غانم قدوري الحمد
مستشار
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
[align=center]مراجعة المحاضرات
السبت 8 حزيران 1974م = 17 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
قَضَيْتُ الأسبوع الماضي في دراسة كتابَيِ الدكتور عبد الصبور شاهين: كتاب تاريخ القرآن وكتاب القراءات القرآنية , الذي فيه عدة فصول مقررة سنؤدي فيها امتحاناً , قضيت الأسبوع كله في قراءة ذلك الكتاب الضخم قراءة تقف عند القمم دون النزول إلى الوديان ! لعلي أعود بعد ذلك إلى دراسة المادة المقررة فقط دراسة عميقة , وفي هذا الأسبوع بدأت أدرس المواد التي أخذناها مع الدكتور محمد سالم الجرح أيضاً ، قراءة تمس القمم ولا تهبط إلى الوديان ! تلك سُنَّةٌ اتبعتها في الدراسة أن أدرس الموضوع دراسة شاملة عامة ثم أعود بعد ذلك مرة أخرى وأخرى إلى التعمق والتركيز , وأنا قد أخذت نفسي بمنهج أو هو فرض نفسه علي أو طبيعة المرحلة فرضته علي ، هو ليس بمنهج ، وإنما هو نظام اتبعته في الدراسة السبت والأحد والثلاثاء والأربعاء انصراف كلي للدراسة في المحاضرات المقررة , الاثنين والخميس أذهب فيهما إلى مكتبة أية مكتبة ، وإن كنت مشغولاً الآن في جمع بعض المادة عن موضوع المقطع في اللغة العربية ، هذا الموضوع أحاول أن أتعمق فيه لأنني - إن شاء الله - ربما جعلت هذه البدايات أساساً لموضوع الماجستير ، فإني عرضت الفكرة على الدكتور محمد سالم الجرح فشجعني ، وقال : إنه موضوع يستحق الدراسة ، وأنا أحاول أن أستغل هذين اليومين لجمع بعض المادة ، أما الجمعة فقد أردت أن أجعلها راحة ، وإن كانت لا تخلو من قراءة كتاب أو صحيفة .
[align=center]التفكير في اختيار الموضوع والمشرف!
الأحد 9 حزيران 1974م = 18 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
مشكلة لا تزال بعيدة ولعلني لا ألقاها ، ولكني أجد نفسي مدفوعاً للتفكير فيها ، لأنها المرحلة التالية لما أنا فيه الآن , أنتظر الامتحان الذي يكون يوم 20/7 وإذا انقضى الامتحان فإني سأكون - إن شاء الله - وجهاً لوجه مع تلك المشكلة أو ربما كانت وقفة بعد الامتحان صغيرة ، ألا وهي انتظار نتيجة الامتحان ، فإذا نجحت فإن علي أن أحمل نفسي على اختيار موضوع لبحث الماجستير ، وأن أختار أيضاً المشرف على ذلك البحث , المشكلة التي أفكر فيها والتي تزداد وضوحاً كلما تقدم الزمن هي مشكلة ذات وجهين الموضوع والمشرف , فكم من طلبة سجلوا موضوعات وكانت مبعث متاعب ومشاق ، وكم من أساتذة مشرفين أذاقوا طلابهم الكثير من المتاعب وعدم العطف على الطالب ، المشكلة التي أواجهها لابد أن أبحث عن جواب للأسئلة التي تثيرها من الآن ، فإن مَدَّ الله في العمر كانت أجوبتها في ساعة الحاجة حاضرة ، وإن كانت الأخرى فقد أديت الأمانة إلى آخر رمق ، الموضوع الذي أريد أن أختاره مرة أقول أختار موضوعاً في القراءات القرآنية ، ومرة أقول لأجعله في اللهجات ، وأخرى أقول لأدرس في الأصوات العربية عند القدماء والمحدثين , وأخيرا تبلور في ذهني موضوع المقطع في العربية ، ولو أنه لم يتبلور منهج دراسة هذا الموضوع إلى الآن ، أما المشرف : فهم ثلاثة د. بشر العميد ، وهو مشغول بشؤون الإدارة عن العلم , والدكتور عبد الصبور شاهين عالم ذو خلق ودين ، ولكن يبدو أنه لا يعطي الطالب من وقته أكثر من الرسميات , و د. محمد سالم الجرح عالم لطيف يفتح صدره وبيته للطالب ، ولكنه يبدو خفيف التدين ، وأنا لا أرتاح إليه من هذا الجانب ، ولابد من اختيار وسط ، وأدعو الله أن يجعل نصيبي الأحسن .
[align=center]الغرباء
الاثنين 10 حزيران 1974م = 19 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
في القاهرة يعيش أكثر من سبعة ملايين من الناس ، لكني اشعر أني أعيش وحيداً هنا , كأن كل هؤلاء بشر من نوع آخر ، لا أستطيع أن أتبادل معهم مشاعر إنسانية أو معاملات حياتية ، ورغم أني أشعر أن من بين أولئك أناساً يمكن أن أتعاطف معهم ويتعاطفون معي إلا أني لا أعرفهم ولا يعرفوني , ويعيش في القاهرة جمع من العراقيين ، والعراقي بالنسبة للعراقيين هنا كأنهم جميعاً في بيت واحد ، ولكني أشعر أني من بيت غير البيت الذي يشعرون أنهم ينتمون إليه , إلا عدداً محدوداً منهم , أيضاً يشعرون أنهم من بيت آخر غير البيت الذي يشعر العراقيون أنهم يستظلون بظله , وهؤلاء النفر يشعرون أيضاً أنهم غرباء في مجتمع القاهرة مجتمع السبعة ملايين ، رغم أنهم يمكن أن يتعاطفوا مع أولئك المجهولين بالنسبة لهم , وفي مصر ثلاثون أو أربعون مليوناً وفي البلاد العربية مئة مليون أو يزيد ولكن هؤلاء أيضا يشعرون أنهم غرباء عنهم إلا تجاه أناس يشعرون أيضا أنهم غرباء في مجتمعاتهم ، وإذا ما تحريتُ الدقة يشعرون أن هؤلاء البشر الكثيرين هم الغرباء في الأرض ، إنهم غرباء عن سنن الله في الخلق بما ابتدعوه من أنفسهم وطواغيتهم من قوانين ظالمة وعادات فاجرة , وهكذا تزداد وحشة هذه القلة إذا نظرت إلى ما تحويه هذه الأرض من ملايين البشر وليس فيهم إلا ذلك النفر القليل الذي يشعر أنه هو الصديق لهذا الكون لأنه يسير في الاتجاه الذي تسير فيه سنن الله المقدرة لهذا الكون ، فمتى تلتقي هذه القلة مع تلك وتُخْرِجَ الغرباء من الأرض ليسود الخير والسلام !
[align=center]التطبيع مع أمريكا
الثلاثاء 11 حزيران 1974م = 20 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
ما كان لإنسان أن يتوقع هذا التغير المفاجئ وانقلاب الموازين بين عشية وضحاها , من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار كما يقال الآن , عندما بدأت الحرب في رمضان أو 6 أكتوبر كما يقولون أعلنت أمريكا مساندتها لإسرائيل مساندة تقررت بسببها نتيجة الحرب , وهى تساندها من أول يوم ظهرت فيه , وبدأنا نسمع عن الجسر الجوي الذي يربط أمريكا بإسرائيل أثناء الحرب ينقل المعدات والأجهزة لتواصل بها إسرائيل قتالها ، وحتى لا تنهار أمام ضغط الجيوش العربية من الشمال والغرب , وحين خطب الرئيس المصري السادات في مجلس الشعب المصري بعد عدة أيام من بداية الحرب أعلن عن دور أمريكا وأنه كان مقدراً لإسرائيل أن تواصل القتال لمدة (11) يوماً وينفد سلاحها ، أمَا وقد تجاوزت الحرب ذلك اليوم وإسرائيل تحارب فإن سلاح العرب وسلاح مصر بالأخص بدأ ينفد ، ولاح شبح الهزيمة أمام تدفق الأسلحة الأمريكية على إسرائيل أثناء القتال وفي ساحة المعركة , وقد رأيت في معرض الغنائم (غنائم حرب أكتوبر) رأيت دبابة إسرائيلية من نوع باتون أمريكية الصنع مصابة إصابة بسيطة أعطبتها ، رأيتها جديدة كل الجدة حتى إن الربلات التي تحفظ سُرْفَتَهَا لا تزال جديدة تشبه الإطار الجديد , بعد كل هذا أقول إن أمريكا آخر من يمكن أن تصطلح معه مصر ويصطلح معه العرب ، ولكن مصر بين عشية وضحاها غيرت موقفها ، وكأنها أيقنت أنها لا قِبَلَ لها بأمريكا إلا بمصالحتها ، ومن ثم توجهت نحو أمريكا ، وغداً يصل رئيس أمريكا نيكسون ، وقد قامت الحكومة المصرية بإعداد استقبال هائل له ، كما تروج وسائل الإعلام .
[align=center]مظاهرة الخزي
الجمعة 14 حزيران 1974م = 23 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
فتحتُ الراديو على إذاعة العراق في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر لأستمع الأخبار , وإذا به يحمل حملة شديدة على زيارة الرئيس نيكسون ويصف الاستقبال الذي اسْتُقْبِلَ به بأنه ( مظاهرة الخزي ) ويصف نيكسون بأنه أكبر جلاد في العالم , ولاتهمنا مدى صحة هذا القول أم بطلانه المهم أن العراق عند رأيه وموقفه بالنسبة لأحداث الشرق الأوسط , يريد أن يواصل القتال حتى تتحرر الأرض , ولكن يبدو أن الحكام في العراق لم يخوضوا تجربة حكام مصر وسوريا , ولعلهم يمثلون دوراً في شرق الوطن العربي , وأمس قام الفدائيون الفلسطينيون بعملية فدائية هي الثالثة من نوعها في مستوطنة في الجليل قُتِلَ فيها عدد من الإسرائيليات ووصفها راديو بغداد بأنها هي المظاهرة التي يجب أن يستقبل بها نيكسون لا المظاهرات التي مرت في القاهرة والإسكندرية لاستقباله , واليوم أو عصر اليوم غادر نيكسون مصر والآمال في نفوس المصريين ليس لها حدود ، الآمال التي بنوها على زيارة نيكسون أنه هو الذي سيسعدهم أو الذي سيطعمهم أو الذي سيحميهم ، نعوذ بالله من هذا الغلو , غادر نيكسون إلى جدة حيث يزور السعودية يوماً يجتمع بالملك فيصل لإتمام رسم السياسة التي تريدها أمريكا في الشرق الأوسط ، أما روسيا فيبدو أنها تتحسر على السهم الذي توشك أن تخسره في الوطن العربي وموطئ القدم الذي مهدت له في مصر خاصة ، والذي يبدو أن أمريكا أوشكت أن تحتله .
[align=center]تحسين لغتي الإنكليزية
السبت 15 حزيران 1974م = 24 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
كنت أمس أحاول مراجعة مادة اللغة الانكليزية , لدينا بضع ورقات مطبوعة على الآلة الكاتبة عن تاريخ العرب وحياة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم - ومن ضمنها ترجمة عدة صفحات إلى اللغة العربية , وجدت نفسي أخلط بعض قواعد اللغة الانكليزية أو أني لا أتبينها بوضوح , وكنت قد جلبت معي من العراق كتاب قواعد اللغة الانجليزية الذي درسناه في الإعدادية على مدى سنتين إلا أننا لم نستفد منه إلا القليل , فقلت لماذا لا أدرسه من جديد ، وأنا جلبته معي على هذا الأمل ؟ وفعلاً ابتدأت به منذ صباح هذا اليوم على أمل الفراغ منه مساء ، قراءة سريعة خفيفة ، ووقوفاً عند القمم دون المنعطفات والوديان , وقد بانت من القراءة أشياء كثيرة كنت أستصعب فهمها ، وقد بدت الآن سهلة بسيطة ، وكنا حين درسناه من قبل نشقى بكثير من موضوعاته ، رغم أنها بدت لي اليوم غير مستحيلة أو بعيدة الفهم , مع أن منها ما هو صعب إلا أن الذي استنتجته أن الذين كانوا يقومون على تدريسنا في الإعدادية أناس لا يعرفون من أين يبدؤون ولا إلى أين ينتهون ، قضوا في الكلية أربع سنوات وخرجوا للحياة العملية وقد دار في خاطرهم أنهم قد علموا كل شيء وأنهم لا يقولون ولا يعملون إلا الصواب , ربما فيهم من يحمل علماً ولكنه لا يريد أن ينفع به أو يتكاسل من الجهد الذي سيبذله لكي يخدم الطلبة ويقدم لهم العلم من أقرب مواطنه , كنت في العراق ألاحظ مدى شقاء الطلبة بدرس اللغة الانجليزية وهم يبذلون فيه من الوقت فوق ما يحصلون من نتيجة ، ولو نُظِّمَ ذلك الجهد لأثمر الثمرة التي تتناسب مع مرحلتهم ، وإلا فإن العلم لا حدود له .
[align=center]بين الجدران
الأحد 16 حزيران 1974م = 26 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
في بيجي عندما كنت طالباً في العراق أخرج كلما ضاقت عليَّ نفسي من درس أو غيره إلى ساحة الدار أو خارج المدينة حيث هواء الصحراء اللطيف وحيث المزارع تنتشر في أطراف المدينة ، أو أخرج إلى السوق وأرى الناس الذين أعرفهم ويعرفوني ، كنت لا أجد وقتاً أضيق به إلا كان له مخرج إلى فسحة وراحة ، ولكني هنا الآن بين أربعة جدران إذا ضقت ساعة وما أكثر الساعات التي أضيق بها وتضيق بي إذا حدث ذلك وَلَّيْتُ وجهي قِبَلَ أحد الجدران ، وإذا ضجرت التفت إلى جدار آخر , وهكذا أقلب وجهي بين جدران الشقة الأربعة لا أجد متنفساً من كربة من كرب هذه المدينة العاصفة ومن كرب الدروس ، ومن هَمِّ الامتحان ولا يزال هَمُّ الامتحان يلاحق كل مُمْتَحَنٍ – إلا باللجوء إلى الله والصلاة والقرآن ، وهو الملجأ الأبدي لمن ضاقت عليه الدنيا ومن رحبت , تُرَى إذا خرجت خارج الشقة فأين سأذهب ومن سأرى وماذا سأقول ، لا أجد ما ترتاح إليه نفسي ، وأعود إلى الأوراق أقلبها وأسترق لحظة لكتابة هذه السطور المضطربة , ومع أن الوقت لا يزال فسيحاً للدراسة إلا أنني الآن أشعر بضيق الوقت أو تضايقي من الدراسة والدروس , أحاول أن أُلِمَّ بالموضوعات فتتفلت ، أحاول أن أحفظها عن ظهر قلب فتستعصي ، إلهي رحمتك ! ما هذا العذاب ؟ وأصفو ساعة أذكر الأهل والإخوة والدار والبلدة والحياة الجميلة ، ورغم مرارة الحياة أعود وأقول لأحتمل كل شيء ، وأتوكل على الله وهو يتولى الصالحين .
[align=center]هموم الامتحان
الاثنين 17 حزيران 1974م = 26 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
كنت في طفولتي الأولى ألهو وألعب غير ملتفت إلى ما يدور حولي وما يقع لي ، ولم أنم يوماً وأنا أفكر في غد أكثر من اللعب والركض والحصول على المتع الطفولية . وانقطعت تلك السلسلة من الأيام الحلوة حين دخلت المدرسة الابتدائية وبدأت أذوق تجربة الامتحان في الابتدائية مرتين في العام الدراسي على الأقل , وظلت الحال منذ السنة الأولى الابتدائية إلى اليوم حيث أستعد للامتحان ولعله آخر امتحان في حياتي الدنيا إذا يسر الله(1) ، فإن نجحت فقد انفتحت لي أبواب ربما تحتاج إلى جهد أكبر إلا أنها تخلو من خفقة القلب لذكرى الامتحان ، كنت منذ الصف الأول الابتدائي تتهيأ نفسي للامتحان قبل دخوله بأيام طويلة ، وكنت في تلك المراحل الأولى أقل معاناة إذ كنت أقل حرصاً على التهيؤ وحسبان خطر النتيجة , وكنت مع كل هذا التعب لا أفرح بالنتيجة ، كنت أرى الأطفال معي يخرجون من المدرسة يوم تسلم الشهادات يركضون ويصيحون عبر سوق مدينتنا ولكني كنت أخرج هادئا رغم فرحتي الداخلية , وظللت كذلك أواجه كل نجاح , ولكن مسألة الاستعداد للامتحان أخذت تزداد قسوة وخاصة في بعض الحالات حين تنضم إلى الحال صعوبة الدراسة والتواء المادة كالذي أعانيه اليوم ، فمع خطورة الامتحان وخطورة نتيجته فهو يقرر نتيجة أتعابي وسفري إلى مصر ، وإلى جانب ذلك صعوبة المادة ، فإني بدأت أضجر من هذا الأسلوب من الدراسة ، أجلس ساعات طويلة أمام الكتاب أو الأوراق ثم لا أخرج بشيء يذكر وموعد الامتحان بدأت أحس باقترابه ، وليتني اهتممت بأمر امتحان الدنيا هذا الطويل طول العمر ونتيجته أخطر النتائج ، اللهم يسر لي وارحمني .
