سالم سرور عالي
New member
- إنضم
- 15/04/2006
- المشاركات
- 161
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
سألني أحد طلابي عن أحداث فرنسا التي وقعت قبل أيام في قلب العاصمة باريس ، والمعروفة إعلامياً بأحداث ” شارلي إبدو” ، وما جرى بعدها من حشد على أهل السنة في أوروبا وغيرها من بلاد المسلمين ، ومن فيها من المستضعفين . ما الفوائد المستنبطة منها ؟!
الأحداث المؤلمة في فرنسا على الإسلام والمسلمين لا يجوز الفرح بها ولا الشماتة بأهلها ، لأن الأعداء يتربَّصون بأهل التوحيد الدوائر ويتصيَّدون الفرص للثأر ، ولإنفاذ ما في نفوسهم من حقدٍ وغلِّ على أُمة الإجابة ، على ضعفنا وقلة حيلتنا ! .
يوجد عند المسلمين وسائل كثيرة للردِّ على الإستهزاء بجناب الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن الِهمم والعزائم فاترة ، والأعداء يعلمون سِّر تفرقنا وهواننا ، فلهذا لا يُبالون بقيمنا وديننا ! .
وقد قيَّدتُ فوائد مهمة مما سنح به البال ، من هذه الحادثة المؤلمة ، عسى الله أن ينفع بها من وقف عليها من أهل التدبر :
1- حرية التعبير لا تُجيز التطاول على الرموز الدينية والمعتقدات بالهمز واللمز . ويحق شرعاً وقانوناً رفع الدعاوى في الهيئات الدولية لمحاكمة من يتسبَّب – من الأفراد أو الدول – في إنتقاص الأديان أو الأنبياء عليهم السلام . والقاعدة القانونية نصَّت على أن كل حريةٍ خاصةٍ تصطدم بالمصالح العامة فهي مرفوضة وملغية . وقد تقرر عند الأصوليين أن السبب يطلق على العلة الشرعية ، فيكون الجزاء من جنس فعل الجاني لردعه وزجره .
2- المحن التي تعصف بالمسلمين – من مئات السنين – سببها المسلمون أنفسهم ، لقول الله تعالى : ” وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ” ( الشورى : 30 ) . وجور الملوك سببه الفجور في المسلمين كما في الأثر : ” يقول الله تعالى: أنا الله عز وجل ملك الملوك، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي من أطاعني جعلتهم عليه رحمة ، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشتغلوا بسبِّ الملوك ، وأطيعوني أعطف قلوبهم عليكم إسناده حسن . فدل على أن الأصل هو لزوم التقوى والصلاح . وهذا متقرر عند الأصوليين بما يسمى بقاعدة الشرط الشرعي وهو يفيد الوجوب .
3- استهزاء الكفار بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لا يضرُّه ، بل هو دليل على شرفه وعلو كعبه عندهم . وقد كانوا قديماً يتباهون بحفظ جاهه صلى الله عليه وسلم . وقصة كسرى وقيصر المشهورة مع النبي صلى الله عليه وسلم جديرة بالتدبر، فقد كتب إليهما النبي صلى الله عليه وسلم، فامتنع كلاهما عن الإسلام، لكن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأكرم رسوله، فثبَّت الله ملكه، أما كسرى فمزَّق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتله الله بعد يسير، ومزَّق ملكه كل ممزَّق، ولم يبق للأكاسرة مُلك . فالتاريخ يعيد نفسه .
وقد روى السهيليُ أنه بلغه ” أن هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيمًا له، وهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة، ثم كان عند سبطه، فحدثني بعض أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب، فلما رآه استعبر، وسأل أن يمكنه من تقبيله فامتنع، وقد ذكر ابن حجر عن سيف الدين فليح المنصوري أن ملك الفرنج أطلعه على صندوق مُصفَّح بذهب، فأخرج منه مقلمة ذهب، فأخرج منها كتابًا قد زالت أكثر حروفه، وقد التصقت عليه خِرقَة حرير، فقال: هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر، ما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال المُلك فينا، فنحن نحفظه غاية الحفظ، ونُعظِّمه ونكتمه عن النصارى ليدوم المُلك فينا ” ! .
4- الإنتقام لجاه الرسول صلى الله عليه وسلم وعِرضه بعد وفاته ، منوط بأهل الحلِّ والعقد ، حتى ولو كانوا مقصِّرين في إقامة الحدود والأحكام . فهذا حقهم ونحن مؤتمنون على الطاعة لهم ، فلا يجوز الإفتئات عليهم في حقِّهم .
