أبومجاهدالعبيدي1
New member
- إنضم
- 02/04/2003
- المشاركات
- 1,760
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
- الإقامة
- السعودية
- الموقع الالكتروني
- www.tafsir.org
كنت أقرأ في كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني لمحمود شكري الألوسي [ت:1342هـ]، فوجدت فيه نقلا مطولا عن العلامة بدر الدين الحلبي، ذكر فيه رأيه في كتب التفسير المشتهرة في زمانه، وذلك في كتابه التعليم والإرشاد.
وكنت أرغب في الرجوع إلى كتاب الحلبي "التعليم والإرشاد" لتوثيق هذا النص وقراءته كاملا، لكني لم أجد كتاب هذا الكتاب، وتبين لي بعد البحث أنه نادر؛ فقمت بنقل كلام الألوسي بنصه، وإليكموه:
( وقد تكلم على التفسير كلام منصف واقف على الحقيقة العلامة السيد محمد بدر الدين الحلبي- فسح الله تعالى في مدته وبارك في حياته- في كتاب (التعليم والإرشاد) فقال- سلمه الله تعالى بعد أن تكلم على علم التفسير وأن أهل العلم لم يعطوه حقه-:
"والذي ينظر فيما طبع من نحو قرن في مصر- وهي محط رحال العلوم الدينية وكعبة العلوم التي يَفِدُ إليها الحجاج من جميع الآفاق، والقدوة لكافة أهل الأمصار؛ يرى العجب العجاب، يرى أن الذي طبع منها إلى الآن "تفسير الخازن"،"تفسير الجلالين" بحاشية الصاوي وبحاشية الجمل، "البيضاوي" بحاشية الشهاب بقطعة من حاشية السيد، "تفسير فخر الدين الرازي"، "تفسير أبي السعود"، "تفسير النسفي"، "تاج التفاسير"، ابن جرير الطبري،"الدر المنثور" للسيوطي، تفسير ابن عباس، وبعض تفاسير ضئيلة، هذه هي كتب التفاسير التي تتداولها أيدي الناس اليوم، وهي التي يعتمد عليها طلاب العلوم الشرعية في تفسير كتاب الله جل شأنه، والوقوف على مراده منه.
فأما تفسير الخازن؛ وهو أكثر كتب التفاسير تداولاً، وأعظمها انتشاراً بين عامة المسلمين وطلبة العلوم الشرعية، فهو الكتاب الذي يقف القلم حائراً عند وصفه، لا يدري ما يقول فيه، وما الذي يحذر به المسلمين منه، وخير ما يقال فيه إنه مجموعة الأكاذيب، ولا أرى إلا أن الإنسان لو جرد ما فيه من الأكاذيب الموضوعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأقاصيص الكاذبة التي وضعها اليهود-كقصة بابل والغرانيق وإرم ذات العماد وغيرها- لكانت فوق نصف الكتاب، وبعد ذلك فأشياء إن لم تضر لم تنفع.
وهو على اشتماله على هذين الوصفين اللذين هما من أقبح أوصاف المؤلفات فهو العمدة لعامة المسلمين، وأكثر طلبة العلوم الشرعية، وأكثر انتشاراً بينهم، ولقد أرى أن نسخه التي نشرت في مصر لا تقل عن مائة ألف نسخة، فسد بواسطتها عشرة أضعاف هذا العدد من المسلمين، ودخل عليهم في دينهم ما ليس منه من حديث موضوع وتفسير مفترى.
ومن العجيب أن لا يوجد في علماء الإسلام من ينهى الناس عن نشر مثل هذه الكتب المفسدة للعلوم والشرائع، المضرة بالأخلاق والعقائد، وقد لا يخلو بلد من بلاد الإسلام عن قوم من أهل العلم -ولو قليلين- يعرفون ما في هذه الكتب من المفاسد، ولا يحظرون على الناس استعمال هذه الكتب لاتقاء شرها، بل ربما سُئلوا عنها فأثنوا عليها خيراً مسايرة لأميال العامة، ومصانعة لهم فيما هو من أهم مهمات الدين". قال: "وهذا البحث موعدنا به إن شاء الله القسم الثاني من هذا الكتاب، وهو قسم الإرشاد، وإنما غرضنا في هذا القسم النظر في طرق التعليم، وكتب العلم المستعملة، وبيان جيدها من رديئها.
