عمر جمال النشيواتي
New member
- إنضم
- 29/05/2010
- المشاركات
- 16
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
- الإقامة
- السعودية-جدة
- الموقع الالكتروني
- www.facebook.com
ذو القرنين...وعمارة الأرض...
تبقى نظرتنا إلى كتاب الله تعالى , نظرة ناقصة جزئية ..,حتى يدخل توجيه القرآن في كل جزئية من حياتنا , وفي كل ميدان و فن , نستلهم منه توجيه هداية وتنوير , نعرف من خلاله حكم ذلك الأمر, وموقفنا منه, وأخلاقنا فيه وكيف نتعامل معه ومن خلاله, ويرسم لنا القرانُ فيه قواعد عامة, وضوابط وكليات جامعة شاملة , ومبادئ رفيعة عالية .
ولك أن تتصور إلى أي المستويات سنرتفع , وأي درجة سنبلغ , إذا توقفنا عند كل خطوة هامة مصيرية في حياتنا , لا نتجاوزها حتى نستهدي بهدي القرآن ,ونستضيء بنوره , ليس في معرفة الحكم فحسب –كما هو غاية مطلب الكثير منا – بل إلى تلمس أسرار أخرى في المقدار الذي يحل علينا ويحرم, وإلى توجيه نفسي , وإيحاء شعوري, و ما هو موقف الأفضلية؟ , وما هو الأكمل والأرقى؟ ... لو فعلنا ذلك لبلغنا في العبودية ومراتب الكمال والتوفيق شأوا عاليا..
وتمثيلا لذلك وتوضيحا له سنقف وقفات مختصرة مع قصة " ذي القرنين "-الاسكندر المقدوني الكبير - وهي قصة ذُكرت في سورة الكهف التي استحب الشارع لنا أن نتلوها في كل يوم جمعة , ليرسخ هذا المثال في نفوسنا فنحذو حذوه , و قصص القرآن هي صورة حية مرئية يراد منها أن ترتسم في الخيال وتنطبع في النفس , وأن تبقى مثالاً حياً فاعلاً في حياة من اتخذها مثالاً أعلى , ولا شك أن ذي القرنين محل ثناءِ اللهِ تعالى , جعله الله مثالاً و أنموذجاً لنا بكل تفاصيل قصته التي أوردها في كتابه.. وإلا لنبّه على أخطائه وعلق عليها ونقدها, ولو بإشارة أو إيحاءٍ كما هي عادة القرآن .
قال القاسمي رحمه الله :"ليس في القرآن شيء من التاريخ من حيث هو قصص وأخبار , وإنما هي الآيات والعبر والأحكام والآداب تجلت في سياق تلك الوقائع, ولذا يجب صرف العناية إلى وجوه تلك الفوائد والثمرات , وما يستنبط من تلك الآيات .."
الوقفة الأولى: قال الله عن ذي القرنين " حتى إذا بلغ مغرب الشمس" ثم قال عنه"حتى اذا بلغ مطلع الشمس" ثم قال:"حتى إذا بلغ بين السدين"... سعى ذو القرنين وجدّ واجتهد حتى بلغ حيث انتهت طاقته و قدرته , ولم يرض بمنزلةٍ دون منزلة أحد من أهل زمانه , ولم يقف عند حد , بل سعى في الأرض حتى بلغ مغرب الشمس ثم سار بجيوشه حتى بلغ مشرقها ثم أتبع سببا حتى بلغ بين السدين , وتملّك تلك المناطق كلها حتى حكم فيها, وأثّر بفكره ومبادئه على أهلها وسيطر عليها وغدا شرطياً أعلى للعالم وحارساً لأهل الأرض , وملجأ للمظلومين , ومأمنا للخائفين ... عندها طابت نفسه وتحقق حلمه ... همة متفجرة وطموح يناطح السحاب ...
بهذا يبني ذو القرنين في نفوسنا طموحاً عالياً وهمةً شامخة , ويرسم لنا صورة مشرقة في سماء التفوق والجد والعزم... والتنافس والتصارع من أجل السيادة والغلبة والوصول إلى مفاصل التغيير والتأثير وهي صورة المؤمن القوي... ويحطم في المقابل صور الهزيمة والخمول والكسل...التي تعشعش في نفوس كتير ممن ضعفت همتهم وخارت عزائمهم...