5- الله تعالى هو الوكيل في الردِّ على من انتقص المصطفى صلى الله عليه وسلم ، حتى ولو سكت الملايين من المسلمين عن نصرته :
قال زهير بن أبي سلمى (ت: 13هـ)رحمه الله تعالى :
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
يؤخَّر فيُوضع في كتاب فيدَّخر ليوم الحساب أو يُعجَّل فينقم
6- الأمر إذا ضاق اتسع. هذه القاعدة الفقهية يستشهد بها الامام الشافعي ( ت: 204هـ )رحمه الله تعالى كثيراً في مصنفاته ، فكلُّ شرِّ في طياته خير . وقد كان المسلمون قديماً يستبشرون بفتح البلدة التي يجهرُ أهلها بسب الرسول صلى الله عليه وسلم ، لقول الله تعالى : ” إنا كفيناك المستهزئين ” ( الحجر: 95 ) مع بُغضهم لأهلها بقلوبهم .فأبشروا بالفتح وكفاية الله لنصرة نبيِّه صلى الله عليه وسلم .
7- يجوز مخالطة غير المسلمين والتعايش معهم إذا كان المسلم محافظاً على دينه قيِّماً على عقيدته . وقد كان الصحابة يتعايشون مع نصارى الحبشة ويهود المدينة لِحكم أرادها الله وقدَّرها .
8- إذا تعارضت مصلحة الدفاع عن جناب المصطفى صلى الله عليه وسلم مع مصلحة المحافظة على النفس ، فيجب تقديم مصلحة الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأن أصل الإيمان متعلِّقٌ بها ، بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر بالغ بالمسلمين . وهذا يعود تقديره للعلماء الراسخين .
9- تحقيق العبودية يوجب على المسلم الدِّفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلُّ بحسب قدرته ووسعه ، ولا عذر لمسلم في السكوت أوالسكون دون نصرٍ لنبيه – صلى الله عليه وسلم – ولو بقلبه . ويلحق بذلك مقاطعة صادرات الدُّول التي تدعم وتؤيِّد الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الامام ابن تيمية ( ت: 728هـ ) رحمه الله تعالى : إن الإنسان أمام طريقين لا ثالث لهما ، فإما أن يختار العبودية لله، وإما أن يرفض هذه العبودية ، فيقع لا محالة في عبودية لغير الله ” .
10- الأذى اللفظي لم يسلم منه أحد لا من الأنبياء ولا من الأولياء ، حتى الله جل جلاله وصفه الكفار بما لا يليق به سبحانه . ومن لوازم هذا الحكم نشر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والتعريف بدين الإسلام بجميع لغات الأرض الحية ، لإقامة الحجة على المخالفين .
11- الصراع بين الحق والباطل لن ينتهي إلى قيام الساعة ، فيجب التسديد في الأقوال والأعمال ، لتحصل البشارة التي وعد بها الرسول صلى الله عليه وسلم : ” إن الدين يسر ، ولن يشادَّ الدِّين أحدٌ إلا غلبه ، فسدِّدوا وقاربوا وأبشروا ، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيٍ من الدلجة ” أخرجه البخاري .
12- المأمول من الحكومات المسلمة التقرب إلى الله بكمال المقتصدين وهو الكمال الواجب ، بحفظ هيبة الرسول صلى الله عليه وسلم في قلوب الناس ، وهو من التوقير والتعزير الذي أمر الله به عباده لوجوب حقِّه صلى الله عليه وسلم .
وختاماً فهناك أقوال وحِكم نطق بها الكفار لا يعلم بها بنو جنسهم في تبجيل الرسول صلى الله عليه وسلم وإنزاله منزلته ، فلو نُشرت في الصحف الغربية لكانت بلسماً للدخول في الإسلام .كقول ” غاندي : ” أردت أن أَعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر، لقد أصبحتُ مقتنعاً كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدتُ نفسي أسفاً لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة ” . وكقول شبرك النمساوي ” المفكِّر :
إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ إنّه رغم أُمّيته، استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أنْ يأتي بتشريع، سنكونُ نحنُ الأوروبيين أسعد ما نكون، إذا توصلنا إلى قمّته”. وكقول إدوار مونته ” الفيلسوف الفرنسي :
” عرف محمد بخُلوص النية والملاطفة وإنصافه في الحكم، ونزاهة التعبير عن الفكر والتحقق، وبالجملة كان محمد أزكى وأدين وأرحم عرب عصره، وأشدُّهم حِفاظاً على الزِّمام ، فقد وجههم إلى حياة لم يحلموا بها من قبل، وأسَّس لهم دولة زمنية ودينية لا تزال إلى اليوم”.
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
أ/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بمعاهد القوات البرية
( منقول )
رؤية شرعية لأحداث شارلي إبدو