وأما "تفسير الجلالين" بحاشيتيه الجمل والصاوي فهما يساويان "تفسير الخازن" انتشاراً وكثرة تداول، إلا أن انتشار الخازن بيد العوام أكثر، وانتشار هذين بيد الخاصة- يعني طلاب العلوم الشرعية-أكثر، فأما الشرح فهو غاية في الاختصار لا يمكن الاستقلال به في فهم كتاب الله تعالى، مع علل فيه أخر يعلمها من جمع بينه وبين بعض تفاسير المتقدمين الموثوق بها وبمؤلفيها، وأما حاشيتاه الضخمتان فهما من مؤلفات متأخري أهل العلم بمصر، وحسبك هذا في معرفة منزلتيهما بين المؤلفات".
ثم إنه سلّمه الله عقد فصلاً في انحطاط العلم، ثم قال:
وأما الكشاف ومختصره للقاضي البيضاوي فهما المشكلة التي لا تُحل إجمالاً وإغلاقاً وغموضاً، ولشدة عراقتها في ذلك أكثر المتأخرون من تعليق الحواشي والشروح عليهما، لبيان عبارتهما وتوضيح مقاصدهما، حتى لو جمعت الحواشي والشروح التيعليهما لأربت على ألف مجلد، وما ذكره صاحب (كشف الظنون) مما كتب عليهما قليل من كثير، ولولا أنهما بحيث يخفيان إلا على من ألف حل الرموز والطلاسم واستخراج المخبآت لم يعتن من جاء بعدهما بالتوسع في الكتابة عليهما، والمبالغة في توضيح غوامضهما، وفوق هذا كله اشتمالهما على مسائل كثيرة خارجة عن التفسير بالمرة، لا ترتبط فيه بوجه من الوجوه، كالمسائل الكلامية التي حشيا بها كتابيهما، وهي ليست من فن التفسير ولا من متعلقاته، وإنما كان الغرض من ذكرها بيان معتقديهما والاستشهاد له بكتاب الله.
ويلحق تفسير أبي السعود بهذين التفسيرين، فإنه صورة أخرى لهما مع بعض تغييرات قليلة جداً، ويلحق تاج التفاسير بتفسير الجلالين، ونسبته إليه كنسبة تفسير أبي السعود إلى تفسيري الكشاف والبيضاوي، وإن اختلف عنه فيسير.
وأما تفسير فخر الدين الرازي- وهو كتاب العامة والخاصة وعمدة الناس في هذا الموضوع- فأبو حيان المفسر يقول في تفسيره: تفسير الإمام فخر الدين فيه كل شيء إلا التفسير. وما أحسن ما ترجم به أبو حيان هذا التفسير الكبير، بل البحر العميق، ولقد يفتح الإنسان جزءً من أجزاء هذا التفسير للمراجعة والكشف فيه عن تفسير آية من آي كتاب الله فلا يشعر إلا وقد توسط بحراً لجياً لا يخلص الإنسان منه إلى ساحل. ويظهر مما كتبه الإمام فخر الدين في مقدمة كتابه أنه قد أودع كتابه كثيراً مما لا تعلق له بعلم تفسير كتاب الله، ولا ارتباط له فيه بوجه من الوجوه، وإنما كان غرضه مما جمعه في تفسيره من هذه المسائل الغريبة- مع أن الكتاب في تفسير كتاب الله خاصة على ما يظهر من كلامه في أول كتابه- أن يبرهن على حقيقة ما قاله لبعض مناظريه من أن كتاب الله- جل ثناؤه وعلا سلطانه- لا يمكن استقصاء ما فيه من الأسرار، ولا الإحاطة بما فيه من المعاني والحكم، ولو كتب في ذلك مئات من المجلدات، وإن فاتحة الكتاب يمكن أن يكتب فيها مجلد ضخم في أحكامها وأسرارها ومعانيها، ولذلك وضح في تفسير الفاتحة مجلداً لرد ما أنكره المنكروه عليه، وإن كان لم يصنع شيئاً بالرد عليهم بحشو كتابه بهذهالمسائل التي ذكرها، ولا ارتباط لها بتفسير كتاب الله بوجه من الوجوه، وكل كلام مُؤلَف - كلام الله أو غيره - يمكن للعالم أن يتوسع في الكتابة عليه إلى مثل ما توسع به الإمام فخر الدين في تفسير كتاب الله ، والمؤلف إذا أغمض عينه وتسامح في تأليفه وراعى المناسب والمجاور ومجاوره استطال في يده حبل الكلام، فلم يقف به عند حد. ...