قال القاسمي رحمه الله :"ومن فوائد نبأ ذي القرنين : تنشيط الهمم لرفع العوائق , وأنه ما تيسرت الأسباب , فلا ينبغي أن يُعد ركوب البحر ولا اجتياز القفر , عذراً في الخمول والرضا بالدون , بل ينبغي أن ينشط ويمثُل في مرارته حلاوةَ عقباه من الراحة والهناء , كما قضى الاسكندر عمره ولم يذق إلا حلاوة الظفر ولذة الانتصار , إذ لم يكن من الذين تُقعدهم المصاعب عن نيل ما يبتغون "
وفي زماننا نلحظ زهداً واضحاً وتكاسلا وضعفا من أبناء أمتنا في بناء الدنيا وعمارتها , بل يُتهم عالي الهمة فيها بأنه يلهث وراء الدنيا وأنه باع آخرته بدنياه , وبهذا رضينا لأنفسنا الهوان وذلت أمتنا حين مدت يدها إلى عدوها لتأكل وتشرب وتعيش , وازدادت مع بُعدها عن دينها وكتاب ربها ظلمة على ظلمة , وتأخر بهذا قطار أمتنا وتجاهَلَنا العالم وغَدونا لا نُهاب ولا يُعبأ بنا ...
قال محمد اسماعيل المقدَّم : "وإذا كان آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها , فإن أعظم ما أصلح سلفنا البرار جمعهم القوة العلمية , والقوة العملية التي هي نشدان الكمال الممكن في العلم والعمل , واستصغار ما دون النهاية من معالي الأمور " , وقال ابن القيم : "كمال الإنسان بهمَّة تُرقِّيه , وعلم يبصِّره ويهديه ".
ولك أن تتصور إلى أي المستويات سنرتفع , وأي درجة سنبلغ , إذا توقفنا عند كل خطوة هامة مصيرية في حياتنا , لا نتجاوزها حتى نستهدي بهدي القرآن ,ونستضيء بنوره , ليس في معرفة الحكم فحسب –كما هو غاية مطلب الكثير منا – بل إلى تلمس أسرار أخرى في المقدار الذي يحل علينا ويحرم, وإلى توجيه نفسي , وإيحاء شعوري, و ما هو موقف الأفضلية؟ , وما هو الأكمل والأرقى؟ ... لو فعلنا ذلك لبلغنا في العبودية ومراتب الكمال والتوفيق شأوا عاليا..
وتمثيلا لذلك وتوضيحا له سنقف وقفات مختصرة مع قصة " ذي القرنين "-الاسكندر المقدوني الكبير - وهي قصة ذُكرت في سورة الكهف التي استحب الشارع لنا أن نتلوها في كل يوم جمعة , ليرسخ هذا المثال في نفوسنا فنحذو حذوه , و قصص القرآن هي صورة حية مرئية يراد منها أن ترتسم في الخيال وتنطبع في النفس , وأن تبقى مثالاً حياً فاعلاً في حياة من اتخذها مثالاً أعلى , ولا شك أن ذي القرنين محل ثناءِ اللهِ تعالى , جعله الله مثالاً و أنموذجاً لنا بكل تفاصيل قصته التي أوردها في كتابه.. وإلا لنبّه على أخطائه وعلق عليها ونقدها, ولو بإشارة أو إيحاءٍ كما هي عادة القرآن .
قال القاسمي رحمه الله :"ليس في القرآن شيء من التاريخ من حيث هو قصص وأخبار , وإنما هي الآيات والعبر والأحكام والآداب تجلت في سياق تلك الوقائع, ولذا يجب صرف العناية إلى وجوه تلك الفوائد والثمرات , وما يستنبط من تلك الآيات .."
الوقفة الأولى: قال الله عن ذي القرنين " حتى إذا بلغ مغرب الشمس" ثم قال عنه"حتى اذا بلغ مطلع الشمس" ثم قال:"حتى إذا بلغ بين السدين"... سعى ذو القرنين وجدّ واجتهد حتى بلغ حيث انتهت طاقته و قدرته , ولم يرض بمنزلةٍ دون منزلة أحد من أهل زمانه , ولم يقف عند حد , بل سعى في الأرض حتى بلغ مغرب الشمس ثم سار بجيوشه حتى بلغ مشرقها ثم أتبع سببا حتى بلغ بين السدين , وتملّك تلك المناطق كلها حتى حكم فيها, وأثّر بفكره ومبادئه على أهلها وسيطر عليها وغدا شرطياً أعلى للعالم وحارساً لأهل الأرض , وملجأ للمظلومين , ومأمنا للخائفين ... عندها طابت نفسه وتحقق حلمه ... همة متفجرة وطموح يناطح السحاب ...
بهذا يبني ذو القرنين في نفوسنا طموحاً عالياً وهمةً شامخة , ويرسم لنا صورة مشرقة في سماء التفوق والجد والعزم... والتنافس والتصارع من أجل السيادة والغلبة والوصول إلى مفاصل التغيير والتأثير وهي صورة المؤمن القوي... ويحطم في المقابل صور الهزيمة والخمول والكسل...التي تعشعش في نفوس كتير ممن ضعفت همتهم وخارت عزائمهم...
قال القاسمي رحمه الله :"ومن فوائد نبأ ذي القرنين : تنشيط الهمم لرفع العوائق , وأنه ما تيسرت الأسباب , فلا ينبغي أن يُعد ركوب البحر ولا اجتياز القفر , عذراً في الخمول والرضا بالدون , بل ينبغي أن ينشط ويمثُل في مرارته حلاوةَ عقباه من الراحة والهناء , كما قضى الاسكندر عمره ولم يذق إلا حلاوة الظفر ولذة الانتصار , إذ لم يكن من الذين تُقعدهم المصاعب عن نيل ما يبتغون "
وفي زماننا نلحظ زهداً واضحاً وتكاسلا وضعفا من أبناء أمتنا في بناء الدنيا وعمارتها , بل يُتهم عالي الهمة فيها بأنه يلهث وراء الدنيا وأنه باع آخرته بدنياه , وبهذا رضينا لأنفسنا الهوان وذلت أمتنا حين مدت يدها إلى عدوها لتأكل وتشرب وتعيش , وازدادت مع بُعدها عن دينها وكتاب ربها ظلمة على ظلمة , وتأخر بهذا قطار أمتنا وتجاهَلَنا العالم وغَدونا لا نُهاب ولا يُعبأ بنا ...
قال محمد اسماعيل المقدَّم : "وإذا كان آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها , فإن أعظم ما أصلح سلفنا البرار جمعهم القوة العلمية , والقوة العملية التي هي نشدان الكمال الممكن في العلم والعمل , واستصغار ما دون النهاية من معالي الأمور " , وقال ابن القيم : "كمال الإنسان بهمَّة تُرقِّيه , وعلم يبصِّره ويهديه ".
وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام.
الوقفة الثانية : قال الله تعالى عن" ذي القرنين: "إنا مكنا له في الأرض " أي: بالقوة والتمكين والتدبير والسعة في المال , والاستظهار بالعدد وعِظَم الصّيت , والشهرة ,"وآتيناه من كل شيء سببا" أي طريقا موصلاً إليه ... من علم أو قدرة أو آلة.
مكَّن الله لذي القرنين في الأرض ويسَّر له السبل , وأعطاه من الأسباب في شخصه وعقله وأخلاقه وفي جيشه وقوته وماله , ما جعله أهلا للوصول إلى ما وصل إليه , من الملك والتمكين والحكم .
والموهبة مفهوم يحمل معنى امتلاك الفرد لميزة ما , ويُقصد به استعداد طبيعيي أو طاقة فطرية كامنة غير عادية في مجال أو أكثر من مجالات الاستعداد الإنساني التي تحظى بالتقدير الاجتماعي في مكان وزمان معين ويستدل على تلك الاستعدادات من تحليل التعليقات اللفظية , وعن طريق ملاحظة النشاط التخيّلي والحركي للمرء .
بهذا يتبين لنا أهمية نظر المرء في نفسه وقدراته وما يمتلك من أسباب وفرص لخدمة دينه وأمته ومجتمعه , فلا يطالب نفسه بما لا يقدر عليه , و مالم يُمكَّن له فيه , وما ليس هو له أهل من جهة, ولا يتهرب مما هو في مقدوره وما أوتي فيه سبب , ولا يتكاسل عن أداء واجبه وما هو مناط به من جهة أخرى.
قال القاسمي : ومن فوائد القصة :" الاعتبار برفع الله بعض الناس درجات على بعض, ورزقه من يشاء بغير حساب ملكا ومالا , لما له من خفي الحكم وباهر القدرة , فلا إله سواه "
على هذا , فليس لتخصص فضلٌ على تخصص مطلقا , بل إن الأمر نسبي , فما يُفضل لشخص ربما لا يُناسب شخصا آخر .. وهكذا رفع الله الناس بعضهم فوق بعض درجات في الأرزاق والأخلاق والمحاسن والمساوئ , والمناظر والأشكال و الألوان , وقسم التخصصات بين خلقه ويسر لكل طريقاً خُلق له , والأذواق تتعدد والمواهب شتى , والناس معادن , ولكل وجهة هو موليها , فاستبقوا الخيرات...
الوقفة الثالثة: قال الله تعالى عن ذي القرنين مرة :" فأتبع سببا" أي : فأتبع سبباً, سبباً آخر أو: فأتبع أمره سبباً , ثم قال عنه مرتين: " ثم أتبع سببا".
نلحظ من هذه العبارات أنه مع تمكين الله لذي القرنين وإعطاءه من كل شيء سبباً, فإنه لم يكتف بهذا في تحقيق هدفه والوصول إلى مبتغاه -وأنّى له أو لغيره أن يصل بهذا وحده - بل أتبع هذا بسبب يبلّغه ذلك , ويحقق له أمله, فبذل جهداً عظيما وجيَّش جنده وعدته وعتاده وما يمتلك من مال وقوة , ليواصل مسيرته وجهاده , ذلك لأنه أدرك حقيقة اتضحت لنا من خلال سيرته أنه لا بد من بذل الأسباب و الاجتهاد والنصَب ليصل المرء إلى مراده .
قال القاسمي رحمه الله : " ومن فوائد القصة : الإشارة إلى القيام بالأسباب , والجري وراء سنة الله في الكون من الجد والعمل , وأنه على قدر بذل الجهد يكون الفوز والظفر ..."
وبالأخذ بهذه الأسباب الكونية على تمامها مع اقترانها بالأسباب الشرعية , يتحقق للمرء ما يريده, وينال خيري الدنيا والآخرة , ويُوفق ويُسدد في طريقه "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" , وأما من قصَّر في أحد هذين الأمرين أوكليهما , فإما أن يفشَل ويُخفق في طريقه ولا يتحقق هدفه , وإما أن يُستدرج بتحقيق مراده , وربه ساخط عليه وهو يظن أنه موفق مسدد , عياذاً بالله تعالى ...
الوقفة الرابعة :قال الله عن ذي القرنين :" قال أما من ظلم فسوف نعذبه ..., وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى ,وسنقول له من أمرنا يسرا"
بيّن الله لنا موقف ذو القرنين حين بلغ مغرب الشمس , ووجد عندها قوما يعيشون هنالك , وهوأنه ما كان منه بعد أن بلغ مابلغ من المنزلة والمكانة العالية إلا أن أقام فيهم دين الله تعالى وحاكمهم إلى شرعه ومنهجه , ومكّن لدين الله تعالى بينهم , وهو بهذا يرسم لنا منهجاً في الغاية من اجتهاده ومجاهدته , وهو أنه ما كان يهدف لتحقيق ذاته , ويلهث وراء شهواته .. إنما كان يرنو إلى أمر أسمى من ذلك و أرقى , وهو إقامة دين الله تعالى والتمكين له , فهل يا تُرى ! يمتلك كل فرد منا كذلك منهجاً واضحاً ورسالةً جليّة , وأخلاق فاضلة راقية , يبلغها العالم من ورائه إذا وصل إلى مراتب عالية وشهرة عالمية , كما فعل ذو القرنين ...؟
يقول ابن تيمية: (فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسراناً مبيناً، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا., وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم).
وقال القاسمي : " ومن فوائد القصة :الاعتبار بتخليد جميل الثناء , وجليل الآثار , فإن من أمعن النظر فيما قُص عنه في هذه الآيات الكريمة , يتضح له جليا حُسنَ سجاياه ,وسموَّ مزاياه , من الشجاعة وعلو الهمة والعفة والعدل , ودأَبه على توطيد الأمن وإثابة المحسنين , وتأديبه للظالمين , والإحسان إلى النوع البشري .."
الوقفة الخامسة : تكررت لفظةٌ واحدةٌ "خمسَ مرات" على لسان ذي القرنين في قصته التي جاءت في صفحة واحدة من صفحات القرآن , وهذا يعكس لنا شيئاً من نفسيّته وروحه , ولغته التي يتعامل بها وحقيقة واقعه , أَدخل تلك الكلمة في سياقات متنوعة , وقالها في مواطن مختلفة , ألا وهي كلمة "ربِّي" , ليُشعر بعبوديتهِ التامةِ لله تعالى وافتقاره إليه , وأنه هو وحده مربيه و المنعمِ عليه وهو الذي منحه تلك المنزلة الرفيعة , وبلغه إياها .
قالها حينما حكم أهل المغرب فأوحى إليهم بها أنه عبدٌ مطيعٌ لأمر سيده , فقال :"ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا" , ثم قالها في موطن عز وشرف حين ارتفعت الأعناق إليه طالبين إليه بناء السد فقال: "ما مكني فيه ربي خير"
وبعد أن أتم مشروعه وأكمل بناء السد , والنفوس كلها ممتنةٌ له مسرورةٌ بخدمته ونجاح خطواته , أرجع الفضل كله في ذلك إلى الله تعالى وعدّه من شواهد رحمة الله تعالى , ليربط القلوب بالله: "قال هذا رحمة من ربي " مستغلاً لحظات النجاح تلك في تعبيد الخلق لله تعالى , وتلك هي الغاية العليا لتفوقنا ونجاحنا وتصدرنا , إن كنا نعي دورنا حقا...
قال القاسمي رحمه الله: " ومن فوائد القصة : الإعلام بالدور الأخرويّ , وانقضاء هذا الطور الأوليّ , لتبقى النفوس طامحة إلى ذلك العالم الباقي والنعيم السرمدي ولذا قال " فإذا جاء وعد ربي ".
إننا بحاجة دائما لأن نتذكر أننا مهما بلغنا في العلم والمجد والعلو مبلغاً رفيعا , فإننا لا نخرج عن طور عبوديتنا لله تعالى والافتقار إليه , بل ما كان ذلك لنا إلا بتوفيق الله ومعونته ورحمته "هذا رحمة من ربي " , وكلما زاد العبد رفعة ونجاحا .. ازدادت مِنّة الله عليه , فازداد انكساراً وذلةً لله تعالى وعبَّد النفوس معه لله تعالى , وهي علاقة مطردة متى ما اختلت خُشي على ذلك المرء أن يكون قد استُدرج عياذاً بالله .
قال ابن القيم رحمه الله:" من أخص خصائص العبودية : الافتقار المطلق لله تعالى فهو حقيقة العبودية ولبُّها ".
وقال رحمه الله : " إن مقام العبودية هو بتكميل مقام الذل و الانقياد, و أكمل الخلق عبوديةً , أكملهم ذلاً لله وانقياداً وطاعة .."
الوقفة السادسة: حين اشتكى مَن بَين السدين فقالوا "يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض..." سارع ذو القرنين إلى نجدتهم ومعونتهم , وكشف الغمة عنهم , وأسكن لوعتهم وأَمّنَهم , ولم يأخذ على ذلك عِوضا , وأقام السد وبناه بإتقان و دقة "فما اسطاعو أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ".
بهذا عبّر ذو القرنين عن أمر آخر سعى لأجله , وتحقق على يديه ,وهو تحقيق الأمن والاستقرار , وقضاء حوائج الناس ومطالبهم , ليعلمنا نحن أهلَ الإسلام وأصحابَ الدين الحق أننا مسئولون عن تأمين أهل الأرض ودفع الشرور عنهم , وتحقيق السلام والأمن للبشرية جمعاء , وأنا نحن وليس غيرنا من يقود سفينة البشرية إلى بر الأمان والسعادة في الدنيا ثم في الآخرة .
فهل أمتنا اليوم من يقوم بهذا الدور حقا ؟ وهل تجهَّزَت واستعدَّت لتقوم بهذه المهمة المنوطة بها ؟ وهل أعدت رجالها لقيادة البشرية ؟ ولِأن يكونوا مفزعاً لأهل الأرض , وملجأ للخائف والمنكوب من المجتمعات ..
" وعد الله الذين آمنوا منكم وعملو الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً"