ذكريات لا تنسى مع كاتب المصحف أحمد الباري

إنضم
03/02/2005
المشاركات
100
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الأحساء
ذكريات لا تنسى مع كاتب المصحف أحمد الباري
علاقتي بخطاط المصحف أحمد عيد الباري =المولود في حي العمارة الدمشقي سنة (1369هـ) = بدأت عندما عزمت على إنتاج السلسلة الوثائقية (خطاطون في رحاب النور) سنة (1430هـ) حيث كان من أبرز خطاطي المصاحف في العصر الحديث.
في صباح الجمعة السادس من شهر ذي الحجة سنة (1434هـ) فوجئت بخبر وفاته وهو في معمله الخطي في بلدة يلدا من ريف دمشق, إثر قذيفة عشوائية أصابته, رحمه الله وتقبله من الشهداء.
في هذه اللحظة بدأ شريط الذكريات يمر على مخيلتي كسرعة البرق, وفيه العديد من المعلومات والمواقف التي تربطني بهذا الخطاط, أحببت تدوينها للتاريخ, وذكرى لهذا العَلَم الذي خطت يده ما يقارب عشرة مصاحف, طبع منها أربعة:
1 ـ كتب مصحفاً على الطريقة المملوكية, وهو ثلاثة أسطر بخط الثلث في الصفحة الواحدة, وبينهما أربعة عشر سطراً بخط النسخ فرغ منه سنة (1980م), وكان بطلب من وزير الدفاع وقتها العماد مصطفى طلاس, وقد أخبرني الباري أنه لا يملك نسخة من هذا المصحف سوى صفحتين من سورة يوسف اطلعني عليهما.
2 ـ كتب خمسة مصاحف بخط النسخ أنجزها في خمس سنوات تقريباً كان آخرها سنة (1986م), وقد شاهدت أغلبها, ولدي نسخة من مصحفه الذي قامت بطباعته مطبعة محمد هاشم الكتبي في دمشق سنة (1411هـ).
3 ـ كتب مصحفاً بالخط الفارسي, ولم أشاهده.
4 ـ كتب مصحفاً بخط الثلث فرغ منه سنة (1987م), ولم أشاهده.
5ـ أخبرني أنه يستغرق في كتابة كل مصحف قرابة السنة بمعدل عمل يصل إلى أربع ساعات يومياً.
6ـ كان يستمع أثناء انشغاله بكتابة القرآن الكريم إلى القارئ محمد رفعت (ت:1369هـ)، وأحياناً إلى القارئ مصطفى إسماعيل (ت:1398هـ) ليزداد تركيزاً في عمله وليحصل على أكبر قَدْرٍ من الصفاء الروحي, كما أني رأيت عبارة كتبها بخطه وهي معلقة على إحدى أبواب المعمل: سامع القرآن..أحد القارئين.
7ـ كان يقوم بتشكيل كلمات القرآن مباشرة على سليقته دون الرجوع إلى مصدر يعينه في الغالب, حتى أن والد زوجته شيخ قراء الشام كريم راجح استغرب من صنيعه وقدرته في هذا المجال.
8ـ كان يعتز كثيراً بلقائه بالخطاط التركي حامد الآمدي (ت:1402هـ), وأخذ الإجازة منه سنة (1978م), وهذا واضح من خلال تلك الصورة التاريخية التي جمعتهما في إطار واحد, وقد شاهدتها معلقة على أحد جدران معمله.
9ـ أهداني لوحة كبيرة مزخرفة جوانبها كتب عليها بخط النسخ (هو العزيز وأنا عبده), ثم كتب تحتها بالثلث: مهداة إلى الصديق الدكتور: عبد العزيز الضامر, إلاَّ أنَّ هذه اللوحة مازالت أسيرة في بيت أحد الأقرباء بريف دمشق, ولا أدري هل سيجمعني الله بها أم لا؟!
10ـ يمتاز الباري بخفة الظل, وروح المرح والدعابة, وأذكر أنني أول مرة تواعدت معه عبر الجوال لأسأله عن مكانه فقال: معملي الذي أمارس فيه الخط في بلدة يلدا خلف جامع الصالحين, ولما دخلتها سألت عن جامع الصالحين فدلوني عليه, ثم رأيت رجلاً واقفاً عند باب الجامع فسألته عن منزل الخطاط أحمد الباري, فركب معنا ليوصلنا إليه دون أن يتكلم, وعندما وصلنا نزل وسلَّم علي مبتسماً ثم قال: معك أحمد الباري :).
11ـ زرته في معمله أكثر من مرة صيفاً وشتاء, تجاذبت معه العديد من الموضوعات والمسامرات, وأذكر أني رويت له قصة المأمون حينما سمع بيت أبي العتاهية:
وإني لمحتاج إلى ظل صاحب ... يروق ويصفو إن كدرت عليه​
فانبسط الباري من البيت وكتبه في قصاصة صغيرة ثم قال: سوف اكتبه في لوحة خطية, ولا أدري هل كتبه أم لا!!
12 ـ دخلت معمله المتواضع ورأيت منضدته المائلة التي كان يكتب عليها المصاحف, وفي أعلاها نور المصباح الذي كان يضيء له الحروف, وأقلام الخط والحبر حوله يأخذ منها ما يشاء, كما رأيت بعض الحقائب الكبيرة التي يضع في كل واحدة منها نسخه الأصلية من المصاحف التي كتبت بقطع كبير مقاس 50x70.
13 ـ تفرجت على أبرز لوحاته المعلقة على جدران معمله منها لوحة بخط النستعليق: (قيمة المرء ما يحسنه), ولوحة أخرى بنفس الخط أيضاً: (قل آمنت بالله ثم استقم), ولوحة أخرى: (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) وغيرها.
14ـ أهداني بعضاً من صوره التاريخية كصورته الجماعية مع أساتذة وطلاب مدرسة سعادة الأبناء للجمعية الغراء الابتدائية التابعة لمعهد العلوم الشرعية, وكان عمره عشر سنوات تقريباً, وكذلك صورته مع خطاط العراق هاشم البغدادي (ت:1393هـ), وصورته مع خطاط مصر سيد إبراهيم (ت:1414هـ), وصورة لأستاذه بدوي الديراني (ت:1384هـ).
15ـ آخر لقاء كان بيننا في المدينة النبوية أثناء ملتقى مجمع الملك فهد لأشهر خطاطي المصحف الشريف سنة (1432هـ), وهمس في أذني أنه يتمنى أن يؤسس معهداً لتعليم الخط العربي, وكتابة المصاحف في السعودية.
رحمك الله يا أبا عماد, وأغدق عليك شآبيب المغفرة والرضوان​
 