[align=center]المذاكرة الجماعية
الثلاثاء 18 حزيران 1974م = 27 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
زارني بعد الظهر في البيت الطالب س , وهو أحد الطلاب الذين يدرسون معي في السنة التمهيدية في قسم علم اللغة ، وهو فلسطيني يعمل في إذاعة الكويت , كان قد حضر في أول السنة وأخذ بعض المنهج وغادر منذ الشهر الثاني عشر من سنة 1973 ، وكان قد حضر منذ الخميس الماضي , هو إلى الآن لم يكتب أي بحث ولم يدرس في المحاضرات , جاء يريد أن يؤدي امتحاناً وينجح ، وهو الآن يحاول أن يكمل كتابة البحوث ، بحث في لسان العرب وهو وحده يحتاج إلى عمل شهر , وبحث في كتاب المعرب للجواليقي ، وأما بحث اللغة العبرية فيقول إنه أكمله , هو يريد إكمال هذه البحوث الآن ويسلمها للأساتذة ثم يحضر الامتحان , حضر إلى البيت ليستفسر مني عن المطلوب وما أخذناه ، وعجب من مكوثي في القاهرة كل هذه الفترة , هو يتحدث علناً عما سيدرس بعد إنهاء السنة التمهيدية وأنا غارق في التفكير في الامتحان وكيف سنؤدي الامتحان ، غارق في التفكير في هذه المادة المستعصية على الفهم أو الحفظ أحياناً ، وهو يعتبر أمر اجتيازه للامتحان مضموناً ، وهو يقول إنه سيكتب بحث الماجستير في اللغة العبرية , حضر ليعرض عليَّ أن ندرس سوية ، يقول إنه أجَّرَ شقة قريبة من الكلية بمئة جنيه , وحاول إغرائي بأمور مادية وشقة ومكتب وغرفتي نوم ، ويقول أنا وحدي فهلا ندرس سوية , طبعاً هذه خطوة يجب ألا أخطوها الآن ولا في غير ذلك من الأزمان ، لأني أعرف ما نتيجة مثل هذه المذاكرات المشتركة ، هذه عادة اعتدتها منذ زمان لا أومن بالدراسة المشتركة أكثر من استذكار رؤوس الموضوعات وما حولها.
[align=center]ألم الدمامل
الأربعاء 19 حزيران 1974م = 28 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
مضى يومان وأنا ضائق بكل شيء ، ضَجِرٌ من كل شيء , ولم أستفد خلال اليومين الماضيين من مراجعة الدروس شيئاً ، وذلك أن ( دُمَّلَة ) قد ظهرت تحت ظفر الإصبع الوسطى ليدي اليسرى , وهي صغيرة إلا أنها كانت تؤلمني حتى تكاد أوصالي وأطرافي تتقطع ، أشعر بألم في الأطراف وحرارة في الوجه وميلاً إلى النوم من غير نوم , والآن الحمد لله آمل أن يكون هذا اليوم خاتمة أيام الألم لتحل محلها أيام الأمل ، ولو أن أيامي كلها أمل بتأييد الله سبحانه وتوفيقه , هذه الدملة الصغيرة آذنتي أشد الأذى وشلت حركاتي ، وكنت أبدو كئيباً أشعر بذلك أنا وإن كنت أحاول أن أبدو للناس سويَّ المظهر غير ذي علة , ولكن هذه الدملة الصغيرة قد آذتني ، وأحمد الله على العافية ونعمتها , ماذا لو أن مثل هذه الدملة قد ظهرت في أيام الامتحان ؟ إذن لكان الفشل قاب قوسين أو أدنى ، وماذا لو كانت أشد وما أكثر الدمامل وأنواعها الشديدة التي لا أزال أذكر بعضاً منها أصابت بعض أفراد أسرتنا , وأحمد الله على رحمته وأدعوه أن يسترني بستره الجميل وأن يوفقني في هذا المسعى حتى أجتاز هذه المرحلة التي هي أشد عقبات هذا الطريق فلو فشلت فإني ربما رجعت إلى الأهل غير آمل في العودة ، ولو نجحت ولو أن النجاح ليس كل شيء ولكن لو نجحت ويسر الله وسجلت موضوعاً سأكون أشد ارتباطاً بالخطوات التالية ، هذه مجرد أمور وتوقعات رهينة بما ييسره الله لأني لا أدري ماذا أكسب غداً ، وما تدري نفس بأي أرض تموت ! وأي زمان كذلك ، والحمد لله.
[align=center]مقررات الامتحان
الخميس 20 حزيران 1974م = 29 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
في مثل هذا اليوم من الشهر القادم سنؤدي الامتحان إن شاء الله ، إذ إن الامتحان لطلبة الماجستير سيكون في 20/7/1974 وربما يستمر حتى نهاية الشهر , وأنا الآن في حالة لا تؤهلني لدخول الامتحان ولكن لا يزال أمامي شهر لعلي أستطيع أن أنجز قراءة المواد المطلوبة ودراستها ، لدينا أربع مواد : اللغة الانجليزية وأستاذها الدكتور أمين العسلي ، وعندنا في هذه المادة حوالي ست صفحات ترجمة وست صفحات أخرى دراسة , ومناهج البحث وأستاذها الدكتور كمال محمد بشر كان طوال العام الدراسي يحضر مرة ويغيب أكثر من مرة ، بسبب ارتباطه بعمادة الكلية ، وأخيراً قذف إلينا بمحاضرات مطبوعة منذ سنة 1970-1971 في معهد الدراسات العربية ، وفيها من الكلام المترجم الشيء الكثير بل جلها مترجم على ما أتوقع ، فهي تدور حول مناهج البحث اللغوي عند اللغويين الأوربيين ، وفيها إلى جانب ذلك من التعقيد المتولد من اضطراب عرض المادة ، وإن كانت لا تخلو من علم مركز ، حاولت هذا اليوم الالتقاء بالدكتور بشر والاستفسار منه عن المقرر , قال : إنه لا بد من حضور محمد حبلص المعيد في القسم والطالب معنا ، حتى يبين ما أخذنا خلال السنة ، ولم يكن محمد هذا يحضر إلا نصف المحاضرات أو أقل ، والمادة الثالثة اللغة العبرية وأستاذها الدكتور محمد سالم الجرح الذي كان يخفف من المادة كل مرة حتى أصبحت محاضرة عن الضمائر وأخرى عن صيغ الزوائد ، إضافة إلى بحث الطالب الذي عمله خلال السنة , والمادة الرابعة هي مادة القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث ، وجدول رموز الكتابة الصوتية الدولية وأستاذها الدكتور عبد الصبور شاهين الذي كان أحرص الثلاثة على حضور المحاضرات ، ثم يليه الدكتور الجرح , ومنذ الشهر الثاني عشر من السنة الماضية إلى الآن ونحن ندور حول كلمات !
[align=center]الإنفاق السخي
الجمعة 21 حزيران 1974م = 1 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
قبل يومين وصلتني رسالة من الأهل من الأخ سفر , وهو لا يكاد يمضي أسبوع دون أن يكتب إلي رسالة , وفي الحقيقة أن الرسالة التي تصلني من الأهل تشجعني على المضي في السبيل ، وتُبْعِدُ عني بعض الوحشة ، الأخ سالم هو الآخر يرسل لي بعض الرسائل , الشيء الذي أريد أن أذكره هنا أيضا أن الأخ سفر قد أرفق بالرسالة ورقة بتحويل 200 دينار عراقي هي القسط الثاني من الفلوس التي يحق للأهل أن يحولوها لي , كنت قد كتبت لهم أني غير محتاج الآن وأني ربما أرجع إذا يسر الله ونجحت في الامتحان إلى العراق , ولكن حرصهم على راحتي واطمئناناً على مستقبلي دفعهم أن يحولوا لي هذا المبلغ الكبير في نظر أصحاب الدنيا ، وهو المبلغ الثاني الذي تسلمته من الأهل ، فقد تسلمت سابقاً 200 دينار أو ما يعادلها بالجنيه المصري ، كنت قد صرفت في رحلتي إلى القاهرة قبل ذلك 350 ديناراً عراقياً ، فيكون المبلغ الذي استلمته من الأهل 750 ديناراً عراقياً , من يجد مثل هؤلاء الأهل ؟ مثل هؤلاء الإخوة ؟ مثل أخي سفر ! ينفقون على ابنهم وعلى أخيهم مثل هذا الإنفاق إسعاداً له في مستقبله ، أليسوا هم الآن مالكين لمستقبله ؟ أليسوا أحق بالثمرة إن يسر الله وكانت هناك ثمرة , الذي أرجو الله تعالى أن يحققه لي أن يجزيهم عني خيراً ، وألا أنسى هذا الفضل العظيم ، وأن أذكره مع الدعاء لهم دائماً بالخير والتوفيق في الدنيا والآخرة ، وأن يوفقني أن أرد بعض هذا المعروف والفضل الذي يغمرونني به ، وأن يجعل المحبة بيننا خير رابطة ، وأن يديمها ، وألا يجعل للمادة سبيلاً إلى الفرقة ، يا رب ، يا الله .
[align=center]الحرمان من القيلولة!
السبت 22 حزيران 1974م = 2 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
ما ألذ نوم الظهيرة ، وخاصة في مثل هذه الأيام التي أطل الحر علينا فيها وطال النهار , ولكني محروم هذه الأيام من هذه المتعة الضرورية لمواصلة العمل آخر النهار بجد ، فمنذ أيام غير معدودات أتمدد ظهر كل يوم أحاول أن أتخفف من أتعاب أول النهار بغفوة قصيرة , أحاول أن أقلد حالة النائمين ، أغمض عينيّ، أغطي جسدي ، أسكن فلا أبدي حراكاً لعلي أنام , ولكن الأفكار والأوهام كلما هدأت ازدادت وطأتها على عقلي وداخلي , أفكار وأوهام حقاً ، أفكار عن الغربة والبعد عن الأهل ، وأفكار عن الدراسة وما يجب تحقيقه خلال هذا الشهر الآخذ بالنقصان ، استعداداً للامتحان وما بعد الامتحان , وأوهام عن هذه وتلك لا تزال تطاردني ، كلما أردت أن أنام تطن في أذني فتحرمني من لذة نوم النهار ، فآوى إلى الفراش مبكراً في الليل ، ولا أستطيع أن أصل إلى الثانية عشرة إلا بجهد جهيد مع عدم الفهم التام ، ولكن هل أن تلك الموضوعات من الأهمية بحيث تشغل فكري بهذه الدرجة , أيكون هذا حال المؤمن بقضاء الله في الحاضر والمستقبل المطمئن إلى كل ما كتبه الله في هذه الدنيا وفي الآخرة , أتستحق هذه الموضوعات أن ينشغل فيها الفكر هذا الانشغال ، فأظل قلقاً آخر النهار وأول الليل؟ ولكني على ما يبدو غير مخير في هذا القلق ، أو أن هذه الحال قد فُرِضَتْ عليَّ لعوامل عدة , والتفكير في المستقبل أس هذه المشاكل ، ولكن من منا لا يفكر في المستقبل ، أليس التفكير بالموت تفكير بالمستقبل ، وكل ما دون الموت من الأمور تفكير في المستقبل ، وكل تفكير بما بعد الموت تفكير في المستقبل , ولكن الذي يستحق التفكير بالمستقبل إلى الحد الذي يزعج عن النوم هو حال هذه الأمة وحال الإسلام ومستقبل هذه الجموع الضالة من البشر ومستقبل هذه القلة الصابرة المجاهدة من المؤمنين والمسلمين ، اللهم فاجعل جل همنا في ما يرضيك عنا ، ويحقق لنا السعادة في الدارين ، آمين .
[align=center]خُلْفُ الوعد
الاثنين 24 حزيران 1974م = 4 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
من صفات المنافق خُلْفُ الوعد بل من أبغض الصفات الإنسانية ، قد يعدك الرجل في ساعة معينة فتترك أعمالك وتضغط على متطلبات أمورك الحياتية كي تلبي تحقيق الوعد ، فإذا هو يفاجئك بعدم المجيء ، وإذا وقتك قد ذهب سدى من غير فائدة ، ثم هو يظهر لك بعذر تافه ، قد يحدث أن يضطر الإنسان أن يخلف كل مواعيده بسبب المقادير التي لم يحسب حسابها ، والمقابل قد يفهم هذه الظروف ويصفح وتسير الأمور سيراً حسناً , ولكن إذا صار خلف الوعد ديدناً فانفض يدك مرة واحدة ، فلا خيرَ يُرْتَجَى ولا صلاحَ يُتَوَقَّعُ ، الطالب س زارني يوم الثلاثاء الماضي في الشقة بعد أن قدم من الكويت ليؤدي الامتحان معنا ، طلب مني أن نلتقي في الكلية لبعض الأمور في اليوم التالي يوم الأربعاء ، وذهبت إلى الكلية مع نفاسة الوقت الآن ، فإذا هو غير موجود ، وعدت أدراجي إلى البيت ، كنت يوم الخميس مضطراً للذهاب إلى الكلية للحصول على بحثي الذي استعاره المعيد فتحي جمعة ، فإذا به يحدثني عن موعد الأمس ، وأنه حضر إلى الكلية في الواحدة والنصف بعد الظهر ، بينما كان موعدنا أن نلتقي الساعة الحادية عشرة ، وفي أثناء ذلك التقينا بالدكتور عبد الصبور شاهين وحدثه س عن تأخره في فهم جدول الرموز الصوتية الدولية ، فطلب الدكتور أن ندرسه سوية ، مع ضعفي في ذلك ، ولكني على ما يبدو أحسن حالاً منه , واتفقنا أن نلتقي هذا اليوم الاثنين وشَدَدْتُ الرحال منذ الصباح ، ووصلت إلى الكلية وانتظرت الطالب س ولم يحضر ، بحثت عنه هنا وهناك فلم أجده ، بيته قريب من الكلية ذهبت إلى البيت فلم أجده ، وذَهَبَتْ فترة الصباح هباء ، ولكن ربما كان مشغولاً حقاً ، ولكنه أخلف الموعد مرتين .
[align=center]العمل الفدائي
الثلاثاء 25 حزيران 1974م = 5 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
يُرَوِّجُونَ أن حرب أكتوبر كانت انتصاراً أعاد للعرب كرامتهم , ولكن الفلسطينيين دفعوا ثمن هذه الكرامة وحدهم ، فقد مات من العرب في الحرب من مات وحَيَّ مَن حَيَّ , ولكنهم يموتون كل يوم على جبهة سوريا ، تم فصل القوات واختفى العمل الفدائي على حدود سوريا ، كان هذا على ما يبدو من بنود الاتفاق ، وظل الفلسطينيون في لبنان يعيشون في مخيماتهم لا توفر الحكومة اللبنانية الحماية لهم ، وهم غير قادرين على حماية أنفسهم ، وبعد زيارة نيكسون وعودته من الشرق الأوسط استأنفت إسرائيل قصف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بوحشية وعنف ، وكأنها أخذت أذناً من نيكسون على مثل هذا الإجرام , قصفت لأيام متتالية المخيمات في لبنان بالطائرات وقنابلها وصواريخها ، وكانت الإعلانات تشير إلى مئات المصابين ، وإسرائيل تقول إنها ستحارب الإرهاب في كل مكان ، ومصر تتهدد وتتوعد بأن عمل إسرائيل سيخل بشروط اتفاقيات السلام وفصل القوات ، وإسرائيل غير آبهة , ومن بعيد ليبيا والكويت والسعودية وغيرهم يضعون إمكانياتهم تحت تصرف المقاومة ولبنان ، ولا أثر يذكر لذلك ، تكتفي لبنان بمطالبة مجلس الأمن بعقد الجلسات التي تكررت وطالت مما أفقدها كل أمل يمكن أن يعلق بها ، والفلسطينيون يرفضون إلا أرضهم وديارهم , وهم غير قادرين ويجاهدون بأموالهم إن كانت لهم أموال وبأنفسهم ، فقد نفذوا خلال الشهور القليلة الأخيرة عمليات استشهادية بمجابهة القوى الإسرائيلية في وضح النهار يقتلون ويأسرون ثم يستشهدون آخر النهار ، كان آخر عملية لهم اليوم في نهاريا عندما قتلوا ثلاثة أو أكثر ، وهذا هو ما يثير الرعب في قلوب اليهود .