ثم تكلم على تفسير "روح المعاني"وأن مصنفه أخذه من تفسير الإمام فخر الدين، إلا أنه حذف منه كثيراً من الزوائد، وأضاف إليه وأحسن غاية الإحسان، وضم شيئاً من أقوال سلف المفسرين ومتقدميهم، وإن لم يميز بين ما قوي سنده من هذه الأقاويل وما وهي، فبقي في الأمر بعض لبس وإشكال، وأضاف إليه أيضاً جملة كبيرة من تفاسير المتصوفة، فلم يكتف رحمه الله بجمع تأويلات المتكلمين التي تأولوا بها القرآن للاستدلال على عقائدهم وتطبيقها على ما أدتهم إليه عقولهم منها عملاً بقاعدتهم المشهورة عندهم من وجوب تأويل النقل إذا عارض العقل حتى يرجع إلى العقل، فأضاف إلى ذلك تأويلات المتصوفة التي صرفوا بها القرآن عن ظاهره إلى معان لا تدل الألفاظ العربية عليها بوجه من وجوه الدلالات المعروفة عند الناس فجاء كتابه جامعاً للطرق الثلاثة:طريقة السلف، وطريقة المتكلمين، وطريقة المتصوفة؛ إلا أن طريقة السلف لم يتعرض فيها لبيان طرق نقلها وتمييز صحيحها من سقيمها، ولذلك كان ككتب الحديث التي لا يبين فيها سند الحديث وحال رجاله لا تقع الثقة به، سيما إذا تعارض مع غيره ولم يقع الترجيح بينهما بوجه من وجوه الترجيح.
وأما تفسير "الدر المنثور" للجلال السيوطي فقد زعم أنه اختصر به -على حسب عادته- تفسير ابن جرير، الذي جمع فيه صحاح الأحاديث المتعلقة بتفسير كتاب الله تعالى، وبيان أسباب النزول، وأضاف السيوطي في مختصره أحاديث واهية الإسناد في هذا الموضوع نفسه، ومزجها بتلك الأحاديث -أحاديث الأصل- فاختلطت بها حتى لا يمكن التمييز بينها، وقلّت الثقة في الجميع.
وربما استبعد أحد أن يضع السيوطي في تفسيره"الدر المنثور" أحاديث واهية الإسناد، أو موضوعة مع ما له من المؤلفات في موضوعات الأحاديث -فنقول إن من علم طريقة السيوطي في التأليف لم يستنكر هذا الذي قلناه، وطريقته- رحمه الله على ما علمنا من استقراء كتبه- أنه كلما وقع إليه كتاب من الكتب في أي فن من الفنون واستحسنه اختصره ونسبه إلى نفسه بدون تمييز بين غث وسمين، ولا وقوف على حقائق العلوم، ولذلك تراه مضطراً في كتبه، لأنه لا يُحَكّم فِكْرَ نفسه، وإنما يُحكّم في كل كتاب فكر ملفه هو، فيضيفه إلى نفسه ببعض تصرف يحدثه في الكتاب.
