وغيره .
ومما يمكننا الوقوف معه وقفة تحليل واستنباط لفوائده ما أخرجه ابن جرير في تفسيره عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه حدَّثه قال: " بينما أنا في الحِجْر جالس، أتاني رجل يسأل عن {العاديات ضبحا} فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل الله، ثم تأوي إلى الليل، فيصنعون طعامهم، ويورون نارهم. فانفتل عني، فذهب إلى علي بن أبي طالب رضى الله عنه وهو تحت سقاية زمزم، فسأله عن {العاديات ضبحا} فقال: سألتَ عنها أحداً قبلي؟ قال: نعم، سألتُ عنها ابنَ عباس، فقال: الخيل حين تغير في سبيل الله، قال: اذهب فادعه لي؛ فلما وقفت على رأسه قال: تفتي الناس بما لا علم لك به، والله لكانت أول غزوة في الإسلام لبدر، وما كان معنا إلا فرسان: فرس للزبير، وفرس للمقداد فكيف تكون العاديات ضبحا. إنما العاديات ضبحا من عرفة إلى مزدلفة إلى منى؛ قال ابن عباس: فنزعتُ عن قولي، ورجعتُ إلى الذي قال علي رضي الله عنه ".
عند النظر لهذا المثال نجد أن القارئ أو المفسر يمكنه أن يقف على معنى (العاديات) وأنه قيل فيها الخيل أو الإبل، ثم يرجح ويختار القول . وآخر يعرف ما سبق ويزيد عليه استخراج ما في القصة من فوائد وحِكَم وهذا بيت القصيد .
وعند تأملنا لموقف علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنها في تفسير الآية السابقة نجد فوائد متعددة منها فوائد منهجية في مسلك الصحابة في تفسير القرآن ومنها فوائد سلوكية وتربوية، وسأذكر ما ظهر لي منها فيما يلي :
1- تعدد قول ابن عباس في تفسير الآية الواحدة . ونص ابن عباس على أن له قولين فيها.
2- تنزيل علي بن أبي طالب للآية على الوقائع والزمان، وتفسيره للآية بما وقع في غزوة بدر .
3- ورع ابن عباس وعدم جداله وأخذه بقول علي بعدما اتضح له رجحانه .
4- حمية علي بن أبي طالب على القرآن وتفسيره بتشديده على ابن عباس وغيره عندما قال: "تفتي الناس بما لا علم لك به".
5- علي بن أبي طالب اعتبر التفسير بمنزلة الفتيا، ولذا شدد في عدم الفتيا فيه إلا بعلم.
6- رغبة علي بن أبي طالب في معرفة حال السائل وحال المستفتي، فسأله: " سألت عنها أحدا قبلي؟". ثم استمع لإجابته ولم يأمره بالأخذ بقوله بل صحح له المعلومة بحسب علمه .
7- تأخر علي بن أبي طالب في إجابة السائل لمصلحة رآها، فلم يجب السائلَ فورا سؤاله، بل أولاً استفصل منه هل سأل أحداً قبله، ثم أمره بإحضار من أفتاه ثم صوَّب لكليهما المعلومة.
8- تمثل علي بن أبي طالب دور المعلم والمربي فعلم السائل تفسير الآية وربَّى الأستاذ في طريقة تفسيره واستدلاله لتفسير الآية.
9- رفعة مكانة علي بن أبي طالب فإنه أمر ابن عباس بأن يحضر عنده، سواء أكان ذلك إبان خلافة علي أو لا.
10- وفيه أيضاً تقدير ابن عباس لعلي بن أبي طالب ومعرفته لمكانته، فلما أمره بالحضور حضر له، ولم يجد غضاضة في ذلك .
11- علي بن أبي طالب لم يرغب تعديل المعلومة للسائل فحسب، بل أراد الإنكار على ابن عباس في تفسيره للآية بما كان يعتقده.
12- لم يتقبل علي بن أبي طالب قول ابن عباس من أنه مجرد خلاف في الرأي بل صوبه له وشدد عليه في المسألة، كونها متعلقة بتفسير الكتاب العزيز.
13- السائل سأل ابن عباس ثم بحث عن آخر من صحابة رسول الله، ولعله أراد التأكد من أكثر من واحد، أو كان يرغب تعزيز المعلومة.
[FONT="]ولا يخفى أن هذه الاستنباطات مستندها الاجتهاد؛ ولذا فإن بعضها قد يخالف فيه أحدنا وقد يضيف أو يعدل، وهذا لا ضير فيه . وإنما مقصد الأمر هو عدم الاكتفاء بما هو على شاطئ الحادثة بل الغوص في أعماق ما روي عن سلفنا في النصوص بشكل عام وفي تفسير القرآن بشكل خاص لاستلهام منهجهم والاهتداء بنورهم. والله الموفق[/FONT]
[FONT="] فجر الخميس 25 ذو القعدة 1433هـ [/FONT]