[align=center]قلق من مواد الامتحان
الأربعاء 26 حزيران 1974م = 6 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
اليوم خاصة بدأت أشعر أني أضحيت في العراء أو أني أقف على صخرة قد لفحتها شمس الصيف , فقد بدا لي المنهج المطلوب أداء الامتحان فيه صعباً واسعاً كثير التعقيد ، وخاصة بعد أن حدد الدكتور بشر المادة المطلوبة في الامتحان من المواد التي حاضر لنا فيها خلال السنة , كنت آمل أنه سيحذف لنا بعض موضوعات المذكرة التي ألقاها إلينا في نهاية العام ، وانتظرنا مجيء المعيد محمد حبلص ، وجاء وكان اليوم تحديد المادة ، فإذا هي المذكرة من غير حذف حرف واحد منها ، إضافة إلى ثمانية بحوث كان قد ذكر لنا منها أسماءها فقط في بداية العالم الدراسي هذه البحوث فهمنا أن الطالب يختار واحداً ليكتب فيه بحثاً يقدمه ، وكَتَبْتُ وكتبوا ، ولكن اليوم تبين أنها كلها مطلوبة في الامتحان وأن أيًّا منها ربما جاء فيه سؤال , الحق أنني عندما وقفت على تحديد مادة د. بشر كدت أفقد توازني وعدت إلى البيت كسير القلب وبدأت أفكر في الفشل ، هذا الفشل الذي تراودني فكرته كل لحظة وعندما أقرأ كل سطر , لو كنت في العراق وفشلت في امتحان لكان ذلك شبه مقبول ، ولكني هنا بعد كل تلك الأتعاب وبعد ذلك الفراق المر أفشل وأعود إلى الأهل بخفي حنين , ولكن أملي بالله عظيم ، اللهم فلا تضيع لي تعباً ولا تخيب رجائي فيك ، اللهم إن كان نجاحي خيراً فاكتبه لي ، وإن كان غير ذلك فاكفني شر العواقب ، عدت إلى البيت منهكاً وأنا أفكر في هذه المواد التي أشعر أنها تكاثرت وصعبت ، وحاولت أن أغفو إغفاءة يسيرة وإذا بحلم يزعجني من النوم إلى حد البكاء فاستيقظت فزعا لأواجه الأمر من جديد.
[align=center]مَأْدُبَةُ الهموم
الخميس 27 حزيران 1974م = 7 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
لا يعدل نوم الظهيرة شيء بجانب الراحة النفسية للإنسان ، فإذا كنت قد حُرِمْتُ نوم الظهيرة منذ أيام عديدة فإني بدأت أُحْرِمُ من الراحة الداخلية عندما بدأت الأفكار والأوهام تزدحم في ذاكرتي والآمال والآلام تأخذ طريقها إلى عقلي ، فأنا مشغول ساعة راحتي هذه الأيام بالأفكار والأوهام عن الفشل والنجاح ، فبدأت بدلاً من أن أغفو ساعة الظهيرة أفكر خلال تلك الساعات ، وكأن تلك الأفكار تعقد مَأْدُبَةً وقت الظهيرة حتى إنها لتضايقني ، وزاد الطين بلة خبر الأمس عند تحديد مادة مناهج البحث ، فإن البحوث الثمانية التي أضيفت على المذكرة المطبوعة أخذت تثير في نفسي الهموم وتبعث في نفسي القلق والحيرة من نتيجة هذا الامتحان ، بل إن خيبتي أخذت تزداد من نتيجة الامتحان ، وكأني خلال هذا الشهر دخلت بداية قبو طويل أوله مظلم ، وكلما خطوت خطوة اشتد الظلام ولم أزل أخطو في الظلام ، ولعل نهاية الامتحان تكون سعيدة ، فأخرج من الناحية الثانية إلى النور ، وإلا ظللت في ذلك الظلام حتى يأذن الله أو أهلك ! حقيقة صار لدي يقين أن الامتحان أشر ما في هذه الدنيا هذا في موازين الدنيا ، ولكن أليست الدنيا امتحاناً , إنها امتحان طويل ، ولكنا غافلون عن ذلك ، فلا فرق بين امتحان الدراسة وبين امتحان الدنيا سوى أن نتيجة هذه قريبة ونتيجة تلك تبدو بعيدة ، لكنها في الحقيقة أقرب من لمح البصر {الذي خلقَ الموتَ والحياةَ ليبلوَكُم أيُّكم أحسنُ عملاً} [الملك ٢ ] ، ولكنه ( غفور رحيم ) ، أما امتحان الدنيا فإن أقزام البشر يبدون عمالقة فيه.
[align=center]تخفيف
الجمعة 28 حزيران 1974م = 8 جمادى الآخرة 1394هـ [/align]
لعل الله يجعل هذا اليوم فاتحة خير ونجاة من الهموم التي أخذت تزدحم في صدري , فقد زرت اليوم الدكتور عبد الصبور شاهين صباحاً مع بعض الزملاء الذين يدرسون معي لمراجعة بعض المواضيع معه , إن الدكتور عبد الصبور قد جمع بين العلم والدين ، فكان مثال العالم المتواضع فقد أفسح لنا في بيته وأعطى لنا من وقته مع الطلاقة والبشر , وكان من الأمور التي شرحت نفسي أنه حدد المادة بعد أن كانت واسعة ، إذ كان مطلوباً منا أن ندرس القسم التطبيقي في كتاب القراءات ، أما اليوم فقد حدد فيه المادة بالدراسة النظرية ، فكان لهذا التحديد وقع حسن في نفسي إذ خَفَّفَ الهمومَ التي تثيرها كثرة المادة . وحضرت صلاة الجمعة في جامع قريب من بيت الدكتور عبد الصبور في بداية شارع الهرم تقريباً من جهة ميدان الجيزة ، وألقى خطبة الجمعة الدكتور عبد الصبور نفسه ، فأخذ بالأسماع والقلوب وشدها إليه بقوة ، بعد الظهر أي عصر هذا اليوم ذهبت إلى السيد فتحي محمد جمعة المعيد في الكلية ذهبت إلى بيتهم في شارع الزبيدي بمنشية البكري بمصر الجديدة , كان قد استعار مني بحث الكتابة العربية ليقرأه ، وظهرت الحاجة إليه في امتحان اللغة العبرية والساميات ، وهو يبدو قد انقطع عن الكلية فذهبت إلى البيت ووجدته , لكنه كان عليلاً يشكو من معدته ومن المحتمل أن يُجْرِيَ عملية جراحية لاستئصال الزائدة الدودية ، على كل حال لقيني بكل رحابة ولم أطل المكوث عنده ، وأخذت البحث وكان لديه مع البحث كتاب فقه اللغة المقارن للدكتور إبراهيم السامرائي ، فأهديته له لِمَا أبدى من حاجة إليه ، وعدت أدراجي على أن ابدأ مرحلة جديدة من العمل .
[align=center]منهج المراجعة الأسبوعي
السبت 29 حزيران 1974م = 9 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
منذ يوم 20 من الشهر الجاري حاولت أن أضع منهجاً أسير عليه في الدراسة ، وهذا المنهج يتيح لي إعادة قراءة المواد قراءة جدية كل أسبوع مرة أي أن المنهج أسبوعي : السبت والأحد لدراسة مادة القراءات القرآنية وجدول الرموز الصوتية , الحقيقة أن موقفي من هذه المادة جيد تقريباً من الرموز الصوتية خاصة , ويوم الاثنين لدراسة اللغة الانجليزية ، وهو وقت كثير على هذه المادة ، ولكني أحاول فهمها فهماً جيداً حتى لا تكون معوقاً جانبياً , ويوما الثلاثاء والأربعاء لمادة مناهج البحث ، وهي مادة معقدة وزاد في تعقيدها أستاذها حين فرض علينا دراسة ثمانية بحوث مع المذكرة المطبوعة ، وهذان اليومان غير كافيين لدراسة المذكرة دارسة جيدة مع ثمانية بحوث ، وعليه فإني أحاول أن أسترق بعض الوقت من الدروس الأخرى لأغطي ما تحتاج إليه دراسة هذه البحوث من وقت , وهذه المادة تشغل حيزاً واسعاً من تفكيري وتستأثر بالقسط الأكبر من اهتمامي , ويوم الخميس مخصص لدراسة مادة اللغة العبرية والساميات وكل ما لدينا في هذه المادة مقالتان : الأولى لأستاذ المادة د. الجرح ، وهي دراسة مقارنة عن الضمائر في العبرية والعربية ، والثانية دراسة لصيغ الزوائد في اللغات السامية (للدكتور إبراهيم أنيس) ، ويمكن في هذا الموضوع الأخير أن نستفيد من محاضرات الدكتور الجرح للفرقة الثالثة بكلية دار العلوم عن الفعل في اللغتين العربية والعبرية ، إضافة إلى هاتين المقالتين فإن كل طالب منا مطالب بالبحث الذي كتبه ، وكنت قد كتبت بحثي في أصل الكتابة العربية ، هذا من حيث التقسيم الأسبوعي للمواد ، وأما من حيث الوقت الذي أقضيه في دراسة كل مادة خلال اليوم الكامل فأحاول ألاّ يقل عملي عن ثماني ساعات ، وهي موزعة بصورة تقريبية أربع ساعات في الصباح واثنتان عصراً حتى الغروب واثنتان في الليل ، وإن كانتا أضعف ساعات الدراسة صفاء ، لأن النعاس يداهمني مبكراً دائماً ، ومن الله العون .
[align=center]الساعة
الأحد 30 حزيران 1974م = 10 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
الساعة هي تلك الآلة الصغيرة أو الكبيرة التي نُقَسِّمُ بها اليوم إلى أربعة وعشرين جزءاً , وهي الآن منتشرة انتشاراً كبيراً بين الناس حتى الفقراء يطمحون إلى تعليق الساعة بأيديهم كأنما صارت حاجة حياتية ضرورية ، والساعات أنواع فمنها ما يعلق باليد ، ومنها ما يخفى في الجيب ، ومنها ما يوضع على المنضدة ، ومنها ما يعلق على جدران البيوت والمحلات , ومنها ما يعلق برؤوس الأبراج ، ومنها ما يبسط على وجه الأرض ، الساعات صارت كثيرة الأنواع ، ولكن لماذا كل هذه الساعات , هل الساعة نعمة للإنسان أم أنها نقمة ؟ لابد أنها نعمة إذ لولا أنها كذلك لما كان هذا شأن انتشارها , فقد أصبح الناس يعدون حياتهم بالثواني , الاستيقاظ الساعة الفلانية ، والفطور الساعة الفلانية ، صلاة الفجر الساعة الفلانية ، والشروق الساعة الفلانية ، نهاية العمل الساعة كذا ، والخروج للفسحة الساعة كذا ، والعودة مساءً .. والنوم .. كل الأعمال أضحت مرتبطة بالساعة , وخير شاهد على ذلك أني كدت أفقد توازني لما فقدت ساعتي توازنها ، وكثيرا ما ظللت في حيرة من أمري ، فساعتي منذ أيام أخذت تخلط في عملها مرة تقف وأخرى تسرع ، وأنا بين هذا وذاك موزع ، أحاول أن أتبين الوقت الصحيح لعلي أنجز الأعمال على ضوء ذلك ، فقد جعلت وقتي خاصة وأنا في هذه اللحظات الحرجة من وجودي في القاهرة في أيام الإعداد للامتحان جعلت اليوم أقساماً ، أبدأ الدراسة في الثامنة صباحاً وأستمر مع فترة راحة حتى الواحدة ، ثم انقطع إلى الساعة الخامسة لأبدأ حتى الغروب ، وفي الليل أقرأ ساعة أو ساعتين .. ومنها أوقات الصلاة لم أعـد أضبطها .. الساعة ضـرورة الآن ، رغم أنها تَعُدُّ علينا أعمارنا .
[align=center]مذكرات شهر حزيران 1974م[/align]
إذا كنتُ قد وقفت عند نهاية شهر حزيران اليوم فإن نفسي تتوق بفارغ الصبر إلى نهاية شهر تموز ، إن جعل الله فسحة في العمر ، حتى أصل نهاية هذا الشهر , فقد قضيت الشهر المنقضي حزيران في عناء مع الكتب هي ليست كثيرة ولكن مادتها تبدو مستعصية ، كنت طوال هذا الشهر أحاول أن أركز الجهود لدراسة المحاضرات في المواد الأربع ، ولكن يبدو أني لم أحقق شيئاً ذا بال , وبدا لي أن المحاضرات المطلوبة قد تعقدت أكثر عندما أضاف د. بشر البحوث الثمانية إلى مادة الامتحان ، وضقت بكل هذا ، وخلال هذا الشهر استجدت علي ظاهرة مؤذية وهي أني فقدت النوم وقت الظهيرة ، ذلك النوم المريح المهدئ للأتعاب ، المنشط لعمل الليل ، فصرت أقضي ساعات الظهيرة في دوامة من الأفكار بين أمل النجاح في الامتحان وبين مرارة الفشل ، ولاشك أني سألقى ، وأستجير بالله , سألقى متاعب لا تقل عن متاعب شهر حزيران في شهر تموز الذي أحب أن أسميه الشهر " الأعسر " الحقيقة أنني في لحظات أتفاءل كثيراً وأقول إنني إن شاء الله سأجتاز الامتحان بسهولة ، ولكن هذه اللحظات مجرد برق غمام تزول ليحل محلها الألم والهم ، ماذا لو فشلت إذن سيترك ذلك الفشل في قلبي جرحاً لن تدمله السنون ، فأنا الذي جئت من العراق وتركت قرب الأهل ونعيم الحياة جئت لأحيى في القاهرة حياة الجدب ثم أرجع بعد كل ذلك خائباً ؟ ولكني إن شاء الله سأبذل الجهد المستطاع ، رغم كل الهموم ، لعل الله قد كتب لي النجاح .
[align=center]ساعة جديدة
الاثنين 1 تموز 1974م = 11 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
في يوم 27/6/1971 حضرت احتفال التخرج الذي أقيم لمتخرجي جامعة الموصل للعام الجامعي 1970-1971 ، وكان ما كان من تفوقي وحصولي على تسلسل الأول في كلية الآداب ، والحمد لله ، وحصلت على ساعة هدية من رئيس الجمهورية ، مكتوب عليها ذلك , صناعة سويسرية ، وساعة أخرى وقلمين ، ومنذ أن استلمتها كانت تبدو عليلة , لا شك أنها من نوع جيد ، ولكن فيها علة خفية فكانت تقف عن العمل بين فترة وأخرى ، وكنت أذهب بها إلى بعض المصلحين فيصلحونها تصليحاً خفيفاً لكي تعود إلى عادتها ، وفي الفترة الأخيرة ازداد مرضها ، فأخذت تقف كل يوم أكثر من مرة فسبب لي ذلك بعض المضايقات ، وذهبت بها إلى مصلح القاهرة ، ولكنه طلب أن تبقى عنده ثمانية أيام ، وأجرة التصليح جنيهان , ولكني خشيت من هذه المدة الطويلة ، وخاصة أني أسمع أن من الممكن أن يفك المصلح بعض الأجزاء ويبدلها بأخرى ، وترددت في تسليمه إياها ، وعدت إلى البيت فقلت لماذا لا أفتحها وأغسلها بالبنزين ، إذ إن المصلح قال إنها تحتاج إلى تنظيف ، وقضيت ساعة أو ساعتين في تفكيكها وغسلها ، ولكنه غسل غير جيد ، وبعد ذلك ركبتها وتحركت عقاربها ، واستبشرت خيراً ، لكنها هذه المرة أخذت تسرع أكثر مما يلزم ، فأخذت تقدم في الوقت ساعة كل أربع ساعات أو خمس ، فأقلقني الأمر مرة أخرى , وقلت أسلمها لمصلح آخر ، وبدأت تراودني فكرة أخرى ، وهي أن أشتري ساعة رخيصة لحين رجوعي بعون الله إلى العراق فأسلمها لمصلح أمين ، و نزلت إلى السوق عصر هذا اليوم والفكرتان تدوران برأسي ، وبعد طول تفتيش عثرت على مصلح ، فقال إنه لا يمكنه تصليحها ، وآخر يطلب أن تبقى عدة أيام ، ولكني تذكرت ما يقال ، وأخيراً ذهبت إلى شركة عمر أفندي الحكومية ، واشتريت ساعة جديدة بـ (11,25) جنيهاً من نوع انتيكار ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
[align=center]الطوابير
الثلاثاء 2 تموز 1974م = 12 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
منذ أن نزلت مصر وأنا أشاهد الصفوف الطويلة واقفة أمام محلات المواد الاستهلاكية الحكومية التي تسمى جمعيات ، وهذه الصفوف يسميها المصريون " الطوابير " وكل شيء بالطَّبُور ، ولعل أبرز أسباب هذه الطوابير الاختناقات في توزيع السلع وانقطاع عرضها في السوق بكميات مناسبة فترة طويلة ، فإذا ما نزلت تدافع الناس رجالاً ونساء على أبواب الجمعيات حتى الاختناق للحصول على أكبر قسط منها ، السكر والشاي والدهن والرز والصابون والكبريت (الشخاط) ومواد أخرى غيرها ، كل هذه المواد تتعرض لتلك الظاهرة ، والحكومة تعلن كل يوم عن توفير المواد الاستهلاكية الضرورية للطبقات (المسحوقة) ولكن ذلك مجرد كلام " جرائد " مضى أكثر من أسبوع ونحن نبحث في القاهرة عن علبة كبريت ، ولكن بدون جدوى فقد أوشكت علبة الكبريت التي اشتريناها منذ زمن أوشكت على النفاد ، وإذا نفدت فمعنى ذلك أننا سنظل من غير أكل ولا طعام, والصابون : صابون الملابس نفد من الأسواق هو الآخر ، ونفذ بالنتيجة من البيوت ، ويكاد الوسخ يقتلنا ، وعندما نطلب من الشغالة أن تغسل الملابس الوسخة تتعذر بعدم وجود الصابون ، وليس هذه الظاهرة على ما يبدو وقفاً على مصر وحدها ، فقد شاهدنا في العراق في السنوات الأخيرة هذه الظاهرة ، نعم بصورة غير منتظمة , فإذا كان الناس هنا يقفون بالطوابير فإنهم في العراق يتدافعون من غير نظام ، ولا تزال مناظر التدافع أمام محلات بيع البيض مطبوعة في ذاكرتي، ولا أدري أين يتجه العالم خلال هذه الأزمات الاقتصادية والغلاء المتلاحق .
[align=center]ارتفاع إيجار الشقق
الأربعاء 3 تموز 1974م = 13 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
لا أزال أذكر الأسبوع الأول من نزولي القاهرة , فقد قضيت ذلك الأسبوع مع الأخ خليل في جري دائم طوال اليوم نبحث عن سكن ، كان ذلك في بداية الشتاء ومعنى ذلك أن الشقق ربما تكون متوفرة وبأسعار متهاودة , قبل موسم الاصطياف ، ومع ذلك ظللنا ندور حتى يوم 4/12 حين أجرنا الشقة التي ننزل فيها الآن ، وهي جيدة لا شك وتبين أن إيجارها رخيص بالنسبة إلى غيرها ، رغم أنه (37) جنيها وهي ذات حسنات ، مع عدم خلوها من المساوئ ، المهم أن الله يسر لنا وسكنا خلال أسبوع ، كان ذلك في فصل الشتاء , أما اليوم فالإنسان لا يجد مسكنا إلا بشق الأنفس بكل معنى الكلمة , كان الأخ المهندس أحمد كاظم الراوي قد قدم قبل نهاية الشهر الخامس في دورة تدريبية هنا في المكتب العربي للتصاميم الاستشارية لمدة ستة أشهر ، نزل في بادئ الأمر عندنا وظل منذ نزوله يبحث عن شقة حتى يأجرها انتظاراً لوصول زوجته وأطفاله ، وظل يبحث حوالي عشرين يوماً وأَجَّرَ شقة في مدينة مصر الجديدة بخمسة وخمسين جنيهاً ، وكان الاتفاق لمدة ثلاثة أشهر ، ولكن ظهر له أنها غير ملائمة لهم ، وبدأ يبحث من جديد ، ووجد شقة خلف نادي الصيد ، وأوشك أن يتعاقد مع صاحبها ، ولكنها هي الأخرى غير ملائمة ، ولا يزال يدور وأهله مع أولاده قد وصلوا ، ومشكلة السكن اليوم مشكلة كل وافد إلى مصر، وسبب كل هذا البلاء هم المصطافون وخاصة من الكويت والسعودية ودول الخليج العربي ، فهؤلاء بالإضافة إلى إشغالهم الشقق الكثيرة يرفعون الأسعار ، إذ إن الواحد منهم لا يهمه أن يؤجر الشقة بمئة أو أكثر لمدة شهر يمتع نفسه المتع الحلال والحرام خلالها .
[align=center]
[/align]
[align=center]مع المهندس أحمد كاظم الراوي – أعلى برج الجزيرة في القاهرة
15/6/1974م[/align]
[align=center]( رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوربا حالياً)[/align]
[align=center]
[/align]
[align=center]الدكتور أحمد الراوي - صورة حديثة من الإنترت[/align]
[align=center]أقراص مهدئة
الخميس 4 تموز 1974م = 14 جمادى الآخرة 1394هـ [/align]
بدأت علامات الضجر من الدراسة تظهر عليَّ , ولاشك أن ذلك من أسوأ البلايا الآن ، إذ معنى ذلك إضاعة أوقات بدون فائدة , ولكن لا تزال أخطر مشكلة أعانيها وأظن أني لن أفارقها قبل انتهاء الامتحان وهي مشكلة عدم إمكانية النوم عند الظهيرة ، فلا أزال أقضي ثلاث ساعات كل ظهيرة متمدداً من غير نوم ولا عمل ، ثم إني حين أواصل العمل آخر النهار أجد نفسي ضعيفاً ، فلا أستطيع أن أقضي في الليل إلا ساعات قليلة ، والنعاس يغلبني وأنام مبكراً ، لأستيقظ في الصباح التالي متعباً ، ولأبدأ متعباً وأنتهي متعباً ، وتتراكم الأتعاب ، ومن أسباب فقدان نوم الظهيرة ولا شك قرب الامتحان ، والتفكير في مشاكله ونتائجه هو بعض أسباب هذه الظاهرة ، ثم إني نتيجة لذلك بدأت أتذكر الأهل بصورة مستمرة ، وأنا أقرأ تطفر بين السطور ذكرى تنقلي إلى ساحة الدار أو قريباً من مدينتنا , وأخيراً قلت لأستعين بالأقراص المهدئة لعلي أنام في الظهيرة أو أجد تخفيفاً من بعض هذا العناء الذي هو في ازدياد ، واشتريت علبة من تلك الأقراص وتناولتها اليوم ، تناولت حبة واحدة ولكني لم أنم , ولعل الله ييسر وأستمر أحبو في العمل حبواً حتى أصل الامتحان وتتقرر النتيجة ، أنا الآن أخشى أن يتحول هذا الضجر إلى سأم وقنوط ، ثم إلى إهمال للعمل بتلك الحجج ، ولكني لم أزل أحسب لنتيجة الإهمال حسابها وللفشل حسابه ، وكل هذه تدفعني إلى العمل وتلك تجذبني ، وهكذا أنا بين شد وجذب ، والله المستعان .
[align=center]مسجد الجمعية الشرعية
الجمعة 5 تموز 1974م = 15 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
مضيت صباح هذا اليوم إلى بيت الدكتور عبد الصبور شاهين فقد وعدنا أن نلتقي به أنا وزملائي الذين يدرسون معي في قسم علم اللغة في دار العلوم , أمضينا ساعتين عند الدكتور عبد الصبور ، كنا خمسة ، وهناك آخرون لم يحضروا , كنا نناقش بعض الموضوعات في المادة المطلوبة من كتاب الدكتور عبد الصبور (القراءات القرآنية) نقاشاً غير جاد ، بعد ذلك مضينا لسبيلنا ، ولو أننا قبل أن نفترق ناقشنا موضوع البحوث المطلوبة في امتحان الدكتور بشر ، كانت الساعة تقترب من الواحدة ظهراً ، واليوم الجمعة ، كنت في ميدان الجيزة وبالقرب من مسجد الجمعية الشرعية لأنصار السنة المحمدية , فقلت فرصة طيبة لكي أصلي الجمعة في هذا الجامع الذي صليت فيه جمعة من قبل ، هم فعلا يحاولون أن يقتدوا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم, يحاولون أن يصلوا الجمعة كما كانت تصلى في زمانه صلى الله عليه وسلم ، الجامع بسيط لا تظهر عليه آثار الترف والحضارة والنقوش ، فراشه بسيط ، عندما يدخل المصلي لانتظار الصلاة يمكن أن يشغل نفسه بالتسبيح والذكر أو بقراءة القرآن منفرداً من غير أن يرفع صوته ، فليس في الجامع قارئ يقرأ على الناس يوم الجمعة كما نجد في كثير من الجوامع ، وإذا حان وقت الصلاة كان هناك أذان واحد يرتقي بعده الخطيب المنبر من غير أن يصلي الناس سنة قبل الصلاة ، وبعد أن يكمل الخطيب خطبته ينزل وتقام الصلاة ، فإذا كانت السُّنَّة كذلك فلماذا لا تكون سنة المسلمين في كل مساجدهم وكل بلدانهم؟
[align=center]بين التفاؤل واليأس
السبت 6 تموز 1974م = 16 جمادى الآخرة 1394 هـ[/align]
بدأت أعجب من نفسي ومما أجدها فيه من أحوال لا تكاد تستقر على شيء منها ، فهي في عراك دائم مع أفكار شتى كثيرة ، ولا أجانب الواقع حين أقول إن الامتحان وهمومه مبعث كل تلك الأفكار المتضاربة , لا شك في أن الإنسان لا ينقطع على التفكير لحظة في حال يقظته ، ولكنه في أحواله الاعتيادية يفكر بهدوء ومن دون اضطراب ، أما أنا هذه الأيام فكل شيء مختل وغاب عنه رشده ، أقف لحظات فتظلم الدنيا بعيني وأيأس من نتيجة الامتحان ، وأتذكر لحظة وأقول ألا تتقي الله وترضى بقضائه ، إذ إن هذا الامتحان ونتيجته لا تساوي شيئا إلى جانب رحمة الله ورضاه , ولا تدري لعلك حيث الآن أو قريب [؟] فما هذا القلق على المستقبل ، وأهدأ بفضل الله ، ولكن ذلك الهدوء لا يكاد يمضي طويلاً ، ثم أجد نفسي متفائلاً مرة أخرى وكأني قد أديت الامتحان ونجحت وسجلت موضوعاً ويسرح الفكر بعيداً ، هذا عن الامتحان ، أما عن الأهل فلا تكاد تمر لحظة إلا وعرض بخاطري شيء يذكرني بهم ، وهنا أيضا تظلم الدنيا بعيني وأقول هل سأعود وأجدهم ، أجد الوالد والوالدة والإخوة والأخوات والأطفال بخير ، وأحزن وألتجئ إلى الله فراراً من وساوس الشيطان ، وتمضي فترة لأهدأ وأتفاءل ، وهكذا أنا بين التفاؤل والقنوط قد حُرِمْتُ الراحة حتى نوم الظهيرة , اللهم فاجعله آخر امتحان لي في هذه الدنيا .
[align=center]مشكلة في وقت غير مناسب
الثلاثاء 9 تموز 1974م = 19 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
أوشكنا أمس أن نقع في مشكلة ربما لحقنا منها أذى كثير ومتاعب جمة ، ففي يوم الأحد كانت الشغالة أم محمود قد أخطأت بعض الأخطاء أثارت الأخ خليل فانطلق بكلام مفهوم وغير مفهوم كعادته عندما يغضب ، وهو كثيراً ما يغضب , فأثَّرَ ذلك الكلام في نفس الشغالة , كانت سابقاً تسمع مثل ذلك ، ولكن يبدو أنها هذه المرة لم تجد مكاناً في نفسها لاستيعاب ما سمعت ، فما أن انتهينا من الغداء حتى جمعت في صمت كل متعلقاتها وغادرت البيت في هدوء ، وعندما دخلنا المطبخ وجدنا كل شيء في مكانه ، وقد تركت المفتاح على الثلاجة ، وفهمنا أنها غاضبة ، وانتظرنا يوم أمس في الصباح فلم تأتِ ، ومعنى هذا أننا لا بد أن نبحث على شغالة جديدة ، ومعنى هذا أيضاً أن نفتح دورة تعليمية للطبخ والتنظيف والنظام إذا وجدنا من يفهم ، وظروفنا الآن لا تسمح بمثل هذا فأنا مشغول بالإعداد للامتحان والأخ خليل هو الآخر مشغول بكتابة البحث ، وإذا أُهْمِلَتِ الشقة من غير تنظيف يومين أو ثلاث فإنها ستصير خانقة لا تسكن ، وإذا أهملنا أنفسنا وملابسنا فإنا سنمرض من الوسخ ، والأكل هو الآخر مشكلة فكنا إزاء هذا كله مضطرين لطلب أم محمود مرة أخرى ، فذهب أمس الأخ خليل إلى بيتها في السيدة زينب فهو يعرف مكان سكناهم في ذلك الخضم المخيف من التجمع السكاني ، واستطاع أن يقنعها بالعودة أو ربما هي كانت راغبة في ذلك فإنها – والرزق من الله – ربما لا تجد سبعة جنيهات ، وجاءت أم محمود صباح هذا اليوم كالمعتاد ، وانتهينا من التفكير في المشكلة ، والحمد لله .
[align=center]تراكم الأتعاب
الأربعاء 10 تموز 1974م = 20 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
الحمد لله , قد تعبت وبدأت أشعر أن التعب في ازدياد ، وليس تعب الدراسة حسب بل هناك أتعاب أخرى لعل الدراسة مبعثها كلها أو جلها ، فقد مضى الآن ما يقرب من شهرين وأنا شبه منقطع للمراجعة في البيت ، ولا أكاد أخرج إلا في أوقات محدودة ، ولولا رحمة الله إذن لشعرت بأن الشقة قد صارت سجناً , ولكن عندما أتذكر حال بعض الطلبة الوافدين وظروفهم والفنادق القذرة وصعوبة العيش أهدأ قليلاً , ورغم ذلك فإن مواصلة الدراسة على مدى شهرين وبأسلوب منفرد لا شك أن ذلك يبعث السأم ، بالإضافة إلى الأتعاب المتراكمة وهموم الامتحان .. وأفكار المستقبل ، في هذه الأيام كثيراً ما أقف وأقطع المذاكرة لفكرة عرضت لي فجأة ، وهي في غير وقتها لا شك ، وأغلب الأفكار التي تدور في ذهني الآن هي حول الموت ، وإن كانت هذه الفكرة والحمد لله قد اتضحت جوانبها في خاطري واتضح موقفي إزاءها ، ثم السفر إلى الأهل ، وأنا لم أمتحن بعد ولم أنجح ولم أسجل موضوعاً ، ولكن هذه الأفكار ترغمني على الوقوف عندها وتكون مثار أسئلة في نفسي ، فتزيد الأتعاب النفسية وتُدِيمُ الأتعاب البدنية دون أن تكون عاملاً في تخفيفها .. أدعو الله تعالى أن ييسر لي خلال هذه الأيام العشرة الباقية حتى لا تحدث انحدارات تؤدي بكل الأتعاب وتذهب بكل الآمال , فلا شك في أن الأتعاب هي سبيل النجاح ، ولكني أخشى من الأتعاب التي تحطم ذلك الأمل ، خاصة أن المدة قد طالت، والهموم قد كثرت .
نشرت هذه الحلقة يوم الجمعة 5/3/1431هـ
ــــ الحواشي :ــــــــــــــــ
(1) كنت أحسب أن دراسة الدكتوراه ليس فيها سنة دراسية تمهيدية ، وإنما تبدأ بتسجيل الموضوع مباشرة ، كما كان معمولاً به في كلية دار العلوم ، وكليات أخرى في مصر ، ولكني حين التحقت بدراسة الدكتوراه سنة 1982-1983 في كلية الآداب بجامعة بغداد درسنا فصلين دراسيين وفي نهاية كل منهما امتحان ! قبل تسجيل موضوع الأطروحة.
الحلقات السابقة :
1- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الأولى)
2- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الثانية)
3- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الثالثة)
4- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الرابعة)
5- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الخامسة)
[align=center]مراجعة المحاضرات
السبت 8 حزيران 1974م = 17 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
قَضَيْتُ الأسبوع الماضي في دراسة كتابَيِ الدكتور عبد الصبور شاهين: كتاب تاريخ القرآن وكتاب القراءات القرآنية , الذي فيه عدة فصول مقررة سنؤدي فيها امتحاناً , قضيت الأسبوع كله في قراءة ذلك الكتاب الضخم قراءة تقف عند القمم دون النزول إلى الوديان ! لعلي أعود بعد ذلك إلى دراسة المادة المقررة فقط دراسة عميقة , وفي هذا الأسبوع بدأت أدرس المواد التي أخذناها مع الدكتور محمد سالم الجرح أيضاً ، قراءة تمس القمم ولا تهبط إلى الوديان ! تلك سُنَّةٌ اتبعتها في الدراسة أن أدرس الموضوع دراسة شاملة عامة ثم أعود بعد ذلك مرة أخرى وأخرى إلى التعمق والتركيز , وأنا قد أخذت نفسي بمنهج أو هو فرض نفسه علي أو طبيعة المرحلة فرضته علي ، هو ليس بمنهج ، وإنما هو نظام اتبعته في الدراسة السبت والأحد والثلاثاء والأربعاء انصراف كلي للدراسة في المحاضرات المقررة , الاثنين والخميس أذهب فيهما إلى مكتبة أية مكتبة ، وإن كنت مشغولاً الآن في جمع بعض المادة عن موضوع المقطع في اللغة العربية ، هذا الموضوع أحاول أن أتعمق فيه لأنني - إن شاء الله - ربما جعلت هذه البدايات أساساً لموضوع الماجستير ، فإني عرضت الفكرة على الدكتور محمد سالم الجرح فشجعني ، وقال : إنه موضوع يستحق الدراسة ، وأنا أحاول أن أستغل هذين اليومين لجمع بعض المادة ، أما الجمعة فقد أردت أن أجعلها راحة ، وإن كانت لا تخلو من قراءة كتاب أو صحيفة .
[align=center]التفكير في اختيار الموضوع والمشرف!
الأحد 9 حزيران 1974م = 18 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
مشكلة لا تزال بعيدة ولعلني لا ألقاها ، ولكني أجد نفسي مدفوعاً للتفكير فيها ، لأنها المرحلة التالية لما أنا فيه الآن , أنتظر الامتحان الذي يكون يوم 20/7 وإذا انقضى الامتحان فإني سأكون - إن شاء الله - وجهاً لوجه مع تلك المشكلة أو ربما كانت وقفة بعد الامتحان صغيرة ، ألا وهي انتظار نتيجة الامتحان ، فإذا نجحت فإن علي أن أحمل نفسي على اختيار موضوع لبحث الماجستير ، وأن أختار أيضاً المشرف على ذلك البحث , المشكلة التي أفكر فيها والتي تزداد وضوحاً كلما تقدم الزمن هي مشكلة ذات وجهين الموضوع والمشرف , فكم من طلبة سجلوا موضوعات وكانت مبعث متاعب ومشاق ، وكم من أساتذة مشرفين أذاقوا طلابهم الكثير من المتاعب وعدم العطف على الطالب ، المشكلة التي أواجهها لابد أن أبحث عن جواب للأسئلة التي تثيرها من الآن ، فإن مَدَّ الله في العمر كانت أجوبتها في ساعة الحاجة حاضرة ، وإن كانت الأخرى فقد أديت الأمانة إلى آخر رمق ، الموضوع الذي أريد أن أختاره مرة أقول أختار موضوعاً في القراءات القرآنية ، ومرة أقول لأجعله في اللهجات ، وأخرى أقول لأدرس في الأصوات العربية عند القدماء والمحدثين , وأخيرا تبلور في ذهني موضوع المقطع في العربية ، ولو أنه لم يتبلور منهج دراسة هذا الموضوع إلى الآن ، أما المشرف : فهم ثلاثة د. بشر العميد ، وهو مشغول بشؤون الإدارة عن العلم , والدكتور عبد الصبور شاهين عالم ذو خلق ودين ، ولكن يبدو أنه لا يعطي الطالب من وقته أكثر من الرسميات , و د. محمد سالم الجرح عالم لطيف يفتح صدره وبيته للطالب ، ولكنه يبدو خفيف التدين ، وأنا لا أرتاح إليه من هذا الجانب ، ولابد من اختيار وسط ، وأدعو الله أن يجعل نصيبي الأحسن .
[align=center]الغرباء
الاثنين 10 حزيران 1974م = 19 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
في القاهرة يعيش أكثر من سبعة ملايين من الناس ، لكني اشعر أني أعيش وحيداً هنا , كأن كل هؤلاء بشر من نوع آخر ، لا أستطيع أن أتبادل معهم مشاعر إنسانية أو معاملات حياتية ، ورغم أني أشعر أن من بين أولئك أناساً يمكن أن أتعاطف معهم ويتعاطفون معي إلا أني لا أعرفهم ولا يعرفوني , ويعيش في القاهرة جمع من العراقيين ، والعراقي بالنسبة للعراقيين هنا كأنهم جميعاً في بيت واحد ، ولكني أشعر أني من بيت غير البيت الذي يشعرون أنهم ينتمون إليه , إلا عدداً محدوداً منهم , أيضاً يشعرون أنهم من بيت آخر غير البيت الذي يشعر العراقيون أنهم يستظلون بظله , وهؤلاء النفر يشعرون أيضاً أنهم غرباء في مجتمع القاهرة مجتمع السبعة ملايين ، رغم أنهم يمكن أن يتعاطفوا مع أولئك المجهولين بالنسبة لهم , وفي مصر ثلاثون أو أربعون مليوناً وفي البلاد العربية مئة مليون أو يزيد ولكن هؤلاء أيضا يشعرون أنهم غرباء عنهم إلا تجاه أناس يشعرون أيضا أنهم غرباء في مجتمعاتهم ، وإذا ما تحريتُ الدقة يشعرون أن هؤلاء البشر الكثيرين هم الغرباء في الأرض ، إنهم غرباء عن سنن الله في الخلق بما ابتدعوه من أنفسهم وطواغيتهم من قوانين ظالمة وعادات فاجرة , وهكذا تزداد وحشة هذه القلة إذا نظرت إلى ما تحويه هذه الأرض من ملايين البشر وليس فيهم إلا ذلك النفر القليل الذي يشعر أنه هو الصديق لهذا الكون لأنه يسير في الاتجاه الذي تسير فيه سنن الله المقدرة لهذا الكون ، فمتى تلتقي هذه القلة مع تلك وتُخْرِجَ الغرباء من الأرض ليسود الخير والسلام !
[align=center]التطبيع مع أمريكا
الثلاثاء 11 حزيران 1974م = 20 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
ما كان لإنسان أن يتوقع هذا التغير المفاجئ وانقلاب الموازين بين عشية وضحاها , من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار كما يقال الآن , عندما بدأت الحرب في رمضان أو 6 أكتوبر كما يقولون أعلنت أمريكا مساندتها لإسرائيل مساندة تقررت بسببها نتيجة الحرب , وهى تساندها من أول يوم ظهرت فيه , وبدأنا نسمع عن الجسر الجوي الذي يربط أمريكا بإسرائيل أثناء الحرب ينقل المعدات والأجهزة لتواصل بها إسرائيل قتالها ، وحتى لا تنهار أمام ضغط الجيوش العربية من الشمال والغرب , وحين خطب الرئيس المصري السادات في مجلس الشعب المصري بعد عدة أيام من بداية الحرب أعلن عن دور أمريكا وأنه كان مقدراً لإسرائيل أن تواصل القتال لمدة (11) يوماً وينفد سلاحها ، أمَا وقد تجاوزت الحرب ذلك اليوم وإسرائيل تحارب فإن سلاح العرب وسلاح مصر بالأخص بدأ ينفد ، ولاح شبح الهزيمة أمام تدفق الأسلحة الأمريكية على إسرائيل أثناء القتال وفي ساحة المعركة , وقد رأيت في معرض الغنائم (غنائم حرب أكتوبر) رأيت دبابة إسرائيلية من نوع باتون أمريكية الصنع مصابة إصابة بسيطة أعطبتها ، رأيتها جديدة كل الجدة حتى إن الربلات التي تحفظ سُرْفَتَهَا لا تزال جديدة تشبه الإطار الجديد , بعد كل هذا أقول إن أمريكا آخر من يمكن أن تصطلح معه مصر ويصطلح معه العرب ، ولكن مصر بين عشية وضحاها غيرت موقفها ، وكأنها أيقنت أنها لا قِبَلَ لها بأمريكا إلا بمصالحتها ، ومن ثم توجهت نحو أمريكا ، وغداً يصل رئيس أمريكا نيكسون ، وقد قامت الحكومة المصرية بإعداد استقبال هائل له ، كما تروج وسائل الإعلام .
[align=center]مظاهرة الخزي
الجمعة 14 حزيران 1974م = 23 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
فتحتُ الراديو على إذاعة العراق في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر لأستمع الأخبار , وإذا به يحمل حملة شديدة على زيارة الرئيس نيكسون ويصف الاستقبال الذي اسْتُقْبِلَ به بأنه ( مظاهرة الخزي ) ويصف نيكسون بأنه أكبر جلاد في العالم , ولاتهمنا مدى صحة هذا القول أم بطلانه المهم أن العراق عند رأيه وموقفه بالنسبة لأحداث الشرق الأوسط , يريد أن يواصل القتال حتى تتحرر الأرض , ولكن يبدو أن الحكام في العراق لم يخوضوا تجربة حكام مصر وسوريا , ولعلهم يمثلون دوراً في شرق الوطن العربي , وأمس قام الفدائيون الفلسطينيون بعملية فدائية هي الثالثة من نوعها في مستوطنة في الجليل قُتِلَ فيها عدد من الإسرائيليات ووصفها راديو بغداد بأنها هي المظاهرة التي يجب أن يستقبل بها نيكسون لا المظاهرات التي مرت في القاهرة والإسكندرية لاستقباله , واليوم أو عصر اليوم غادر نيكسون مصر والآمال في نفوس المصريين ليس لها حدود ، الآمال التي بنوها على زيارة نيكسون أنه هو الذي سيسعدهم أو الذي سيطعمهم أو الذي سيحميهم ، نعوذ بالله من هذا الغلو , غادر نيكسون إلى جدة حيث يزور السعودية يوماً يجتمع بالملك فيصل لإتمام رسم السياسة التي تريدها أمريكا في الشرق الأوسط ، أما روسيا فيبدو أنها تتحسر على السهم الذي توشك أن تخسره في الوطن العربي وموطئ القدم الذي مهدت له في مصر خاصة ، والذي يبدو أن أمريكا أوشكت أن تحتله .
[align=center]تحسين لغتي الإنكليزية
السبت 15 حزيران 1974م = 24 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
كنت أمس أحاول مراجعة مادة اللغة الانكليزية , لدينا بضع ورقات مطبوعة على الآلة الكاتبة عن تاريخ العرب وحياة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم - ومن ضمنها ترجمة عدة صفحات إلى اللغة العربية , وجدت نفسي أخلط بعض قواعد اللغة الانكليزية أو أني لا أتبينها بوضوح , وكنت قد جلبت معي من العراق كتاب قواعد اللغة الانجليزية الذي درسناه في الإعدادية على مدى سنتين إلا أننا لم نستفد منه إلا القليل , فقلت لماذا لا أدرسه من جديد ، وأنا جلبته معي على هذا الأمل ؟ وفعلاً ابتدأت به منذ صباح هذا اليوم على أمل الفراغ منه مساء ، قراءة سريعة خفيفة ، ووقوفاً عند القمم دون المنعطفات والوديان , وقد بانت من القراءة أشياء كثيرة كنت أستصعب فهمها ، وقد بدت الآن سهلة بسيطة ، وكنا حين درسناه من قبل نشقى بكثير من موضوعاته ، رغم أنها بدت لي اليوم غير مستحيلة أو بعيدة الفهم , مع أن منها ما هو صعب إلا أن الذي استنتجته أن الذين كانوا يقومون على تدريسنا في الإعدادية أناس لا يعرفون من أين يبدؤون ولا إلى أين ينتهون ، قضوا في الكلية أربع سنوات وخرجوا للحياة العملية وقد دار في خاطرهم أنهم قد علموا كل شيء وأنهم لا يقولون ولا يعملون إلا الصواب , ربما فيهم من يحمل علماً ولكنه لا يريد أن ينفع به أو يتكاسل من الجهد الذي سيبذله لكي يخدم الطلبة ويقدم لهم العلم من أقرب مواطنه , كنت في العراق ألاحظ مدى شقاء الطلبة بدرس اللغة الانجليزية وهم يبذلون فيه من الوقت فوق ما يحصلون من نتيجة ، ولو نُظِّمَ ذلك الجهد لأثمر الثمرة التي تتناسب مع مرحلتهم ، وإلا فإن العلم لا حدود له .
[align=center]بين الجدران
الأحد 16 حزيران 1974م = 26 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
في بيجي عندما كنت طالباً في العراق أخرج كلما ضاقت عليَّ نفسي من درس أو غيره إلى ساحة الدار أو خارج المدينة حيث هواء الصحراء اللطيف وحيث المزارع تنتشر في أطراف المدينة ، أو أخرج إلى السوق وأرى الناس الذين أعرفهم ويعرفوني ، كنت لا أجد وقتاً أضيق به إلا كان له مخرج إلى فسحة وراحة ، ولكني هنا الآن بين أربعة جدران إذا ضقت ساعة وما أكثر الساعات التي أضيق بها وتضيق بي إذا حدث ذلك وَلَّيْتُ وجهي قِبَلَ أحد الجدران ، وإذا ضجرت التفت إلى جدار آخر , وهكذا أقلب وجهي بين جدران الشقة الأربعة لا أجد متنفساً من كربة من كرب هذه المدينة العاصفة ومن كرب الدروس ، ومن هَمِّ الامتحان ولا يزال هَمُّ الامتحان يلاحق كل مُمْتَحَنٍ – إلا باللجوء إلى الله والصلاة والقرآن ، وهو الملجأ الأبدي لمن ضاقت عليه الدنيا ومن رحبت , تُرَى إذا خرجت خارج الشقة فأين سأذهب ومن سأرى وماذا سأقول ، لا أجد ما ترتاح إليه نفسي ، وأعود إلى الأوراق أقلبها وأسترق لحظة لكتابة هذه السطور المضطربة , ومع أن الوقت لا يزال فسيحاً للدراسة إلا أنني الآن أشعر بضيق الوقت أو تضايقي من الدراسة والدروس , أحاول أن أُلِمَّ بالموضوعات فتتفلت ، أحاول أن أحفظها عن ظهر قلب فتستعصي ، إلهي رحمتك ! ما هذا العذاب ؟ وأصفو ساعة أذكر الأهل والإخوة والدار والبلدة والحياة الجميلة ، ورغم مرارة الحياة أعود وأقول لأحتمل كل شيء ، وأتوكل على الله وهو يتولى الصالحين .
[align=center]هموم الامتحان
الاثنين 17 حزيران 1974م = 26 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
كنت في طفولتي الأولى ألهو وألعب غير ملتفت إلى ما يدور حولي وما يقع لي ، ولم أنم يوماً وأنا أفكر في غد أكثر من اللعب والركض والحصول على المتع الطفولية . وانقطعت تلك السلسلة من الأيام الحلوة حين دخلت المدرسة الابتدائية وبدأت أذوق تجربة الامتحان في الابتدائية مرتين في العام الدراسي على الأقل , وظلت الحال منذ السنة الأولى الابتدائية إلى اليوم حيث أستعد للامتحان ولعله آخر امتحان في حياتي الدنيا إذا يسر الله(1) ، فإن نجحت فقد انفتحت لي أبواب ربما تحتاج إلى جهد أكبر إلا أنها تخلو من خفقة القلب لذكرى الامتحان ، كنت منذ الصف الأول الابتدائي تتهيأ نفسي للامتحان قبل دخوله بأيام طويلة ، وكنت في تلك المراحل الأولى أقل معاناة إذ كنت أقل حرصاً على التهيؤ وحسبان خطر النتيجة , وكنت مع كل هذا التعب لا أفرح بالنتيجة ، كنت أرى الأطفال معي يخرجون من المدرسة يوم تسلم الشهادات يركضون ويصيحون عبر سوق مدينتنا ولكني كنت أخرج هادئا رغم فرحتي الداخلية , وظللت كذلك أواجه كل نجاح , ولكن مسألة الاستعداد للامتحان أخذت تزداد قسوة وخاصة في بعض الحالات حين تنضم إلى الحال صعوبة الدراسة والتواء المادة كالذي أعانيه اليوم ، فمع خطورة الامتحان وخطورة نتيجته فهو يقرر نتيجة أتعابي وسفري إلى مصر ، وإلى جانب ذلك صعوبة المادة ، فإني بدأت أضجر من هذا الأسلوب من الدراسة ، أجلس ساعات طويلة أمام الكتاب أو الأوراق ثم لا أخرج بشيء يذكر وموعد الامتحان بدأت أحس باقترابه ، وليتني اهتممت بأمر امتحان الدنيا هذا الطويل طول العمر ونتيجته أخطر النتائج ، اللهم يسر لي وارحمني .
[align=center]المذاكرة الجماعية
الثلاثاء 18 حزيران 1974م = 27 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
زارني بعد الظهر في البيت الطالب س , وهو أحد الطلاب الذين يدرسون معي في السنة التمهيدية في قسم علم اللغة ، وهو فلسطيني يعمل في إذاعة الكويت , كان قد حضر في أول السنة وأخذ بعض المنهج وغادر منذ الشهر الثاني عشر من سنة 1973 ، وكان قد حضر منذ الخميس الماضي , هو إلى الآن لم يكتب أي بحث ولم يدرس في المحاضرات , جاء يريد أن يؤدي امتحاناً وينجح ، وهو الآن يحاول أن يكمل كتابة البحوث ، بحث في لسان العرب وهو وحده يحتاج إلى عمل شهر , وبحث في كتاب المعرب للجواليقي ، وأما بحث اللغة العبرية فيقول إنه أكمله , هو يريد إكمال هذه البحوث الآن ويسلمها للأساتذة ثم يحضر الامتحان , حضر إلى البيت ليستفسر مني عن المطلوب وما أخذناه ، وعجب من مكوثي في القاهرة كل هذه الفترة , هو يتحدث علناً عما سيدرس بعد إنهاء السنة التمهيدية وأنا غارق في التفكير في الامتحان وكيف سنؤدي الامتحان ، غارق في التفكير في هذه المادة المستعصية على الفهم أو الحفظ أحياناً ، وهو يعتبر أمر اجتيازه للامتحان مضموناً ، وهو يقول إنه سيكتب بحث الماجستير في اللغة العبرية , حضر ليعرض عليَّ أن ندرس سوية ، يقول إنه أجَّرَ شقة قريبة من الكلية بمئة جنيه , وحاول إغرائي بأمور مادية وشقة ومكتب وغرفتي نوم ، ويقول أنا وحدي فهلا ندرس سوية , طبعاً هذه خطوة يجب ألا أخطوها الآن ولا في غير ذلك من الأزمان ، لأني أعرف ما نتيجة مثل هذه المذاكرات المشتركة ، هذه عادة اعتدتها منذ زمان لا أومن بالدراسة المشتركة أكثر من استذكار رؤوس الموضوعات وما حولها.
[align=center]ألم الدمامل
الأربعاء 19 حزيران 1974م = 28 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
مضى يومان وأنا ضائق بكل شيء ، ضَجِرٌ من كل شيء , ولم أستفد خلال اليومين الماضيين من مراجعة الدروس شيئاً ، وذلك أن ( دُمَّلَة ) قد ظهرت تحت ظفر الإصبع الوسطى ليدي اليسرى , وهي صغيرة إلا أنها كانت تؤلمني حتى تكاد أوصالي وأطرافي تتقطع ، أشعر بألم في الأطراف وحرارة في الوجه وميلاً إلى النوم من غير نوم , والآن الحمد لله آمل أن يكون هذا اليوم خاتمة أيام الألم لتحل محلها أيام الأمل ، ولو أن أيامي كلها أمل بتأييد الله سبحانه وتوفيقه , هذه الدملة الصغيرة آذنتي أشد الأذى وشلت حركاتي ، وكنت أبدو كئيباً أشعر بذلك أنا وإن كنت أحاول أن أبدو للناس سويَّ المظهر غير ذي علة , ولكن هذه الدملة الصغيرة قد آذتني ، وأحمد الله على العافية ونعمتها , ماذا لو أن مثل هذه الدملة قد ظهرت في أيام الامتحان ؟ إذن لكان الفشل قاب قوسين أو أدنى ، وماذا لو كانت أشد وما أكثر الدمامل وأنواعها الشديدة التي لا أزال أذكر بعضاً منها أصابت بعض أفراد أسرتنا , وأحمد الله على رحمته وأدعوه أن يسترني بستره الجميل وأن يوفقني في هذا المسعى حتى أجتاز هذه المرحلة التي هي أشد عقبات هذا الطريق فلو فشلت فإني ربما رجعت إلى الأهل غير آمل في العودة ، ولو نجحت ولو أن النجاح ليس كل شيء ولكن لو نجحت ويسر الله وسجلت موضوعاً سأكون أشد ارتباطاً بالخطوات التالية ، هذه مجرد أمور وتوقعات رهينة بما ييسره الله لأني لا أدري ماذا أكسب غداً ، وما تدري نفس بأي أرض تموت ! وأي زمان كذلك ، والحمد لله.
[align=center]مقررات الامتحان
الخميس 20 حزيران 1974م = 29 جمادى الأولى 1394هـ[/align]
في مثل هذا اليوم من الشهر القادم سنؤدي الامتحان إن شاء الله ، إذ إن الامتحان لطلبة الماجستير سيكون في 20/7/1974 وربما يستمر حتى نهاية الشهر , وأنا الآن في حالة لا تؤهلني لدخول الامتحان ولكن لا يزال أمامي شهر لعلي أستطيع أن أنجز قراءة المواد المطلوبة ودراستها ، لدينا أربع مواد : اللغة الانجليزية وأستاذها الدكتور أمين العسلي ، وعندنا في هذه المادة حوالي ست صفحات ترجمة وست صفحات أخرى دراسة , ومناهج البحث وأستاذها الدكتور كمال محمد بشر كان طوال العام الدراسي يحضر مرة ويغيب أكثر من مرة ، بسبب ارتباطه بعمادة الكلية ، وأخيراً قذف إلينا بمحاضرات مطبوعة منذ سنة 1970-1971 في معهد الدراسات العربية ، وفيها من الكلام المترجم الشيء الكثير بل جلها مترجم على ما أتوقع ، فهي تدور حول مناهج البحث اللغوي عند اللغويين الأوربيين ، وفيها إلى جانب ذلك من التعقيد المتولد من اضطراب عرض المادة ، وإن كانت لا تخلو من علم مركز ، حاولت هذا اليوم الالتقاء بالدكتور بشر والاستفسار منه عن المقرر , قال : إنه لا بد من حضور محمد حبلص المعيد في القسم والطالب معنا ، حتى يبين ما أخذنا خلال السنة ، ولم يكن محمد هذا يحضر إلا نصف المحاضرات أو أقل ، والمادة الثالثة اللغة العبرية وأستاذها الدكتور محمد سالم الجرح الذي كان يخفف من المادة كل مرة حتى أصبحت محاضرة عن الضمائر وأخرى عن صيغ الزوائد ، إضافة إلى بحث الطالب الذي عمله خلال السنة , والمادة الرابعة هي مادة القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث ، وجدول رموز الكتابة الصوتية الدولية وأستاذها الدكتور عبد الصبور شاهين الذي كان أحرص الثلاثة على حضور المحاضرات ، ثم يليه الدكتور الجرح , ومنذ الشهر الثاني عشر من السنة الماضية إلى الآن ونحن ندور حول كلمات !
[align=center]الإنفاق السخي
الجمعة 21 حزيران 1974م = 1 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
قبل يومين وصلتني رسالة من الأهل من الأخ سفر , وهو لا يكاد يمضي أسبوع دون أن يكتب إلي رسالة , وفي الحقيقة أن الرسالة التي تصلني من الأهل تشجعني على المضي في السبيل ، وتُبْعِدُ عني بعض الوحشة ، الأخ سالم هو الآخر يرسل لي بعض الرسائل , الشيء الذي أريد أن أذكره هنا أيضا أن الأخ سفر قد أرفق بالرسالة ورقة بتحويل 200 دينار عراقي هي القسط الثاني من الفلوس التي يحق للأهل أن يحولوها لي , كنت قد كتبت لهم أني غير محتاج الآن وأني ربما أرجع إذا يسر الله ونجحت في الامتحان إلى العراق , ولكن حرصهم على راحتي واطمئناناً على مستقبلي دفعهم أن يحولوا لي هذا المبلغ الكبير في نظر أصحاب الدنيا ، وهو المبلغ الثاني الذي تسلمته من الأهل ، فقد تسلمت سابقاً 200 دينار أو ما يعادلها بالجنيه المصري ، كنت قد صرفت في رحلتي إلى القاهرة قبل ذلك 350 ديناراً عراقياً ، فيكون المبلغ الذي استلمته من الأهل 750 ديناراً عراقياً , من يجد مثل هؤلاء الأهل ؟ مثل هؤلاء الإخوة ؟ مثل أخي سفر ! ينفقون على ابنهم وعلى أخيهم مثل هذا الإنفاق إسعاداً له في مستقبله ، أليسوا هم الآن مالكين لمستقبله ؟ أليسوا أحق بالثمرة إن يسر الله وكانت هناك ثمرة , الذي أرجو الله تعالى أن يحققه لي أن يجزيهم عني خيراً ، وألا أنسى هذا الفضل العظيم ، وأن أذكره مع الدعاء لهم دائماً بالخير والتوفيق في الدنيا والآخرة ، وأن يوفقني أن أرد بعض هذا المعروف والفضل الذي يغمرونني به ، وأن يجعل المحبة بيننا خير رابطة ، وأن يديمها ، وألا يجعل للمادة سبيلاً إلى الفرقة ، يا رب ، يا الله .
[align=center]الحرمان من القيلولة!
السبت 22 حزيران 1974م = 2 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
ما ألذ نوم الظهيرة ، وخاصة في مثل هذه الأيام التي أطل الحر علينا فيها وطال النهار , ولكني محروم هذه الأيام من هذه المتعة الضرورية لمواصلة العمل آخر النهار بجد ، فمنذ أيام غير معدودات أتمدد ظهر كل يوم أحاول أن أتخفف من أتعاب أول النهار بغفوة قصيرة , أحاول أن أقلد حالة النائمين ، أغمض عينيّ، أغطي جسدي ، أسكن فلا أبدي حراكاً لعلي أنام , ولكن الأفكار والأوهام كلما هدأت ازدادت وطأتها على عقلي وداخلي , أفكار وأوهام حقاً ، أفكار عن الغربة والبعد عن الأهل ، وأفكار عن الدراسة وما يجب تحقيقه خلال هذا الشهر الآخذ بالنقصان ، استعداداً للامتحان وما بعد الامتحان , وأوهام عن هذه وتلك لا تزال تطاردني ، كلما أردت أن أنام تطن في أذني فتحرمني من لذة نوم النهار ، فآوى إلى الفراش مبكراً في الليل ، ولا أستطيع أن أصل إلى الثانية عشرة إلا بجهد جهيد مع عدم الفهم التام ، ولكن هل أن تلك الموضوعات من الأهمية بحيث تشغل فكري بهذه الدرجة , أيكون هذا حال المؤمن بقضاء الله في الحاضر والمستقبل المطمئن إلى كل ما كتبه الله في هذه الدنيا وفي الآخرة , أتستحق هذه الموضوعات أن ينشغل فيها الفكر هذا الانشغال ، فأظل قلقاً آخر النهار وأول الليل؟ ولكني على ما يبدو غير مخير في هذا القلق ، أو أن هذه الحال قد فُرِضَتْ عليَّ لعوامل عدة , والتفكير في المستقبل أس هذه المشاكل ، ولكن من منا لا يفكر في المستقبل ، أليس التفكير بالموت تفكير بالمستقبل ، وكل ما دون الموت من الأمور تفكير في المستقبل ، وكل تفكير بما بعد الموت تفكير في المستقبل , ولكن الذي يستحق التفكير بالمستقبل إلى الحد الذي يزعج عن النوم هو حال هذه الأمة وحال الإسلام ومستقبل هذه الجموع الضالة من البشر ومستقبل هذه القلة الصابرة المجاهدة من المؤمنين والمسلمين ، اللهم فاجعل جل همنا في ما يرضيك عنا ، ويحقق لنا السعادة في الدارين ، آمين .
[align=center]خُلْفُ الوعد
الاثنين 24 حزيران 1974م = 4 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
من صفات المنافق خُلْفُ الوعد بل من أبغض الصفات الإنسانية ، قد يعدك الرجل في ساعة معينة فتترك أعمالك وتضغط على متطلبات أمورك الحياتية كي تلبي تحقيق الوعد ، فإذا هو يفاجئك بعدم المجيء ، وإذا وقتك قد ذهب سدى من غير فائدة ، ثم هو يظهر لك بعذر تافه ، قد يحدث أن يضطر الإنسان أن يخلف كل مواعيده بسبب المقادير التي لم يحسب حسابها ، والمقابل قد يفهم هذه الظروف ويصفح وتسير الأمور سيراً حسناً , ولكن إذا صار خلف الوعد ديدناً فانفض يدك مرة واحدة ، فلا خيرَ يُرْتَجَى ولا صلاحَ يُتَوَقَّعُ ، الطالب س زارني يوم الثلاثاء الماضي في الشقة بعد أن قدم من الكويت ليؤدي الامتحان معنا ، طلب مني أن نلتقي في الكلية لبعض الأمور في اليوم التالي يوم الأربعاء ، وذهبت إلى الكلية مع نفاسة الوقت الآن ، فإذا هو غير موجود ، وعدت أدراجي إلى البيت ، كنت يوم الخميس مضطراً للذهاب إلى الكلية للحصول على بحثي الذي استعاره المعيد فتحي جمعة ، فإذا به يحدثني عن موعد الأمس ، وأنه حضر إلى الكلية في الواحدة والنصف بعد الظهر ، بينما كان موعدنا أن نلتقي الساعة الحادية عشرة ، وفي أثناء ذلك التقينا بالدكتور عبد الصبور شاهين وحدثه س عن تأخره في فهم جدول الرموز الصوتية الدولية ، فطلب الدكتور أن ندرسه سوية ، مع ضعفي في ذلك ، ولكني على ما يبدو أحسن حالاً منه , واتفقنا أن نلتقي هذا اليوم الاثنين وشَدَدْتُ الرحال منذ الصباح ، ووصلت إلى الكلية وانتظرت الطالب س ولم يحضر ، بحثت عنه هنا وهناك فلم أجده ، بيته قريب من الكلية ذهبت إلى البيت فلم أجده ، وذَهَبَتْ فترة الصباح هباء ، ولكن ربما كان مشغولاً حقاً ، ولكنه أخلف الموعد مرتين .
[align=center]العمل الفدائي
الثلاثاء 25 حزيران 1974م = 5 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
يُرَوِّجُونَ أن حرب أكتوبر كانت انتصاراً أعاد للعرب كرامتهم , ولكن الفلسطينيين دفعوا ثمن هذه الكرامة وحدهم ، فقد مات من العرب في الحرب من مات وحَيَّ مَن حَيَّ , ولكنهم يموتون كل يوم على جبهة سوريا ، تم فصل القوات واختفى العمل الفدائي على حدود سوريا ، كان هذا على ما يبدو من بنود الاتفاق ، وظل الفلسطينيون في لبنان يعيشون في مخيماتهم لا توفر الحكومة اللبنانية الحماية لهم ، وهم غير قادرين على حماية أنفسهم ، وبعد زيارة نيكسون وعودته من الشرق الأوسط استأنفت إسرائيل قصف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بوحشية وعنف ، وكأنها أخذت أذناً من نيكسون على مثل هذا الإجرام , قصفت لأيام متتالية المخيمات في لبنان بالطائرات وقنابلها وصواريخها ، وكانت الإعلانات تشير إلى مئات المصابين ، وإسرائيل تقول إنها ستحارب الإرهاب في كل مكان ، ومصر تتهدد وتتوعد بأن عمل إسرائيل سيخل بشروط اتفاقيات السلام وفصل القوات ، وإسرائيل غير آبهة , ومن بعيد ليبيا والكويت والسعودية وغيرهم يضعون إمكانياتهم تحت تصرف المقاومة ولبنان ، ولا أثر يذكر لذلك ، تكتفي لبنان بمطالبة مجلس الأمن بعقد الجلسات التي تكررت وطالت مما أفقدها كل أمل يمكن أن يعلق بها ، والفلسطينيون يرفضون إلا أرضهم وديارهم , وهم غير قادرين ويجاهدون بأموالهم إن كانت لهم أموال وبأنفسهم ، فقد نفذوا خلال الشهور القليلة الأخيرة عمليات استشهادية بمجابهة القوى الإسرائيلية في وضح النهار يقتلون ويأسرون ثم يستشهدون آخر النهار ، كان آخر عملية لهم اليوم في نهاريا عندما قتلوا ثلاثة أو أكثر ، وهذا هو ما يثير الرعب في قلوب اليهود .