وإن كنت قد قرأت في كتابه الذي سماه (الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير) وكتابه الذي سماه (اللآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة) ورأيت في (الجامع الصغير) كثيراً من الأحاديث التي نصّ في كتابه اللآلىء على أنها موضوعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تصح عنه بطريق من الطرق، جزمت بصحة هذا الذي قلنا، وعلمت أنه لا يؤلف، وإنما يلخص كتب الناس وينسبها لنفسه.
ثم أطال الكلام في السيوطي وابن كمال باشا، وأنهما على منهج واحد في انتحال الكتب بعد الاختصار إلى أن قال سلمه الله:
وأما تفسير محيى الدين فهو مسخ للقرآن، [لعله يقصد ابن عربي الصوفي الضال ] ونقض للدين من أساسه، ويرى بعض الباحثين أنه ليس من مؤلفات محيي الدين، وإنما هو من مؤلفات القاشاني أحد الملاحدة الباطنية، نسبه لمحيي الدين ليروجه بين عوام المسلمين، ومن يستميتون إلى ما يقول محيي الدين مهما كان حاله، والظن بمحيي الدين أنه لا يضع مثل هذا الكتاب، ولا يذهب هذه المذاهب الفاسدة في تفسير كتاب الله تعالى. وسواء كان من مؤلفات محيي الدين أو غيره فإن انتشاره بين المسلمين بحت ضرر، سيما ولا موقف يوقف الناس على الصحيح والفاسد من هذه الكتب.
وأما تفسير ابن عباس؛ فهو من مؤلفات مجد الدين الفيروز آبادي صاحب "القاموس"، جمع فيه رواية محمد بن السائب الكلبي عن ابن عباس. قال: وقد علمت مما ذكرناه في المقدمة حال ابن السائب الكلبي وضعفه، وقلة ثقة العلماء بمروياته.
قال: هذه كتب التفسير التي نقرأها اليوم، وإن كان قد فاتنا ذكر شيء منها فإنه لا يخرج عن مضارعة واحد من هذه الكتب التي ذكرناها، فلم يبق بيدنا ما يصح الاعتماد عليه والثقة به غير تفسير ابن جرير، وهو الحسنة الوحيدة للمطابع الإسلامية بعد قرن وأكثر من ظهور المطابع في الممالك الإسلامية، ولولا أن بعض أمراء العرب- من سكان الجزيرة العربية- راسل بعض تجار الكتب بمصر في شأنه، وأعانه على ذلك بمساعدات جليلة، لم يظهر له ظل في عالم المطبوعات، اكتفاء منه (بالخازن والجمل) .
وإن أردتَ معرفة تفاسير الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وعلماء القرن الثالث فارجع إلى ما كتبناه في المقدمة على هذا العلم، فقد بسطنا هناك مؤلفات القرون الثلاثة، والباحث عليها إن لم يجدها كلها وجد منها ما يكفي لحاجة الناس.
ثم إنه اعتذر عما كتبه بأنه لم يرد انتقاص أحد بذلك، بل إن غرضه بيان أنهذه التفاسير المتداولة قاطعة عن العلوم الإسلامية، وإن ضرورة المحافظة على الدين تقتضي باختيار الكتب النافعة.
قال: فكل ما نذكره فإنما الغرض منه تمحيص الحقيقة والتماس الأنفع لنا في علوم ديننا، وهذا عذرنا في كل ما نسطره عن هذه المؤلفات التي ابتلينا بها اليوم وابتليت بنا إلخ". انتهى المقصود مما ذكره هذا الفاضل المنصف.) انتهى باختصار يسير من كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني.
