رأيي في تلاوة الشيخ عبدالباسط.. وشيء من هموم التلاوة واللغة؛لأبي عبد الرحمن الظاهري

إنضم
06/09/2005
المشاركات
961
مستوى التفاعل
19
النقاط
18
الإقامة
القصيم، بريدة.
رأيي في تلاوة الشيخ عبدالباسط.. وشيء من هموم التلاوة واللغة
كتبه أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري


مقال منشور في جريدة الجزيرة يوم الخميس 23/4/1428 وفيه بعض الفوائد واللطائف. على أني لا أتفق مع الكاتب الكريم في بعض الأمور التي ذكرها.


الشيخ عبدالباسط بن محمد بن عبدالصمد -رحمه الله- من أحلى المقرئين صوتاً بإطلاق وأطولهم نفساً.. إلا أن لي بعض الملاحظات على تلاوته بعد قليل إن شاء الله، ولهذا نُسي، واستبدل به ذوو التلاوة المجودة منذ الشيخ الحذيفي إلى شبابنا حفظهم الله.. ولد رحمه الله سنة 1346هـ- 1927م، وتوفي سنة 1409هـ- 1988م، وهو شيخ المقرئين المصريين، ورئيس نقابة قراء ومحققي القرآن الكريم في مصر، وعضو المجلس الأعلى الإسلامي، وكان والده من أكراد العراق.. حفظ القرآن ولم يتجاوز العاشرة من عمره - فليعتبر شباب العصر-، وأتقن القراءات السبع ولم يتجاوز أربعة عشر عاماً(1).

قال أبو عبدالرحمن: ولا تزال ترتبط ذكرى تلاوة عبدالباسط بذهني ووجداني في صغري أيام الراديو الفيلبس الكبير الذي نشغله على البطارية، ويستفتح بصوته الإذاعات؛ فكنا نصغي إليه عند وجبة الفطور قبل الذهاب إلى المدرسة، وهكذا تستقبلنا نوافذ المربع بالرياض إذا زرناه في العطلة، حيث يسكن بعض أصدقاء الوالد -رحمه الله- في غرف بالمربع؛ فلا تسمع إلا صوت عبدالباسط بأعلى ارتفاع من صوت الراديو؛ وكان أخي عبدالله -رحمه الله- مشهوراً في شقراء بالإجادة المطابقة لصوت عبدالباسط عبدالصمد مع انقطاع قليل في النفس، كما كان يقلد المنشاوي، ومحمد رفعت، ومحمود خليل الحصري، وأبوالعينين شعيشع.. وكان الوالد -رحمه الله- يذهب به إلى مرقده في الموعد المحدد على الرغم منه؛ لأنه يقضي الليل في تحريك مفتاح الراديو يميناً وشمالاً يتحرى كل إذاعة تستفتح بتلاوة أحد هؤلاء.. وأمثل القراء المصريين المشهورين تجويداً المنشاوي، ومحمد محمود الطبلاوي، ومحمود خليل الحصري، ومحمد رفعت، وأبوالعينين شعيشع.. ذكرتهم على الترتيب في الإجادة، والطبلاوي طويل النفس، متقن للتجويد بلا تكلف، موفق في نطق الحروف من مخارجها.. إلا أنه مثل أكثر المقرئين -إذا لم تكن أشرطته مدبلجة.. أي محذوفة السكتات- لا يقف للدعاء والاستعاذة والتسبيح عند آيات الترغيب والترهيب والتقديس؛ فيفوته أجر ذلك، ولكن المستمع لن يغفل عن ذلك؛ لأن تلاوته تقتضي الخشية، وهذه خصيصة له وحده بينهم، والحصري دونه في التجويد ولم يرزق حلاوة صوت، وأبوالعينين أحلاهم صوتاً، ويضارع الطبلاوي في طول النفس؛ إلا أنه يقف كثيراً عند كل آية أو جزء من آية وإن لم يكن فيها ما يقتضي التسبيح أو الدعاء أو الاستعاذة؛ بسبب تكلفه في رفع الصوت؛ فيأخذ نفساً طويلاً، وقد يخفض الصوت؛ فلا تكون تلاوته على وتيرة واحدة.. ويشترك مع محمد رفعت في أنهما يميلان إلى التحزين ولا تتبين تلاوتهما أحياناً؛ فهما أكثر تكلفاً في التجويد والتحزين.. إلا أن محمد رفعت أحلى صوتاً، وأقرب إلى التحزين شبه الطبيعي إلا في تلاوة له لسورة (اقتربت الساعة)؛ فقد تكلف التحزين.. والطبلاوي يراعي النبر العروضي أحياناً وهو إظهار التعجب والإنكار والتساؤل.. الخ.. والملاحظ على عبدالباسط رحمه الله ما يلي:

1- أنه ينبغي التثبت من القراءات التي يقرأ بها؛ فإنه قرأ في سورة الغاشية (بمضيطر) بضاد معجمة بعد الميم، ولا تعرف هذه القراءة عن أحد، وإنما ورد في قراءة لا يعتد بها نقلا إشمام الصاد زاياً، وهذا الإشمام(2) (مع عدم إمكانه) لا يقتضي النطق بالضاد.

قال أبو عبدالرحمن: والعجب تصحيحها عند بعض النحاة وفي كتب بعض القراءات، وأرى أن إشمام الصاد زاياً ليس من الحروف الفرعية؛ لأنه محال النطق به، وما كان محالاً فليس حرفاً.. وهذه الإحالة بالنسبة للآية من سورة الغاشية (بِمُصَيْطِرٍ)؛ قراءة تفرد بها خلف بن هشام بن ثعلب البزار البغدادي: عن سليم بن عيسى: عن حمزة رحمهم الله تعالى، والظاهر أنه سمعها بتصرف في الصاد بأن جعلها ساكنة وأتمها بزيادة زاي مكسورة.. ولا يمكن أن يتصور إشمام الصاد زايا بغير هذه الصورة؛ لأن طبيعة الصوت البشري بمخارجه لا يوجد حرف فرعي بين الصاد والزاي مثل الكاف في (كيف حالك؟) في عامية نجد، فلها في الصوت البشري مخرج بين الجيم والكاف، وهكذا (الصِّرَاطَ).. يستحيل أن تجد له مخرجاً بين الصاد والزاي، ومحال أن تجد له شمامة بين الصاد والزاي بخلاف الصاد والسين فإنك تخفف نطق الصاد فلا تلفظ بها من مخرجها خالصة، بل تميل إلى السين أيضاً من دون أن تلفظ بها خالصة من مخرجها، وهذا تكلف متعب، وأما ما بين الصاد والزاي فهو محال.. والتقارب اللغوي بين معاني صراط وسرط وزرط لا يسوغ نطقاً متكلفاً أو دعوى نطق محال، وإنما يتصور نطق الصاد ساكنة بعدها زاي مكسورة، وهذا تصرف في حرف الصاد، وزيادة حرف زاي، ولا يقبل في كلام الله إلا ببرهان قوي.. وحمزة هو الإمام حمزة بن حبيب بن عمارة الكوفي -رحمه الله تعالى- من أئمة القراءات السبع، ولكن هذه القراءة عنه ليست سبعية؛ لأن راويها عن تلميذه سليم هو خلف بن هشام -رحمه الله- إمام من القراء العشرة؛ فعلى فرض صحة الممكن (الذي أسلفته من إشمام الصاد زاياً) عن سليم؛ فيكون سليم -وإن كان أقوم تلاميذ حمزة بحرفه- منفرداً عن بقية تلاميذ حمزة، ولكن الأظهر -لإحالة الإشمام، والاحتياج إلى إسكان الصاد وإتمامها بزاي مكسورة- أنها لا تثبت عن سليم وإن كان راويها خلف إماماً لأمور:

أولها: أن الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- كره قراءة حمزة؛ فلما بحث عن السبب وجد أنه انفراد بعض القراء بالرواية عنه؛ فأحد الرواة عن سليم عن حمزة سمع مقرئاً يروي قراءته عن حمزة وفيها إفراط في المد؛ فكره ابن إدريس ذلك.. ومعنى هذا أنها لم تثبت عن حمزة؛ لأن أبا عمارة حمزة -رحمه الله- كان يقول ناهيا لرجل: (أما علمت أن ما كان فوق البياض فهو برص، وما كان فوق الجعودة فهو قطط(3)، وما كان فوق القراءة فليس بقراءة)(4).

وثانيها: أن هذا الانفراد عن أصحاب سليم بن عيسى تلميذ حمزة، وهذا الانفراد عن بقية تلاميذ حمزة في أمر محال أو تصرف متكلف: قاض بترجيح الاحتمالات القاضية بردها التي سترد في الأمر الثالث.

وثالثها: أن خلفاً -رحمه الله- أخذ القراءة عن شيخه سليم بن عيسى عرضا لا سماعا منه، ومعنى العرض أن يقرأ خلف ويسمع منه سليم، أو يسمع خلف من يقرأ على سليم.. ومع أن السماع من تلاوة الشيخ أصح وأبلغ فلنفترض - مراعاة للاختلاف(5) - أن العرض أبلغ من السماع، أو أنه مثله: إلا أن هذه القراءة المحالة أو المتكلفة بتصرف يغير ضبط الصاد ويزيدها زايا موجب تقديم الاحتمالات التي تنفيها؛ فيحتمل أن خلفا سمع العرض على سليم بتلاوة رجل آخر، وظن أنه تصرف هذا التصرف في الصاد مع أن سليما لم يلاحظ ذلك؛ فيكون سمع خلف هو الذي أخطأ، وليس سمع سليم مخطئا.. ويحتمل أن عرض خلف بتلاوته هو على سليم، ولم يتبين لسليم تصرف خلف؛ لخفوت صوت خلف، أو لإخطاء سمع سليم؛ فلا تكون القراءة حينئذ منسوبة إلى حمزة.. واحتمال إخطاء سمع سليم يكون على الرغم من أمر حمزة طلابه بالتحفظ والتثبت إذا أقبل سليم(6)؛ وما هذا إلا لرهافة سمعه ودقه إحساسه.. ويدلك على استحالة هذا الإشمام أن شيخ المقرئين عبدالباسط لما أراده عجز عنه؛ فجاء بالصاد المهملة ضاداً معجمة!

2- التلحين الموحش المتجاوز التغني إلى الغناء الملحن كما في تلاوته لسورة (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) (سورة الشمس-1) في بعض أشرطة قصار السور؛ فإن هذا غناء بحت متكلف يحبه من يحب الطرب، وكلام الله سبحانه مقدس عن ذلك.

3- حلاوة الصوت، وجمال الأداء في تلاوته إذا لم يلحن؛ فتستمتع بالصوت أيما استمتاع، ولكنه لا يجلب الخشية والخشوع من ذاته، وإنما يخشع ويبكي بعض المرات من كان ذا وعي بمعنى الآية الكريمة ولامست أحاسيسه، وهذا مثلا بخلاف تلاوة الشيخ عادل الكلباني؛ فإنه أحيانا يعينك على نفسك في الخشوع والبكاء وإن لم يكن من كبار القراء في صناعة التجويد.. وأما قراءة الترتيل بدون إمعان في التجويد فتقل فيه أحيانا حلاوة صوت عبدالباسط.

4- الهينمات الصوفية، والتجاوز في الدعاء فيما يختم به التلاوة بعض المرات.

5- ترديد الآية والآيات لزيادة قراءة صحيحة، أو للعبرة؛ لما فيها من معنى ظاهر يلامس الإحساس لا بأس به، وما عدا ذلك فعبث ولاسيما ما كان مشكل المعنى مثل {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ... الآي} (سورة الأعراف-172).. وأكثر إعادات عبدالباسط من أجل زيادة قراءة، أو عند انقطاع النفس على غير موقف.

6- ضجيج المستمعين للتلاوة مثل: الله يكرمك، والله ينعم عليك، يا صلاة الزين، الصلاة على النبي، والله أكبر؛ فكل هذا من البدع، والمشروع الإنصات بصمت، والإسرار: بالتأمين، والدعاء، وسؤال رحمة الله وفضله، والاستعاذة به في آيات الترغيب والترهيب، والتقديس عند ذكر أسمائه الحسنى وأفعاله سبحانه.

ولقد أفتى علي السيستاني -وهو مرجع شيعي- بتحريم تلاوة عبدالباسط، وأحمد العجمي، وتحول هذا التحريم إلى عمل؛ فقامت المليشيات الشيعية بمصادرة أشرطته، وفرضوا ذلك على محطة الشرق الفضائية، ورفض ذلك مديرها الدكتور سعد البزاز سكرتير عدي سابقا(7).

قال أبو عبدالرحمن: تلاوة عبدالباسط ثلاثة أقسام: تلاوة ليس بها محذور (وهي الترتيل)، وتجويد يوجد فيه التلحين أحيانا، وتلحين محض؛ فينبغي التفريق.. غفر الله له ورحمه.

قال أبو عبدالرحمن: أترابي الذين تناوشوا سبعين عاما أو سلخوها، ومَن قبلهم من أجيال في عصور العامية -ولو كان ذلك بعد إشراف دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله- ظلموا كثيرا في التلاوة واللغة، وسأقصر حديثي على جيلي الذين عاشوا التعليم المدني أيام الدراسة المرحلية؛ فقد كان التجويد مقررا لنا في مرحلة الابتدائي فقط، وكان علما نظريا(8) بحتا ولا سيما إن كان المدرس سعوديا؛ لأنه لا يملك الأداء الصحيح تطبيقا وإن حذقه نظريا، ولم يكن في بيئتنا مقرئون يحسنون التجويد، وإنما يوجد نوادر من شيوخ العوام الأتقياء الذين يملكون حلاوة الصوت ولا يحسنون التجويد، ولكنهم يحسنون الإمعان في القرآن وتدبره مع سلامة تنشئتهم على الفطرة؛ فهذه الظاهرة تجعل المستمع يخشع ويبكي ويطرب لحلاوة الصوت على الرغم من صغر سن المستمع.. وأكثر هؤلاء الأتقياء لا يملك حلاوة الصوت ولا الإبانة، وكأنه في تلاوته يفرقع حصى صلدا من أعلى الجبل إلى أسفله.. هذه واحدة، والثانية أن التجويد من صميم لغة العرب وجمالياتها؛ لأن العرب تعطي الحرف مسافته الزمنية من مخرجه، وتنبر نبرا عروضيا -ولا أريد نبر الهمزة في اللغة-؛ فيظهر من هيئة نطقهم معنى التعجب والتوجع والاستغاثة والسؤال والإنكار والتقرير والوعد والإيعاد.. الخ، وهذا معنى الفصاحة ومعنى شطر من البلاغة؛ فكان أداؤهم جماليا مطربا، وبيئتنا محرومة من هذه النعمة؛ فأصيبت حلوقنا بتخثر البحة والخنة والحشرجة، وبليت ألسنتنا بالعنة (بالعين المهملة)؛ بالالتهام للكلام، وسبق اللسان للفكر؛ فكان طالب العلم عندنا يقول: (رسول الله صَلَّهْ عليه وسلم) يريد (صلى الله!!!)، وهذا مثل بعض الأقطار المجاورة تقول: (الله بالخير) أي (صبحك الله بالخير)؛ فأصبحت (الله بالخير) مثلا يطلق على من لا يميز بين كوعه وكرسوعه، وعُشر عالم مصري مثلا يوصل علمه بذلاقة لسانه بتأثير البيئة ذات القراء (وإن لم يكن هو فصيحا على أداء العرب بالتمام) إلى طلابه أكثر من العالم المبرز عندنا.. وكان شيخنا وشيخ الأجيال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله لا يلحن نحوا في كلامه العادي، ولكنه رحمه الله كأبناء بيئته يلتهم الكلام أحيانا؛ إذن(9) عشنا في بيئة مزكومة اللغة.. وكانت بيئتنا بحمد الله نقية تقية توسعت في باب سد الذرايع؛ فلم ندرس نظرية المعرفة؛ لأن من تمنطق تزندق، ولم نتكلم بأداء عربي فصيح جميل مطرب؛ لأن من تحرى غير ما في بيئته فقد تشدق.. والتشدق مذموم!!.. ولم نلتذ بكلام الله من خلال مقرئ يتغنى بكلام الله وفق لغة العرب التي نزل بها القرآن؛ لأن من تعدى تلاوة البيئة فقد تفيهق.. والتشدق والتفيهق والتمنطق كلها في سمط المذمومات؛ فاستحوذ علينا الشيطان، وحبب إلينا أصوات الغناء لا التغني؛ فإن أخذتنا السكرة ردحنا مع أم كلثوم والسنباطي.. الخ.. الخ.. وإن أخذتنا الفكرة ردحنا مع ألحان عبدالباسط في غنائه بالقرآن الكريم في مثل (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) في شريط قصار الصور.. ومنذ خلعت خمسين عاما اشتد التجاذب والتطاحن عندي بين غرائز الإنابة، وغرائر الفكر، وغرائز الهوى؛ فلما أوشكت على خلع سبعين عاما عقب تلاوة مؤثرة خنقتني عبرة مباشرة لا أعرف سببها، ثم أحسنت الوضوء، ثم أحسنت الصلاة في جلاد مرير مع الخناس الوسواس، وفتح لي في السجود بدعاء لم يكن ببالي قط -وهي إيقاظ ملك كريم من رب رحيم- فقلت من غير تعمل، بل كأن ممليا يملي علي: (يارب إن وسيلتي إليك، وشفيعي عندك أنني منذ الصغر حتى هذه اللحظة أشهد أنه لا إله إلا أنت، وأن محمد عبدك ورسولك، وأنني مؤمن بملائكتك وكتبك ورسلك، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.. وأنني ألوذ بك، وأعتصم بك، وأسألك هداية التوفيق، وأبرأ من الحول والقوة إلا بك).. ثم غلبني البكاء فلم أحص من كلامي شيئا إلا استعاذتي مما يجلب غضب ربي ومقته ومكره، وأردد الحديث الذي فيه: (وأعوذ بك منك)، ونسيت نفسي في سجودي أدعو ربي ألا يقذف بي في النار، وألا يخترمني على كفر أو فسق، وأن يصحب بقية عمري بالعصمة والعفو عما سلف، وأن ييسر لي طاعته وعبادته والعلم النافع تعلما وتعليما عوضا عن سهر ليال في علم غير نافع -بأوراق مبعثرة تنيف على ثلاث مئة رزمة-؛ فذهبت كل تلك الليالي سبهللا.. وكنت إذا أردت أن أترك ما أراه معصية لا أعاهد ربي على ذلك خوفا من عودتي فيبطش ربي بي، ويحيقني بمكره؛ لأن الإصرار مع الاستغفار مكر، والله يمكر بمن يمكر به.. وإنما أقول في سجودي: (ها أنا يا ربي أعلن إقلاعي وندمي وعزيمتي على عدم العودة عزيمة لا عهدا، ولا حول ولا قوة إلا بك، وأنت المستعان؛ فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين).. وبعدها تدرجت في معارج من حياتي أثلجت صدري، ولا أزال أتنقل من حسن إلى أحسن، وتدربت على أن يكون لتلاوة كتاب الله (بتدبر من غير استعجال على ختم القرآن) نصيب من وقتي، وأن أقضي رياضتي على السير الكهربائي بتمهل على امتحان أصوات المقرئين من كل بلد، والانتقاء من أصواتهم، والتدبر للتلاوة.. وأحضر بجني المصحف عند تلاوتي دفترا وجزءا من تفسير القرطبي فيه السورة التي أتلوها؛ فأراجع بسرعة ما أشكل علي؛ فإن تكاسلت سجلت رقم الآية ونوع الإشكال؛ لأراجعه فيما بعد، فكنت أحقق مسائل وأسودها كلما وجدت نشاطا، وكنت سابقا أستوحش إذا طال استماعي لمن أحبهم من المطربين؛ فما كانوا اليوم عندي يقومون ولا يقعدون، ولا أجد نفسي تميل إليهم؛ فعلمت سر الصدق مع الرب في الإنابة، والاعتراف بالذنب والتقصير؛ والإلحاح في الدعاء.. ثم بعد ذلك تيقنت السر العظيم في الشد إلى الله بصوت جميل صاحبه رباني ذو علم وخشية يتغنى بكلام الله.. ولو نشأنا على هذه الأصوات الربانية لما هوّم بنا الوسواس الخناس إلى (أنت عمري) و(وسط الطريق).. الخ.. الخ.

ثم أدركت أسبابا سببت بقاءنا على الأمية العامية في التلاوة، وهي عامية لا تملك صوتا جميلا يتغنى بكلام الله على طريق الفصحى التي نزل بها القرآن، وعلق بذهني الأسباب التالية:

أ- أن كبار القراء كانوا خارج محيطنا.. ومحيطنا المنطقة الوسطى، وجنوب الجزيرة ما بين نجد واليمن والمخلاف السليماني.

ب- أننا عرفنا كبار القراء مع جهاز الراديو، ومن خلال الصحف والمجلات.

ج- رأوهم حليقي اللحى، وهي معصية تشمئز منها بيئتنا.

د- قرأوا وسمعوا من أخبار بعضهم أنه يشرب الدخان، ويشرب بعضهم ما يمزج مع الدخان أو ما هو مثله مما روجه دجالو الصوفية المدعون الجذب والكشف والوجد.. ولا ريب أن الدخان وحده يرفضه الاجتهاد بالاستنباط إلى درجة التحريم؛ لمضاره الدنيوية، ولعزله صاحبه عن الاختلاط الطويل بالصالحين.. وهذا حق في ذاته، ولكنه لا يطفئ نور الإيمان، ولا يصد عن ذكر الله، ولا يقسي القلب، ولا يمنع من الاستنصار بالله على الهوى والنفس والشيطان وضعف الإرادة؛ فتحصل العصمة على المدى، ونية المؤمن خير من عمله، والطاعات وإن صغرت تجر إلى طاعة أكبر على المدى أيضا، والإقلاع عن بعض الذنوب وإن صغرت يجر إلى التجرد من الفواحش ما ظهر منها وما بطن على المدى أيضا، وربما رفع الله درجة المؤمن العاصي إلى درجة المحسنين، وجعل خلقه القرآن، وختم له بخير؛ فمحيت ذنوبه؛ فكان كيوم ولدته أمه، ولم يجد أمامه إلا رحمة ربه وعمله القاصر أو الطيب الذي ختم له به مضاعفا أضعافا كثيرة بإحسان ربه، ونحن لا نسأل الله عدله، فذلك وعد حتمي كتبه ربنا على نفسه برحمته؛ فهو القادر المتصرف في ملكه لا غالب لأمره، ومن عامله ربه بعدله هلك، وإنما نسأله رحمة ربنا ولطفه وهدايته التوفيقية بعد هدايته الإيضاحية البيانية في الشرع والكون؛ لأن ذلك هو طلب الإذن من ربنا بالإيمان والصلاح، فالله سبحانه قال: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ} (سورة يونس-100)، وقال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (سورة غافر-60)؛ فالدعاء من الأسباب إلى الآخرة كما نبذل الأسباب لدنيانا بطلب الحرث والنسل والصحة والغنى.

هـ- أن غالب هؤلاء القراء على هدي الصوفية في الضجيج والبدع.. وعلى هدي البدعة في التكلف والتحزين.

و- أنه لا يغلب أحدهم البكاء والخشية في تلاوته، ولا تجد ذلك في ضجيج السميعة، وإنما التلاوة عندهم حرفة للتطريب؛ فتذكر قومنا قراء يأتون آخر الزمان لا تتجاوز قراءتهم حناجرهم.

قال أبو عبدالرحمن: كل هذا حق، ولكنه لا يمنع من تخليص الحق من الأوشاب، ولا يمنع من اعترافنا بأننا على نقص وأخطاء جسيمة في ترك بذل الأسباب لإيجاد كوكبة تحسن التغني بالقرآن بالأصوات الجميلة الخشوعة المتدربة بعد الله بالعلم على ما يؤدي به خيار الأمة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم (وهم سادة الفصحى) كلام ربهم بما يرضي ربهم؛ فيحسن الناس الانتفاع بكلام الله، فبئس التاريخ في بيئتنا عصور تلك العامية التي يعشعش عليها الإلف والعادة، وخمود الفكر عن النظر بحرية ثم الالتزام لما دلت عليه عزائم الفكر من يقين ورجحان؛ فإن ربنا سبحانه في نزول القرآن بمكة المكرمة خاطب العقل والفؤاد (الذي هو مستقر المعقول إذا تحول إلى إيمان) والسمع والبصر، قبل المخاطبة بتكليف الشرع بالمدينة المنورة؛ لأنه إذا حصل الإيمان اليقيني بما يوجب السمع والبصر والفؤاد الإيمان به، وإذا حصل الإيمان الرجحاني فيما جعله الله للاجتهاد المؤهل: سهل الانقياد للشرع بتلذذ وشوق.. ومعذرة من هذا التدافع المنثال من الكث والبث؛ فلولا يقيني بانتفاع القارئ بتجربتي ما بثثت من سري شيئا.. ثم اعلموا أن كل بكاء أو قشعريرة أو عبرة في عبادة أي عبادة كالانكسار أمام الله بالدعاء في صلاة، أو خلوة، أو تلاوة، ولم يكن عن اعتبار بآية فهمت معناها المتوثب بالأرواح، ولم تعرف لتلك الخشية سببا: فسببها حفيف ملائكة الرحمن بك؛ فإن الله بث ملائكته عليهم السلام منهم كتبة الأعمال، ومنهم من يحفظك بأمر الله حتى يأتي أجلك أو قدرك الدنيوي الحتمي؛ وذلك نعمة للمؤمنين الشاكرين، وحجة على الكافرين الجاحدين ونقمة عليهم، ومنهم من يعينك على وساوس الشيطان بطمأنينة من الله، ومنهم من يغشى خلوتك في التلاوة والعبادة والانكسار فيدعو لك، ويستغفر الله لك بأن يقيك السيئات؛ فخذها مني حقيقة مطلقة قاطعة عن تجربة معاناة أن كل ما ذكرته هو من حفيف الملائكة، وهو بشرى للمؤمن، والله المستعان.

وكتبه لكم:

أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري

- عفا الله عنه -

(1) ينظر عنه تتمة الأعلام للشيخ محمد خير رمضان ص265-266، وكذلك موقع عبدالباسط في الإنترنت، وقد نقلوا عن مذكراته.

(2) قرأ خلف بإشمام الصاد زاياً، والإشمام هو: (ضم الشفتين للتلفظ بالضم من غير صوت يُسمع؛ تنبيهاً على ضم ما قبلها أو ضمة الحرف الموقوف عليه ولا يشعر به الأعمى).. زاد المسير 4-186.. وقال أبو عبدالرحمن: هذا إشمام حركة، ولا علاقة له بموضوع الآية الذي هو إشمام الحرف.. قال الإمام نصر بن علي ابن أبي مريم (-ت بعد 565هـ) رحمه الله تعالى في الموضح في وجوه القراءات وعللها 1-169 (بتحقيق الدكتور عمر حمدان الكبيسي - نشر الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن بجدة- الطبعة الأولى عام 1414هـ): (الصاد التي هي كالزاي، وهي تسمى المضارعة بين الزاي والصاد نحو (الزراط) إذا لم تجعلها زاياً خالصة ولا صاداً خالصة، وذكر 1-230 أنها قراءة ابن كثير برواية قنبل، ويعقوب برواية رويس، وأنها قراءة حمزة وحده برواية خلف في سورة الغاشية كما في 3- 1364، وذكر كراهية بعضهم لهذه القراءة لما فيها من تكلُّف.

(3) الجعد قصير الشعر، والقطط بلوغ الغاية في الجعودة، والسبط المسترسل، وكان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاً لا سبطاً ولا جعداً، فالجعودة ليست وسطية، فلم يصادف المعنى الذي يريده حمزة رحمه الله لفظاً دالاً عليه، ولو قال: (وليس ما دون السبط إلا الاعتدال، أو الجعد القطط): لكان أوفق.

(4) انظر غاية النهاية في طبقات القراءة لابن الجزري رحمه الله تعالى 1-263- دار الكتب العلمية ببيروت.

(5) انظر في علوم الحديث لابن الصلاح رحمه الله تعالى ص137-138- دار الفكر المعاصر ببيروت مع دار الفكر بدمشق.

(6) غاية النهاية 1-319.

(7) عن الإنترنت عن دنيا الوطن ببغداد عن الدكتور أحمد الديلمي.

(8) مادام بعد الياء ألفُ تقتضي علامة تنوين فالأولى جعل الشدة والسكون على الياء الأولى، والتنوين هو للياء الثانية.

(9) كان المبرد رحمه الله يتمنى أن يكوي يد من كتبها (إذاً) لأن النون أصلية في الحرف مثل عن وعند.
 
مقال أدبي رائع و فيه بث شيء من "هموم " صاحبه ، إلا أننا مع ما يعترينا واعترانا من "نشوة " وأريحية" وطرب" وتمايل نفس " من هذا الأسلوب الأدبي الراقي ؛إن شئت فقل في "الوصف" وإن شئت أخرى فقل في "النقد" إلا أننا :
لا نوافق الأديب "الظاهري" على ماذكره عن "الإشمام" الذي هو قراءة "صحيحة متواترة " سهلة في النطق لا كما تصورها وصورها المقال "الأدبي " ،إذ لا يوجد طفل "مبتدئء" في القراءات إلا وينطقه نطقاً صحيحاً سليما ؛ولماذا نذهب بعيداً :
كل العامة من إخواننا المصريين والشاميين بل وعندنا نحن في المدينة المنورة ينطقون بهذا الإشمام نطقاً ،حتى وإن لم يكن بين الصاد والزاي ؛فمن منا لم يسمع بعض الناس ينطق "ظالم " نطقاً ليس هو بزاي خالص ولا صاد خالص ولا ظاء خالص ،فهذا النطق هو نفسه الإشمام كما قاله مشايخنا رحمهم الله .
وفي المقال المذكور وقفات أخرى أتركها لغيري لبيانها.
 
حفظ الله الشيخ ابا عبد الرحمن وبارك له وفيه , وكتب له أجر ما أفاد به في هذا المقال , وقد استوقفتني جملة من كلامه طالما أثارت اشكالا في نفسي عدة سنين , وهو السؤال عن ألحان العرب , وحدود وضوابط التغنيو فبعض الناس تجده يحكم على قارئٍ ما بأنه تجاوز لحون العرب إلى غيرها في قراءته , وفي هذا المقال جزم الشيخ أبو عبد الرحمن بخروج الشيخ عبد الباسط عن التغني إلى الغناء , حين قال:
(..التلحين الموحش المتجاوز التغني إلى الغناء الملحن كما في تلاوته لسورة (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) (سورة الشمس-1) في بعض أشرطة قصار السور؛ فإن هذا غناء بحت متكلف يحبه من يحب الطرب، وكلام الله سبحانه مقدس عن ذلك...)

وســــؤالي:
هل لحون العرب التي وردت السنة باستعمالها في حديث (اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها )- وإن كان ضعيفاً - ,وضوابطُ التغني التي تحجزنا عن الوصول إلى الغناء, منضبطة معروفة لدى الشيخ أبي عبد الرحمن وغيره من أرباب تلك الرؤى, بحيث نتعلمها ونعلَّمها , ام أن الأمر لا يتجاوز كونه اجتهادا شخصيا من أي سامع يحمله على الحكم على ما لم يعتد سماعه من الأنغام والأصوات بالخروج عن لحون العرب وضوابط التغني..؟؟
أم الظاهر أن الأمر يتسع لكل نغم وصوت يستحسنه القارئ ما دام لم يخل بالمخارج والصفات والأحكام..؟؟

والله الموفق وحده والمستعان على كل شيئ.
 
للشيخ أبي عبدالرحمن محاضرة قديمة ، عن بحور الشعر بعد الخليل ، وهي محاضرة ألقاها في النادي الأدبي في مكة قبل 18 سنة تقريبا ، وقد سمعتها في ذلك الوقت ، ولاأدري كيف أجدها ، وهي رائعة جدا
ومن اللطائف أن الشيخ ألقاها في ثياب إحرامه ، قبل أن يؤدي العمرة
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فمع حبي وتقديري للشخ ابي عبد الرحمن الظاهري حفظه الله،لكنه في مقاله مرر على القراء بالقراءات العشر ورد رواية لهم.
لقد حكى المقال قصة أدبية تعد تحفة رائعة لحقبة من تاريخ منطقة غالية والله يعلم أننا نكن لأهلها الأحياء والميتين كل حب وتقدير ،
فمن يعرف أبناءها اليوم ليعلم قدر ماحباها الله من حسن الصوت والإتقان فمن لايعرف مقرئين في المساجد شهد لهم علماء الإسلام في وقتهم بحسن قراءتهم وجودة حروفهم فمن الشيخ ابن باز إلى الخليفي إلى ابن صالح وغيرهم كثر كلهم والله يعلم قدر تأثر الناس بهم وبكائهم من قراءتهم وتعلقهم بها إلى اليوم ومن بعدنا ...
فما رده المقال : كان قراءة متواترة موجودة في كتب القراءات المتواترة جميعها من الشاطبية إلى الطيبة إلى كتب المعاصرين انظر المغني في توجيه القراءات العشر 3/267
لذا لاينبغي أن يشوه الكاتب حقيقتها دون الرجوع إلى علمائها ويكتفى بسماعها من آلة تسجيل قد تكون قديمة يصعب نقلها وسماعها منها فيظنها سامعها ضادالا إشماما، ليس المرجع عند العلماء في ذلك إلى المسجلات كما رآه الشيخ ،ودلل عليه بقراءة الشيخ عبد الباسط رحمه الله لها كذلك، بل يجب الرجوع إلى كتب أهل الفن المتواترة والعجيب أن الإشمام لغة قيس، وهي قريبة جدا إلى منطقة الشيخ أبي عبد الرحمن، فليس يصعب عليه إذن النطق به لوأراد ذلك.
القضيةالثانية:
إعجاب الكاتب بالتقليد للصوت الحسن والاقتصار عليه، شيء بعيد لايقره حتى القراء المبتدؤون، لعلمهم أن التقليد للآخرين ماهو إلا إيجاد نسخة ثانية من القارئ ..ومعنى هذا أنه لايقرأ القرآن من هذه الأمة إلا الذي نبغ صوته على طريقة من قلده وسار على نمطه....
اخيرا أقول :إن قراءة القرآن قديما وحديثا مدرسة متكاملة لابد فيها من معلم ومن إجادة وطول وقت وحرص وفي بعض الأحيان رحلة وهذا إن لم نجده في الحقبة التي جاءت في المقال أعلاه مع تقديري الشديد للشيخ أبي عبد الرحمن، وهانحن اليوم قد وجدنا من تخرج من مدراس القرآن الكريم بأصوات غير مقلدة لاتقل عن الشيخ عبد الباسط وبقية المقرئين رحمهم الله....كالشيخ السديس والشريم حفظهما الله وغيرهما، كطلبة تحفيظ القرآن الكريم.
وفق الله الجميع.
 
بارك الله في الكاتب والناقل والمعقبين .
أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري حفظه الله بث في هذا المقال شجوناً خاصة وعامة ، وهو يصف مرحلة مرت على منطقة نجد ، ومثلها أو أشد ما مر على منطقتنا في جنوب السعودية -خاصة منطقتي النماص وما حولها -كما أدركت كبار السن عندنا ، فلم يكن فيهم من يقرأ قراءة مجودة صحيحة ، لعدم وجود المقرئين المتقنين .
بل إنني أذكر إمام مسجدنا الذي خَلَفْتُه في إمامة الجماعة وأنا بعدُ في الرابعة عشرة من عمري ، وكان عمره حين لزم بيته لكبر سنة قد زاد على المائة بسنوات كثيرة ، وأذكر قراءته فأستغرب كيف كانت قراءته تستعذب وتقبل حينها ، فقد كان يقرأ بلغة أقرب إلى العامية منها إلى الفصحى في بعض الآيات ، وانطبعت في سمعي كذلك ، وقد توفي رحمه الله منذ حوالي خمسة عشر عاماً تقريباً ، ولا زلت أتذكر قراءته لبعض السور فأضحك بيني وبين نفسي كيف كان يقرؤها رحمه الله في الصلاة قراءة مختلفة عن القراءة الصحيحة ، لكن هذا مبلغ علمه ، وهو حينها يعد أقرأ القوم أسأل الله أن يجزيهم خير الجزاء وأن يتغمدهم برحمته .
ولم يكن فيمن يدرسنا القرآن في المدارس من يجيد التجويد ولا التلاوة الصحيحة أيضاً مع قرب العهد ، بل أحسنهم حالاً من يحسن التجويد كقواعد نظرية دون معرفة وإجادة للتطبيق ، وهذا في أحكام التجويد الظاهرة كأحكام النون الساكنة والتنوين وأمثالها فضلاً عن الأحكام الدقيقة كالتي ذكرها أبو عبدالرحمن في مقاله مثل الإشمام . ولذلك نشأت أجيال من طلبة المدارس لا يقرأون القرآن قراءة صحيحة .
والحديث عن ذكريات القراءة وإتقان التجويد ذو شجون ، وقد أثارها هذا المقال ، وقد أذكرني هذا المقال صوت عبدالباسط عبدالصمد حينما كنت طالباً في المدرسة الخالدية الابتدائية عام 1399 وما بعدها ، وكان حارس المدرسة يشغل المسجل كل صباح قبل بدء الطابور الصباحي على قراءة عبدالباسط عبدالصمد لقصار السور وغيرها ، ويرفع صوت الميكرفون به حتى تسمع الصوت في أنحاء بني بكر - وهي قبيلتي - فتسمع صوت عبدالباسط من بعيد في الوديان والشعاب . وانطبع هذا الصوت في ذاكرتي كل صباح وأنا ذاهب إلى المدرسة ، حتى ربما استنصت بعضنا بعضاً ونحن نمشي في الطريق من بعيد لنستمتع بتلاوة عبدالباسط ، ونتمنى لو استطعنا محاكاتها ، ولكن هيهات فقد كان طويل النَّفَس ، عذبَ الصوت ونحن أطفال صغار .
[poem=font="Simplified Arabic,5,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
سقى الله أيام النماصِ فإنه = من القلب - رغم البعد عنه - قريبُ[/poem]
وما زلتُ حتى اليوم أتذكر تلك الأيام كلما سمعت قراءة عبدالباسط عبدالصمد لقصار السور رحمه الله وأسكنه جنات النعيم .
 
الحديث ذو شجون

الحديث ذو شجون

ماشاء الله وتبارك الله ولا حول ولا قوة إلا بالله
إخوتي في الله حياكم الله تعالى وبياكم وجعل الجنة مثواكم

أخي الدكتور عبدالرحمن الشهري رعاه الله ، الشيخ أبو عبدالرحمن حفظه الله ليس نجديا بل حجازي كما صرح هو في هذا المقال.أليس كذلك؟أين تقع شقراء بالضبط؟

وبين نجد والحجاز عندنا بون شاسع
..فلا ميزة لنجد على تطاول الأعصار إلا أن لغتها أقرب إلى لغة عصر التدوين وهي لعمري ميزةوذلك بسبب جغرافي هو بعد نجد عن البحر ،كما صرح أبو تمام يمدح أحد بني طاهر إن لم تخني الذاكرة:

[align=center]ومن شكّ أن الجود والبأس فيهم * كمن شك في أن الفصاحة في نجد[/align]

وهذا ما يجعل الناس لا يميزون بين التميز اللغوي الشعري وبين التميُّز القيمي ، لأن الخلط بينهما يقود إلى جور في الأحكام ومنح ناس لا يستحقون ما ليس لهم، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم.

وأتمنى على من لديهم فقه فهم السنن إلقاء الضوء على الحديث الذي يشير إلى نجد ويقول من هنا يطلع قرن الشيطان
وهل له علاقة بكون الجفاء وغلظة الأكباد في أصحاب الإبل؟
ـــــــــــــــــــــ

أما مقال الشيخ ابن عقيل
فلي عليه تعليق طويل أجتزئ منه هذا القدر اليسير لأن النص الغنيّ مفعم بالإيحاءات والإحالات ويثير كثيرا من الفضول والشجون.
كانت أول معرفتي بأبي عبدالرحمن قبل نحو عشرين عاما وكان وقتها في الخمسين من عمره وكنت أنا صبيا يافعا حين كان يقدم برنامجه من إذاعة الرياض(تفسير التفاسير)
وقد كان وقت الشيخ علي الطنطاوي سيرة وذكريات وكان والدي يحب علي الطنطاوي كثيرا وكان يتحرى وقته، وكانوا قد ناوبوا بينهما فكان لحسن الحظ أن أستمع إلى أبي عبدالرحمن وأتعرف عليه وعلى طريقته الموسوعية،
ولم أكن أعرف أن (الظاهري ) لقبه نسبة إلى تأثره وتلمذته لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم غفر الله تعالى له ولمحبيه.
وما زالت ترن في خلدي طريقته في الأداء وهو يقول: (وبذلك قرأ عُظمُ قَرَأة أهل الكوفة..)

ولا أزعم أني فهمت مراميه كلها لكني قد تعجبت من تمييزه الحق بين نوعي الإشمام وإصراره على تعمية معناه على متلقيه ، فما هو إلا جهر الصاد المهموسة، فالسين لو جهرتها لأصبحت زايا والصاد لو جهرتها لأصبحت مشمومة زاياً ، ويحسن التنبيه هنا إلى أن علماء التجويد والنحو قد قالوا (بإشمام الصاد زايا) ولم يقولوا بجهر الصاد لأنهم لم يكونوا يضبطون الجهر وحق لهم ذلك ، فقد كانوا رواد علم الصوت ولم يكن قد تطور في عصرهم .

ومما أثار استغرابي نسبته عبدالباسط إلى أكراد العراق وإني لأشك في ذلك لسحناء الشيخ المصرية، وإن كان كثير من الأكراد قد بقوا في مصر منذ عهد بني أيوب، لكن يقال إن أحمد شوقي والعقاد كرديان وبالغ آخرون فعدوا ابن حجر وابن تيمية أيضا ولا أظن، ويمكنني التأكد من ذلك من عمار بن الشيخ عبدالباسط الذي يعمل أستاذا مساعدا في جامعة الشارقة ولم يتيسر لي لقاؤه.

وأكثر ما أثلج صدري في مقالة أبي عبدالرحمن أمدّ الله في عمره نفحاته الحزمية (ومن أجلها تسمى بالظاهري) التي تجلت في إشادته بنظرية المعرفة ، ونعيه الضمني وتألمه الظاهر لإهمال أهل السنة ولا سيما علماء الحجاز و"نجد" للعلوم العقلية، وقد وظّف متهكما مقولتهم (من تمنطق تزندق) على أحسن وجه. إذ والحق يقال والله من وراء القصد ، لا مستقبل للعلم دون إحياء الاهتمام بنظرية المعرفة وقيام علماء السنة الكبار والمتصدرين للفقه والعلوم الشرعية بقراءة أهم كتب نظرية المعرفة البشرية وتاريخها مثل كتاب سارطون تاريخ العلم، وكتاب تشكيل العقل الحديث ، وكتاب هـ جـ ويلز معالم تاريخ الإنسانية، وكتاب توينبي البشرية والأرض الأم ، وكتاب علي عزة بيكوفج الإسلام بين الشرق والغرب ، فليس ثم عقل مسلم مستقل عن عقل الإنسان بل إن المسلم إنسان حامل رسالة إلهية إلى الإنسانية وعليه إتقان نظرية المعرفة والتجديد فيها.فأساس (نظرية المعرفة) وحدة قوانين الفكر البشري التي خاطب بها القرآن بني الإنسان في كل زمان (قل هاتوا برهانكم).
ولو تأسست جامعاتنا -حتى أقسام العلوم الشرعية-على نظرية المعرفة لأحرزت تقدما ينهض بمجتمعاتنا وأصبح الجمهور مميزا بين العلم الحق وبين الخطاب التعبوي الذي نشهده اليوم في منتديات تقوم على القص واللصق، ،

هذه النفحة الحزمية من أبي عبدالرحمن هي العرق الحي النابض في علماء الحجاز نفع الله بهم
 
السلام عليكم
يحسب لهذا الشيخ الدعوة لتدبر القرآن وحث علي العمل به ، وهذا شئ جميل وهو الأصل في القرآن التدبر والعمل بمقتضاه ،، فجزاه الله خيرا .

وأيضا ساق هذه العبارة الرائعة وأضعها دون تعليق لروعتها وهي لا تحتاج لتعليق (( : ج- رأوهم حليقي اللحى، وهي معصية تشمئز منها بيئتنا.

د- قرأوا وسمعوا من أخبار بعضهم أنه يشرب الدخان، ويشرب بعضهم ما يمزج مع الدخان أو ما هو مثله مما روجه دجالو الصوفية المدعون الجذب والكشف والوجد.. ولا ريب أن الدخان وحده يرفضه الاجتهاد بالاستنباط إلى درجة التحريم؛ لمضاره الدنيوية، ولعزله صاحبه عن الاختلاط الطويل بالصالحين.. وهذا حق في ذاته، ولكنه لا يطفئ نور الإيمان، ولا يصد عن ذكر الله، ولا يقسي القلب، ولا يمنع من الاستنصار بالله على الهوى والنفس والشيطان وضعف الإرادة؛ فتحصل العصمة على المدى، ونية المؤمن خير من عمله، والطاعات وإن صغرت تجر إلى طاعة أكبر على المدى أيضا، والإقلاع عن بعض الذنوب وإن صغرت يجر إلى التجرد من الفواحش ما ظهر منها وما بطن على المدى أيضا، وربما رفع الله درجة المؤمن العاصي إلى درجة المحسنين، وجعل خلقه القرآن، وختم له بخير؛ فمحيت ذنوبه؛ فكان كيوم ولدته أمه، ولم يجد أمامه إلا رحمة ربه وعمله القاصر أو الطيب الذي ختم له به مضاعفا أضعافا كثيرة بإحسان ربه، ونحن لا نسأل الله عدله، فذلك وعد حتمي كتبه ربنا على نفسه برحمته؛ فهو القادر المتصرف في ملكه لا غالب لأمره، ومن عامله ربه بعدله هلك، وإنما نسأله رحمة ربنا ولطفه وهدايته التوفيقية بعد هدايته الإيضاحية البيانية في الشرع والكون؛ لأن ذلك هو طلب الإذن من ربنا بالإيمان والصلاح، فالله سبحانه قال: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ} (سورة يونس-100)، وقال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (سورة غافر-60)؛ فالدعاء من الأسباب إلى الآخرة كما نبذل الأسباب لدنيانا بطلب الحرث والنسل والصحة والغنى.))


أما ما يؤخذ علي الشيخ قوله : (( وأمثل القراء المصريين المشهورين تجويداً المنشاوي، ومحمد محمود الطبلاوي، ومحمود خليل الحصري، ومحمد رفعت، وأبوالعينين شعيشع.. ذكرتهم على الترتيب في الإجادة، والطبلاوي طويل النفس، متقن للتجويد بلا تكلف، موفق في نطق الحروف من مخارجها))

هذا الكلام قاله الشيخ وهو لا يدري أن المصحف المرتل للشيخ الطبلاوي رُفض من قبل لجنة تصحيح المصاحف في مصر ، وقد كنتُ وقتها سألت الشيخ عبد الله الجوهري ـ وكان وقتها عضوا في اللجنة ـ لماذا رفضتم تسجيل الطبلاوي ؟؟ فقال : حروفه مهزوزة .
هكذا قال بالنص لي ،، وترتيب الشيخ للقراء من حيث الإجادة لم يقل به قارئ .

ويؤخذ علي الشيخ أيضا" - أنه ينبغي التثبت من القراءات التي يقرأ بها؛ فإنه قرأ في سورة الغاشية (بمضيطر) بضاد معجمة بعد الميم، ولا تعرف هذه القراءة عن أحد، وإنما ورد في قراءة لا يعتد بها نقلا إشمام الصاد زاياً، وهذا الإشمام(2) (مع عدم إمكانه) لا يقتضي النطق بالضاد.))

السبب في ذهاب الشيخ أن الإشمام في قراءة عبد الباسط ضاد ،، أن الشيخ من أهل نجد وأهل نجد يقولون بالضاد الظائية القديمة ، فتشابه عنده الصوتان فظن الإشمام ضادا .

ولذلك فلا يعول علي تعقيبه علي خلف ، لأن هذا الإشمام مذكور لكثير من القراء وإن كانت في كلمات مخصوصة ، مثل حمزة براوييه ، والكسائي براوييه ، وخلف العاشر براوييه ورويس في نحو : " أصدق " بإشمام الصاد الزاي .

وأيضا في نحو : " المصيطرون " قرأ حمزة بخلف عن خلاد بإشمام الصاد زايا ، ..... والإشمام لخلاد أصح وجهيه ...... .


" بمصيطر " قرأ حمزة بخلف عن خلاد بإشمام الصاد الزاي ، والباقون بالصاد الخالصة وهو الوجه الثاني لخلاد .
وهذا هو سبب إنكار الشيخ لوجه الإشمام وتأويلاته لباب الإشمام . والله أعلم
والسلام عليكم
 
ما شاء الله تبارك الرحمن
افدتمونا الكثير والكثير من روائع الأدب وبحور القراءات
مقال رائع وتعليق أروع..
والشيخ عبد الباسط غفر الله لنا وله من أجمل من قرأ القرآن ومن سمع تجويد الإذاعة الخالص من التكبير والصراخ عرف قوة الرجل وحسن مأخذه للقرآن وحسبك من سورة يوسف جمالا وخشوعا بإذاعة القرآن السعودية والمصرية,.
وهي موجودة على الشبكة..
جزيتم خيرا ونرجوا المزيد حتى نستفيد..
 
ماشاء الله وتبارك الله ولا حول ولا قوة إلا بالله

أخي الدكتور عبدالرحمن الشهري رعاه الله، الشيخ أبو عبدالرحمن حفظه الله ليس نجديا بل حجازي كما صرح هو في هذا المقال.أليس كذلك؟أين تقع شقراء بالضبط؟
شقراء تعتبر من ديار نجد، وهي قريبةٌ من الرياض . ويمكن التأمل في موقعها على هذه الخريطة التي تظهر فيها مدن نجد، ولعل أخي الدكتور عبدالله المنصور يفيدنا أكثر فهو من أهل أشيقر القريبة جداً من شقراء ..
c55877bb04.gif
 
وكذلك روى لنا شيخنا فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمود الطحان حفظه الله ورعاه أنه لما أتى مدينة الرياض منذ قرابة أربعين سنة تعجب من تلاوة الأئمة في المساجد والجوامع وأحزنه قرائتهم وقال إنها عامية محضة يشوبها تحريف ولحن جلي ، وقلَّد لنا أحد الأئمة وهو يقرأ لسورة القدر وكأنها ليست من القرآن ، وإن كلَّمهم وأمرهم بقرائتها على المقرئين المجودين لئلا يخلطوا الحروف ويقعوا في التحريف أجابوه بأن التجويد بدعة لا أصل له ، ويحتجون بقراءة علماء نجد أنها ليست مجودة ، فيشتاط الشيخ غضباً ، ويقول كونوا مثل علمائكم ولا تقعوا في التحريف ، والحمد لله تحسنت قراءة الأئمة تحسناً ملموساً بمرور الزمن .
 
عودة
أعلى