[align=center]قلق من مواد الامتحان
الأربعاء 26 حزيران 1974م = 6 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
اليوم خاصة بدأت أشعر أني أضحيت في العراء أو أني أقف على صخرة قد لفحتها شمس الصيف , فقد بدا لي المنهج المطلوب أداء الامتحان فيه صعباً واسعاً كثير التعقيد ، وخاصة بعد أن حدد الدكتور بشر المادة المطلوبة في الامتحان من المواد التي حاضر لنا فيها خلال السنة , كنت آمل أنه سيحذف لنا بعض موضوعات المذكرة التي ألقاها إلينا في نهاية العام ، وانتظرنا مجيء المعيد محمد حبلص ، وجاء وكان اليوم تحديد المادة ، فإذا هي المذكرة من غير حذف حرف واحد منها ، إضافة إلى ثمانية بحوث كان قد ذكر لنا منها أسماءها فقط في بداية العالم الدراسي هذه البحوث فهمنا أن الطالب يختار واحداً ليكتب فيه بحثاً يقدمه ، وكَتَبْتُ وكتبوا ، ولكن اليوم تبين أنها كلها مطلوبة في الامتحان وأن أيًّا منها ربما جاء فيه سؤال , الحق أنني عندما وقفت على تحديد مادة د. بشر كدت أفقد توازني وعدت إلى البيت كسير القلب وبدأت أفكر في الفشل ، هذا الفشل الذي تراودني فكرته كل لحظة وعندما أقرأ كل سطر , لو كنت في العراق وفشلت في امتحان لكان ذلك شبه مقبول ، ولكني هنا بعد كل تلك الأتعاب وبعد ذلك الفراق المر أفشل وأعود إلى الأهل بخفي حنين , ولكن أملي بالله عظيم ، اللهم فلا تضيع لي تعباً ولا تخيب رجائي فيك ، اللهم إن كان نجاحي خيراً فاكتبه لي ، وإن كان غير ذلك فاكفني شر العواقب ، عدت إلى البيت منهكاً وأنا أفكر في هذه المواد التي أشعر أنها تكاثرت وصعبت ، وحاولت أن أغفو إغفاءة يسيرة وإذا بحلم يزعجني من النوم إلى حد البكاء فاستيقظت فزعا لأواجه الأمر من جديد.
[align=center]مَأْدُبَةُ الهموم
الخميس 27 حزيران 1974م = 7 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
لا يعدل نوم الظهيرة شيء بجانب الراحة النفسية للإنسان ، فإذا كنت قد حُرِمْتُ نوم الظهيرة منذ أيام عديدة فإني بدأت أُحْرِمُ من الراحة الداخلية عندما بدأت الأفكار والأوهام تزدحم في ذاكرتي والآمال والآلام تأخذ طريقها إلى عقلي ، فأنا مشغول ساعة راحتي هذه الأيام بالأفكار والأوهام عن الفشل والنجاح ، فبدأت بدلاً من أن أغفو ساعة الظهيرة أفكر خلال تلك الساعات ، وكأن تلك الأفكار تعقد مَأْدُبَةً وقت الظهيرة حتى إنها لتضايقني ، وزاد الطين بلة خبر الأمس عند تحديد مادة مناهج البحث ، فإن البحوث الثمانية التي أضيفت على المذكرة المطبوعة أخذت تثير في نفسي الهموم وتبعث في نفسي القلق والحيرة من نتيجة هذا الامتحان ، بل إن خيبتي أخذت تزداد من نتيجة الامتحان ، وكأني خلال هذا الشهر دخلت بداية قبو طويل أوله مظلم ، وكلما خطوت خطوة اشتد الظلام ولم أزل أخطو في الظلام ، ولعل نهاية الامتحان تكون سعيدة ، فأخرج من الناحية الثانية إلى النور ، وإلا ظللت في ذلك الظلام حتى يأذن الله أو أهلك ! حقيقة صار لدي يقين أن الامتحان أشر ما في هذه الدنيا هذا في موازين الدنيا ، ولكن أليست الدنيا امتحاناً , إنها امتحان طويل ، ولكنا غافلون عن ذلك ، فلا فرق بين امتحان الدراسة وبين امتحان الدنيا سوى أن نتيجة هذه قريبة ونتيجة تلك تبدو بعيدة ، لكنها في الحقيقة أقرب من لمح البصر {الذي خلقَ الموتَ والحياةَ ليبلوَكُم أيُّكم أحسنُ عملاً} [الملك ٢ ] ، ولكنه ( غفور رحيم ) ، أما امتحان الدنيا فإن أقزام البشر يبدون عمالقة فيه.
[align=center]تخفيف
الجمعة 28 حزيران 1974م = 8 جمادى الآخرة 1394هـ [/align]
لعل الله يجعل هذا اليوم فاتحة خير ونجاة من الهموم التي أخذت تزدحم في صدري , فقد زرت اليوم الدكتور عبد الصبور شاهين صباحاً مع بعض الزملاء الذين يدرسون معي لمراجعة بعض المواضيع معه , إن الدكتور عبد الصبور قد جمع بين العلم والدين ، فكان مثال العالم المتواضع فقد أفسح لنا في بيته وأعطى لنا من وقته مع الطلاقة والبشر , وكان من الأمور التي شرحت نفسي أنه حدد المادة بعد أن كانت واسعة ، إذ كان مطلوباً منا أن ندرس القسم التطبيقي في كتاب القراءات ، أما اليوم فقد حدد فيه المادة بالدراسة النظرية ، فكان لهذا التحديد وقع حسن في نفسي إذ خَفَّفَ الهمومَ التي تثيرها كثرة المادة . وحضرت صلاة الجمعة في جامع قريب من بيت الدكتور عبد الصبور في بداية شارع الهرم تقريباً من جهة ميدان الجيزة ، وألقى خطبة الجمعة الدكتور عبد الصبور نفسه ، فأخذ بالأسماع والقلوب وشدها إليه بقوة ، بعد الظهر أي عصر هذا اليوم ذهبت إلى السيد فتحي محمد جمعة المعيد في الكلية ذهبت إلى بيتهم في شارع الزبيدي بمنشية البكري بمصر الجديدة , كان قد استعار مني بحث الكتابة العربية ليقرأه ، وظهرت الحاجة إليه في امتحان اللغة العبرية والساميات ، وهو يبدو قد انقطع عن الكلية فذهبت إلى البيت ووجدته , لكنه كان عليلاً يشكو من معدته ومن المحتمل أن يُجْرِيَ عملية جراحية لاستئصال الزائدة الدودية ، على كل حال لقيني بكل رحابة ولم أطل المكوث عنده ، وأخذت البحث وكان لديه مع البحث كتاب فقه اللغة المقارن للدكتور إبراهيم السامرائي ، فأهديته له لِمَا أبدى من حاجة إليه ، وعدت أدراجي على أن ابدأ مرحلة جديدة من العمل .
[align=center]منهج المراجعة الأسبوعي
السبت 29 حزيران 1974م = 9 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
منذ يوم 20 من الشهر الجاري حاولت أن أضع منهجاً أسير عليه في الدراسة ، وهذا المنهج يتيح لي إعادة قراءة المواد قراءة جدية كل أسبوع مرة أي أن المنهج أسبوعي : السبت والأحد لدراسة مادة القراءات القرآنية وجدول الرموز الصوتية , الحقيقة أن موقفي من هذه المادة جيد تقريباً من الرموز الصوتية خاصة , ويوم الاثنين لدراسة اللغة الانجليزية ، وهو وقت كثير على هذه المادة ، ولكني أحاول فهمها فهماً جيداً حتى لا تكون معوقاً جانبياً , ويوما الثلاثاء والأربعاء لمادة مناهج البحث ، وهي مادة معقدة وزاد في تعقيدها أستاذها حين فرض علينا دراسة ثمانية بحوث مع المذكرة المطبوعة ، وهذان اليومان غير كافيين لدراسة المذكرة دارسة جيدة مع ثمانية بحوث ، وعليه فإني أحاول أن أسترق بعض الوقت من الدروس الأخرى لأغطي ما تحتاج إليه دراسة هذه البحوث من وقت , وهذه المادة تشغل حيزاً واسعاً من تفكيري وتستأثر بالقسط الأكبر من اهتمامي , ويوم الخميس مخصص لدراسة مادة اللغة العبرية والساميات وكل ما لدينا في هذه المادة مقالتان : الأولى لأستاذ المادة د. الجرح ، وهي دراسة مقارنة عن الضمائر في العبرية والعربية ، والثانية دراسة لصيغ الزوائد في اللغات السامية (للدكتور إبراهيم أنيس) ، ويمكن في هذا الموضوع الأخير أن نستفيد من محاضرات الدكتور الجرح للفرقة الثالثة بكلية دار العلوم عن الفعل في اللغتين العربية والعبرية ، إضافة إلى هاتين المقالتين فإن كل طالب منا مطالب بالبحث الذي كتبه ، وكنت قد كتبت بحثي في أصل الكتابة العربية ، هذا من حيث التقسيم الأسبوعي للمواد ، وأما من حيث الوقت الذي أقضيه في دراسة كل مادة خلال اليوم الكامل فأحاول ألاّ يقل عملي عن ثماني ساعات ، وهي موزعة بصورة تقريبية أربع ساعات في الصباح واثنتان عصراً حتى الغروب واثنتان في الليل ، وإن كانتا أضعف ساعات الدراسة صفاء ، لأن النعاس يداهمني مبكراً دائماً ، ومن الله العون .
[align=center]الساعة
الأحد 30 حزيران 1974م = 10 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
الساعة هي تلك الآلة الصغيرة أو الكبيرة التي نُقَسِّمُ بها اليوم إلى أربعة وعشرين جزءاً , وهي الآن منتشرة انتشاراً كبيراً بين الناس حتى الفقراء يطمحون إلى تعليق الساعة بأيديهم كأنما صارت حاجة حياتية ضرورية ، والساعات أنواع فمنها ما يعلق باليد ، ومنها ما يخفى في الجيب ، ومنها ما يوضع على المنضدة ، ومنها ما يعلق على جدران البيوت والمحلات , ومنها ما يعلق برؤوس الأبراج ، ومنها ما يبسط على وجه الأرض ، الساعات صارت كثيرة الأنواع ، ولكن لماذا كل هذه الساعات , هل الساعة نعمة للإنسان أم أنها نقمة ؟ لابد أنها نعمة إذ لولا أنها كذلك لما كان هذا شأن انتشارها , فقد أصبح الناس يعدون حياتهم بالثواني , الاستيقاظ الساعة الفلانية ، والفطور الساعة الفلانية ، صلاة الفجر الساعة الفلانية ، والشروق الساعة الفلانية ، نهاية العمل الساعة كذا ، والخروج للفسحة الساعة كذا ، والعودة مساءً .. والنوم .. كل الأعمال أضحت مرتبطة بالساعة , وخير شاهد على ذلك أني كدت أفقد توازني لما فقدت ساعتي توازنها ، وكثيرا ما ظللت في حيرة من أمري ، فساعتي منذ أيام أخذت تخلط في عملها مرة تقف وأخرى تسرع ، وأنا بين هذا وذاك موزع ، أحاول أن أتبين الوقت الصحيح لعلي أنجز الأعمال على ضوء ذلك ، فقد جعلت وقتي خاصة وأنا في هذه اللحظات الحرجة من وجودي في القاهرة في أيام الإعداد للامتحان جعلت اليوم أقساماً ، أبدأ الدراسة في الثامنة صباحاً وأستمر مع فترة راحة حتى الواحدة ، ثم انقطع إلى الساعة الخامسة لأبدأ حتى الغروب ، وفي الليل أقرأ ساعة أو ساعتين .. ومنها أوقات الصلاة لم أعـد أضبطها .. الساعة ضـرورة الآن ، رغم أنها تَعُدُّ علينا أعمارنا .
[align=center]مذكرات شهر حزيران 1974م[/align]
إذا كنتُ قد وقفت عند نهاية شهر حزيران اليوم فإن نفسي تتوق بفارغ الصبر إلى نهاية شهر تموز ، إن جعل الله فسحة في العمر ، حتى أصل نهاية هذا الشهر , فقد قضيت الشهر المنقضي حزيران في عناء مع الكتب هي ليست كثيرة ولكن مادتها تبدو مستعصية ، كنت طوال هذا الشهر أحاول أن أركز الجهود لدراسة المحاضرات في المواد الأربع ، ولكن يبدو أني لم أحقق شيئاً ذا بال , وبدا لي أن المحاضرات المطلوبة قد تعقدت أكثر عندما أضاف د. بشر البحوث الثمانية إلى مادة الامتحان ، وضقت بكل هذا ، وخلال هذا الشهر استجدت علي ظاهرة مؤذية وهي أني فقدت النوم وقت الظهيرة ، ذلك النوم المريح المهدئ للأتعاب ، المنشط لعمل الليل ، فصرت أقضي ساعات الظهيرة في دوامة من الأفكار بين أمل النجاح في الامتحان وبين مرارة الفشل ، ولاشك أني سألقى ، وأستجير بالله , سألقى متاعب لا تقل عن متاعب شهر حزيران في شهر تموز الذي أحب أن أسميه الشهر " الأعسر " الحقيقة أنني في لحظات أتفاءل كثيراً وأقول إنني إن شاء الله سأجتاز الامتحان بسهولة ، ولكن هذه اللحظات مجرد برق غمام تزول ليحل محلها الألم والهم ، ماذا لو فشلت إذن سيترك ذلك الفشل في قلبي جرحاً لن تدمله السنون ، فأنا الذي جئت من العراق وتركت قرب الأهل ونعيم الحياة جئت لأحيى في القاهرة حياة الجدب ثم أرجع بعد كل ذلك خائباً ؟ ولكني إن شاء الله سأبذل الجهد المستطاع ، رغم كل الهموم ، لعل الله قد كتب لي النجاح .
[align=center]ساعة جديدة
الاثنين 1 تموز 1974م = 11 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
في يوم 27/6/1971 حضرت احتفال التخرج الذي أقيم لمتخرجي جامعة الموصل للعام الجامعي 1970-1971 ، وكان ما كان من تفوقي وحصولي على تسلسل الأول في كلية الآداب ، والحمد لله ، وحصلت على ساعة هدية من رئيس الجمهورية ، مكتوب عليها ذلك , صناعة سويسرية ، وساعة أخرى وقلمين ، ومنذ أن استلمتها كانت تبدو عليلة , لا شك أنها من نوع جيد ، ولكن فيها علة خفية فكانت تقف عن العمل بين فترة وأخرى ، وكنت أذهب بها إلى بعض المصلحين فيصلحونها تصليحاً خفيفاً لكي تعود إلى عادتها ، وفي الفترة الأخيرة ازداد مرضها ، فأخذت تقف كل يوم أكثر من مرة فسبب لي ذلك بعض المضايقات ، وذهبت بها إلى مصلح القاهرة ، ولكنه طلب أن تبقى عنده ثمانية أيام ، وأجرة التصليح جنيهان , ولكني خشيت من هذه المدة الطويلة ، وخاصة أني أسمع أن من الممكن أن يفك المصلح بعض الأجزاء ويبدلها بأخرى ، وترددت في تسليمه إياها ، وعدت إلى البيت فقلت لماذا لا أفتحها وأغسلها بالبنزين ، إذ إن المصلح قال إنها تحتاج إلى تنظيف ، وقضيت ساعة أو ساعتين في تفكيكها وغسلها ، ولكنه غسل غير جيد ، وبعد ذلك ركبتها وتحركت عقاربها ، واستبشرت خيراً ، لكنها هذه المرة أخذت تسرع أكثر مما يلزم ، فأخذت تقدم في الوقت ساعة كل أربع ساعات أو خمس ، فأقلقني الأمر مرة أخرى , وقلت أسلمها لمصلح آخر ، وبدأت تراودني فكرة أخرى ، وهي أن أشتري ساعة رخيصة لحين رجوعي بعون الله إلى العراق فأسلمها لمصلح أمين ، و نزلت إلى السوق عصر هذا اليوم والفكرتان تدوران برأسي ، وبعد طول تفتيش عثرت على مصلح ، فقال إنه لا يمكنه تصليحها ، وآخر يطلب أن تبقى عدة أيام ، ولكني تذكرت ما يقال ، وأخيراً ذهبت إلى شركة عمر أفندي الحكومية ، واشتريت ساعة جديدة بـ (11,25) جنيهاً من نوع انتيكار ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
[align=center]الطوابير
الثلاثاء 2 تموز 1974م = 12 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
منذ أن نزلت مصر وأنا أشاهد الصفوف الطويلة واقفة أمام محلات المواد الاستهلاكية الحكومية التي تسمى جمعيات ، وهذه الصفوف يسميها المصريون " الطوابير " وكل شيء بالطَّبُور ، ولعل أبرز أسباب هذه الطوابير الاختناقات في توزيع السلع وانقطاع عرضها في السوق بكميات مناسبة فترة طويلة ، فإذا ما نزلت تدافع الناس رجالاً ونساء على أبواب الجمعيات حتى الاختناق للحصول على أكبر قسط منها ، السكر والشاي والدهن والرز والصابون والكبريت (الشخاط) ومواد أخرى غيرها ، كل هذه المواد تتعرض لتلك الظاهرة ، والحكومة تعلن كل يوم عن توفير المواد الاستهلاكية الضرورية للطبقات (المسحوقة) ولكن ذلك مجرد كلام " جرائد " مضى أكثر من أسبوع ونحن نبحث في القاهرة عن علبة كبريت ، ولكن بدون جدوى فقد أوشكت علبة الكبريت التي اشتريناها منذ زمن أوشكت على النفاد ، وإذا نفدت فمعنى ذلك أننا سنظل من غير أكل ولا طعام, والصابون : صابون الملابس نفد من الأسواق هو الآخر ، ونفذ بالنتيجة من البيوت ، ويكاد الوسخ يقتلنا ، وعندما نطلب من الشغالة أن تغسل الملابس الوسخة تتعذر بعدم وجود الصابون ، وليس هذه الظاهرة على ما يبدو وقفاً على مصر وحدها ، فقد شاهدنا في العراق في السنوات الأخيرة هذه الظاهرة ، نعم بصورة غير منتظمة , فإذا كان الناس هنا يقفون بالطوابير فإنهم في العراق يتدافعون من غير نظام ، ولا تزال مناظر التدافع أمام محلات بيع البيض مطبوعة في ذاكرتي، ولا أدري أين يتجه العالم خلال هذه الأزمات الاقتصادية والغلاء المتلاحق .
[align=center]ارتفاع إيجار الشقق
الأربعاء 3 تموز 1974م = 13 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
لا أزال أذكر الأسبوع الأول من نزولي القاهرة , فقد قضيت ذلك الأسبوع مع الأخ خليل في جري دائم طوال اليوم نبحث عن سكن ، كان ذلك في بداية الشتاء ومعنى ذلك أن الشقق ربما تكون متوفرة وبأسعار متهاودة , قبل موسم الاصطياف ، ومع ذلك ظللنا ندور حتى يوم 4/12 حين أجرنا الشقة التي ننزل فيها الآن ، وهي جيدة لا شك وتبين أن إيجارها رخيص بالنسبة إلى غيرها ، رغم أنه (37) جنيها وهي ذات حسنات ، مع عدم خلوها من المساوئ ، المهم أن الله يسر لنا وسكنا خلال أسبوع ، كان ذلك في فصل الشتاء , أما اليوم فالإنسان لا يجد مسكنا إلا بشق الأنفس بكل معنى الكلمة , كان الأخ المهندس أحمد كاظم الراوي قد قدم قبل نهاية الشهر الخامس في دورة تدريبية هنا في المكتب العربي للتصاميم الاستشارية لمدة ستة أشهر ، نزل في بادئ الأمر عندنا وظل منذ نزوله يبحث عن شقة حتى يأجرها انتظاراً لوصول زوجته وأطفاله ، وظل يبحث حوالي عشرين يوماً وأَجَّرَ شقة في مدينة مصر الجديدة بخمسة وخمسين جنيهاً ، وكان الاتفاق لمدة ثلاثة أشهر ، ولكن ظهر له أنها غير ملائمة لهم ، وبدأ يبحث من جديد ، ووجد شقة خلف نادي الصيد ، وأوشك أن يتعاقد مع صاحبها ، ولكنها هي الأخرى غير ملائمة ، ولا يزال يدور وأهله مع أولاده قد وصلوا ، ومشكلة السكن اليوم مشكلة كل وافد إلى مصر، وسبب كل هذا البلاء هم المصطافون وخاصة من الكويت والسعودية ودول الخليج العربي ، فهؤلاء بالإضافة إلى إشغالهم الشقق الكثيرة يرفعون الأسعار ، إذ إن الواحد منهم لا يهمه أن يؤجر الشقة بمئة أو أكثر لمدة شهر يمتع نفسه المتع الحلال والحرام خلالها .
[align=center]
[align=center]مع المهندس أحمد كاظم الراوي – أعلى برج الجزيرة في القاهرة
15/6/1974م[/align]
[align=center]( رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوربا حالياً)[/align]
[align=center]
[align=center]الدكتور أحمد الراوي - صورة حديثة من الإنترت[/align]
[align=center]أقراص مهدئة
الخميس 4 تموز 1974م = 14 جمادى الآخرة 1394هـ [/align]
بدأت علامات الضجر من الدراسة تظهر عليَّ , ولاشك أن ذلك من أسوأ البلايا الآن ، إذ معنى ذلك إضاعة أوقات بدون فائدة , ولكن لا تزال أخطر مشكلة أعانيها وأظن أني لن أفارقها قبل انتهاء الامتحان وهي مشكلة عدم إمكانية النوم عند الظهيرة ، فلا أزال أقضي ثلاث ساعات كل ظهيرة متمدداً من غير نوم ولا عمل ، ثم إني حين أواصل العمل آخر النهار أجد نفسي ضعيفاً ، فلا أستطيع أن أقضي في الليل إلا ساعات قليلة ، والنعاس يغلبني وأنام مبكراً ، لأستيقظ في الصباح التالي متعباً ، ولأبدأ متعباً وأنتهي متعباً ، وتتراكم الأتعاب ، ومن أسباب فقدان نوم الظهيرة ولا شك قرب الامتحان ، والتفكير في مشاكله ونتائجه هو بعض أسباب هذه الظاهرة ، ثم إني نتيجة لذلك بدأت أتذكر الأهل بصورة مستمرة ، وأنا أقرأ تطفر بين السطور ذكرى تنقلي إلى ساحة الدار أو قريباً من مدينتنا , وأخيراً قلت لأستعين بالأقراص المهدئة لعلي أنام في الظهيرة أو أجد تخفيفاً من بعض هذا العناء الذي هو في ازدياد ، واشتريت علبة من تلك الأقراص وتناولتها اليوم ، تناولت حبة واحدة ولكني لم أنم , ولعل الله ييسر وأستمر أحبو في العمل حبواً حتى أصل الامتحان وتتقرر النتيجة ، أنا الآن أخشى أن يتحول هذا الضجر إلى سأم وقنوط ، ثم إلى إهمال للعمل بتلك الحجج ، ولكني لم أزل أحسب لنتيجة الإهمال حسابها وللفشل حسابه ، وكل هذه تدفعني إلى العمل وتلك تجذبني ، وهكذا أنا بين شد وجذب ، والله المستعان .
[align=center]مسجد الجمعية الشرعية
الجمعة 5 تموز 1974م = 15 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
مضيت صباح هذا اليوم إلى بيت الدكتور عبد الصبور شاهين فقد وعدنا أن نلتقي به أنا وزملائي الذين يدرسون معي في قسم علم اللغة في دار العلوم , أمضينا ساعتين عند الدكتور عبد الصبور ، كنا خمسة ، وهناك آخرون لم يحضروا , كنا نناقش بعض الموضوعات في المادة المطلوبة من كتاب الدكتور عبد الصبور (القراءات القرآنية) نقاشاً غير جاد ، بعد ذلك مضينا لسبيلنا ، ولو أننا قبل أن نفترق ناقشنا موضوع البحوث المطلوبة في امتحان الدكتور بشر ، كانت الساعة تقترب من الواحدة ظهراً ، واليوم الجمعة ، كنت في ميدان الجيزة وبالقرب من مسجد الجمعية الشرعية لأنصار السنة المحمدية , فقلت فرصة طيبة لكي أصلي الجمعة في هذا الجامع الذي صليت فيه جمعة من قبل ، هم فعلا يحاولون أن يقتدوا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم, يحاولون أن يصلوا الجمعة كما كانت تصلى في زمانه صلى الله عليه وسلم ، الجامع بسيط لا تظهر عليه آثار الترف والحضارة والنقوش ، فراشه بسيط ، عندما يدخل المصلي لانتظار الصلاة يمكن أن يشغل نفسه بالتسبيح والذكر أو بقراءة القرآن منفرداً من غير أن يرفع صوته ، فليس في الجامع قارئ يقرأ على الناس يوم الجمعة كما نجد في كثير من الجوامع ، وإذا حان وقت الصلاة كان هناك أذان واحد يرتقي بعده الخطيب المنبر من غير أن يصلي الناس سنة قبل الصلاة ، وبعد أن يكمل الخطيب خطبته ينزل وتقام الصلاة ، فإذا كانت السُّنَّة كذلك فلماذا لا تكون سنة المسلمين في كل مساجدهم وكل بلدانهم؟
[align=center]بين التفاؤل واليأس
السبت 6 تموز 1974م = 16 جمادى الآخرة 1394 هـ[/align]
بدأت أعجب من نفسي ومما أجدها فيه من أحوال لا تكاد تستقر على شيء منها ، فهي في عراك دائم مع أفكار شتى كثيرة ، ولا أجانب الواقع حين أقول إن الامتحان وهمومه مبعث كل تلك الأفكار المتضاربة , لا شك في أن الإنسان لا ينقطع على التفكير لحظة في حال يقظته ، ولكنه في أحواله الاعتيادية يفكر بهدوء ومن دون اضطراب ، أما أنا هذه الأيام فكل شيء مختل وغاب عنه رشده ، أقف لحظات فتظلم الدنيا بعيني وأيأس من نتيجة الامتحان ، وأتذكر لحظة وأقول ألا تتقي الله وترضى بقضائه ، إذ إن هذا الامتحان ونتيجته لا تساوي شيئا إلى جانب رحمة الله ورضاه , ولا تدري لعلك حيث الآن أو قريب [؟] فما هذا القلق على المستقبل ، وأهدأ بفضل الله ، ولكن ذلك الهدوء لا يكاد يمضي طويلاً ، ثم أجد نفسي متفائلاً مرة أخرى وكأني قد أديت الامتحان ونجحت وسجلت موضوعاً ويسرح الفكر بعيداً ، هذا عن الامتحان ، أما عن الأهل فلا تكاد تمر لحظة إلا وعرض بخاطري شيء يذكرني بهم ، وهنا أيضا تظلم الدنيا بعيني وأقول هل سأعود وأجدهم ، أجد الوالد والوالدة والإخوة والأخوات والأطفال بخير ، وأحزن وألتجئ إلى الله فراراً من وساوس الشيطان ، وتمضي فترة لأهدأ وأتفاءل ، وهكذا أنا بين التفاؤل والقنوط قد حُرِمْتُ الراحة حتى نوم الظهيرة , اللهم فاجعله آخر امتحان لي في هذه الدنيا .
[align=center]مشكلة في وقت غير مناسب
الثلاثاء 9 تموز 1974م = 19 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
أوشكنا أمس أن نقع في مشكلة ربما لحقنا منها أذى كثير ومتاعب جمة ، ففي يوم الأحد كانت الشغالة أم محمود قد أخطأت بعض الأخطاء أثارت الأخ خليل فانطلق بكلام مفهوم وغير مفهوم كعادته عندما يغضب ، وهو كثيراً ما يغضب , فأثَّرَ ذلك الكلام في نفس الشغالة , كانت سابقاً تسمع مثل ذلك ، ولكن يبدو أنها هذه المرة لم تجد مكاناً في نفسها لاستيعاب ما سمعت ، فما أن انتهينا من الغداء حتى جمعت في صمت كل متعلقاتها وغادرت البيت في هدوء ، وعندما دخلنا المطبخ وجدنا كل شيء في مكانه ، وقد تركت المفتاح على الثلاجة ، وفهمنا أنها غاضبة ، وانتظرنا يوم أمس في الصباح فلم تأتِ ، ومعنى هذا أننا لا بد أن نبحث على شغالة جديدة ، ومعنى هذا أيضاً أن نفتح دورة تعليمية للطبخ والتنظيف والنظام إذا وجدنا من يفهم ، وظروفنا الآن لا تسمح بمثل هذا فأنا مشغول بالإعداد للامتحان والأخ خليل هو الآخر مشغول بكتابة البحث ، وإذا أُهْمِلَتِ الشقة من غير تنظيف يومين أو ثلاث فإنها ستصير خانقة لا تسكن ، وإذا أهملنا أنفسنا وملابسنا فإنا سنمرض من الوسخ ، والأكل هو الآخر مشكلة فكنا إزاء هذا كله مضطرين لطلب أم محمود مرة أخرى ، فذهب أمس الأخ خليل إلى بيتها في السيدة زينب فهو يعرف مكان سكناهم في ذلك الخضم المخيف من التجمع السكاني ، واستطاع أن يقنعها بالعودة أو ربما هي كانت راغبة في ذلك فإنها – والرزق من الله – ربما لا تجد سبعة جنيهات ، وجاءت أم محمود صباح هذا اليوم كالمعتاد ، وانتهينا من التفكير في المشكلة ، والحمد لله .
[align=center]تراكم الأتعاب
الأربعاء 10 تموز 1974م = 20 جمادى الآخرة 1394هـ[/align]
الحمد لله , قد تعبت وبدأت أشعر أن التعب في ازدياد ، وليس تعب الدراسة حسب بل هناك أتعاب أخرى لعل الدراسة مبعثها كلها أو جلها ، فقد مضى الآن ما يقرب من شهرين وأنا شبه منقطع للمراجعة في البيت ، ولا أكاد أخرج إلا في أوقات محدودة ، ولولا رحمة الله إذن لشعرت بأن الشقة قد صارت سجناً , ولكن عندما أتذكر حال بعض الطلبة الوافدين وظروفهم والفنادق القذرة وصعوبة العيش أهدأ قليلاً , ورغم ذلك فإن مواصلة الدراسة على مدى شهرين وبأسلوب منفرد لا شك أن ذلك يبعث السأم ، بالإضافة إلى الأتعاب المتراكمة وهموم الامتحان .. وأفكار المستقبل ، في هذه الأيام كثيراً ما أقف وأقطع المذاكرة لفكرة عرضت لي فجأة ، وهي في غير وقتها لا شك ، وأغلب الأفكار التي تدور في ذهني الآن هي حول الموت ، وإن كانت هذه الفكرة والحمد لله قد اتضحت جوانبها في خاطري واتضح موقفي إزاءها ، ثم السفر إلى الأهل ، وأنا لم أمتحن بعد ولم أنجح ولم أسجل موضوعاً ، ولكن هذه الأفكار ترغمني على الوقوف عندها وتكون مثار أسئلة في نفسي ، فتزيد الأتعاب النفسية وتُدِيمُ الأتعاب البدنية دون أن تكون عاملاً في تخفيفها .. أدعو الله تعالى أن ييسر لي خلال هذه الأيام العشرة الباقية حتى لا تحدث انحدارات تؤدي بكل الأتعاب وتذهب بكل الآمال , فلا شك في أن الأتعاب هي سبيل النجاح ، ولكني أخشى من الأتعاب التي تحطم ذلك الأمل ، خاصة أن المدة قد طالت، والهموم قد كثرت .
نشرت هذه الحلقة يوم الجمعة 5/3/1431هـ
ــــ الحواشي :ــــــــــــــــ
(1) كنت أحسب أن دراسة الدكتوراه ليس فيها سنة دراسية تمهيدية ، وإنما تبدأ بتسجيل الموضوع مباشرة ، كما كان معمولاً به في كلية دار العلوم ، وكليات أخرى في مصر ، ولكني حين التحقت بدراسة الدكتوراه سنة 1982-1983 في كلية الآداب بجامعة بغداد درسنا فصلين دراسيين وفي نهاية كل منهما امتحان ! قبل تسجيل موضوع الأطروحة.
الحلقات السابقة :
1- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الأولى)
2- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الثانية)
3- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الثالثة)
4- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الرابعة)
5- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الخامسة)