تعليق:
قلت: النقل السابق مهم وجدير بالتأمل، خاصة لمعرفة حال علم التفسير في أوائل القرن الرابع عشر، وبيان الكتب التي اشتهرت في تلك الفترة.
ولا شك أن في أحكامه على بعض التفاسير شيئا من المبالغة؛ فليتبه لذلك.
وكنت أرغب في الرجوع إلى كتاب الحلبي "التعليم والإرشاد" لتوثيق هذا النص وقراءته كاملا، لكني لم أجد كتاب هذا الكتاب، وتبين لي بعد البحث أنه نادر؛ فقمت بنقل كلام الألوسي بنصه، وإليكموه:
( وقد تكلم على التفسير كلام منصف واقف على الحقيقة العلامة السيد محمد بدر الدين الحلبي- فسح الله تعالى في مدته وبارك في حياته- في كتاب (التعليم والإرشاد) فقال- سلمه الله تعالى بعد أن تكلم على علم التفسير وأن أهل العلم لم يعطوه حقه-:
"والذي ينظر فيما طبع من نحو قرن في مصر- وهي محط رحال العلوم الدينية وكعبة العلوم التي يَفِدُ إليها الحجاج من جميع الآفاق، والقدوة لكافة أهل الأمصار؛ يرى العجب العجاب، يرى أن الذي طبع منها إلى الآن "تفسير الخازن"،"تفسير الجلالين" بحاشية الصاوي وبحاشية الجمل، "البيضاوي" بحاشية الشهاب بقطعة من حاشية السيد، "تفسير فخر الدين الرازي"، "تفسير أبي السعود"، "تفسير النسفي"، "تاج التفاسير"، ابن جرير الطبري،"الدر المنثور" للسيوطي، تفسير ابن عباس، وبعض تفاسير ضئيلة، هذه هي كتب التفاسير التي تتداولها أيدي الناس اليوم، وهي التي يعتمد عليها طلاب العلوم الشرعية في تفسير كتاب الله جل شأنه، والوقوف على مراده منه.
فأما تفسير الخازن؛ وهو أكثر كتب التفاسير تداولاً، وأعظمها انتشاراً بين عامة المسلمين وطلبة العلوم الشرعية، فهو الكتاب الذي يقف القلم حائراً عند وصفه، لا يدري ما يقول فيه، وما الذي يحذر به المسلمين منه، وخير ما يقال فيه إنه مجموعة الأكاذيب، ولا أرى إلا أن الإنسان لو جرد ما فيه من الأكاذيب الموضوعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأقاصيص الكاذبة التي وضعها اليهود-كقصة بابل والغرانيق وإرم ذات العماد وغيرها- لكانت فوق نصف الكتاب، وبعد ذلك فأشياء إن لم تضر لم تنفع.
وهو على اشتماله على هذين الوصفين اللذين هما من أقبح أوصاف المؤلفات فهو العمدة لعامة المسلمين، وأكثر طلبة العلوم الشرعية، وأكثر انتشاراً بينهم، ولقد أرى أن نسخه التي نشرت في مصر لا تقل عن مائة ألف نسخة، فسد بواسطتها عشرة أضعاف هذا العدد من المسلمين، ودخل عليهم في دينهم ما ليس منه من حديث موضوع وتفسير مفترى.
ومن العجيب أن لا يوجد في علماء الإسلام من ينهى الناس عن نشر مثل هذه الكتب المفسدة للعلوم والشرائع، المضرة بالأخلاق والعقائد، وقد لا يخلو بلد من بلاد الإسلام عن قوم من أهل العلم -ولو قليلين- يعرفون ما في هذه الكتب من المفاسد، ولا يحظرون على الناس استعمال هذه الكتب لاتقاء شرها، بل ربما سُئلوا عنها فأثنوا عليها خيراً مسايرة لأميال العامة، ومصانعة لهم فيما هو من أهم مهمات الدين". قال: "وهذا البحث موعدنا به إن شاء الله القسم الثاني من هذا الكتاب، وهو قسم الإرشاد، وإنما غرضنا في هذا القسم النظر في طرق التعليم، وكتب العلم المستعملة، وبيان جيدها من رديئها.
وأما "تفسير الجلالين" بحاشيتيه الجمل والصاوي فهما يساويان "تفسير الخازن" انتشاراً وكثرة تداول، إلا أن انتشار الخازن بيد العوام أكثر، وانتشار هذين بيد الخاصة- يعني طلاب العلوم الشرعية-أكثر، فأما الشرح فهو غاية في الاختصار لا يمكن الاستقلال به في فهم كتاب الله تعالى، مع علل فيه أخر يعلمها من جمع بينه وبين بعض تفاسير المتقدمين الموثوق بها وبمؤلفيها، وأما حاشيتاه الضخمتان فهما من مؤلفات متأخري أهل العلم بمصر، وحسبك هذا في معرفة منزلتيهما بين المؤلفات".
ثم إنه سلّمه الله عقد فصلاً في انحطاط العلم، ثم قال:
وأما الكشاف ومختصره للقاضي البيضاوي فهما المشكلة التي لا تُحل إجمالاً وإغلاقاً وغموضاً، ولشدة عراقتها في ذلك أكثر المتأخرون من تعليق الحواشي والشروح عليهما، لبيان عبارتهما وتوضيح مقاصدهما، حتى لو جمعت الحواشي والشروح التيعليهما لأربت على ألف مجلد، وما ذكره صاحب (كشف الظنون) مما كتب عليهما قليل من كثير، ولولا أنهما بحيث يخفيان إلا على من ألف حل الرموز والطلاسم واستخراج المخبآت لم يعتن من جاء بعدهما بالتوسع في الكتابة عليهما، والمبالغة في توضيح غوامضهما، وفوق هذا كله اشتمالهما على مسائل كثيرة خارجة عن التفسير بالمرة، لا ترتبط فيه بوجه من الوجوه، كالمسائل الكلامية التي حشيا بها كتابيهما، وهي ليست من فن التفسير ولا من متعلقاته، وإنما كان الغرض من ذكرها بيان معتقديهما والاستشهاد له بكتاب الله.
ويلحق تفسير أبي السعود بهذين التفسيرين، فإنه صورة أخرى لهما مع بعض تغييرات قليلة جداً، ويلحق تاج التفاسير بتفسير الجلالين، ونسبته إليه كنسبة تفسير أبي السعود إلى تفسيري الكشاف والبيضاوي، وإن اختلف عنه فيسير.
وأما تفسير فخر الدين الرازي- وهو كتاب العامة والخاصة وعمدة الناس في هذا الموضوع- فأبو حيان المفسر يقول في تفسيره: تفسير الإمام فخر الدين فيه كل شيء إلا التفسير. وما أحسن ما ترجم به أبو حيان هذا التفسير الكبير، بل البحر العميق، ولقد يفتح الإنسان جزءً من أجزاء هذا التفسير للمراجعة والكشف فيه عن تفسير آية من آي كتاب الله فلا يشعر إلا وقد توسط بحراً لجياً لا يخلص الإنسان منه إلى ساحل. ويظهر مما كتبه الإمام فخر الدين في مقدمة كتابه أنه قد أودع كتابه كثيراً مما لا تعلق له بعلم تفسير كتاب الله، ولا ارتباط له فيه بوجه من الوجوه، وإنما كان غرضه مما جمعه في تفسيره من هذه المسائل الغريبة- مع أن الكتاب في تفسير كتاب الله خاصة على ما يظهر من كلامه في أول كتابه- أن يبرهن على حقيقة ما قاله لبعض مناظريه من أن كتاب الله- جل ثناؤه وعلا سلطانه- لا يمكن استقصاء ما فيه من الأسرار، ولا الإحاطة بما فيه من المعاني والحكم، ولو كتب في ذلك مئات من المجلدات، وإن فاتحة الكتاب يمكن أن يكتب فيها مجلد ضخم في أحكامها وأسرارها ومعانيها، ولذلك وضح في تفسير الفاتحة مجلداً لرد ما أنكره المنكروه عليه، وإن كان لم يصنع شيئاً بالرد عليهم بحشو كتابه بهذهالمسائل التي ذكرها، ولا ارتباط لها بتفسير كتاب الله بوجه من الوجوه، وكل كلام مُؤلَف - كلام الله أو غيره - يمكن للعالم أن يتوسع في الكتابة عليه إلى مثل ما توسع به الإمام فخر الدين في تفسير كتاب الله ، والمؤلف إذا أغمض عينه وتسامح في تأليفه وراعى المناسب والمجاور ومجاوره استطال في يده حبل الكلام، فلم يقف به عند حد. ...