رحمه الله وغفر له وأسكنه الفردوس الأعلى وجعل القرآن شاهدا وشفيعا له.
وجزاك الله خيرا يا أبا عبدالرحمن على أن عرفتنا به وبجهوده في كتابة المصاحف.
 
رحمه الله وغفر له وتقبله في الشهداء ، وأسأل الله أن يجعل ما قدمه للقرآن وخدمته حجة له يوم القيامة .
جزاك الله خيراً على هذا الذكريات الجميلة .

1 ـ كتب مصحفاً على الطريقة المملوكية, وهو ثلاثة أسطر بخط الثلث في الصفحة الواحدة, وبينهما أربعة عشر سطراً بخط النسخ فرغ منه سنة (1980م), وكان بطلب من وزير الدفاع وقتها العماد مصطفى طلاس, وقد أخبرني الباري أنه لا يملك نسخة من هذا المصحف سوى صفحتين من سورة يوسف اطلعني عليهما.
عندي نسخة كاملة من هذا المصحف، وقد أهداها لي أخي العزيز فهد الجريوي وفقه الله .
 
رحمه الله وتقبله شهيداً في عليين، ولا أدري كيف ستسعفنا الأيام في تعويض مئات الآلاف من الكفاءات والكوادر العلمية التي فقدناها في الأحداث الأخيرة في سورية، ومازال عدّاد الفقد دائراً وسرعته تتزايد.
 
عودة
أعلى