ثم تكلم على تفسير "روح المعاني"وأن مصنفه أخذه من تفسير الإمام فخر الدين، إلا أنه حذف منه كثيراً من الزوائد، وأضاف إليه وأحسن غاية الإحسان، وضم شيئاً من أقوال سلف المفسرين ومتقدميهم، وإن لم يميز بين ما قوي سنده من هذه الأقاويل وما وهي، فبقي في الأمر بعض لبس وإشكال، وأضاف إليه أيضاً جملة كبيرة من تفاسير المتصوفة، فلم يكتف رحمه الله بجمع تأويلات المتكلمين التي تأولوا بها القرآن للاستدلال على عقائدهم وتطبيقها على ما أدتهم إليه عقولهم منها عملاً بقاعدتهم المشهورة عندهم من وجوب تأويل النقل إذا عارض العقل حتى يرجع إلى العقل، فأضاف إلى ذلك تأويلات المتصوفة التي صرفوا بها القرآن عن ظاهره إلى معان لا تدل الألفاظ العربية عليها بوجه من وجوه الدلالات المعروفة عند الناس فجاء كتابه جامعاً للطرق الثلاثة:طريقة السلف، وطريقة المتكلمين، وطريقة المتصوفة؛ إلا أن طريقة السلف لم يتعرض فيها لبيان طرق نقلها وتمييز صحيحها من سقيمها، ولذلك كان ككتب الحديث التي لا يبين فيها سند الحديث وحال رجاله لا تقع الثقة به، سيما إذا تعارض مع غيره ولم يقع الترجيح بينهما بوجه من وجوه الترجيح.
وأما تفسير "الدر المنثور" للجلال السيوطي فقد زعم أنه اختصر به -على حسب عادته- تفسير ابن جرير، الذي جمع فيه صحاح الأحاديث المتعلقة بتفسير كتاب الله تعالى، وبيان أسباب النزول، وأضاف السيوطي في مختصره أحاديث واهية الإسناد في هذا الموضوع نفسه، ومزجها بتلك الأحاديث -أحاديث الأصل- فاختلطت بها حتى لا يمكن التمييز بينها، وقلّت الثقة في الجميع.
وربما استبعد أحد أن يضع السيوطي في تفسيره"الدر المنثور" أحاديث واهية الإسناد، أو موضوعة مع ما له من المؤلفات في موضوعات الأحاديث -فنقول إن من علم طريقة السيوطي في التأليف لم يستنكر هذا الذي قلناه، وطريقته- رحمه الله على ما علمنا من استقراء كتبه- أنه كلما وقع إليه كتاب من الكتب في أي فن من الفنون واستحسنه اختصره ونسبه إلى نفسه بدون تمييز بين غث وسمين، ولا وقوف على حقائق العلوم، ولذلك تراه مضطراً في كتبه، لأنه لا يُحَكّم فِكْرَ نفسه، وإنما يُحكّم في كل كتاب فكر ملفه هو، فيضيفه إلى نفسه ببعض تصرف يحدثه في الكتاب.
وإن كنت قد قرأت في كتابه الذي سماه (الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير) وكتابه الذي سماه (اللآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة) ورأيت في (الجامع الصغير) كثيراً من الأحاديث التي نصّ في كتابه اللآلىء على أنها موضوعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تصح عنه بطريق من الطرق، جزمت بصحة هذا الذي قلنا، وعلمت أنه لا يؤلف، وإنما يلخص كتب الناس وينسبها لنفسه.
ثم أطال الكلام في السيوطي وابن كمال باشا، وأنهما على منهج واحد في انتحال الكتب بعد الاختصار إلى أن قال سلمه الله:
وأما تفسير محيى الدين فهو مسخ للقرآن، [لعله يقصد ابن عربي الصوفي الضال ] ونقض للدين من أساسه، ويرى بعض الباحثين أنه ليس من مؤلفات محيي الدين، وإنما هو من مؤلفات القاشاني أحد الملاحدة الباطنية، نسبه لمحيي الدين ليروجه بين عوام المسلمين، ومن يستميتون إلى ما يقول محيي الدين مهما كان حاله، والظن بمحيي الدين أنه لا يضع مثل هذا الكتاب، ولا يذهب هذه المذاهب الفاسدة في تفسير كتاب الله تعالى. وسواء كان من مؤلفات محيي الدين أو غيره فإن انتشاره بين المسلمين بحت ضرر، سيما ولا موقف يوقف الناس على الصحيح والفاسد من هذه الكتب.
وأما تفسير ابن عباس؛ فهو من مؤلفات مجد الدين الفيروز آبادي صاحب "القاموس"، جمع فيه رواية محمد بن السائب الكلبي عن ابن عباس. قال: وقد علمت مما ذكرناه في المقدمة حال ابن السائب الكلبي وضعفه، وقلة ثقة العلماء بمروياته.
قال: هذه كتب التفسير التي نقرأها اليوم، وإن كان قد فاتنا ذكر شيء منها فإنه لا يخرج عن مضارعة واحد من هذه الكتب التي ذكرناها، فلم يبق بيدنا ما يصح الاعتماد عليه والثقة به غير تفسير ابن جرير، وهو الحسنة الوحيدة للمطابع الإسلامية بعد قرن وأكثر من ظهور المطابع في الممالك الإسلامية، ولولا أن بعض أمراء العرب- من سكان الجزيرة العربية- راسل بعض تجار الكتب بمصر في شأنه، وأعانه على ذلك بمساعدات جليلة، لم يظهر له ظل في عالم المطبوعات، اكتفاء منه (بالخازن والجمل) .
وإن أردتَ معرفة تفاسير الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وعلماء القرن الثالث فارجع إلى ما كتبناه في المقدمة على هذا العلم، فقد بسطنا هناك مؤلفات القرون الثلاثة، والباحث عليها إن لم يجدها كلها وجد منها ما يكفي لحاجة الناس.
ثم إنه اعتذر عما كتبه بأنه لم يرد انتقاص أحد بذلك، بل إن غرضه بيان أنهذه التفاسير المتداولة قاطعة عن العلوم الإسلامية، وإن ضرورة المحافظة على الدين تقتضي باختيار الكتب النافعة.
قال: فكل ما نذكره فإنما الغرض منه تمحيص الحقيقة والتماس الأنفع لنا في علوم ديننا، وهذا عذرنا في كل ما نسطره عن هذه المؤلفات التي ابتلينا بها اليوم وابتليت بنا إلخ". انتهى المقصود مما ذكره هذا الفاضل المنصف.) انتهى باختصار يسير من كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني.
تعليق:
قلت: النقل السابق مهم وجدير بالتأمل، خاصة لمعرفة حال علم التفسير في أوائل القرن الرابع عشر، وبيان الكتب التي اشتهرت في تلك الفترة.
ولا شك أن في أحكامه على بعض التفاسير شيئا من المبالغة؛ فليتبه لذلك.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: